بدأت الهند، الجمعة، انتخاباتها العامة الممتدّة على ستة أسابيع والتي يبدو فوز رئيس الوزراء الهندوسي القومي ناريندرا مودي مؤكّداً فيها، أمام معارضة متعثّرة.
منذ الصباح الباكر تشكّل طابور انتظار طويل أمام مركز الاقتراع في هاريدوار، وهي من أولى المدن التي بدأ فيها التصويت وتعدّ مدينة مقدّسة في العقيدة الهندوسية تقع على ضفاف نهر الغانج.
وقال غنغا سينغ، وهو سائق عربة «ريكشا» يبلغ (27 عاماً): «أنا سعيد بالمنحى الذي ينحاه البلد، وأدلي بصوتي وفي بالي ازدهار بلدي وليس رفاهي الشخصي».
أما غابار تاكور الذي يعمل مصوّراً للسياح، فلم يخفِ ما يساوره من «غضب إزاء الحكومة»، مندّداً بـ«ازدهار مزعوم لم يصل إلى حيث» يعيش.
وصرّح أوداي بهارتي (59 عاماً) بأن «مودي صان حماية بلدنا وعقيدتنا. ونحن هنا لنضمن أن مودي سيواصل هذا العمل الحسن».
وحثّ ناريندرا مودي الناخبين في الاقتراع الممتدّ لسبع مراحل على «ممارسة حقّ التصويت بأعداد قياسية»، لا سيّما الشباب والذين يصوّتون للمرّة الأولى في حياتهم.
وصرّح، عبر منصة «إكس»، بأن «كلّ تصويت له قيمته وكلّ صوت له أهمّيته».
الضرب على الوتر الديني
أمّا حزب المؤتمر، أبرز الأحزاب المعارضة، فذكّر الناخبين، على منصة «إكس»، أيضاً بأن «من شأن تصويتهم أن يضع حدّاً للتضخّم والبطالة والكراهية والظلم»، مردّداً: «احرصوا على التصويت»، و«لا تنسوا أن تدلوا بأصواتكم».
وفي المجموع، سيُدعى 968 مليون هندي لانتخاب 543 نائباً في الغرفة الدنيا في البرلمان؛ أي أكثر من عدد السكان الإجمالي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا مجتمعين.
وانتهت المرحلة الأولى من الانتخابات، يوم الجمعة، عند الساعة 18:00 بتوقيت الهند (12:30 بتوقيت غرينيتش)، قبل المراحل الست التالية بين 26 أبريل (نيسان) والأوّل من يونيو (حزيران).
وجرت العملية الانتخابية بلا مشاكل تُذكر عموماً، ما عدا في ولاية مانيبور التي تشهد نزاعاً إثنياً؛ إذ تعرّض مكتب اقتراع لإطلاق نار من مهاجمين لم تحدّد هويّاتهم.
والعام الماضي، شهدت هذه الولاية النائية التي تمزّقها انقسامات بين الغالبية الهندوسية «مايتي» وجماعة «كوكي» المسيحية بأغلبيتها معارك عنيفة تسببت بنزوح آلاف الأشخاص.
وستفرز الأصوات في كل أنحاء البلد في الرابع من يونيو (حزيران). وعادة ما تعلن النتائج في اليوم ذاته. وما زال ناريندرا مودي (73 عاماً) يحظى بشعبية كبيرة بعد ولايتين زادت خلالهما الهند من نفوذها الدبلوماسي وثقلها الاقتصادي.
وأفاد استطلاع للرأي صدر عن معهد «بيو» العام الماضي بأنّ 80 في المائة من الهنود لديهم نظرة إيجابية حيال مودي بعد قرابة عقد في السلطة.
وحقّق لحزبه «بهاراتيا جاناتا» المعروف اختصاراً بـ«بي جاي بي» فوزين ساحقين في 2014 و2019، من خلال اللعب على الوتر الديني في أوساط الناخبين الهندوس.
وهذا العام، دشّن مودي في مدينة أيوديا معبداً كبيراً لـ«الإله رام» أنشئ على موقع مسجد عمره قرون دمره هندوس متطرّفون. وحظي هذا الحدث بتغطية إعلامية واسعة النطاق وأقيمت احتفالات عامة في كل أنحاء الهند.
«خداع»
يعد موكيش دوبي، وهو كاهن في معبد هندوسي صغير في هاريدوار، أن لعب حكومة مودي على الوتر الديني هو «خداع» يهدف إلى صرف الانتباه عن أكثر الصعوبات خطورة وإلحاحاً التي تواجهها الهند، مع وجود الملايين من الشباب من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل.
وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الهدايا الدينية لا فائدة منها إذا «لم يكن لدى الناس عمل ولا طعام». لكن المحللين يعدون أن مودي هو الفائز في الانتخابات بحكم الأمر الواقع؛ نظراً إلى أن ائتلاف أحزاب المعارضة لم يسمّ بعد مرشحه لمنصب رئيس الوزراء. وتعزّزت فرص فوزه بفعل عدّة تحقيقات جنائية في حقّ معارضيه.
فالحسابات المصرفية لحزب «المؤتمر» مجمّدة منذ فبراير (شباط) بسبب خلاف حول إقرارات الإيرادات يعود إلى خمس سنوات.
ويُلاحق راهول غاندي (53 عاماً) الذي يعدّ أبرز شخصية في المعارضة، بنحو عشر دعاوى قانونية تمضي إجراءاتها ببطء. ويتهمه مسؤولون في حزب «بهاراتيا جاناتا» بالتشهير.
ويتّهم غاندي من جانبه الحكومة بالتسبب في تراجع الديمقراطية، وينتقد تبنّيها للمعتقد الديني للغالبية في الهند البالغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة على حساب أقليات كبيرة، ولا سيما 210 ملايين مسلم يشعرون بالقلق على مستقبلهم.
وعلّقت عضويته في البرلمان مؤقتاً العام الماضي بسبب إدانته بتهمة التشهير.
وفي مارس (آذار)، صرح غاندي رئيس حزب «المؤتمر» الذي تولّى كلّ من والده وجدّه ووالد جدّه منصب رئيس الوزراء: «ليس لدينا المال للقيام بحملتنا الانتخابية، ولا يمكننا دعم مرشحينا. لقد ضعفت قدرتنا على خوض المعركة الانتخابية».
خامس قوّة اقتصادية
وجاء في تقرير صدر الأربعاء عن جمعية «CIVICUS» الحقوقية أن ولايتَي مودي شهدتا «نموذجاً للقمع يقوم على نسف الديمقراطية والحيّز المدني».
ولم يعد حزب «المؤتمر» الذي حكم البلد بلا انقطاع تقريباً طوال عقود بعد استقلال الهند سوى ظلّ ما كان عليه، وهو لا يشارك في السلطة إلا في ثلاث ولايات من أصل 28 ولاية.
وقد شكّل زعماؤه تحالفاً مع أكثر من عشرين حزباً محلياً لمواجهة حزب «بي جاي بي» واستراتيجيته الانتخابية المحكمة والمموّلة بسخاء. غير أن التحالف يتخبّط في خلافات حول تقاسم المقاعد، وقد انسحب منه أحد زعمائه مؤيّداً الحزب الحاكم.
ويتّهم التكتّل حكومة مودي باستخدام القضاء لإبعاد بعض زعماء المعارضة الذين تستهدفهم تحقيقات جنائية بمن فيهم رئيس وزراء نيودلهي أرفيند كيجريوال الذي قُبض عليه في مارس الماضي بعد اتهام حزبه بمزاعم فساد مرتبطة بسياسة المشروبات الكحولية في المدينة.
وإبان حكم مودي، أصبحت الهند خامس اقتصاد في العالم متقدّمة على المملكة المتحدة، القوة الاستعمارية السابقة. ويتقاطر زعماء الغرب إلى الهند لكسب ودّ هذا الحليف المحتمل في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي، وذلك بالرغم من تحذيرات المدافعين عن حقوق الإنسان من تراجع حرّية الصحافة فيها.
ومنذ وصول مودي إلى السلطة في 2014، تراجعت الهند 21 مرتبة في التصنيف العالمي لحرّية الصحافة الذي تعده «مراسلون بلا حدود» لتحتل المرتبة 161 بين 180 بلداً.