باكستان تواجه تهديداً إرهابياً متعدد الأوجه على حدودها الغربية

رغم أن الهجمات باتت شبه يومية لكنها أكبر وأكثر تعقيداً

مقاتلو «داعش - خراسان» في أفغانستان (وسائل إعلام أفغانية)
مقاتلو «داعش - خراسان» في أفغانستان (وسائل إعلام أفغانية)
TT

باكستان تواجه تهديداً إرهابياً متعدد الأوجه على حدودها الغربية

مقاتلو «داعش - خراسان» في أفغانستان (وسائل إعلام أفغانية)
مقاتلو «داعش - خراسان» في أفغانستان (وسائل إعلام أفغانية)

يواجه المجتمع الباكستاني تهديداً إرهابياً قوياً ومتعدد الأوجه على حدوده الغربية. ولا يمكن اختزال التهديد بإلقاء اللوم على تنظيم إرهابي واحد مثل حركة «طالبان» الباكستانية. ولا ينبع التهديد فقط من حقيقة أن الهجمات الإرهابية باتت شبه يومية، فهي أكبر وأكثر تعقيداً من ذلك بكثير.

مواطنون يحيون بعضهم بعد صلاة عيد الفطر في كراتشي بباكستان 10 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

ففي غرب باكستان، تولت حركة «طالبان» الأفغانية، وهي تنظيم مسلح إرهابي سابق، زمام إدارة شؤون البلاد. الآن يمتلك التنظيم جيشاً ولديه آلية دولة تحت سيطرته، ويسيطر على مناطق ضخمة تدر إيرادات من الاقتصاد الزراعي تحت سيطرته.

مقاتل من «طالبان» يحرس مكان تنفيذ عمليات الإعدام بإجراءات في كابل (متداولة)

ولإعطاء نبذة عن نوع وآلية منظومة «طالبان باكستان» التي يديرها، جيشه النظامي فلديه كتيبة من الانتحاريين، يجري نشرها في الوقت الحالي بالقرب من حدود أفغانستان مع دول آسيا الوسطى.

وتلعب استخبارات «طالبان»، التي يسيطر عليها وزير داخليتهم سراج الدين حقاني، دور المضيف للجماعات المسلحة الأجنبية - التي جاءت بالأساس من دول مجاورة مختلفة لكنها تتخذ من أفغانستان مقرا لها منذ عقود. تدير الاستخبارات الأفغانية حالياً هذه الجماعات المسلحة الأجنبية ومقاتليها وفقاً لطبيعة علاقات «طالبان» الأفغانية مع بلدهم الأصلي. على سبيل المثال، لا تتمتع حركة «طالبان» الأفغانية بعلاقات جيدة مع طاجيكستان، لذلك تتمركز الجماعات المسلحة الطاجيكية بالقرب من حدود أفغانستان مع طاجيكستان، وقد تم تزويدها بأحدث الأسلحة التي خلفتها القوات الأميركية قبل انسحابها.

والحدود الغربية لباكستان غير مستقرة بدرجة كبيرة لأسباب أخرى. فهناك جيوب تشدد متجذرة بعمق ومجموعة من المقاتلين الذين ينجذبون إلى جماعات إرهابية أكثر تطرفاً وأكثر فتكاً وفي طور تحول الولاء نحو نجم الإرهاب والتطرف الصاعد، في المناطق الحدودية الباكستانية الأفغانية، حمل الجيل الثالث من المسلحين السلاح ضد الجيوش الإقليمية الأخرى منذ فترة الغزو السوفياتي لأفغانستان.

مواطنون يحيون بعضهم بعد صلاة عيد الفطر في كراتشي بباكستان 10 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

أولاً، قاتلوا ضد الدولة الشيوعية والجيش السوفياتي بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والأجهزة الأمنية الباكستانية، وكانت هناك فترة من الحرب الأهلية تقاتلت فيها الجماعات المسلحة فيما بينها. وبعد ذلك، غيّر التطرف اتجاهه وحمل السلاح ضد القوات الأميركية التي غزت أفغانستان عام 2001 وحلفائها - الجيش الباكستاني وأجهزة الاستخبارات التي قدمت الدعم اللوجستي والاستخباراتي للولايات المتحدة. لذلك، تجمعت لدى هذا الجيل الثالث من المسلحين خبرة القتال ضد 3 جيوش من أحدث الجيوش تسليحاً، بمن فيهم السوفيات والأميركيون والباكستانيون.

تحول استراتيجي منذ الانسحاب الأميركي

إجراءات أمنية مع وصول الناس لأداء صلاة عيد الفطر في كراتشي (باكستان) 10 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

وثمة تحول استراتيجي آخر في الوضع منذ الانسحاب الأميركي، حيث حمل مسلحو الجيل الثالث من هذه المنطقة السلاح ضد الدولة والجيش الباكستانيين. ليس هناك وجود عسكري أجنبي في المنطقة للحد من التجمع الكبير للمسلحين الذين يعملون في باكستان وأفغانستان.

وغادر الأميركيون ولا يبدو أن أياً من القوى العسكرية الإقليمية مثل الصين وروسيا وإيران لديها الرغبة في إرسال قوات إلى أفغانستان.

ضابط شرطة يقف للحراسة مع وصول الناس لأداء صلاة عيد الفطر في كراتشي بباكستان 10 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

وهناك مؤشرات على أن القوى العسكرية الإقليمية هذه تريد استخدام «طالبان» الأفغانية وكيلاً لها للحد من صعود الجماعات المسلحة السنية الأكثر تطرفاً والأكثر فتكاً في أفغانستان.

وتكمن المشكلة في أن العلاقات بين «طالبان» الأفغانية وهذه القوى العسكرية الإقليمية لم يكن لها تأثير تحولي يُذكر على طبيعة وخصائص «طالبان» الأفغانية.

التخلي عن المنظمات المسلحة

ولم تستعد «طالبان» الأفغانية بعد عن التخلي عن المنظمات المسلحة السنية والإرهابية التي كانت موجودة في أفغانستان حتى قبيل توليها السلطة في كابل في أغسطس (آب) 2021. على سبيل المثال، لا يزال فصيل في «طالبان» الأفغانية يسهم في تحريك «طالبان» الباكستانية وهجماتها الإرهابية على قوات الأمن الباكستانية.

ولا تزال استخبارات «طالبان» الأفغانية تستضيف قادة ومقاتلي «طالبان» الباكستانية في أفغانستان. وتمتلك التنظيمات الإرهابية والمسلحة التي تقاتل الدولة والجيش الباكستانيين نظاماً إقليمياً كاملاً يغذيه لينمو ويتوسع ويواصل نشاطه الإرهابي.

ضابط شرطة يقف للحراسة مع وصول الناس لأداء صلاة عيد الفطر في كراتشي بباكستان 10 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

ولا يحتاج أي شخص على دراية بهذا النظام البيئي إلى بذل الكثير من الجهد لفهم أن بيئة الإرهاب هذه لن تختفي بمجرد تدمير شبكة الإرهاب التي نطلق عليها «طالبان» الباكستانية.

مواجهة وضع أمني معقد

يقول الخبراء إن هناك مجموعة من المسلحين والمقاتلين من أبناء هذا النظام البيئي يقومون بسحق شبكة إرهابية لينضموا لأخرى. وتواجه باكستان وضعاً أمنياً معقداً، حيث يصبح خسارة جماعة إرهابية مكسباً لجماعة إرهابية أخرى. يُذكر أن تنظيم «داعش - خراسان» بدأ مسيرته في المنطقة عندما انفصلت جماعة سلفية في شرق أفغانستان كانت مرتبطة سابقاً بـ«طالبان» الأفغانية عن المنظمة الأم وانضمت إلى صفوف تنظيم «داعش - خراسان» الذي بدأ للتو التجنيد عام 2014.

ويعني هذا أن خسارة «طالبان» الباكستانية ستكون مكسباً لتنظيم «داعش - خراسان» في الأراضي الباكستانية وفي أفغانستان، مما يزيد بدوره من مشاكل باكستان الأمنية.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

نائبة الرئيس الفلبيني تتوعده بالاغتيال إذا تم قتلها

TT

نائبة الرئيس الفلبيني تتوعده بالاغتيال إذا تم قتلها

نائبة الرئيس الفلبيني سارة دوتيرتي (رويترز)
نائبة الرئيس الفلبيني سارة دوتيرتي (رويترز)

أعلنت نائبة الرئيس الفلبيني سارة دوتيرتي اليوم (السبت) أنها أمرت شخصاً بقتل الرئيس فرديناند ماركوس جونيور في حال تم اغتيالها، ما دفع المكتب الرئاسي إلى التعهد «باتخاذ لإجراء المناسب الفوري»، وفقاً لشبكة «سي إن إن».

في إشارة دراماتيكية إلى الخلاف المتزايد بين أقوى عائلتين سياسيتين في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، قالت دوتيرتي في مؤتمر صحافي إنها تحدثت إلى قاتل مأجور، وأمرته بقتل ماركوس وزوجته ورئيس مجلس النواب الفلبيني إذا تعرضت للاغتيال.

قالت دوتيرتي في الإحاطة المليئة بالشتائم: «لقد تحدثت إلى شخص. قلت له (إذا قُتلت، اذهب واقتل بي بي إم (ماركوس)، والسيدة الأولى ليزا أرانيتا، ورئيس مجلس النواب مارتن روموالديز)... لا مزاح... قلت له ألاّ يتوقف حتى يقتلهم».

كانت نائبة الرئيس ترد على أحد المعلقين عبر الإنترنت الذي حثها على البقاء آمنة، قائلاً إنها كانت في أرض العدو، حيث كانت في الغرفة السفلى من الكونغرس طوال الليل. لم تذكر دوتيرتي أي تهديد مزعوم ضدها.

الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور (أ.ب)

ورد مكتب الاتصالات الرئاسية ببيان قال فيه: «بناءً على بيان نائبة الرئيس الواضح الذي لا لبس فيه بأنها تعاقدت مع قاتل لاغتيال الرئيس إذا نجحت مؤامرة مزعومة ضدها، أحالت السكرتيرة التنفيذية هذا التهديد النشط إلى قيادة الأمن الرئاسي لاتخاذ إجراء مناسب فوري... يجب دائماً التعامل مع أي تهديد لحياة الرئيس على محمل الجد، خاصة أن هذا التهديد تم الكشف عنه علناً بعبارات واضحة ومؤكدة».

وتابعت نائبة الرئيس في الإحاطة: «هذا البلد ذاهب إلى الجحيم لأن شخص لا يعرف كيف يكون رئيساً وكاذب، يقوده».

وفي يونيو (حزيران)، استقالت دوتيرتي، ابنة سلف ماركوس، من مجلس الوزراء بينما ظلت نائبة للرئيس، مما يشير إلى انهيار التحالف السياسي الهائل الذي ساعدها وماركوس في تأمين انتصاراتهما الانتخابية في عام 2022 بهامش كبير.

وتُعدّ تصريحات دوتيرتي الأخيرة الأحدث في سلسلة من العلامات القوية للعداء في السياسة الفلبينية. في أكتوبر (تشرين الأول)، اتهمت ماركوس بعدم الكفاءة، وقالت إنها تخيلت قطع رأس الرئيس.

العائلتان على خلاف بشأن السياسة الخارجية والحرب القاتلة التي شنها الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي على المخدرات، من بين أمور أخرى.

في الفلبين، يتم انتخاب نائب الرئيس بشكل منفصل عن الرئيس وليس لديه مهام رسمية. وقد سعى العديد من نواب الرؤساء إلى المساهمة في أنشطة التنمية الاجتماعية، في حين تم تعيين بعضهم في مناصب وزارية.

وتستعد البلاد لانتخابات التجديد النصفي في مايو (أيار)، والتي يُنظر إليها على أنها اختبار حاسم لشعبية ماركوس وفرصة له لتعزيز سلطته وإعداد خليفة له قبل انتهاء فترة ولايته الوحيدة التي تبلغ ست سنوات في عام 2028.