انقسامات داخل قيادة «طالبان» حول حقوق المرأة الأفغانية

خلافات داخل قيادة الحركة حول معاملة النساء في المجتمع

الملا هيبة الله أخوندزاده الزعيم الأعلى لحركة «طالبان» (حركة طالبان)
الملا هيبة الله أخوندزاده الزعيم الأعلى لحركة «طالبان» (حركة طالبان)
TT

انقسامات داخل قيادة «طالبان» حول حقوق المرأة الأفغانية

الملا هيبة الله أخوندزاده الزعيم الأعلى لحركة «طالبان» (حركة طالبان)
الملا هيبة الله أخوندزاده الزعيم الأعلى لحركة «طالبان» (حركة طالبان)

في يونيو (حزيران) 2022، دعا القيادي البارز في حركة «طالبان» شير محمد عباس ستانيكزاي، الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية، في خطاب ألقاه بكابل، إلى توفير حق التعليم للنساء الأفغانيات.

شير محمد عباس ستانيكزاي الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية الأفغانية (إعلام أفغاني)

انتقاد نادر لقيادات الحركة

ومن النادر أن ينتقد مسؤول حكومي كبير في أفغانستان السياسات السائدة لحكومة «طالبان» تجاه النساء في البلاد بشكل علني، ولذا فإن خطابه كشف الخلافات داخل قيادة الحركة حول معاملة المرأة في المجتمع الأفغاني منذ تولي «طالبان» السُلطة في أغسطس (آب) 2021.

ولم يكن ستانيكزاي العضو البارز الوحيد في حكومة «طالبان» الذي تحدث علانيةً ضد السياسات المتشددة التي تتبعها الحركة تجاه المرأة، إذ ظهرت بعض الخلافات بين القيادة العليا لـ«طالبان» على السطح عندما أدلى سراج الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني التابعة للحركة ووزير الداخلية الأفغاني الحالي، بتعليقات انتقادية حول الوضع في أفغانستان خلال مناسبة عامة في فبراير (شباط) 2023.

مواقف حقاني بدأت تتغير قليلاً بعد وصول «طالبان» إلى السلطة (غيتي)

وقال حقاني: «الوضع الحالي لا يُطاق، وإذا أصبح الوضع العام أسوأ من ذلك وغير مستقر، فمن مسؤوليتنا تقريبهم منا»، وقد فسَّر الخبراء الأفغان هذا البيان على خلفية تطورين متوازيين كانا يحدثان في المجتمع الأفغاني خلال تلك الفترة.

أولهما، أن المجتمع الأفغاني كان يعاني من أزمات إنسانية واقتصادية تركت الملايين من السكان دون الدعم المنقذ للحياة، وقد جاءت تصريحات حقاني عقب توجيهات صارمة أصدرها الزعيم الأعلى لـ«طالبان» تستهدف النساء «ويُنظر إليها على أنها تزيد من عزلة البلاد عن المجتمع الدولي».

نقطة تفتيش ضمن إجراءات أمنية قبل عيد الفطر في قندهار (أ.ف.ب)

يعقوب ابن مؤسس الحركة

وفي الوقت نفسه تقريباً، قال القائم بأعمال وزير الدفاع، محمد يعقوب، ابن مؤسس حركة «طالبان» الأفغانية المُلا عمر، إن الحركة يجب أن تستمع دائماً إلى «المطالب المشروعة للشعب»، كما أدلى كثير من قادة الحركة الذين كانوا جزءاً من الحكومة بتعليقات مماثلة، وهو ما كان بمثابة تحدٍ مباشر لسُلطة الزعيم الأعلى لـ«طالبان» هيبة الله أخوندزاده الذي كان يصدر كل هذه المراسيم التقييدية، وكان يقود مجموعة من قادة «طالبان» المتشددين المعارضين لأي نوع من الاتصال المنتظم مع الغرب.

أفغانيات خلال مظاهرة في العاصمة كابل (متداولة)

ولكن ستانيكزاي كان أكثر جرأة في انتقاد سياسات حكومة «طالبان» تجاه نساء أفغانستان، فهو كان ضابطاً بالجيش الأفغاني أثناء الاحتلال السوفياتي، وتلقى تدريباً في أكاديمية عسكرية بالهند، ثم انشق عن الجيش وانضم إلى الحركات الإسلامية لمحاربة السوفيات في كابل، وكان نائب وزير في حكومة «طالبان» الأولى، وكان عضواً بارزاً في المكتب السياسي لـ«طالبان» في الدوحة منذ تأسيسه عام 2012، وكان رئيساً له في الفترة بين عامي 2015 و2020.

ستانيكزاي لا يسيطر على أي قوات

ولكن هناك مشكلة واحدة وهي أن ستانيكزاي لا يسيطر على أي قوات أو مقاتلين، ولذا فإن ما قاله يظل في إطار المناقشات الأكاديمية، فمعظم أولئك الذين يدافعون علانيةً عن حقوق المرأة بالمجتمع الأفغاني ليسوا كيانات سياسية أو عسكرية داخل هيكل سلطة «طالبان»، ومع ذلك، فإنهم يتمتعون بنفوذ سياسي يمكنهم اللعب عليه، إذ إنه بالنظر إلى كونهم دبلوماسيين ومسؤولين في وزارة الخارجية فإنهم يعدون الممثلين الوحيدين لنظام «طالبان» الذين يتواصلون مع القوى الأجنبية، بما في ذلك مسؤولو الأمم المتحدة، ودبلوماسيو الاتحاد الأوروبي، وكذلك الدبلوماسيون من الدول الإسلامية.

أعضاء من وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل مؤتمر صحافي في كابل (أ.ف.ب)

ويمثل ستانيكزاي بالفعل هذا النوع من النفوذ السياسي داخل هيكل السلطة الأفغانية، حيث قال في خطابه الشهير: «ليس لدينا مقعد في منظمة التعاون الإسلامي، وليس لدينا مقعد في الأمم المتحدة، وليس لدينا مكتب سياسي في أوروبا»، مضيفاً أن «أحد أهم الأسباب الأساسية للصراع الداخلي في البلاد هو الصدام بين المتشددين والبراغماتيين، حيث يدفع المتشددون نحو تبني سياسات صارمة ويقاومون الوصول إلى حل وسط، على غرار سياساتهم التي تبنوها في التسعينات من القرن الماضي».

من ناحية أخرى، يعطي البراغماتيون الأولوية للاعتبارات العملية والمصلحة السياسية، ويسعون إلى التفاوض والتعامل مع الجهات الخارجية، ويؤدي هذا الانقسام إلى وجود سياسات وتوجهات متضاربة داخل الحركة، كما يتضح من المناقشات المتناقضة حول تعليم الفتيات.

في غضون ذلك، يعتقد كثير من الخبراء والدبلوماسيين الغربيين أن الخلافات بين الفصائل المختلفة لـ«طالبان» التي ظهرت في الآونة الأخيرة غير مسبوقة، ومن المرجح أن تعطل قدرة الحركة على الحكم والعمل كمجموعة متماسكة.

ويقول أحد الخبراء الأفغان في كابل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لصحيفة «الشرق الأوسط»، إن «طالبان» تميل لمعاقبة المنتقدين أو خفض منزلتهم أو إسكاتهم باستخدام القوة أو من خلال الأساليب القسرية، في إشارة إلى أمثلة مثل السفير السابق لـ«طالبان» عبد السلام ضعيف، ووزير الخارجية السابق وكيل متوكل، وزعيم الحركة المعتدل آغا جان معتصم، الذين جرى خفض رتبهم جميعاً بسبب إظهارهم المعارضة، وكذلك قُتل المُلا عبد المنان نيازي، الذي شكل جماعة منشقة في عام 2015، بتفجير انتحاري العام الماضي.

ويعتقد أن أسطورة حركة «طالبان» بوصفها كياناً متجانساً هي مجرد اختراع صنعته وسائل الإعلام الغربية، فهي لم تكن أبداً قوة موحدة، ولم تتصرف أو تبدو كأنها تتصرف كقوة موحدة، إلا بسبب وجود عدو مشترك يتمثل في الجيش الأميركي.

ويرى أحد الخبراء الباكستانيين أن هناك تنافسات إقليمية وآيديولوجية، وكذلك قبلية داخل حركة «طالبان»، حيث يحتل بعض القبائل مناصب أكثر بروزاً داخلها، وهو ما يثير مشاعر الغيرة، فعلى سبيل المثال، لعبت قبيلة «دوراني» دوراً مهماً داخل «طالبان»، كما شاركت قبائل فرعية مثل «نورزاي» و«إسحاقزاي» في إدارة الشؤون المالية وتعزيز تجارة الأفيون. وكثيراً ما تتقاطع هذه الديناميكيات القبلية مع الاختلافات الآيديولوجية، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات الداخلية.


مقالات ذات صلة

فرت وعائلتها هرباً من «طالبان»... أفغانية تفوز بجائزة السلام الدولية للأطفال

آسيا نيلا إبراهيمي ناشطة في مجال حقوق الفتيات الأفغانيات تفوز بجائزة السلام الدولية للأطفال (أ.ف.ب)

فرت وعائلتها هرباً من «طالبان»... أفغانية تفوز بجائزة السلام الدولية للأطفال

فازت فتاة مراهقة فرت مع عائلتها من أفغانستان بعد عودة «طالبان» إلى السلطة قبل ثلاث سنوات، بجائزة «كيدز رايتس» المرموقة لنضالها من أجل حقوق المرأة.

«الشرق الأوسط» (كابل - أمستردام)
شمال افريقيا أوزرا زييا (الثانية على اليسار) بجانب السفير الجزائري في واشنطن (السفارة الأميركية في الجزائر)

مسؤولة أميركية تبحث بالجزائر الحرية الدينية وإدارة الهجرة

عطاف اتصل هاتفياً بنظيره الأميركي، وأبلغه بأن «معلوماته بشأن الحرية الدينية في الجزائر، خاطئة وغير دقيقة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
المشرق العربي البروفسور نظام محمود

جرّاح بريطاني يصف استهداف الطائرات المُسيّرة للأطفال في غزة

روى جراح متقاعد من لندن ما شاهده خلال عمله التطوعي في مستشفى بغزة، وتحدث عن استهداف الطائرات المُسيّرة للأطفال بعد القصف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كيم: التواصل الدبلوماسي السابق يؤكد العداء الأميركي «الثابت» لكوريا الشمالية

تظهر هذه الصورة الملتقطة في 21 نوفمبر 2024 الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهو يحضر حفل افتتاح معرض تطوير الدفاع الوطني 2024 في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة الملتقطة في 21 نوفمبر 2024 الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهو يحضر حفل افتتاح معرض تطوير الدفاع الوطني 2024 في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ (أ.ف.ب)
TT

كيم: التواصل الدبلوماسي السابق يؤكد العداء الأميركي «الثابت» لكوريا الشمالية

تظهر هذه الصورة الملتقطة في 21 نوفمبر 2024 الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهو يحضر حفل افتتاح معرض تطوير الدفاع الوطني 2024 في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة الملتقطة في 21 نوفمبر 2024 الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهو يحضر حفل افتتاح معرض تطوير الدفاع الوطني 2024 في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ (أ.ف.ب)

قال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إن التواصل الدبلوماسي السابق بين بيونغ يانغ وواشنطن أكد عداء الولايات المتحدة «الثابت» تجاه بلاده، وفق ما ذكرت وكالة الإعلام الرسمية الكورية الشمالية الجمعة، قبل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض قريبا، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وخلال ولايته الأولى، التقى ترمب وكيم ثلاث مرات لكنّ واشنطن فشلت في إحراز تقدم كبير في الجهود الرامية إلى نزع الأسلحة النووية في كوريا الشمالية.

ومنذ انهيار القمة الثانية بين كيم وترمب في هانوي عام 2019، تخلّت كوريا الشمالية عن الدبلوماسية وكثّفت جهودها لتطوير الأسلحة ورفضت العروض الأميركية لإجراء محادثات.

وخلال تحدّثه الخميس في معرض دفاعي لبعض أقوى أنظمة الأسلحة في كوريا الشمالية، لم يذكر كيم ترمب بالاسم، لكن آخر محادثات رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة جرت تحت إدارته.

وقال كيم وفق وكالة الأنباء المركزية الكورية: «ذهبنا إلى أبعد ما يمكن مع الولايات المتحدة كمفاوضين، وما أصبحنا متأكدين منه هو عدم وجود رغبة لدى القوة العظمى في التعايش»، وأضاف أنه بدلا من ذلك، أدركت بيونغ يانغ موقف واشنطن وهو «سياسة عدائية ثابتة تجاه كوريا الشمالية».

وأظهرت صور نشرتها وكالة الأنباء المركزية الكورية ما يبدو أنه صواريخ باليستية عابرة للقارات وصواريخ فرط صوتية وراجمات صواريخ وطائرات مسيّرة في المعرض.

وذكرت الوكالة أن المعرض يضم «أحدث منتجات بيونغ يانغ لمجموعة الدفاع الوطني العلمية والتكنولوجية لكوريا الديمقراطية مع الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية التي تم تحديثها وتطويرها مجددا».

وقال كيم أيضا في كلمته إن شبه الجزيرة الكورية لم يسبق أن واجهت وضعا كالذي تواجهه راهنا و«قد يؤدي إلى أكثر الحروب النووية تدميرا».

وفي الأشهر الأخيرة، عززت كوريا الشمالية علاقاتها العسكرية مع موسكو، فيما قالت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إن بيونغ يانغ أرسلت آلاف الجنود إلى روسيا لدعمها في حربها ضد أوكرانيا.

خلال لقاء سابق بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ف.ب)

زعيمان «في الحب»

بعد أشهر من القمة التاريخية الأولى بين كيم وترمب في سنغافورة في يونيو (حزيران) 2018، قال الرئيس الأميركي وقتها خلال تجمع لمناصريه إنه والرئيس الكوري الشمالي وقعا «في الحب».

وكشف كتاب صدر في عام 2020 أن كيم استخدم الإطراء والنثر المنمق وتوجه إلى ترمب مستخدما تعبير «سُموّك» في الرسائل التي تبادلها مع الرئيس السابق.

لكنّ قمتهما الثانية في عام 2019 انهارت على خلفية تخفيف العقوبات وما سيكون على بيونغ يانغ التخلي عنه في المقابل.

وفي يوليو (تموز) من العام الحالي، قال ترمب متحدثا عن كيم: «أعتقد أنه يفتقدني»، و«من الجيد أن أنسجم مع شخص لديه الكثير من الأسلحة النووية».

وفي تعليق صدر في الشهر ذاته، قالت كوريا الشمالية إنه رغم أن ترمب حاول أن يعكس «العلاقات الشخصية الخاصة» بين رئيسَي البلدين، فإنه «لم يحقق أي تغيير إيجابي جوهري».