لماذا يستهدف «داعش خراسان» حزباً دينياً باكستانياً؟

18 من أعضاء حزب «جمعية علماء الإسلام» قُتلوا في منطقة باجور

قوة من الجيش الباكستاني خلال عملية في المناطق القبلية (الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني)
قوة من الجيش الباكستاني خلال عملية في المناطق القبلية (الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني)
TT

لماذا يستهدف «داعش خراسان» حزباً دينياً باكستانياً؟

قوة من الجيش الباكستاني خلال عملية في المناطق القبلية (الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني)
قوة من الجيش الباكستاني خلال عملية في المناطق القبلية (الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني)

في الحادي والثلاثين من يوليو (تموز) 2023، فجَّر انتحاري يتبع تنظيم «داعش خراسان» نفسه، داخل تجمع لـ«جمعية علماء الإسلام» (جبهة فضل) في منطقة باجور، في خيبر بختونخوا، ما أسفر عن مقتل 54 شخصاً، في خضم مؤتمر عام انتخابي.

جنود في حالة استنفار بالقرب من موقع تفجير إرهابي خارج مسجد الشرطة في بيشاور (إ.ب.أ)

وسارع «داعش خراسان» إلى إعلان مسؤوليته عن الهجوم، لينطلق سيل من التكهنات حول سبب استهداف التنظيم الإرهابي الدولي وحدة محلية تابعة لحزب ديني سياسي باكستاني: «جمعية علماء الإسلام» (جبهة فضل) في منطقة باجور.

دورية لقوات الأمن الأفغانية خلال اشتباكات بين قوات الأمن ومسلحي تنظيم «داعش خراسان» في مقاطعة ننجرهار بأفغانستان (أ.ف.ب)

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يُقدِم فيها «داعش خراسان» على استهداف هذا الحزب الباكستاني وقيادته في باجور.

قبل ذلك بأيام قليلة، صرح رئيس «جمعية علماء الإسلام»، مولانا فضل الرحمن، خلال مؤتمر صحافي في بيشاور، بأن 18 من أعضاء حزبه قُتلوا في باجور في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، امتنع فضل الرحمن عن تحديد الجناة المسؤولين عن هذه الجرائم. من جهتهم، ادعى مراقبون معنيون بمتابعة نشاطات «داعش خراسان» أن التنظيم مسؤول عن 23 هجوماً، على الأقل، جرى في إطارها استهداف قيادات من «جمعية علماء الإسلام» تحديداً.

عام 2022، أصدر «داعش خراسان» سلسلة من الفتاوى تبيح الاغتيالات بحق القيادات الدينية لـ«جمعية علماء الإسلام» ونشطائها.

جنود في حالة استنفار بالقرب من موقع تفجير إرهابي خارج مسجد الشرطة في بيشاور (إ.ب.أ)

من جهته، يجسد مولانا فضل الرحمن النموذج الانتهازي المثالي على الساحة السياسة الباكستانية. وتتناسب انتهازيته بشكل مثالي مع البراغماتية التي تتبعها الدولة الباكستانية التي تتسم في جزء منها بالحداثة، بينما يتمسك جزء آخر منها بتوجهات إسلامية، ويتلون بعضها تبعاً للموقف.

رجل الدين الباكستاني ورئيس «جمعية علماء الإسلام» مولانا فضل الرحمن (يسار) مع الجانب الأفغاني في العاصمة الأفغانية كابل (إكس)

وتدرَّب فضل الرحمن على النهج السياسي للتقليد الديوبندي الذي كان في شكله الأصلي شديد البرغماتية، وقد ظهر بادئ الأمر خلال حقبة الاستعمار البريطاني، وكان النظام الاستعماري في الهند البريطانية معروفاً بموقفه الليبرالي تجاه السماح لكل طائفة دينية بالازدهار دون قيود تذكر.

ونظراً لتأثرهم بالتقاليد الليبرالية البريطانية في شؤون الأديان والسياسة، تعاون أبناء الرعيل الأول من التقاليد السياسية الديوبندية مع حزب المؤتمر العلماني في النضال ضد الاستعمار.

أمنيون يتفقدون موقع تفجير في منطقة باجور بمقاطعة خيبر بختونخوا في 31 يوليو 2023 حين قُتل ما لا يقل عن 54 شخصاً وأصيب أكثر من 200 في تفجير انتحاري (أ.ف.ب)

في الوقت ذاته، يتمتع مولانا بميزة خاصة في التعامل مع جماعة «طالبان» وعناصر مسلحة أخرى في باكستان وأفغانستان، فهو يرأس شبكة كبيرة من المعاهد الدينية الديوبندية في المجتمع الباكستاني؛ حيث درس معظم قادة «طالبان» الأفغانية في إطار حياتهم التعليمية في «درس نظامي»، وسيلة مشتركة للتعليم داخل المدارس المحافظة الباكستانية.

وحتى اليوم، لا تزال الأدبيات الأكاديمية عاجزة عن حل لغز كيف انتشر التقليد «الإحيائي الديوبندي» الذي ولد في مقاطعة أوتار براديش في الهند البريطانية، بعيداً عن أفغانستان والمناطق الحدودية الباكستانية- الأفغانية، واندمج مع ثقافة البشتون في شمال غربي باكستان. المؤكد أن الحكومة العسكرية للجنرال ضياء الحق، المدعومة من الولايات المتحدة، استغلت التقاليد الدينية الديوبندية لبناء شبكة مقاتلين ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان في الثمانينات. ورغم أن فضل الرحمن يقود الاتجاه السياسي في التقليد الديوبندي، فإن الهيكل التنظيمي الذي يرأسه يقع في قلب مشكلة التشدد بالمجتمع الباكستاني.

وعلى المستوى الشعبي، لا يوجد خط واضح المعالم بين أعضاء «جمعية علماء الإسلام» التابعة لفضل الرحمن، وجماعة «طالبان باكستان» في المناطق الحدودية الباكستانية- الأفغانية. ونتيجة تعامل فضل الرحمن مع ممرات السلطة في إسلام آباد، تحول إلى هدف لتفجيرات انتحارية، في الوقت الذي شن فيه الجيش الباكستاني عمليات عسكرية ضد «طالبان الباكستانية» في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان. وعليه، يبدو واضحاً أن فضل الرحمن يقف على الجانب الخطأ من «طالبان الباكستانية» بغض النظر عن مدى الترحيب الذي حظي به في كابل من قِبَل زعماء «طالبان الأفغانية».

ومع ذلك، لم يكن هذا الوضع دوماً، فمنذ وقت ليس ببعيد، اعتادت «جمعية علماء الإسلام» التابعة لفضل الرحمن تسهيل الاتصال بين النظام العسكري للجنرال برويز مشرف و«طالبان الباكستانية» في المناطق القبلية، وتوسطت القيادة المحلية لـ«جمعية علماء الإسلام» في بعض الاتفاقات بين «طالبان الباكستانية» والحكومة العسكرية.

ترتبط «جمعية علماء الإسلام» على نحو وثيق بحكومة «طالبان الأفغانية» في كابل. ويرى خبراء أن القيادة المحلية للجمعية غالباً ما تردد آراء «طالبان» في أفغانستان.

ويعتقد بعض الخبراء أن لـ«داعش خراسان» تاريخ طويل من العداء تجاه «جمعية علماء الإسلام» في باجور، يعود تحديداً إلى عام 2019، عندما بدأت في الاغتيالات الممنهجة ضد نشطاء «جمعية علماء الإسلام» (جبهة فضل) في خار، المدينة الرئيسة في المنطقة.

ورأى محللون باكستانيون أنه رداً للفعل على عمليات «طالبان الأفغانية» لمكافحة التمرد في أفغانستان، يستهدف «داعش خراسان» عناصر «جمعية علماء الإسلام» في باكستان. وفي خضم ذلك، سقط مئات القتلى من نشطاء وقادة الجمعية.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

32 قتيلاً في أعمال عنف طائفية بباكستان

عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

32 قتيلاً في أعمال عنف طائفية بباكستان

عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)

قتل 32 شخصاً على الأقل في أعمال عنف طائفية جديدة في شمال غربي باكستان، وفق ما أفاد مسؤول محلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (السبت) بأنه بعد يومين من هجمات استهدفت أفراداً من الطائفة الشيعية أسفرت عن مقتل 43 شخصاً.

ومنذ الصيف، خلفت أعمال العنف بين السنة والشيعة في إقليم كورام الواقع في ولاية خيبر بختونخوا الواقعة على الحدود مع أفغانستان، نحو 150 قتيلاً.

والخميس، أطلق نحو عشرة مهاجمين النار على قافلتين تقلان عشرات العائلات الشيعية بمواكبة الشرطة في هذه المنطقة الجبلية. وقتل ما لا يقل عن 43 شخصاً ولا يزال «11 مصابا» في حالة «حرجة»، بحسب السلطات.

ومساء أمس (الجمعة)، بعد يوم طويل شيع خلاله الضحايا وساده التوتر في كورام على وقع مسيرات للشيعة نددت بـ«حمام دماء»، قال ضابط كبير في الشرطة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «الوضع تدهور». وأضاف «هاجم شيعة غاضبون مساء سوق باغان المحسوب خصوصاً على السنة» موضحاً أن «المهاجمين المزودين بأسلحة خفيفة ورشاشة وقذائف هاون أطلقوا النار» طوال ثلاث ساعات و«قام سنّة بالرد» عليهم.

من جهته، قال مسؤول محلي لم يشأ كشف هويته للوكالة إن «أعمال العنف بين المجموعتين الشيعية والسنية تواصلت (السبت) في أماكن مختلفة، وسجل مقتل 32 شخصاً في آخر حصيلة هم 14 من السنة و18 من الشيعة».

وذكر مسؤول محلي آخر هو جواد الله محسود أن «مئات المتاجر والمنازل تم إحراقها» في منطقة سوق باغان، لافتاً إلى «بذل جهود من أجل إعادة الهدوء، وتم نشر قوات أمنية والتأمت مجالس قبلية (جيرغا)».

ومحور النزاعات بين القبائل ذات المعتقدات المختلفة هو مسألة الأراضي في المنطقة، حيث تتقدم قواعد الشرف القبلية غالباً على النظام الذي تسعى قوات الأمن إلى إرسائه.