عززت النتائج الجزئية في الانتخابات الباكستانية العامة الانقسامات العميقة في البلاد، وحملت مفاجآت تمثلت في قوة أداء المرشحين المستقلين.
وفيما كان فرز الأصوات لا يزال مستمراً، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف فوزه في الانتخابات العامة، قائلاً إن حزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية - جناح نواز شريف» حصد أكبر عدد من الأصوات، وإنه يبحث تشكيل حكومة ائتلافية. وفي المقابل، أظهرت نتائج جزئية تصدر «المستقلين» الموالين لرئيس الوزراء السابق عمران خان المسجون راهناً، بفارق طفيف نتائج الانتخابات في باكستان بعد فرز أكثر من نصف الدوائر. ومُنعت «حركة إنصاف الباكستانية» التي يتزعّمها خان من خوض انتخابات بوصفها حزباً، وتقدم أنصارها باعتبارهم مستقلين.
لا فائز واضحاً
وبعد 24 ساعة تقريباً على إغلاق مراكز الاقتراع، كانت اللجنة الانتخابية قد فرزت فقط 136 من أصل 266 دائرة. وفاقم بطء عملية الفرز الشكوك من تلاعب ممكن بالنتائج، لا يصب في مصلحة حزب عمران خان.
رغم ذلك، تظهر النتائج الرسمية الأولية في الانتخابات التشريعية حصول مرشحين مستقلين موالين لحزب «حركة إنصاف» على 49 مقعداً، في مقابل 42 لـ«حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية»، و34 لـ«حزب الشعب الباكستاني». وغالبية المقاعد التي فاز بها مرشحون مدعومون من حزب خان، تقع في معقله خيبر باختنونخوا فيما النتائج لا تزال أولية في بنجاب، أكثر أقاليم البلاد تعداداً للسكان، حيث فاز رئيس الوزراء السابق نواز شريف البالغ 74 عاماً بمقعد.
البحث عن حلفاء
قال إسحاق دار، المساعد المقرب لشريف، إن الحزب قد يفوز بأكثر من 100 مقعد من أصل 266 مقعداً يتم التنافس عليها بشكل مباشر في الجمعية الوطنية، لكنها نسبة تقل عن الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة. ومع فوز حلفاء شريف ببعض المقاعد، وتأهب حزبه للحصول على حصة كبيرة من الـ70 مقعداً إضافياً المخصصة للنساء وغير المسلمين، قال دار، وفق «وكالة الأنباء الألمانية»، إنهم سيشكلون حكومة بشكل مريح. ويبدو أن حزب «الشعب الباكستاني»، الذي يقوده بيلاول بوتو زردري، في وضع يسمح له بأن يكون صانع ملوك، بعد أن احتفظ مرشحوه بمعقلهم في إقليم السند.
وكان حزب «الرابطة الإسلامية» وحزب «الشعب الباكستاني» شكلا حكومة ائتلافية برئاسة شهباز شريف، شقيق نواز، بعد الإطاحة بعمران خان من منصب رئيس الوزراء بموجب مذكرة حجب ثقة في أبريل (نيسان) 2022. ونأى حزب «الشعب» عن حزب نواز شريف منافسه التاريخي، خلال الحملة الانتخابية، ويبدو أنه عانى أقل من عدم شعبية الحكومة الائتلافية. وتحدث زعيم الحزب، بيلاول بوتو زردري، نجل رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو التي اغتيلت عام 2007، عن نتائج «مشجعة جداً».
وفي سعيه لتعزيز حظوظه، فتح حزب نواز شريف الباب أمام المستقلين للانضمام إلى تحالفه. وخاض مرشحون مدعومون من خان الانتخابات بوصفهم مستقلين، ما يعني أنه لا يوجد من الناحية القانونية ما يمنعهم من الانشقاق والانضمام إلى أحزاب أخرى. وقال دار، في مقابلة مع قناة «جيو» التلفزيونية، إن بعض المرشحين المستقلين كانوا على اتصال بالفعل بحزب شريف.
وتضم الجمعية الوطنية 336 مقعداً، لكن 70 منها مخصصة للنساء والأقليات الدينية وتعتمد النظام النسبي. وأمام المرشحين المستقلين 72 ساعة ليتخذوا قراراً بشأن الانضمام إلى كتلة برلمانية.
شكوك التلاعب
عزز قطع السلطات لخدمة الإنترنت والهواتف الجوالة خلال يوم الاقتراع، الشكوك حول نزاهة الانتخابات.
وبعدما كان حلفاء خان متقدمين بفارق كبير في النتائج المبكرة خلال ليل الخميس إلى الجمعة، توقفت النتائج عن الظهور، وأُرجع التأخير في إعلان النتائج إلى انقطاع الاتصالات. وبعد فترة انقطاع استمرت عدة ساعات، حقق حزب شريف وحلفاؤه تقدماً ضئيلاً على المرشحين المدعومين من خان عندما بدأ إعلان النتائج مرة أخرى صباح الجمعة. وبحلول وقت مبكر من مساء اليوم نفسه، ظلت النتيجة معلقة.
وقال رؤوف حسن، المساعد المقرب لخان، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن تفويض الشعب «قد تمت سرقته». وألقى باللوم على السلطات في «تغيير النتائج فجأة»، بناء على طلب من الجيش الذي يتمتع بالنفوذ في باكستان.
وعوّل عمران خان على حصول تعبئة في صفوف الشباب كما حصل عام 2018؛ إذ إن هذه الفئة متعطشة إلى التغيير بعد سيطرة أسر سياسية معدودة على الحياة السياسية لعقود. ولا يزال نجم الكريكت السابق يتمتع بشعبية واسعة، بسبب مواقفه المناهضة للمؤسسات القائمة رغم توليه الحكم، وتسجيل تدهور في الوضع الاقتصادي عندما كان رئيساً للوزراء. وقد تحدى بشكل مباشر الجيش، الذي يقول خصومه إنه دعمه في عام 2018، متهماً إياه بالوقوف وراء إزاحته في عام 2022 ومتاعبه القضائية.
اضطرابات دامية
تسبب الاستقطاب الحاد الذي يشهده الشارع الباكستاني في اشتباكات دامية أسقطت قتيلين الجمعة. وقتل باكستانيان خلال مواجهات بين الشرطة وأنصار لرئيس الوزراء السابق عمران خان، وفق ما أفاد حزب الأخير والشرطة.
وبسبب بطء فرز الأصوات، بدأ أنصار لحزب خان بالتظاهر، متهمين السلطات بالسعي إلى تزوير نتائج الانتخابات. وأكد شهيب زاده سجاد أحمد، مسؤول الشرطة في إقليم شنغلا بولاية خيبر باختنخوا (شمال غرب)، أن المتظاهرين «أخذوا يرشقون عناصر الشرطة بالحجارة، ويضرمون النار في سياراتهم». وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أصيب متظاهران بسبب رشق الحجارة الكثيف وقضيا».
من جانبه، قال مرشح حزب «حركة إنصاف» سيد فارين، إن المظاهرة هدفت إلى الاحتجاج على محاولة التلاعب بنتائج الاقتراع، مؤكداً أن الشرطة «أطلقت النار على متظاهرين مسالمين، وتسببت بمقتل اثنين من عمالنا».