الهند توسّع قدراتها البحرية تعزيزاً لحضورها الدولي وسعياً لتحقيق توازن مع الصين

قصاصات ورق ملونة ودخان بألوان العلم الوطني الهندي تشير إلى دخول السفينة الحربية الجديدة التابعة للبحرية الهندية «آي إن إس فيندياجيري» إلى نهر هوغلي في كولكاتا - الهند 17 أغسطس 2023 (أ.ب)
قصاصات ورق ملونة ودخان بألوان العلم الوطني الهندي تشير إلى دخول السفينة الحربية الجديدة التابعة للبحرية الهندية «آي إن إس فيندياجيري» إلى نهر هوغلي في كولكاتا - الهند 17 أغسطس 2023 (أ.ب)
TT

الهند توسّع قدراتها البحرية تعزيزاً لحضورها الدولي وسعياً لتحقيق توازن مع الصين

قصاصات ورق ملونة ودخان بألوان العلم الوطني الهندي تشير إلى دخول السفينة الحربية الجديدة التابعة للبحرية الهندية «آي إن إس فيندياجيري» إلى نهر هوغلي في كولكاتا - الهند 17 أغسطس 2023 (أ.ب)
قصاصات ورق ملونة ودخان بألوان العلم الوطني الهندي تشير إلى دخول السفينة الحربية الجديدة التابعة للبحرية الهندية «آي إن إس فيندياجيري» إلى نهر هوغلي في كولكاتا - الهند 17 أغسطس 2023 (أ.ب)

لعقود من الزمن، ركّزت الهند سياستها الدفاعية على حدودها البرية مع منافستيها باكستان والصين. والآن، مع توسّع طموحاتها العالمية، بدأت الهند استعراض قوّتها البحرية في المياه الدولية، بما في ذلك دوريات مكافحة القرصنة والانتشار على نطاق واسع بالقرب من البحر الأحمر للمساعدة في حماية السفن من هجمات القرصنة المتصاعدة في الأشهر الأخيرة. وتأتي هذه الخطوات في إطار مساعي نيودلهي لتعزيز حضورها على الساحة الدولية، ولتحقيق توازن مع البحرية الصينية.

ومن المقرّر إجراء النسخة الثانية عشرة من التمرين البحري متعدد الأطراف «ميلان 2024» في فيساخاباتنام بالساحل الشرقي للهند في الفترة من 19 إلى 27 فبراير (شباط) المقبل. ومن المتوقع أن يحظى التمرين بأكبر مشاركة على الإطلاق مع أكثر من 50 دولة.

فقد توسع هذا الحدث، الذي بدأته البحرية الهندية في عام 1995، على مر السنوات ليشمل مشاركة دول أجنبية صديقة أخرى. وسيتضمن التمرين أنشطة مختلفة، بما في ذلك ندوة بحرية، واستعراض المدينة، والمعرض، وتبادل الخبراء. وستشارك السفن والطائرات من البحرية الهندية والدول الأجنبية الصديقة في العمليات البحرية المتقدمة، وفق صحيفة «ذا تايمز أوف إنديا» الهندية.

ضباط من البحرية الهندية يقفون على سطح حاملة الطائرات الهندية محلية الصنع «آي إن إس فيكرانت» بعد احتفال تشغيلها في حوض بناء السفن الذي تديره الدولة في كوتشي - الهند 2 سبتمبر 2022 (رويترز)

توسّع البحرية الهندية

مؤخّراً أطلقت الهند سفينتها «ساندهاياك» (INS Sandhayak)، وهي أوّل سفينة استطلاع كبيرة في البحرية الهندية، وذلك بحضور وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ في احتفال أُقيم في حوض بناء السفن في مدينة فيساخاباتنام بالساحل الشرقي للهند، وذلك يوم السبت 3 فبراير الحالي.

وستقوم السفينة بإجراء مسوحات بحرية واسعة النطاق للموانئ والمرافئ والطرق الملاحية والمناطق الساحلية والبحار العميقة في المحيط الهندي من أجل تعزيز الملاحة البحرية الآمنة. كما ستكون هذه السفينة قادرة على القيام بمجموعة من العمليات البحرية، وفق موقع «إنديا ستراتيجيك» الهندي المتخصص بالدراسات الاستراتيجية.

وتمّ إنتاج 80 في المائة من قطع سفينة «ساندهاياك» محلياً (في الهند)، وفق موقع «نايفال تكنولوجي» المتخصّص بتكنولوجيا البحار.

ووصف وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ، في خطابه خلال عملية تفويض سفينة «سانداهاياك» بأنها تاريخية، مما يبعث على الثقة بأنّ هذه السفينة «ستعزز دور الهند قوةً عظمى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتساعد البحرية الهندية في الحفاظ على السلام والأمن».

وأعرب وزير الدفاع عن أمله في أن تقطع سفينة الاستطلاع الجديدة مساراً طويلاً في الحصول على معلومات حول المحيطات وتحقيق الهدف المزدوج المتمثل في حماية الهند وغيرها من الدول الصديقة، مشدداً على أهمية حماية التجارة الدولية في المحيط الهندي من القراصنة.

وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ في خطابه خلال عملية تكليف سفينة «سانداهاياك» في فيساخاباتنام بالهند 3 فبراير 2024 (متداولة)

وأشاد راجناث سينغ بالبحرية الهندية لإحباطها خمس محاولات قرصنة، وبأنها ساعدت السفن التي تعرضت لهجوم بطائرات مسيّرة وصواريخ في الأيام القليلة الماضية، بالإضافة إلى إنقاذ 80 صياداً وبَحّاراً.

وشدد وزير الدفاع على أنه «مع ازدياد القوة، فإن الهند عازمة على القضاء على الفوضى ليس فقط في المنطقة، بل في العالم أجمع». وصرّح بأنّ موقف الهند متمثل في الحفاظ على حرية الملاحة والتجارة بين مختلف البلدان، قائلاً: «الغرض من قوتنا المتنامية هو ضمان نظام عالمي قائم على القواعد. هدفنا هو وقف الصيد غير القانوني وغير المنظم في المحيط الهندي ومنطقة المحيط الهادئ. وتقوم البحرية بإيقاف الاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر في هذه المنطقة. وهي ليست ملتزمة بوقف القرصنة فحسب، بل إنها ملتزمة أيضاً بجعل هذه المنطقة بأكملها سلمية ومزدهرة».

ورأى أنّ سفينة «ساندهاياك» ستؤدي دوراً حاسماً في تحقيق هدف الهند، وأبرزه تحقيق السلام العالمي.

وصرّح رئيس أركان البحرية الهندية الأدميرال هاري كومار، أنّ مشروع إطلاق سفينة الاستطلاع الكبيرة يسلّط الضوء على الأهمية المتصاعدة التي توليها الحكومة والبحرية للشرط الأساسي للنشاط البحري.

وأكّد الأدميرال كومار أنه يجري بناء 64 سفينة وغواصة من أصل 66 تحت الطلب في أحواض بناء السفن الهندية. وشدد على أن هذا سيعزز قدرة أحواض بناء السفن وقدرات العمال وكذلك العاملين في الصناعات المساعدة بالهند.

قوات كوماندوز هندية تحرس مجموعة من القراصنة المحتجَزين بعد تحرير سفينة صيد مختطفة قبالة الساحل الصومالي 30 يناير 2024 (أ.ف.ب)

لمكافحة القرصنة في خليج عدن

نشرت الهند ما لا يقل عن 12 سفينة حربية قرب البحر الأحمر لتوفير الحماية من القراصنة، وحققت مع أكثر من 250 سفينة وزورقاً فيما تركز القوى الغربية على هجمات الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

وساعدت البحرية الهندية في الأيام الأخيرة أربع سفن على الأقل، تعرضت ثلاث منها لهجوم من المتمردين الحوثيين في اليمن، كما قامت بمهام عدّة لمكافحة القرصنة.

في 26 يناير (كانون الثاني)، ساعدت المدمرة الهندية المحمّلة بصواريخ موجّهة «فيساخاباتنام» طاقم ناقلة ترفع علم جزر مارشال في مكافحة حريق بعد أن أُصيبت بصاروخ في خليج عدن. وقبل نحو 10 أيام، استجابت «فيساخاباتنام» لنداء استغاثة من السفينة التجارية «جينكو بيكاردي» المملوكة للولايات المتحدة عقب هجوم بطائرة مسيّرة في المياه نفسها.

ولم تنضمّ الهند إلى قوة المهام التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر، وليس لديها أي سفن حربية هناك. لكنّ مسؤولين هنوداً قالوا إن لدى الهند حالياً سفينتين حربيتين في خليج عدن وما لا يقل عن عشر سفن حربية في شمال وغرب بحر العرب، إلى جانب طائرات استطلاع. وأضافوا أن هذا هو أكبر انتشار للهند في المنطقة.

سفن ميليشيا صينية تعمل في بحر الصين الجنوبي 2 ديسمبر 2023 (خفر السواحل الفلبيني - رويترز)

لمنافسة البحرية الصينية

تحرص الهند على أن تحصل عمليات نشرها للسفن الجديدة على أوسع مقدار من التغطية الإعلامية، مما يشير إلى رغبة نيودلهي في تحمل مسؤولية أوسع في الأمن البحري للعالم وطموحاتها البحرية المتنامية تجاه منافستها الإقليمية الصين، وفق تقرير الجمعة 2 فبراير لوكالة «أسوشييتد برس».

وقال نائب الأدميرال أنيل كومار تشاولا، الذي تقاعد في عام 2021 من منصبه رئيساً للقيادة البحرية الجنوبية للهند، إنّ توسيع انتشار القطع البحرية الهندية -بما في ذلك مكافحة أعمال القرصنة الأخيرة في خليج عدن- يسلّط الضوء على الهند بوصفها «مساهماً استباقياً» في الاستقرار البحري الدولي. وأضاف: «ما لم تكن قوة بحرية، فلن تتمكن أبداً من أن تطمح إلى أن تصبح قوة عالمية». ورأى أنّ الهند، وهي قوة إقليمية بالفعل، تضع نفسها «لاعباً عالمياً اليوم، وقوة عالمية قادمة».

وأشار تشاولا إلى أنّ توسيع البحرية الهندية «هو رسالة إلى الصين مفادها أنه يمكننا نشر مثل هذه القوة الكبيرة هنا (في المحيط الهندي). هذا هو الفناء الخلفي لدينا».

وعززت الصين وجودها على مر السنين في المحيط الهندي، وهي طريق رئيسية لإمداداتها من الطاقة. ولديها أكبر قوة بحرية في العالم من حيث عدد السفن، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حجم البحرية الهندية، ولكنّها تبقى القوّة البحرية الثانية في العالم من حيث تصنيف القوّة خلف البحرية الأميركية، حسب موقع «الدليل العالمي للسفن الحربية العسكرية الحديثة» (wdmmw)، المتخصّص في تصنيف القوى البحرية العالمية.

أفراد من البحرية الهندية يشاركون في العرض العسكري بمناسبة عيد الجمهورية الخامس والسبعين للبلاد في نيودلهي 26 يناير 2024 (أ.ف.ب)

وعمّقت بكين مشاركتها في المحيط الهندي بشكل رئيسي من خلال صفقات البنية التحتية مع جيران الهند، بما في ذلك بنغلاديش وسريلانكا ومؤخراً جزر المالديف.

وقال اللفتنانت جنرال دي إس هودا، وهو ضابط عسكري هندي سابق وخبير استراتيجي الآن: «يتطلع الصينيون إلى مزيد ومزيد من القواعد البحرية في المحيط الهندي الممتد». وأضاف: «وبالنظر إلى ذلك، ليس لدى الهند أي خيار آخر سوى الاستمرار في بناء قواعدها الخاصة».

ويقول الخبراء إن المنافسة المتنامية مع الصين تحفّز الهند على اقتناء مزيد من السفن والغواصات والطائرات المتقدمة والاستثمار بشكل أكبر في التكنولوجيا والبنية التحتية. وارتفعت حصة البحرية في ميزانية الدفاع الهندية، التي وصلت إلى 72.6 مليار دولار العام الماضي، إلى 19 في المائة بعد أن كانت نحو 14 في المائة. ويحصل الجيش الهندي تقليدياً على نصيب الأسد من الميزانية العسكرية، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

كما بنت البحرية الهندية شراكات استراتيجية من خلال المشاركة في التدريبات المشتركة مع دول أخرى في المنطقة وخارجها.

سفن حربية هندية ويابانية وأسترالية خلال تدريبات للحلف الرباعي (كواد) في المحيط الهادئ 27 أغسطس 2021 (أ.ب)

وتنخرط الهند والولايات المتحدة وأستراليا واليابان في تحالف استراتيجي في المحيطين الهندي والهادئ، وهو حلف «كواد» الرباعي، الذي اتهم الصين مراراً باستعراض عضلاتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي والدفع بقوة لمطالباتها الإقليمية البحرية في هذه المنطقة، وهو مطلب خلافي مع الدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي. وتُجري أساطيل الدول الأربع في حلف «كواد» بانتظام تدريبات يُنظر إليها على أنها جزء من مبادرة لمواجهة النفوذ المتصاعد للصين في المحيط الهادئ.


مقالات ذات صلة

العيسى من جامعة كامبريدج: نسعى لتعزيز السلام في العالم ولسنا منظمة سياسية

الخليج د. محمد العيسى خلال استضافته في «معهد وولف» بجامعة كامبريدج البريطانية (واس)

العيسى من جامعة كامبريدج: نسعى لتعزيز السلام في العالم ولسنا منظمة سياسية

الشيخ الدكتور محمد العيسى الأمين العامّ لرابطة العالم الإسلامي شدد من «معهد وولف»، على أنَّ الرابطة لا تتعاطى السياسة مطلقاً، وتسعى عبر مبادرتها لتعزيز السلام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)
الخليج السعودية جددت في بيان لوزارة خارجيتها رفضها التام للاستهداف المُمنهج ضد المدنيين في غزة (الشرق الأوسط)

السعودية تدعو لتفعيل آليات المحاسبة الدولية إزاء الانتهاكات الإسرائيلية

أعربت السعودية عن إدانتها واستنكارها قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مدرسة تابعة لـ«الأونروا» ودعت لمحاسبة إسرائيل تجاه انتهاكاتها للقوانين والقرارات الدولية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج المساعدات السعودية تتواصل لمساعدة المتضررين في غزة (واس)

السعودية تكسر حاجز الإغلاق الإسرائيلي للمعابر الحدودية وتوصل المساعدات لغزة

واصلت السعودية مساعدة المتضررين في غزة بجميع الطرق والأساليب الممكنة، عبر عملية نوعية لإيصال المساعدات بهدف كسر إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر الحدودية.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
أوروبا زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر يتحدث في حفل إطلاق برنامج حزب العمال الانتخابي في مانشستر ببريطانيا في 13 يونيو 2024 (رويترز)

قصة حزب العمال منذ التأسيس حتى فوزه الجديد بالانتخابات البريطانية

بمناسبة مرور مائة عام على تسلّم حزب العمال السلطة في بريطانيا للمرة الأولى عام 1924، يعود الحزب المحسوب على يسار الوسط، ليترأس السلطة التنفيذية بعد غياب 15 سنة.

شادي عبد الساتر (بيروت)

خطة باكستان لشن عمليات ضد المتطرفين تواجه معارضة شديدة

سيارات جيب عسكرية باكستانية وجنود يقومون بعملية تطهير في شمال وزيرستان (الجيش الباكستاني)
سيارات جيب عسكرية باكستانية وجنود يقومون بعملية تطهير في شمال وزيرستان (الجيش الباكستاني)
TT

خطة باكستان لشن عمليات ضد المتطرفين تواجه معارضة شديدة

سيارات جيب عسكرية باكستانية وجنود يقومون بعملية تطهير في شمال وزيرستان (الجيش الباكستاني)
سيارات جيب عسكرية باكستانية وجنود يقومون بعملية تطهير في شمال وزيرستان (الجيش الباكستاني)

تواجه الحكومة والجيش الباكستانيان معارضة شديدة من قِبل الأحزاب السياسية في خيبر بختونخوا، لتخطيطهما لشنّ هجوم عسكري جديد ضد حركة «طالبان» الباكستانية.

وأعلنت حكومة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، في وقت مبكر من الشهر الحالي، خطة لشن هجوم عسكري شامل ضد حركة «طالبان» الباكستانية في المناطق الحدودية مع أفغانستان، وقالت القيادة العسكرية للبلاد، في بيان صحافي، إن العملية العسكرية باتت ضرورة مُلِحة لتحقيق الاستقرار في البلاد.

3 أحزاب معارضة ضد الخطة العسكرية

ومع ذلك، قالت ثلاثة أحزاب معارضة -بما في ذلك حزب «تحريك إنصاف» بقيادة (رئيس الوزراء السابق) عمران خان، وحزب «جماعة علماء الإسلام» بقيادة مولانا فضل الرحمن، وحزب «عوامي الوطني»، في تصريحات عامة-: إن هذه العملية العسكرية ستؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد بشكل كبير.

القوات الباكستانية تقف بالقرب من أحد المباني بعد انفجار قنبلة في مدينة ديرا إسماعيل خان (الجيش الباكستاني)

وفي عملية عسكرية سابقة ضد حركة «طالبان» باكستان عام 2009، أجلت الحكومة الباكستانية ثلاثة ملايين شخص من وادي سوات، قبل أن تتمكّن من إرسال الجيش؛ الأمر الذي تسبّب في معاناة كبيرة للسكان، ولذلك تعارض الأحزاب السياسية العملية الحالية؛ بسبب الخوف من نزوح السكان المحليين على نطاق واسع.

ويحتاج القادة العسكريون الباكستانيون بشدة إلى بناء إجماع سياسي، قبل أن يتمكنوا من إرسال قوات إلى المنطقة لشنّ عمليات عسكرية.

انتشار جنود باكستانيين مسلحين بأسلحة ثقيلة في شمال وزيرستان (الجيش الباكستاني)

جدير بالذكر أن جميع القادة العسكريين، منذ الجنرال مشرف، قد طالبوا بالحصول على شرعية من الجهات السياسية الفاعلة، قبل إرسال قواتهم للقيام بعمليات عسكرية في المناطق القبلية أو في وادي سوات.

ولا يزال الشعب الباكستاني يحمل ذكريات حية عن الطريقة التي اعتادت بها حكومتا حزب «الشعب» الباكستاني، وحزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية» في السابق؛ إذ يجري جمع اللاعبين السياسيين كافّة حول طاولة واحدة في منزل رئيس الوزراء، لبناء توافق في الآراء حول العمليات العسكرية الوشيكة.

ولطالما أكد القادة العسكريون أنهم يحتاجون دائماً إلى الحصول على الدعم السياسي والشرعية من اللاعبين السياسيين، قبل إرسال قواتهم لشنّ عمليات عسكرية، وقد مارسوا الضغوط على الحكومات السياسية لبناء توافق سياسي لدعم العمليات العسكرية، وكان هذا هو الوقت الذي انتشرت فيه التقارير عن حالات الفرار من صفوف القوات شبه العسكرية المنتشرة في المناطق القبلية.

وكان التوافق السياسي أداة قوية في أيدي القادة العسكريين للحفاظ على تماسك قواتهم، وعلاوة على ذلك، فإن الجيش أراد أن يتمتع بخيار احتياطي في حال حدوث أي أخطاء.

مواطنون يحيّون بعضهم بعد صلاة عيد الفطر في كراتشي بباكستان 10 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

ومنذ عام 2014، أصبح المشهد السياسي الباكستاني شديد الاستقطاب بشكل عميق، ويقول المراقبون السياسيون إن التوافق السياسي غير ممكن في ظل هذه الظروف، حتى لو كنا نواجه وضعاً يشبه الحرب الأهلية.

وغيّر القادة العسكريون في هذه الفترة مرشحيهم في السباق السياسي مرتين، إذ استخدموا أولاً عمران خان بوصفه «حصان طروادة»؛ لكسر التوافق الذي يقوده زرداري ونواز شريف، والذي كان يحاول إبعاد الجيش عن السياسة.

قواعد دعم في خيبر بختونخوا

وأبدت «حركة تحريك إنصاف»، و«عوامي الوطني»، و«جماعة علماء الإسلام» -وهي الأحزاب السياسية الثلاثة ذات الصلة بالعمليات العسكرية، لأن لديها قواعد دعم في خيبر بختونخوا، وهي المنطقة التي يجب أن تُجرى فيها العمليات- رفضها علانية شن العمليات العسكرية الجديدة التي أعلنها رئيس الوزراء شهباز شريف، ولذا اضطرت الحكومة إلى التراجع بعدها.

جنود الجيش الباكستاني في حالة استنفار بالقرب من موقع تفجير إرهابي خارج مسجد الشرطة في بيشاور (إ.ب.أ)

وخلال الأسبوعين الأولين من أبريل الماضي، نفّذت القوات الباكستانية خمس غارات، مستندة إلى معلومات استخباراتية على مخابئ للمسلحين في منطقتي وزيرستان الشمالية والجنوبية في خيبر بختونخوا.

وقال مسؤولون عسكريون إنه خلال هذه الغارات الخمس قتلت قوات الأمن الباكستانية ما لا يقل عن 15 هدفاً من ذوي القيمة العالية والمسلحين.

معلومات استخباراتية

وأوضح المسؤولون أن كل هذه العمليات كانت تستند إلى معلومات استخباراتية، وهو ما يعني عملياً أنه في كل غارة من هذه الغارات قدّمت أجهزة الاستخبارات الباكستانية معلومات حول وجود أهداف عالية القيمة في تلك المخابئ المحددة، التي داهمتها القوات الباكستانية بعد ذلك.

وأوضح رئيس الوزراء الباكستاني، في وقت لاحق، أنه لا يجري التخطيط لشن أي عمليات واسعة النطاق، ولن يكون من الخطأ القول إن الجيش الباكستاني يخوض عملية عسكرية في المناطق الحدودية الباكستانية- الأفغانية بالفعل منذ وصول حركة «طالبان» إلى السلطة في كابل.

وقد كثّف الجيش الباكستاني عمليات ذات النطاق الصغير في المناطق الحدودية لمنع الجماعات المسلحة، بما في ذلك حركة «طالبان» الباكستانية، وغيرها من الجماعات الأخرى التي شُكلت مؤخراً، والتي تُعد امتداداً لحركة «طالبان» الباكستانية.

جدير بالذكر هنا أن حركة «طالبان» الباكستانية ومقاتليها لا يتمركزون في منطقة معينة من المنطقة الحدودية الباكستانية- الأفغانية، وإنما ينتشرون في جميع أنحاء المقاطعات الـ7 للمناطق القبلية السابقة، وفي معظم الأوقات، يختبئ مقاتلو حركة «طالبان» الباكستانية في مساكن خاصة مبنية من الطين في وزيرستان الشمالية والجنوبية.

ولا يمكن للجيش أن يظل في حالة تأهب أو أن ينشر قواته في المناطق السكنية في هذه المناطق، ولذا فإنه يضطر إلى الاعتماد على أجهزة الاستخبارات لتزويده بمعلومات دقيقة حول وجود المسلحين في أي منطقة بعينها.