ما الانعكاسات المحتملة لانتخابات تايوان على العلاقة مع الصين؟

«هوانغ جي» (يسار) عضو مجلس مدينة كاوشيونغ والمرشحة التشريعية للحزب الديمقراطي التقدمي خلال تقديمها من قبل «لاي تشينغ - تي» (إلى اليمين) المرشح الرئاسي للحزب 7 يناير 2024... فاز المرشحان لاحقاً بالانتخابات في تايوان في 13 يناير (أ.ف.ب)
«هوانغ جي» (يسار) عضو مجلس مدينة كاوشيونغ والمرشحة التشريعية للحزب الديمقراطي التقدمي خلال تقديمها من قبل «لاي تشينغ - تي» (إلى اليمين) المرشح الرئاسي للحزب 7 يناير 2024... فاز المرشحان لاحقاً بالانتخابات في تايوان في 13 يناير (أ.ف.ب)
TT

ما الانعكاسات المحتملة لانتخابات تايوان على العلاقة مع الصين؟

«هوانغ جي» (يسار) عضو مجلس مدينة كاوشيونغ والمرشحة التشريعية للحزب الديمقراطي التقدمي خلال تقديمها من قبل «لاي تشينغ - تي» (إلى اليمين) المرشح الرئاسي للحزب 7 يناير 2024... فاز المرشحان لاحقاً بالانتخابات في تايوان في 13 يناير (أ.ف.ب)
«هوانغ جي» (يسار) عضو مجلس مدينة كاوشيونغ والمرشحة التشريعية للحزب الديمقراطي التقدمي خلال تقديمها من قبل «لاي تشينغ - تي» (إلى اليمين) المرشح الرئاسي للحزب 7 يناير 2024... فاز المرشحان لاحقاً بالانتخابات في تايوان في 13 يناير (أ.ف.ب)

أظهر الفوز الثالث على التوالي (السبت الماضي) في الانتخابات الرئاسية التايوانية لمرشح الحزب الحاكم المؤيد للاستقلال، مناخاً عاماً تايوانياً يتمسّك بالنهج «الاستقلالي» الذي تتّبعه الجزيرة المتمتّعة بالحكم الذاتي وشبه المستقلّة، في علاقاتها مع الصين، وبيّنت نتائج الانتخابات إخفاق التهديدات الصينية في منع مرشّح تصنّفه بكين «انفصالياً»، من الوصول إلى رئاسة تايوان.

لاي تشينغ - تي (في الوسط) المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم وهسياو بي - كيم (إلى اليمين) المرشحة لمنصب نائب الرئيس خلال احتفال بعد فوزهما في الانتخابات الرئاسية بتايبيه بتايوان 13 يناير 2024 (إ.ب.أ)

فوز جديد للاستقلاليين بالرئاسة التايوانية

فاز لاي تشينغ - تي مرشح الحزب الحاكم في انتخابات الرئاسة التايوانية التي أجريت السبت الماضي 13 يناير (كانون الثاني)، والتي كانت وصفتها الصين بأنها خيار بين الحرب والسلام، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء.

صحف محلية صادرة في 14 يناير 2024 تعنون فوز «الحزب الديمقراطي التقدمي» الحاكم في الانتخابات الرئاسية التايوانية، تايبيه بتايوان (أ.ف.ب)

مع حصول الفائز لاي تشينغ - تي (صاحب التوجه الاستقلالي عن الصين) على ما يزيد قليلاً على 40 في المائة من الأصوات بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في تايوان، مقارنة بنسبة 57 في المائة قبل 4 سنوات للرئيسة التايوانية الحالية تساي إنغ وين، والتي تنتهي ولايتها في مايو (أيار) المقبل، فإن التصويت للحزب الرئاسي الحاكم (الحزب الديمقراطي التقدمي)، شهد تراجعاً واضحاً، لكن الانتخابات الأخيرة كرّست للمرة الأولى، منذ التحوّل الديمقراطي في الجزيرة منتصف التسعينات، فوز حزب سياسي تايواني بثلاثة انتخابات رئاسية متتالية.

سيناريو مظلم لبكين أن ينتصر الحزب الداعم لإعلان استقلال تايوان، وفق تقرير الأحد 14 يناير لصحيفة «لوموند» الفرنسية. انتصار لاستقلاليي تايوان في حين صمم قادة الحزب الشيوعي الصيني منذ عقود على ما يرونه "إعادة توحيد تايوان" بالبر الصيني.

كما أنّ قادة الحزب الحاكم في تايوان كرروا أنهم سيحافظون على الوضع الراهن في العلاقة بين تايوان والصين، أي ممارسة تايوان سيادة فعلية ومستقلة عن الصين دون إعلان رسمي للاستقلال. وبالتالي فإن «الحزب الديمقراطي التقدمي» التايواني الحاكم سيحتفظ في ميثاقه بالسعي إلى الاستقلال. وفي المقابل، ستُبقي الصين على «ذريعة حرب» تهدّد بها تايوان في محاولة لإخضاعها.

الرئيس الصيني شي جينبينغ يحضر جلسة افتتاحية لمؤتمر في قاعة الشعب الكبرى في بكين بالصين في 4 مارس 2023 (رويترز)

الخبر السار الوحيد بالنسبة لبكين في نتائج انتخابات تايوان، بحسب تقرير السبت لموقع «بوليتيكو»، هو أن «الحزب الديمقراطي التقدمي» خسر أغلبيته البرلمانية المطلقة، ما يجعل هذا الحزب مضطراً - من أجل تمرير التشريعات البرلمانية - لأن يعقد ائتلافات برلمانية مع حزبين آخرين، هما «الكومينتانغ» و«حزب الشعب التايواني»، حيث لديهما مواقف تميل إلى التقارب مع بكين.

وقد نال الحزب التايواني الحاكم «الحزب الديمقراطي التقدمي» 51 مقعداً من مجموع 113 مقعداً في البرلمان التايواني بعد أن كان للحزب 61 مقعداً، أي تمتّع بأغلبية مطلقة في البرلمان السابق، وفق أرقام «المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية» الأميركية المختصة بشؤون الانتخابات.

هو يو - إيه المرشح الرئاسي لحزب «الكومينتانغ» يتحدث إلى أنصاره في مدينة تايبيه الجديدة بتايوان 13 يناير 2024 (رويترز)

وحصل حزب «الكومينتانغ» على 52 مقعداً في البرلمان، بعد أن نال 38 مقعداً في البرلمان السابق، وهو كذلك لا يتمتع بأغلبية مطلقة في البرلمان التايواني الحالي. ونال «حزب الشعب التايواني» ثمانية مقاعد (حصل على 5 مقاعد في البرلمان السابق)، ما قد يجعل هذا الحزب «صانع الملوك» بوصفه شريكاً أساسياً محتمَلاً في الائتلافات البرلمانية.

وقد تعهد الرئيس التايواني المُنتخب «لاي» بالعمل على تأمين الإجماع في البرلمان، وهو ما قد «يخفف» من بعض أجندته السياسية، وفق تقرير الأحد لشبكة «سي إن بي سي» الأميركية.

حرس الشرف ينزلون العلم التايواني في ساحة الحرية في تايبيه بتايوان 16 يناير 2024 (أ.ب)

رفض التهديدات الصينية

يمثّل الفوز الثالث على التوالي للحزب الحاكم الاستقلالي (الحزب الديمقراطي الاشتراكي) في تايوان، رفضاً جديداً من الناخبين التايوانيين لتكتيكات التهديد بالقوة التي تنتهجها بكين، حسب تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية السبت الماضي.

أنصار «الحزب الديمقراطي التقدمي» يحتفلون خلال مسيرة حاشدة عقب فوز لاي تشينغ - تي في الانتخابات الرئاسية في تايبيه بتايوان في 13 يناير 2024 (رويترز)

في السنوات الأخيرة، ازدادت سلسلة التهديدات التي توجّهها بكين إلى تايبيه، وتمثّلت بشكل خاص بمناورات عسكرية منها ما حاكى حصاراً لجزيرة تايوان. كما أنّ الجيش الصيني قال الجمعة الماضي، عشية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التايوانية الأخيرة (السبت)، إنه «سيسحق» أي مساعٍ مؤيدة لاستقلال تايوان، التي تعدها الصين جزءاً من أراضيها، فيما ترفض تايوان أن تكون جزءاً من الصين، حيث يغلب على الجزيرة التي لم تخضع يوماً لحكم الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، شعور عام بالخصوصية، وبالاستقلالية عن الصين، وهو ما أظهرته الانتخابات الأخيرة عن طريق انتخاب التايوانيين لرئيس يدعم التوجّه الاستقلالي للجزيرة.

واتهم الناطق باسم وزارة الدفاع الصينية جانغ شياو غانغ، «الحزب الديمقراطي التقدمي» الحاكم في تايوان، بدفع الجزيرة «نحو ظروف الحرب الخطيرة»، من خلال شراء أسلحة من الولايات المتحدة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

التهديدات الصينية كان الهدف منها بشكل خاص التأثير على خيار الناخبين التايوانيين عن طريق التلويح بالحرب، إلّا أنّ نتائج الانتخابات التي فاز بها مرشّح الحزب الاستقلالي (الحزب الديمقراطي التقدمي) أظهرت بشكل عام، تجاهل الناخبين التايوانيين لهذه التهديدات، وفق «سي إن إن».

مستشار الأمن القومي الأميركي السابق ستيفن هادلي (على اليسار) بينما تتحدث رئيسة تايوان تساي إنغ - وين في المكتب الرئاسي في تايبيه بتايوان الاثنين 15 يناير 2024 (أ.ب)

رئيس جديد تعدّه بكين «مثيراً للمشاكل»

من وجهة نظر بكين، يُعَد لاي تشينغ - تي (رئيس تايوان المُنتخب السبت)، انفصالياً و«مثيراً للمشاكل تماماً» بسبب التعليقات التي أدلى بها لأول مرة في عام 2017 بوصفه رئيسا لوزراء تايوان بشأن كونه «عاملاً» من أجل الاستقلال الرسمي لتايوان، وهو خط أحمر ترفضه بكين. وفي العام التالي، قال «لاي» للبرلمان التايواني إنه يعمل عملياً من أجل استقلال تايوان، مما دفع آنذاك إحدى أبرز الصحف الصينية، وهي صحيفة «غلوبال تايمز»، إلى دعوة الصين لإصدار مذكرة اعتقال دولية بحق «لاي» ومحاكمته بموجب قانون «مكافحة الانفصال الصيني» الصادر عام 2005، وفق تقرير الأحد لصحيفة «ذا كوريا هيرالد» الكورية الجنوبية.

نائب الرئيسة التايوانية لاي تشينغ - تي المعروف أيضاً باسم ويليام لاي يحتفل بانتصاره بالانتخابات الرئاسية التايوانية في تايبيه بتايوان السبت 13 يناير 2024 (أ.ب)

وقد تمسّك «لاي» خلال حملته الانتخابية الأخيرة، بخط الرئيسة تساي إنغ - وين القائل بأن جمهورية الصين - الاسم الرسمي لتايوان - وجمهورية الصين الشعبية «ليستا تابعتين لبعضهما بعضاً». وقال «لاي»، الذي فاز في انتخابات يوم السبت، مراراً وتكراراً خلال الحملة الانتخابية، إنه يريد الحفاظ على الوضع الراهن مع الصين، وعرض التحدث مع بكين على قاعدة احترام الصين لوضع تايوان.

وبيّن فوز «الحزب الديمقراطي التقدّمي» بالانتخابات، وفق تقرير «سي إن إن»، أن «تايوان دولة ذات سيادة بحكم الأمر الواقع، ويجب عليها تعزيز الدفاعات ضد تهديدات الصين وتعميق العلاقات مع الدول الديمقراطية الشقيقة، حتى لو كان ذلك يعني العقاب الاقتصادي أو التخويف العسكري من قبل بكين».

مقاتلة صينية خلال تدريبات عسكرية حول جزيرة تايوان نفذتها قيادة المسرح الشرقي ﻟ«جيش التحرير الشعبي الصيني» في نانجينغ شرق الصين 8 أبريل 2023 (أ.ب)

استمرار «استراتيجية التهديد»

هذا التوجّه الاستقلالي لدى الحزب الحاكم في تايوان، والذي يستمر مع الرئيس الجديد المُنتخب، لا ينذر بتحسين العلاقة مع بكين التي تضع نصب عينيها «إعادة توحيد» تايوان بالبر الصيني، مخالفة بذلك التوجّه العام الاستقلالي في تايوان والذي أكدته نتائج الانتخابات الأخيرة.

خلال حفل لرفع العلم الوطني الصيني في ميدان تيانانمن في بكين بالصين 1 يناير 2024 (إ.ب.أ)

فوفق شبكة «بي بي سي» البريطانية في تقرير لها الأحد، من غير المرجّح أن توافق الصين على أي حوار مع الرئيس التايواني الجديد، فيما يبقى الانقطاع في المفاوضات الرسمية بين تايوان والصين مستمراً منذ عام 2016.

نتائج انتخابات السبت في تايوان، ستعني أيضاً استمرار الوضع المتوتر للغاية الموجود بالفعل في مضيق تايوان، لا سيما نتيجة الرفض الصيني للتوجه الاستقلالي للحزب الحاكم في تايبيه، مع ترجيح استمرار كثافة التوغلات شبه اليومية للسفن والطائرات العسكرية الصينية في المياه والأجواء التايوانية بوصف ذلك استعراضاً للقوة وتهديداً ضد تايوان.

مقاتلة تايوانية من الصنع المحلي في مناورة عسكرية بالذخيرة الحية تحاكي سيناريو غزو عدو في تايتشونغ بتايوان 16 يوليو 2020 (رويترز)

ويمكن أن تعرب بكين عن استيائها من نتائج الانتخابات التايوانية التي أعادت انتخاب الحزب الحاكم الذي يقود سياسة استقلالية عن بكين، من خلال إجراء الصين عرضاً كبيراً للقوة العسكرية في مضيق تايوان، كما فعلت بكين بعد أن زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي تايبيه في عام 2022، واتهمت تايوان الصين حينها بأنها تحاكي حصاراً وشيكاً على الجزيرة.

سفينة تابعة للبحرية الصينية في بحر الصين الجنوبي في 4 أكتوبر 2023 (رويترز)

ومن المرجّح أن تكثّف الصين ضغوطها الاقتصادية والدبلوماسية على الجزيرة، من خلال السعي لسحب مزيد من الدول الصغيرة اعترافها بتايوان، وفرض عقوبات على مزيد من الشركات والمنتجات والأفراد التايوانيين.

واليوم، تعترف 12 دولة فقط رسمياً بتايوان. وحوّلت الولايات المتحدة الاعتراف الدبلوماسي من تايبيه إلى بكين في عام 1979، إلّا أنّ واشنطن تظل أقوى حليف للجزيرة، وتقدّم لها المساعدات وتبيعها الأسلحة. وتعهدت بالمساعدة في حالة وقوع هجوم صيني على الجزيرة.

المدمِرة الأميركية «يو إس إس بينفولد» المجهّزة بصواريخ موجهة تعبر بحر الفلبين في 14 يونيو 2018 (رويترز)

ومن غير المرجّح أن تشنّ الصين اجتياحاً للجزيرة تلبية للهدف القديم والحاضر للحزب الشيوعي الحاكم في الصين ﺑ«إعادة توحيد تايوان». فرغم أنّ هذا الهدف هو من أولويات النظام الصيني، فإنّ احتمال خوض الصين مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة الحليفة والداعمة العسكرية لتايوان، يقلّل من احتمالات إقدام بكين على هذه الخطوة، لما يترتب عليها من احتمالات خسائر كبيرة يتعرّض لها الاقتصاد الصيني عبر القطيعة المحتملة مع دول الغرب بشكل عام نتيجة صدام مع واشنطن، إضافة إلى حسابات الخسائر العسكرية والبشرية الكبيرة التي ستنجم عن مواجهة بين قوّتين عظميين.

إلّا أنّ الصين تراقب عن كثب تطوّر الجبهات الملتهبة في شرق أوروبا والشرق الأوسط، وتتابع كيفية التعامل الأميركي مع هذه الأزمات، لاستخلاص استنتاجات، بانتظار فرصة سانحة تُقدِم فيها بكين على خطوة عسكرية كبيرة في مضيق تايوان.

فرقاطة صواريخ موجهة أسترالية (يسار) مع سفينة هجومية برمائية أميركية وطراد صواريخ كروز موجّه أميركي ومدمِرة أميركية مجهّزة بصواريخ موجّهة في بحر الصين الجنوبي 18 أبريل 2020 (رويترز)

التخوّف من مصير هونغ كونغ

عادت هونغ كونغ عام 1997 إلى السيادة الصينية، بعد أن سلّمتها بريطانيا إلى بكين بموجب اتفاق بين المملكة المتحدة والصين تعهّد المحافظة على الحريات المدنية للمدينة وأسلوب الحياة الديمقراطي، لينتهي الحكم البريطاني للجزيرة الذي دام لأكثر من قرن ونصف.

الرئيس التايواني المنتخَب لاي تشينغ - تي ونائبة الرئيس هسياو بي - كيم في مقر «الحزب الديمقراطي التقدمي» في تايبيه بتايوان مع وفد من مسؤولين أميركيين جاءوا للزيارة بعد الانتخابات لتأكيد استمرار الدعم الأميركي لتايوان، الاثنين 15 يناير 2024 (أ.ب)

وفرضت بكين قانوناً صارماً للأمن القومي في عام 2020 قيّد الحرّيات وخصوصية النظام في هونغ كونغ، ما جعل التايوانيين يتخوّفون من مبدأ «دولة واحدة ونظامان» (المُعتمد في هونغ كونغ منذ تسلّم الصين للمدينة عام 1997) والذي تَعرضه الصين أيضاً على تايوان، إذ وجد التايوانيون أن هذا المبدأ لا يقدّم لهم أي ضمانة بالاحتفاظ بنظامهم الخاص، وفق تقرير «لوموند».

وفي تايوان، يتزايد الشعور بالبعد عن البر الصيني. فإذا كان أكثر من 90 في المائة من سكان الجزيرة ينحدرون من أصول صينية هاجروا إلى تايوان في القرون الأخيرة، فإن أكثر من 62 في المائة اليوم من سكان تايوان يعرّفون أنفسهم بوصفهم تايوانيين فقط، مقارنة بنحو 17 في المائة في عام 1992؛ ويعد 30.5 في المائة من سكان الجزيرة أنفسهم تايوانيين وصينيين، مقارنة بـ46 في المائة قبل ثلاثة عقود، حسب أرقام جامعة تشينغتشي الوطنية التايوانية.

حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس رونالد ريغان» تغادر ميناء فيكتوريا في هونغ كونغ بعد زيارة للميناء في 25 نوفمبر 2018 (رويترز)

إعلان استقلال مستبعَد

رغم تزايد الشعور الاستقلالي في تايوان، فإنه من غير المرجّح حالياً إقدام تايبيه على إعلان استقلالها عن الصين التي تعد الجزيرة جزءاً منها، وذلك لما يمكن أن يترتب على هكذا إعلان من مواجهة عسكرية مع بكين، وخسائر فادحة يتكبّدها الاقتصاد التايواني نتيجة تلك المواجهة. كما أن مواقف الولايات المتحدة وهي الداعمة الأولى لتايوان، ما زالت تؤكدّ التمسّك بسياسة الحفاظ على الوضع القائم في تايوان، أي أن واشنطن مستمرة بدعم تايبيه ونظام الحكم الديمقراطي فيها، ولكن دون أن تؤيد واشنطن إعلان الجزيرة استقلالها عن بكين، وذلك في إطار سياسة «الغموض الاستراتيجي» التي تتّبعها الإدارات الأميركية منذ سنوات تجاه تايوان، ومن المستبعد أن تتخلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن هذه السياسة.

الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي كلمة في ديترويت بولاية ميشيغان بالولايات المتحدة في 17 نوفمبر 2021 (رويترز)

فقد أبقت واشنطن طيلة العقود الماضية على ما يسمى «الغموض الاستراتيجي» بشأن ما إذا كانت ستتدخل عسكرياً في تايوان ضد أي هجوم عسكري صيني ضد الجزيرة، وهي سياسة مصممة لدرء غزو صيني لتايوان، وثني تايبيه عن إعلان الاستقلال رسمياً عن بكين، وفق تقرير لقناة الحرّة الأميركية. لكن الرئيس الأميركي جو بايدن حذّر الصين في أكثر من مناسبة مشيراً إلى أنّ واشنطن ستتدخّل لحماية تايوان بوجه اجتياح صيني.

فقد ازداد النقاش بين الحزبين الكبيرين في واشنطن مؤخراً، بشأن ما إذا كان التحول إلى «الوضوح الاستراتيجي» هو الأفضل حالياً، بالنظر إلى نهج بكين العدائي المتزايد تجاه تايوان في السنوات الأخيرة.

وتأتي ظروف الصراعات العسكرية الحالية المستمرة، في أوروبا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا (في فبراير/شباط 2022)، وفي الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل و«حماس» (في أكتوبر/تشرين الأول 2023)، لتعزز موقف الإدارة الأميركية المتمسّك بالحفاظ على الوضع الراهن في تايوان، في مساعي واشنطن لإضعاف احتمال اندلاع صراع عسكري كبير في شرق آسيا.

قوات مسلحة تايوانية تجري مناورة عسكرية لإظهار الاستعداد القتالي في قاعدة عسكرية في كاوشيونغ بتايوان يناير 2023 (رويترز)

ويبقى الخطر الكبير الذي يتهدّد الاقتصاد العالمي فيما إذا اندلعت حرب في مضيق تايوان - أحد أهم ممرات التجارة العالمية - دافعاً أساسياً لتمسّك واشنطن بموقفها الرافض لإعلان تايوان استقلالها عن الصين، وذلك رغم استمرار واشنطن بتقديم الدعم السياسي والعسكري الكبير لتايوان. ثم إنّ كون تايوان المنتج والمصدّر الأوّل لتكنولوجيا أشباه الموصلات (نحو 90 في المائة من الإنتاج العالمي) -

هي مركّب هام يستخدم في الصناعات التكنولوجية الحديثة كالهواتف وأجهزة الكمبيوتر والسيارات والطائرات والأسلحة - هو أيضاً أحد أبرز الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تستمر بثني تايوان عن إعلان الاستقلال، حرصاً على تخفيض احتمالات صِدام عسكري في مضيق تايوان، صِدام من شأنه أن يشكّل خطراً كبيراً على مصانع هذه التكنولوجيا العالمية، ويهدّد سلاسل توريدها.

خريطة تظهر تايوان (Taiwan) على الخريطة وموقعها الجغرافي على مقربة من البر الصيني (متداولة)

خلاف حول الشرعية التاريخية

تبلغ مساحة تايوان 36.197 كم2 وعدد سكّانها حوالي 24 مليون نسمة. وتبعد الجزيرة الواقعة في المحيط الهادي حوالي 130 كم عن ساحل جنوب شرق الصين.

أصبحت تايوان تحت السيطرة الكاملة لإمبراطورية أسرة كينغ الصينية في أواخر القرن السابع عشر (سنة 1683)، ثم مستعمرة يابانية في عام 1895، بعد خسارة إمبراطورية كينغ في الحرب الصينية اليابانية الأولى. ثم في عام 1945، بعد خسارة اليابان الحرب العالمية الثانية، استولت الصين على الجزيرة، ولكنّ تايوان أصبحت تحت حكم حكومة قومية في الصين بقيادة الجنرال تشيانغ كاي تشيك.

الزعيم تشيانغ كاي تشيك الذي حكم تايوان (1949-1975) في هذه الصورة الملتقطة له باللباس العسكري خلال الحرب العالمية الثانية (متداولة)

وعندما فاز الشيوعيون في عام 1949 في الحرب الأهلية الصينية، فرّ تشيانغ وما تبقى من الحزب القومي المعروف باسم «الكومينتانغ»، من الصين إلى تايوان، حيث حكموا الجزيرة لعقود عدة، وأطلقوا على الجزيرة اسم «جمهورية الصين»، وهو الاسم الذي احتفظت به تايوان.

ويشير الحزب الشيوعي الصيني إلى التاريخ الذي كانت فيه تايوان تحت الحكم الصيني للمطالبة بتايوان. ولكنّ التايوانيين يشيرون إلى التاريخ الذي لم يكونوا فيه جزءاً من الدولة الصينية الحديثة التي تشكلت لأول مرة بعد ثورة عام 1911 في الصين (وكانت حينها تايوان تحت الاستعمار الياباني) ـ ولم يكونوا كذلك جزءاً من «جمهورية الصين الشعبية» (الشيوعية) التي تأسست بقيادة ماو تسي تونغ عام 1949.


مقالات ذات صلة

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

شمال افريقيا مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

تلاحق عشرات الطعون نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، لتضاف إلى سلسلة طعون رافقت المرحلة الأولى، وأدت إلى إعادة الانتخابات ببعض الدوائر.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون أمام اللجان في انتخابات إعادة إحدى الدوائر الملغاة بالإسكندرية الأربعاء (تنسيقية شباب الأحزاب)

تراجع جديد للمعارضة المصرية في المرحلة الثانية لانتخابات «النواب»

تتسارع استعدادات المرشحين لخوض جولات الإعادة في انتخابات مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان) وسط ضغوط كبيرة تلاحق أحزاب المعارضة

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا على الرغم من قبول البعض بمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية فإنهم أبدوا مخاوفهم من عقبات كبيرة تعترض المسار الذي اقترحته المفوضية (مفوضية الانتخابات)

كيف يرى الليبيون إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل؟

رفض مجلس حكماء وأعيان طرابلس إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وجود دستور، وذهب إلى ضرورة تجديد الشرعية التشريعية أولاً عبر الانتخابات البرلمانية.

علاء حموده (القاهرة )
المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال صورة تذكارية على هامش «قمة شرم الشيخ» يوم 13 أكتوبر 2025 (إعلام حكومي)

ضغوط أميركية تواصل إرباك «التنسيقي» العراقي

نأت المرجعية الدينية في النجف عن أي حراك بشأن حسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء، في حين تحدثت مصادر عن ارتباك في خطط «الإطار التنسيقي».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي أعضاء مبادرة «عراقيون» بعد اجتماعهم في بغداد يوم 26 أبريل 2025 (الشرق الأوسط)

نخب عراقية تحذر من عودة «ظاهرة سجناء الرأي»

حذر العشرات من الناشطين والمثقفين العراقيين من تصاعد ظاهرة الدعاوى التي يقيمها في الآونة الأخيرة «مقربون من السلطة أو يحركها مخبرون سريون ضد أصحاب الرأي».

فاضل النشمي (بغداد)

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
TT

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)

أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الرسمية إلى الهند، استمرار بلاده في تزويد نيودلهي بالنفط رغم العقوبات الأميركية، بينما أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي اتفاقاً ثنائياً واسعاً لتعزيز التعاون الاقتصادي؛ بهدف رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030.

وأوضح مودي، خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع بوتين، أن الجانبين يعملان على اتفاقية للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده موسكو، ويضم كلاً من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان.

بدوره، قال بوتين، لمودي خلال المؤتمر الصحافي، إن «روسيا مزوّد موثوق للنفط والغاز والفحم وكل ما يلزم لتطوير قطاع الطاقة في الهند»، مضيفاً: «نحن مستعدون لمواصلة توريد النفط دون انقطاع لاقتصاد الهند سريع النمو».

ومن دون الإشارة مباشرة إلى النفط الروسي، شكر مودي ضيفه على «دعمه الراسخ للهند»، مشدداً على أن «أمن الطاقة ركيزة أساسية وقوية» في الشراكة بين البلدين.

وتتعرَّض نيودلهي منذ أشهر لضغوط من الولايات المتحدة التي تتهمها بالمساهمة في تمويل المجهود الحربي الروسي عبر شراء النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة. وفي أواخر أغسطس (آب)، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 50 في المائة على الصادرات الهندية، في وقت كانت تُجرى فيه محادثات ثنائية حول اتفاقية تجارة حرة. وأكد ترمب لاحقاً أنه حصل على تعهّد من مودي بوقف واردات النفط الروسي التي تُشكِّل نحو 36 في المائة من النفط المكرر في الهند.

وبحسب منصة «كبلر» للمعلومات التجارية، تراجعت المشتريات الهندية من الخام الروسي، رغم عدم صدور تأكيد رسمي من نيودلهي، بينما أعلنت مجموعات هندية عدة أنها ستتوقف عن الاعتماد على الواردات المقبلة من موسكو.

وكان مودي قد استقبل بوتين شخصياً، مساء الخميس، في مطار نيودلهي، واستضافه على مأدبة عشاء خاصة. ومنذ بداية الزيارة، تبادل الجانبان عبارات الإطراء وأشادا بمتانة العلاقات التاريخية بين البلدين.

ووصف مودي ضيفه أمام الصحافيين بأنه «صديق حقيقي»، معرباً عن تفاؤله بإمكان إيجاد تسوية للنزاع في أوكرانيا، ومؤكداً أنه «علينا جميعاً العودة إلى طريق السلام».

وردَّ بوتين بشكر جهود مودي «الرامية إلى إيجاد تسوية لهذا الوضع»، مشيداً بالعلاقات «العميقة تاريخياً» بين البلدين وبـ«الثقة الكبرى في التعاون العسكري والتقني» بينهما.

ويسعى البلدان إلى إعادة التوازن في المبادلات التجارية التي بلغت مستوى قياسياً وصل إلى 68.7 مليار دولار خلال عامَي 2024 – 2025، رغم أنها تُظهر حالياً اختلالاً كبيراً لصالح روسيا. وما زالت الهند تمتنع عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل صريح، مع حفاظها في الوقت ذاته على علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.

وكان مودي قد عبّر لأول مرة عام 2022 خلال لقاء في أوزبكستان عن موقفه حيال الأزمة، حين دعا إلى وقف الحرب «في أسرع وقت ممكن»، مؤكداً لاحقاً تمسكه بنظام عالمي «متعدد الأقطاب» ومقاومة الضغوط الغربية لقطع العلاقات مع موسكو.

واستغلت روسيا والهند الزيارة لمناقشة التعاون في المجال العسكري. وقال الدبلوماسي الهندي الكبير فيكرام ميسري إن وزيرَي الدفاع في البلدين عقدا اجتماعاً، من دون التوقيع على أي اتفاق جديد. ورغم توجه نيودلهي مؤخراً إلى مورِّدين آخرين مثل فرنسا، وزيادة اعتمادها على التصنيع المحلي، فإن موسكو لا تزال من أبرز مورِّدي السلاح للهند.

وبعد الاشتباكات التي شهدتها الحدود الهندية - الباكستانية في مايو (أيار)، أبدت نيودلهي اهتماماً بالحصول على منظومات دفاع جوي روسية متقدمة من طراز «إس - 400». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قبل الزيارة: «لا شك أنه سيتم بحث هذا الموضوع خلال الزيارة». كما أشارت تقارير صحافية هندية إلى اهتمام الجيش الهندي بالمقاتلات الروسية من طراز «سوخوي - 57».

ومن المقرر أن يغادر بوتين الهند عائداً إلى موسكو، مساء الجمعة.


خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
TT

خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)

عكست نتائج القمة الروسية الهندية إصرار موسكو ونيودلهي على إطلاق مرحلة جديدة لتعزيز التعاون في كل المجالات، بما في ذلك في قطاعي الطاقة والدفاع وفي المجالات النووية والتقنية. وتجنبت الوثائق التي وقَّعها الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والهندي ناريندرا مودي الإشارة إلى الضغوط الأميركية على الهند لتقليص التعاون مع روسيا، لكنها رسمت ملامح «خريطة طريق» لتوسيع الشراكة بين البلدين خلال السنوات المقبلة.

وبعد جولات من المحادثات التي شارك فيها ممثلون عن قطاعات مختلفة في البلدين، شارك الزعيمان في أعمال المنتدى الروسي الهندي للتعاون، ووقَّعا عشرات الوثائق المشتركة.

ووصف بوتين نتائج المحادثات بأنها وضعت أساساً لتوسيع التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين. بينما أعلن رئيس الوزراء الهندي برنامجاً للتعاون الاقتصادي حتى عام 2030، سيساعد على تنويع التجارة والاستثمارات، وتحقيق التوازن بينهما.

جانب من حقل استقبال بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

وشملت الوثائق الجديدة التي تضاف إلى اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» المبرمة قبل 25 سنة، اتفاقية للتعاون في مجال الصحة والتعليم الطبي والعلوم، واتفاقية لتنظيم حماية المستهلك، وتعزيز الإشراف على حقوق المستهلكين في البلدين.

كما وقَّع الزعيمان اتفاقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز فرص العمل لمواطني كل دولة لدى الدولة الأخرى، وكان هذا مطلباً هندياً لتوسيع مجالات العمالة الوافدة من الهند. وركزت اتفاقية أخرى على توسيع التعاون في منطقة القطب الشمالي، وتم رفدها بمذكرتي تفاهم للتعاون في مجال الملاحة في المياه القطبية.

ومن ضمن الاتفاقات الأخرى كان هناك بروتوكول بين الهيئة الفيدرالية للجمارك الروسية والهيئة الجمركية الهندية. واتفاق لتعزيز الخدمات البريدية. وبدا أن هذه تشكل الجوانب المعلنة من الاتفاقات الجديدة التي وصل عددها بحسب مصادر الكرملين إلى 29 وثيقة.

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

إجراءات تبسط التنقل بين البلدين

كما أصدر الرئيسان بياناً مشتركاً حدد أولويات التعاون الثنائي. بعد مشاركتهما في منتدى الأعمال الروسي الهندي. وشدد البيان على إطلاق موسكو ونيودلهي إجراءات العمل على تبسيط التنقل لمواطني البلدين من خلال نظام تأشيرات ميسر. وأشار إلى تعزيز التعاون في إمدادات الطاقة، وتوسيع الصادرات الهندية إلى روسيا، وحدد أولويات تطوير التعاون الدفاعي في إعادة تركيز الشراكة العسكرية والانتقال إلى إنتاج منصات دفاعية متقدمة وتطوير أبحاث علمية.

كما نص على تسريع المشاورات بشأن بناء محطة طاقة نووية جديدة بتصميم روسي في الهند. واتفق الزعيمان على تطوير أنظمة دفع بالعملات الوطنية، وناقشا إنشاء شركات للأسمدة.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصول الزعيم الروسي إلى قاعدة بالام الجوية في نيودلهي في 4 ديسمبر 2025 وهو اليوم الأول من زيارته الرسمية التي تستغرق يومين إلى الهند (أ.ف.ب)

ووفقاً للبيان المشترك، فقد ناقش الطرفان، وأشادا عالياً بالتعاون الواسع النطاق في مجال الطاقة بوصفه عنصراً أساسياً في الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة بينهما. وأشار الطرفان إلى التعاون الحالي والمستقبلي بين الشركات الروسية والهندية في مجالات النفط ومنتجاته، والتكنولوجيات المتعلقة بالتكرير والبتروكيماويات، وخدمات الحفر، وتكنولوجيا الاستخراج والبنية التحتية ذات الصلة، والبنية التحتية المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال، والمشاريع المختلفة القائمة في البلدين، وتكنولوجيا الغاز تحت الأرض للفحم، والمشاريع النووية، وما إلى ذلك. كما شدّد الطرفان على ضرورة حلّ القضايا المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية في قطاع الطاقة بشكل عاجل، واتفقا على معالجة مختلف التحديات التي يواجهها المستثمرون في هذا القطاع.

تعاون في مجال الطاقة النووية

كما اتفق الطرفان على تعميق التعاون في إنشاء ممرات نقل مستقرة وفعالة، مع التركيز بشكل خاص على توسيع الروابط اللوجيستية لتحسين الترابط، وزيادة قدرة البنية التحتية، دعماً لتطوير «الممر النقل الدولي الشمال – الجنوب»، وممر تشيناي – فلاديفوستوك، والطريق البحري الشمالي. ورحّب الطرفان بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن إعداد المتخصصين للعمل على السفن العاملة في المياه القطبية.

أشار الطرفان إلى التعاون المثمر بين إدارات السكك الحديدية في روسيا والهند، الهادف إلى إقامة شراكات في مجال تبادل التكنولوجيا المتبادل المنفعة.

وأكدا استعدادهما لتكثيف التعاون التجاري والاستثماري في منطقة الشرق الأقصى الروسي والمنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي. ويشكل «برنامج التعاون الروسي - الهندي في المجالات التجارية - الاقتصادية والاستثمارية في الشرق الأقصى الروسي للفترة 2024–2029»، فضلاً عن «مبادئ التعاون في المنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي»، الأساس الضروري لمزيد من التعاون بين الهند والأقاليم الروسية في الشرق الأقصى، خصوصاً في مجالات الزراعة والطاقة واستغلال الثروات المعدنية واستخدام العمالة وتعدين الألماس ومعالجته والصناعات الدوائية والنقل البحري.

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

وأكد الطرفان عزمهما على توسيع التعاون في مجال الطاقة النووية، بما في ذلك دورة الوقود النووي، وضمان دورة حياة تشغيل محطة الطاقة النووية «كودانكولام»، والتطبيقات غير الطاقوية للتكنولوجيا النووية، فضلاً عن بلورة جدول أعمال جديد للتعاون في المجالات المتعلقة بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية والتكنولوجيات العالية المرتبطة بها.

وأشار الطرفان إلى أهمية التعاون في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية كجزء جوهري من الشراكة الاستراتيجية، خصوصاً مع الأخذ في الحسبان خطط حكومة جمهورية الهند لزيادة توليد الطاقة النووية في البلاد إلى 100 غيغاواط بحلول عام 2047. ورحّب الطرفان بالتقدم المحرز في مشروع محطة «كودانكولام»، بما في ذلك بناء الوحدات المتبقية، واتفقا على الالتزام بجدول تسليم المعدات والوقود.

لاحظ الطرفان أهمية مواصلة النقاش حول تخصيص موقع ثانٍ في الهند لبناء محطة طاقة نووية.

وسوف يبذل الجانب الهندي كل الجهود لتخصيص الموقع رسمياً وفقاً للاتفاقيات الموقعة سابقاً. مع الإشارة إلى أهمية التعاون في الفضاء، رحّب الطرفان بتوسيع التعاون بين مؤسسة «روسكوسموس» الروسية ومنظمة الأبحاث الفضائية الهندية في استخدام الفضاء للأغراض السلمية، بما في ذلك برامج الفضاء المأهولة والملاحة الفضائية واستكشاف الكواكب. وأشار الطرفان إلى التقدم المحرز في التعاون المتبادل المنفعة في مجال تطوير وإنتاج وتشغيل محركات الصواريخ.

منظمة شنغهاي والنظام العالمي

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

في الشق السياسي، أشار الطرفان إلى الدور المتنامي لمنظمة شنغهاي للتعاون في تشكيل النظام العالمي الجديد. وأكد دعم روسيا ترشيح الهند للعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي الموسع. كما تم توقيع حزمة كبيرة من الاتفاقيات الحكومية والوزارية والتجارية. ويهدف العديد منها إلى توسيع التعاون الاقتصادي بين روسيا والهند.

وأعلن بوتين في ختام المحادثات أن روسيا سوف تظل مورداً موثوقاً به للطاقة لنيودلهي، مؤكداً أن الأسعار التفضيلية التي تمنحها روسيا للهند سوف تظل قائمة. من دون أن يتطرق إلى التهديدات الأميركية برفع التعرفقة الجمركية على الهند في حال واصلت مشتريات موارد الطاقة من روسيا.

وقال بوتين إن حجم التجارة الروسية الهندية بلغ هذا العام 64 مليار دولار، مشيراً إلى أن خريطة الطريق الجديدة لتعزيز التعاون سوف تسهم في رفع هذا الرقم إلى 100 مليار حتى حلول عام 2030.

ورأى بوتين أن العلاقات القوية بين قطاع الأعمال في البلدين تشكل أساساً متيناً لتطوير التعاون بين موسكو ونيودلهي. وزاد أن روسيا مستعدة لشراكة واسعة مع الهند في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً في الوقت نفسه إلى توجه لتعزيز التعاون الصناعي. وتحدث الرئيس الروسي عن تحديث البنية التحتية لطريق بحر الشمال ومشروع الممر الشمالي الجنوبي.

مؤكداً أن سهولة الوصول إلى وسائل النقل والاتصالات اللوجيستية تحظى بأهمية خاصة، و«يجري العمل بالفعل على قدم وساق في هذا الاتجاه. ويجري العمل على مشروع إنشاء ممر بين الشمال والجنوب - من روسيا وبيلاروسيا إلى ساحل المحيط الهندي».

مودي، بدوره، تحدث عن شراكة مع الشركات الروسية في إنتاج المركبات الكهربائية ومكوناتها. وأعرب عن قناعة بأن التعاون في هذا المجال لن يلبي احتياجات البلدين فحسب، بل سيسهم أيضاً في تنمية دول الجنوب العالمي، كما اقترح تطوير علاجات جديدة للسرطان بشكل مشترك. وتطرق إلى إمدادات الطاقة، مؤكداً الاستعداد لضمان إمدادات الوقود دون انقطاع للاقتصاد الهندي سريع النمو.

وبات معلوماً أن الطرفين ناقشا خلال الزيارة توسيع التعاون في مجال الطاقة الذرية.

وقال مودي إن موسكو ونيودلهي تتجهان للتعاون في مجال بناء المفاعلات المعيارية الصغيرة ومحطات الطاقة النووية العائمة، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا النووية في الطب. وأكد أن محطة كودانكولام للطاقة النووية سوف تقدم مساهمة كبيرة في إمدادات الطاقة الهندية.

وأشاد مودي بالشراكة الاستراتيجية الممتدة على مدى ربع قرن مع روسيا، مؤكداً أنها صمدت وتعمقت رغم جميع التحديات والتغيرات العالمية. ووجَّه مودي الشكر للرئيس الروسي على صداقته وعمله المتفاني، مؤكداً أن «حكمة بوتين وخبرته كانتا حاسمتين في تعزيز هذه العلاقات».

وفي إطار التعاون المستقبلي، أشار مودي إلى أن الشراكة في منطقة القطب الشمالي ستحقق منفعة مشتركة، وستسهم في خلق فرص عمل للشباب الهندي.


أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
TT

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»

لم تكن قضية الدفن في اليابان مطروحة على نحو واسع في السنوات الماضية، فالمجتمع الذي اعتاد منذ عقود طويلة على الحرق (الكريماتوريوم) بوصفه الطقس الجنائزي شبه الوحيد، لم يعرف تقليد الأرض، ولا القبور المفتوحة، ولا الأبنية الحجرية التي تتعانق فوقها شواهد الموتى. في بلد تشكّل الجبال ثلاثة أرباع مساحته، وتنافس المدن بضيق شوارعها على كل شبر من اليابسة، بدا الموت نفسه خاضعاً لحسابات المكان، مسيّجاً بقواعد عمرانية وثقافية صارمة، جعلت من الحرق خياراً إجبارياً لا يخطر ببال أحد تجاوزه.

هنا، تتغلب العقيدة على الجغرافيا، وتنتصر الضرورة على الطقوس؛ فالحرق هو الخاتمة الطبيعية لأغلب اليابانيين، بنسبة تتجاوز 99 في المائة. نهاية تتماهى مع الفلسفة البوذية والشينتو، لكنها أيضاً استجابة عملية لجغرافيا لا تسمح بترف المدافن، ولا بشواهد ممتدة على مدى البصر كما يعتاد الناس في بلدان أخرى، في حين يُعامل الدفن باعتباره استثناءً نادراً، لا سند له سوى حالات خاصة أو ظروف قاهرة. لكن هذا النظام، الذي ظلّ عقوداً بلا منازع، بدأ يواجه اختباراً جديداً مع اتساع الجالية المسلمة في البلاد، والتي تتراوح أعدادها وفق تقديرات متقاطعة بين 200 و350 ألف مسلم. هذه الجالية، التي تنمو في الجامعات والمصانع والبحث العلمي والتجارة، تحمل معها تقليداً جنائزياً لا يعرف المساومة: دفن الميت في الأرض، وفق شروط شرعية ثابتة، لا حرق فيها ولا تبديل.

كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟

بدأت أسئلة جديدة تُطرح حول كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟ فجاءت الإجابة مُربكة: مساحات قليلة ومتباعدة، بعضها في أطراف كوبي، وأخرى في ريف هوكايدو البعيد، في حين تُحرم مناطق واسعة من توهوكو شمالاً إلى كيوشو جنوباً من أي موطئ قدم لمدفن إسلامي، تاركة آلاف الأسر أمام خيارات قاسية لا تعرف سوى السفر أو الترحيل أو مواجهة فراغ تشريعي لا يعترف بالحاجة.

ومع أن مطالب الجالية المسلمة لم تكن كاسحة أو مُربكة للدولة؛ إذ اقتصر طلبهم على مساحات محدودة في ضواحي المدن تُدار وفق شروط صارمة تتوافق مع القوانين الصحية، فإن التجاوب الرسمي ظل باهتاً. برزت اعتراضات محلية تتحدث عن مخاوف بيئية من تلوث المياه الجوفية، رغم أن خبراء الصحة والبيئة لم يجدوا ما يدل على خطورة الدفن الإسلامي إذا نُظّم بطريقة مناسبة.

لحظة الانفجار البرلماني

وفي خضم هذا الجدل الصامت، انفجر الملف فجأة داخل البرلمان الياباني، حين وقفت النائبة أوميمورا ميزوهو العضوة البارزة في حزب سانسيتو المحافظ، لتعلن أن اليابان «لا تحتاج إلى أي مقابر جديدة»، وأن الحرق «هو النظام الطبيعي والمتوافق مع تركيبة هذا البلد».

ومضت خطوة أبعد من ذلك، بدعوة المسلمين إلى التفكير في «بدائل منطقية»، من بينها القبول بالحرق أو ترحيل الجثامين إلى الخارج، مستشهدة بتجارب أوروبية وأميركية، كما قالت، من دون أن تذكر أن هذه التجارب نفسها تواجه انتقادات واسعة عندما تتعارض مع حقوق الأقليات الدينية.

غضب في صفوف الجالية المسلمة

وقد جاء تصريحها كصاعقة في أوساط الجالية المسلمة، التي رأت فيه إشارة واضحة إلى توجّه رسمي نحو إغلاق الباب أمام أي توسع في المقابر الإسلامية، خصوصاً بعد أن حظي كلامها بتأييد عدد من النواب الذين تحدثوا عن «عجز اليابان عن تحمل أعباء ثقافية جديدة بسبب ضيق الأرض».

فجأة، تحولت القضية من نقاش بلدي إلى مشهد سياسي وطني واسع، وبات المسلمون يشعرون بأن حقهم في الدفن وفقاً لشريعتهم يُناقَش الآن في البرلمان باعتباره عبئاً، لا احتياجاً دينيّاً وإنسانياً مشروعاً.

وبين ضغط الجغرافيا اليابانية، وتمسّك المسلمين بواجباتهم الشرعية، ومواقف سياسية تزداد تصلباً، تبدو أزمة المقابر الإسلامية مرشحة لتتحول إلى اختبار حقيقي لقدرة اليابان على مواكبة مجتمع أصبح أكثر تنوعاً مما كان عليه قبل عقد واحد فقط. وبينما تبقى القبور قليلة، يظل السؤال الأكبر معلّقاً فوق المشهد الياباني: هل ستتسع أرض اليابان للموتى المسلمين بعد أن ضاقت بحاجات الأحياء، أو أن رحلتهم الأخيرة ستظل تبدأ في اليابان... لكنها لا تنتهي فيها؟