رئيس وزراء أرمينيا: مستعدون لقبول سكان ناغورنو كارباخ من الأرمن

قال نيكول باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا، في كلمة إلى مواطنيه، اليوم (الأحد)، إن أرمينيا مستعدة لقبول جميع سكان ناغورنو كارباخ من الأرمن، وإن احتمال مغادرتهم المنطقة في ازدياد.

ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء نقلاً عن وكالة «تاس» عن باشينيان قوله: «يظل أرمن ناغورنو كارباخ عرضة للتطهير العرقي... الإمدادات الإنسانية وصلت إلى ناغورنو كارباخ خلال الأيام القليلة الماضية لكن هذا لا يغير الوضع». وتابع قائلاً: «إذا لم تتهيأ ظروف المعيشة الحقيقية للأرمن في ناغورنو كارباخ في منازلهم والآليات الفاعلة للحماية من التطهير العرقي، فالاحتمال يتزايد بأن الأرمن في ناغورنو كارباخ سيطردون من أرضهم باعتبار هذا السبيل الوحيد للخلاص».

وقالت قيادة الإقليم الانفصالي لوكالة «رويترز» للأنباء، اليوم (الأحد)، إن 120 ألفاً من عرق الأرمن في ناغورنو كارباخ سيغادرون إلى أرمينيا لأنهم لا يريدون العيش كجزء من أذربيجان ويخشون من التطهير العرقي.

إقليم قره باغ أو «الحديقة السوداء»... جذور الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

مع تجدد الاشتباكات العنيفة مجدداً بين الانفصاليين الأرمينيين والجيش الأذربيجاني، في معارك يجدها الخبراء الأكثر دموية منذ عام 2016، يشتعل مجدداً فتيل الصراع بين الدولتين المتجاورتين حول إقليم ناغورنو قرة باغ، والذي يعود النزاع عليه منذ عشرينات القرن الماضي.
وأعلن مسؤولون في المنطقة المتنازع عليها مقتل 15 مسلحاً انفصالياً أرمينياً، مما أدى إلى ارتفاع الحصيلة الإجمالية للمواجهات إلى 39 قتيلاً. وتتبادل أرمينيا وأذربيجان الاتهامات بإشعال المواجهات الدامية، حيث تقول أذربيجان إنها شنت «عملية مضادة» رداً على «العدوان» الأرمني، مستخدمة القصف المدفعي والمدرعات والقصف الجوي على الإقليم الذي خسرته منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وحرب أودت بحياة 30 ألف شخص، وباتت قره باغ على إثرها خاضعة لسيطرة الانفصاليين المدعومين من أرمينيا.
وأثارت هذه المعارك، قلقاً دولياً، حيث دعت الأمم المتحدة وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص إلى وقف فوري لإطلاق النار. وأبدت تركيا دعمها الكامل لأذربيجان، واتهمت يريفان أنقرة بالتدخل السياسي والعسكري في الصراع.

«مرتفعات الحديقة السوداء»
تقع مرتفعات قرة باغ، في جنوب غربي أذربيجان، وعاصمته سيتباناكيرت نسبة للزعيم الأرميني البلشفي ستيبان شوماهان. تبلغ مساحة الإقليم 4800 كم2 ويبعد عن باكو عاصمة أذربيجان نحو 270 كم غرباً. يغلب على الإقليم الطبيعة الجبلية كما توجد بعض الأنهار التي يستخدم ماؤها في إنتاج الكهرباء والري. وهو إقليم فقير في موارده الاقتصادية، ويعتمد النشاط الاقتصادي على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الغذائية. من المحاصيل المشهورة الحبوب والقطن والتبغ. وتمر خطوط أنابيب تنقل النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين من أذربيجان إلى الأسواق العالمية قرب ناغورنو قرة باغ.
وكلمة ناغورني تعني بالروسية جبال أو مرتفعات، أما كلمة قرة باغ فتعني الحديقة السوداء ويعرف الإقليم باسم ارتساخ في أرمينيا وهي كلمة مكونة من جزأين الأولى أرا وهو إله الشمس عند الأرمن القدماء والكلمة الثانية هي تعني الغابة أو الكرمة، لذلك يعني الاسم الأرميني غابة أو كرمة الإله أرا. أما في أذربيجان فيعرفونها باسم بخاري قرة باغ أي قرة باغ العليا.

تاريخ الصراع
تبدأ جذور الصراع في الإقليم للحقبة السوفياتية في عشرينات القرن الماضي حين قام جوزيف ستالين في عام 1923 ضم الأقلية الأرمينية (سكان قرة باغ) داخل حدود أذربيجان، وبحدود إدارية تُرسم لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانياً رغم رغبة السكان في التبعية الأرمنية، وفي المقابل تظل الأقلية الأذربيجانية في إقليم «ناختشيفان» معزولة داخل جمهورية أرمينيا. بالإضافة إلى أن السلطة السوفياتية منحت «قرة باغ» صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما كان أشبه بقنبلة موقوتة.
ولكن بعد أن تفتت العقد السوفياتي وبعد أن استقلت جمهورية أذربيجان، اندلعت الحروب بين كل من أذربيجان وجمهورية أرمينيا، كل منهما يريد ضم تلك البقعة إلى أراضيه. وكان السبب في ذلك الصراع هو ادعاء أرمينيا بأن تلك المنطقة ملكاً لها، معللة ذلك بأغلبية سكانها الأرمن. أدى ذلك الصراع إلى نزوح مئات الآلاف من الأرمن من أذربيجان إلى أرمينيا ونزوح مئات الآلاف من الأذريين من أرمينيا إلى أذربيجان.
طلب البرلمان في قرة باغ الانضمام إلى أرمينيا، وتم التصويت على ضم المنطقة إلى أرمينيا 20 فبراير (شباط) 1988. وإعلان الانفصال كان نتيجة نهائية للآتي: «إن السلطة الأذرية السوفياتية منعت الجالية الأرمينية من ممارسة عقائدها واستخدام القيود على الحريتين الفكرية والدينية»، ولكن الأهم من ذلك، اعتبرت الحرب صراعاً من أجل الأرض.
وجنباً إلى جنب مع الحركات الانفصالية في دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، والحركات الانفصالية في القوقاز التي ساعدت على تمزق الاتحاد السوفياتي، أعلنت أذربيجان الانفصال عن الاتحاد السوفياتي ونقل الصلاحية إلى سلطتها، صوتت الغالبية الأرمنية على الانفصال عن أذربيجان وانضمام قرة باغ إلى أرمينيا.
اندلعت الحرب أواخر شتاء 1992. ولم تتمكن المنظمات الدولية من احتواء الصراع، وفي ربيع 1993 استولت القوات الأرمنية على مناطق خارج الوصيدة بما يعادل 9 في المائة من الأراضي الأذربيجانية، وقد وصل عدد المشردين من الجهتين إلى 23 ألف مشرد أذري، و80 ألف أرميني وأرتساخي. وقد وضعت روسيا حلاً لوقف الصراع تم التوقيع عليه في مايو (أيار) 1994، بواسطة مؤتمر الأسس الأمنية والتعاونية الأوروبية (مجموعة مينسك)، وقد عقدت من جانب أرمينيا وأذربيجان.

تجدد الاشتباكات وقلق دولي
في منتصف يوليو (تموز) الماضي، تجددت الاشتباكات في المناطق الحدودية بين أرمينيا وأذربيجان، وتبادلت باكو ويرفان الاتهامات، وسط تحرك روسي في إطار منظمة «الأمن الجماعي» لمحاصرة الأزمة المتصاعدة، في حين برز تلويح تركي بالتدخل. وتبادلت وزارتا الدفاع في البلدين الاتهامات، وهدأت الأمور، إلى أن اشتعل فتيل الاشتباكات مرة أخرى منذ يومين، وأعلن مسؤولون في المنطقة المتنازع عليها مقتل 15 مسلحاً انفصالياً أرمينياً، مما أدى إلى ارتفاع الحصيلة الإجمالية للمواجهات إلى 39 قتيلاً. كما لقي خمسة مدنيين أذربيجانيين ومدنيان أرمينيان من قرة باغ مصرعهم، وفق حصيلة أُعلن عنها الأحد. ولم تعلن أذربيجان عن خسائرها العسكرية. وأثارت هذه المعارك، وهي الأكثر دموية منذ عام 2016. قلقاً دولياً، حيث دعت الأمم المتحدة وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص إلى وقف فوري لإطلاق النار. وأبدت تركيا دعمها الكامل لأذربيجان، واتهمت يريفان أنقرة بالتدخل السياسي والعسكري في الصراع.
وموسكو، التي تحافظ على علاقات ودية مع الطرفين المتحاربين وتعتبر الحكم الإقليمي الأبرز، فتعد أقرب إلى أرمينيا، حيث إن البلدين ينتميان إلى نفس التحالف العسكري الذي تهيمن عليه روسيا، منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

وقال باشينيان: «حكومتنا سترحب بكل ودٍ بإخواننا وأخواتنا من ناغورنو كارباخ». وتابع باشينيان أيضاً أن التكتلات الأمنية التي كانت أرمينيا عضواً فيها لم تكن فاعلة، وذلك في انتقاد واضح لروسيا الحليف الرئيسي ليريفان.

يأتي ذلك في الوقت الذي نقلت فيه وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء عن وزارة الصحة في أرمينيا أن سيارات إسعاف أجلت بعض المصابين من ناغورنو كارباخ إلى أرمينيا.

وقالت الوزارة: «سيارات إسعاف، وعلى متنها مسعفون، تنقل 23 مصاباً من ناغورنو كارباخ إصاباتهم خطرة وبالغة الخطورة». وأضافت أن السيارات عبرت بالفعل الجسر على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان.

قافلة مساعدات دولية أولى تدخل كاراباخ

دخلت أول قافلة مساعدات تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر أمس (السبت)، ناغورنو كاراباخ، حيث عرض الجيش الأذربيجاني أمام صحافيين على مرتفعات «العاصمة» ستيباناكيرت، مئات الأسلحة التي صادرها من الانفصاليين منذ هجومه الخاطف مطلع الأسبوع، على هذه المنطقة الانفصالية ذات الغالبية الأرمينية.

وقالت مسؤولة في الصليب الأحمر الدولي التقتها وكالة الصحافة الفرنسية، عند نقطة التفتيش الأرمينية في كورنيدزور لدى عبور القافلة، إن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر عبرت ممر لاتشين لتنقل خصوصاً 70 طناً من المساعدات الإنسانية للسكان».

وتتهم يريفان، باكو، منذ أواخر 2022 بإغلاق هذه الطريق الوحيدة الرابطة بين كاراباخ وأرمينيا، والتسبب بنقص كبير في المواد الأساسية.

وأعلنت أذربيجان أمس (السبت)، أنها تعمل مع روسيا على «نزع سلاح» قوات منطقة ناغورنو كاراباخ، وذلك خلال جولة للصحافيين شاركت فيها وكالة الصحافة الفرنسية.

نزع سلاح

في محيط مدينة شوشا التي تسيطر عليها أذربيجان في كاراباخ والواقعة قرب ستيباناكيرت «المحاصرة»، بحسب مسؤولين محليين، عُرضت أمام الصحافيين مئات الأسلحة الخفيفة التي صودرت من الانفصاليين ودبابات تحمل إشارة صليب أبيض.

وفي الساحة، حيث عُرضت الترسانة العسكرية، كُتب بأحرف سود كبيرة «كاراباخ أذربيجانية».

وقال المتحدث باسم جيش أذربيجان آنار إيفازوف، في مدينة شوشا: «بالتعاون الوثيق مع جنود حفظ السلام الروس، نعمل على نزع سلاح» القوات الانفصالية و«دعم المدنيين».

وفي شوشا، تم تركيز مدافع هاون على تلة وتوجيهها نحو ستيباناكيرت. ولم يجب إيفازوف عن سؤال عن عمود من الدخان منبعث من المدينة الواقعة في أسفل المرتفعات في وقت متأخر من أمس (السبت).

وأصيب جندي أذربيجاني في انتهاك لوقف إطلاق النار، وفق ما أعلنت أمس (السبت)، القوة الروسية لحفظ السلام المنتشرة في المنطقة، ما يشير إلى هشاشة الوضع.

وأكدت أذربيجان أن سكاناً يضرمون النار في منازلهم. وقالت وزارة الدفاع الأذربيجانية مساء أمس (السبت)، على منصة «إكس»، إن «السكان الأرمن يحرقون عدداً كبيراً من المنازل في أغدرة»، ناشرة صوراً جوية بدا أنها تظهر منازل محترقة.

واستسلم الانفصاليون في كاراباخ بعدما ألحقت بهم باكو هزيمة جراء هجوم خاطف استمر 24 ساعة، وانتهى الأربعاء، بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

ويشعر السكان بالقلق على مستقبلهم في هذه المنطقة، حيث يواجه الآلاف حالة طوارئ إنسانية.

وأكد المتحدث باسم الجيش الأذربيجاني أن العمل جارٍ على إنشاء مخيمات لإيواء المدنيين.

ويشكّل جيب ناغورنو كاراباخ محور نزاع مديداً. وألحقت السلطات السوفياتية الإقليم ذا الغالبية الأرمينية بأذربيجان عام 1921. وخاضت الجمهوريتان السوفيتيان السابقتان، أذربيجان وأرمينيا، حربين بشأنه؛ إحداهما بين 1988 و1994، راح ضحيتها 30 ألف قتيل. وآنذاك سمحت الهزيمة التي منيت بها باكو ليريفان، بالسيطرة على المنطقة ومناطق أذربيجانية مجاورة.

صورة تظهر شاحنة عسكرية أذربيجانية في شوشا بمنطقة ناغورنو كاراباخ التي تسيطر عليها أذربيجان (أ.ف.ب)

في خريف 2020، اندلعت حرب جديدة أسفرت عن مقتل 6500 شخص خلال 6 أسابيع. لكن هذه المرة، انتهت الحرب بهزيمة أرمينيا التي أُجبرت على التنازل عن مناطق مهمّة لأذربيجان في كاراباخ ومحيطها.

وقال وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان، خلال كلمة في الأمم المتحدة أمس (السبت)، إن على «المجتمع الدولي بذل قصارى جهده لنشر بعثة مشتركة من وكالات الأمم المتحدة على الفور في ناغورنو كاراباخ»، مكرراً الاتهامات بارتكاب «تطهير عرقي» في المنطقة الانفصالية.

وقبل ساعات قليلة ومن على المنبر نفسه في الجمعية العامة، وعد نظيره الأذربيجاني بأن غالبية الأرمن في كاراباخ سيُعامَلون بصفتهم «مواطنين متساوين».

وأبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمس (السبت)، أرمينيا، بأن الولايات المتحدة تشعر بـ«قلق عميق» حيال السكان من العرقية الأرمينية في ناغورنو كاراباخ، مضيفاً أنها سعت لتأمين الحماية لهم.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، إن بلينكن «أكد أن الولايات المتحدة تدعو أذربيجان إلى حماية المدنيين والوفاء بالتزاماتها باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لسكان ناغورنو كاراباخ وضمان امتثال قواتها للقانون الإنساني الدولي».

من جهته، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف السبت، قادة أرمينيا بمفاقمة التوتر في كاراباخ، لكنه أبدى أمله في أن تبقى البلاد في فلك موسكو رغم الاضطراب الذي تعيشه بعد استعادة أذربيجان السيطرة على الإقليم الانفصالي.

وفي كلمة ألقاها بالأمم المتحدة، عد لافروف أن القوى الغربية «تحرّك الخيوط» لتقويض النفوذ الروسي، مضيفاً: «للأسف، القيادة في أرمينيا تصبّ من وقت لآخر بنفسها الزيت على النار».

إجلاء

أكدت يانا أفانيسيان التي تتحدر من مدينة ستيباناكيرت، وهي محاضرة في مادة القانون تبلغ 29 عاماً، أن الوضع هناك «مروع». وهي على غرار كثير من الأرمن الآخرين تحاول الاتصال بأقاربها في الإقليم.

وانضمت الشابة إلى مجموعة صغيرة من الأشخاص تجمعوا أمام نقطة تفتيش يسيطر عليها الجيش الأرميني في بلدة كورنيدزور الأرمينية القريبة جداً من ناغورنو كاراباخ، للتعبير عن قلقهم.

وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «نأمل بحصول عمليات إجلاء قريباً، خصوصاً للأشخاص الذين دُمّرت منازلهم».

وقال غاريك زاكاريان (28 عاماً) الذي كان يحاول أيضاً الوصول إلى أسرته داخل الإقليم: «انتظرت 3 أيام و3 ليالٍ. أنام في السيارة».

قوات حفظ السلام الروسية (يسار) وجنود أذربيجانيون (يمين) يقفون بجانب قاعدة قوات حفظ السلام الروسية بالقرب من شوشا في منطقة ناغورنو كاراباخ التي تسيطر عليها أذربيجان (أ.ف.ب)

وكان الشاب البالغ 28 عاماً يقطن في قرية إغتساهوغ، في إقليم كاراباخ حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وله أقارب وأصدقاء هناك. وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا أمل لدي (بإجلائهم قريباً ورؤيتهم) لكنني أردت التحرّك». وأضاف: «مجرد وجودي هنا ورؤية القاعدة الروسية على بعد كيلومتر واحد يشعرني بتحسن».

ومدينة ستيباناكيرت محرومة من الكهرباء والوقود وسكانها يفتقرون أيضاً إلى الغذاء والدواء.

وقالت المتحدثة باسم الانفصاليين أرمين هايرابيتيان، إنّ القوات الأذربيجانية «منتشرة في كل مكان حول ستيباناكيرت، إنها على مشارفها».

وبحسب آخر حصيلة صادرة عن الانفصاليين الأرمن، فإنّ العملية العسكرية الأذربيجانية التي انتهت ظهر الأربعاء، خلّفت ما لا يقل عن 200 قتيل و400 جريح.

ويؤجج انتصار أذربيجان مخاوف من رحيل سكان الإقليم البالغ عددهم 120 ألفاً.

وطالب السيناتور غاري بيترز خلال زيارة إلى المنطقة على رأس وفد من أعضاء الكونغرس الأميركي السبت، بإرسال «مراقبين دوليين» إلى كاراباخ.

ونقل عنه مراسل وكالة الصحافة الفرنسية قوله: «أبلغتنا الحكومة الأذربيجانية بأنه ليس هناك ما يدعو للقلق. وإذا كان الأمر كذلك، يجب أن نسمح لمراقبين دوليين بالذهاب والمشاهدة بأنفسهم، حتى يتمكن العالم من معرفة ما يحدث بالضبط».

باشينيان تحت الضغط

تكثّفت الضغوط في أرمينيا على رئيس الوزراء نيكول باشينيان، الذي واجه انتقادات لاذعة لتقديمه تنازلات لأذربيجان منذ خسارته مساحات واسعة من الأراضي في حرب 2020.

وأقر باشينيان الجمعة، بأن «الوضع» ما زال «متوتراً» في كاراباخ، حيث «تتواصل الأزمة الإنسانية». لكنه رأى أن «هناك أملاً في ديناميكية إيجابية»، مشيراً إلى أن وقف النار الذي دخل حيز التنفيذ الأربعاء، يتم احترامه «بشكل عام».

ويتظاهر مناهضون للحكومة في شوارع يريفان عاصمة أرمينيا يومياً منذ الأربعاء، احتجاجاً على تعاملها مع الأزمة في كاراباخ.

كذلك، أعلن زعماء المعارضة عزمهم على إطلاق إجراءات مساءلة بحق باشينيان في البرلمان.

إقليم قره باغ أو «الحديقة السوداء»... جذور الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

مع تجدد الاشتباكات العنيفة مجدداً بين الانفصاليين الأرمينيين والجيش الأذربيجاني، في معارك يجدها الخبراء الأكثر دموية منذ عام 2016، يشتعل مجدداً فتيل الصراع بين الدولتين المتجاورتين حول إقليم ناغورنو قرة باغ، والذي يعود النزاع عليه منذ عشرينات القرن الماضي.
وأعلن مسؤولون في المنطقة المتنازع عليها مقتل 15 مسلحاً انفصالياً أرمينياً، مما أدى إلى ارتفاع الحصيلة الإجمالية للمواجهات إلى 39 قتيلاً. وتتبادل أرمينيا وأذربيجان الاتهامات بإشعال المواجهات الدامية، حيث تقول أذربيجان إنها شنت «عملية مضادة» رداً على «العدوان» الأرمني، مستخدمة القصف المدفعي والمدرعات والقصف الجوي على الإقليم الذي خسرته منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وحرب أودت بحياة 30 ألف شخص، وباتت قره باغ على إثرها خاضعة لسيطرة الانفصاليين المدعومين من أرمينيا.
وأثارت هذه المعارك، قلقاً دولياً، حيث دعت الأمم المتحدة وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص إلى وقف فوري لإطلاق النار. وأبدت تركيا دعمها الكامل لأذربيجان، واتهمت يريفان أنقرة بالتدخل السياسي والعسكري في الصراع.

«مرتفعات الحديقة السوداء»
تقع مرتفعات قرة باغ، في جنوب غربي أذربيجان، وعاصمته سيتباناكيرت نسبة للزعيم الأرميني البلشفي ستيبان شوماهان. تبلغ مساحة الإقليم 4800 كم2 ويبعد عن باكو عاصمة أذربيجان نحو 270 كم غرباً. يغلب على الإقليم الطبيعة الجبلية كما توجد بعض الأنهار التي يستخدم ماؤها في إنتاج الكهرباء والري. وهو إقليم فقير في موارده الاقتصادية، ويعتمد النشاط الاقتصادي على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الغذائية. من المحاصيل المشهورة الحبوب والقطن والتبغ. وتمر خطوط أنابيب تنقل النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين من أذربيجان إلى الأسواق العالمية قرب ناغورنو قرة باغ.
وكلمة ناغورني تعني بالروسية جبال أو مرتفعات، أما كلمة قرة باغ فتعني الحديقة السوداء ويعرف الإقليم باسم ارتساخ في أرمينيا وهي كلمة مكونة من جزأين الأولى أرا وهو إله الشمس عند الأرمن القدماء والكلمة الثانية هي تعني الغابة أو الكرمة، لذلك يعني الاسم الأرميني غابة أو كرمة الإله أرا. أما في أذربيجان فيعرفونها باسم بخاري قرة باغ أي قرة باغ العليا.

تاريخ الصراع
تبدأ جذور الصراع في الإقليم للحقبة السوفياتية في عشرينات القرن الماضي حين قام جوزيف ستالين في عام 1923 ضم الأقلية الأرمينية (سكان قرة باغ) داخل حدود أذربيجان، وبحدود إدارية تُرسم لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانياً رغم رغبة السكان في التبعية الأرمنية، وفي المقابل تظل الأقلية الأذربيجانية في إقليم «ناختشيفان» معزولة داخل جمهورية أرمينيا. بالإضافة إلى أن السلطة السوفياتية منحت «قرة باغ» صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما كان أشبه بقنبلة موقوتة.
ولكن بعد أن تفتت العقد السوفياتي وبعد أن استقلت جمهورية أذربيجان، اندلعت الحروب بين كل من أذربيجان وجمهورية أرمينيا، كل منهما يريد ضم تلك البقعة إلى أراضيه. وكان السبب في ذلك الصراع هو ادعاء أرمينيا بأن تلك المنطقة ملكاً لها، معللة ذلك بأغلبية سكانها الأرمن. أدى ذلك الصراع إلى نزوح مئات الآلاف من الأرمن من أذربيجان إلى أرمينيا ونزوح مئات الآلاف من الأذريين من أرمينيا إلى أذربيجان.
طلب البرلمان في قرة باغ الانضمام إلى أرمينيا، وتم التصويت على ضم المنطقة إلى أرمينيا 20 فبراير (شباط) 1988. وإعلان الانفصال كان نتيجة نهائية للآتي: «إن السلطة الأذرية السوفياتية منعت الجالية الأرمينية من ممارسة عقائدها واستخدام القيود على الحريتين الفكرية والدينية»، ولكن الأهم من ذلك، اعتبرت الحرب صراعاً من أجل الأرض.
وجنباً إلى جنب مع الحركات الانفصالية في دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، والحركات الانفصالية في القوقاز التي ساعدت على تمزق الاتحاد السوفياتي، أعلنت أذربيجان الانفصال عن الاتحاد السوفياتي ونقل الصلاحية إلى سلطتها، صوتت الغالبية الأرمنية على الانفصال عن أذربيجان وانضمام قرة باغ إلى أرمينيا.
اندلعت الحرب أواخر شتاء 1992. ولم تتمكن المنظمات الدولية من احتواء الصراع، وفي ربيع 1993 استولت القوات الأرمنية على مناطق خارج الوصيدة بما يعادل 9 في المائة من الأراضي الأذربيجانية، وقد وصل عدد المشردين من الجهتين إلى 23 ألف مشرد أذري، و80 ألف أرميني وأرتساخي. وقد وضعت روسيا حلاً لوقف الصراع تم التوقيع عليه في مايو (أيار) 1994، بواسطة مؤتمر الأسس الأمنية والتعاونية الأوروبية (مجموعة مينسك)، وقد عقدت من جانب أرمينيا وأذربيجان.

تجدد الاشتباكات وقلق دولي
في منتصف يوليو (تموز) الماضي، تجددت الاشتباكات في المناطق الحدودية بين أرمينيا وأذربيجان، وتبادلت باكو ويرفان الاتهامات، وسط تحرك روسي في إطار منظمة «الأمن الجماعي» لمحاصرة الأزمة المتصاعدة، في حين برز تلويح تركي بالتدخل. وتبادلت وزارتا الدفاع في البلدين الاتهامات، وهدأت الأمور، إلى أن اشتعل فتيل الاشتباكات مرة أخرى منذ يومين، وأعلن مسؤولون في المنطقة المتنازع عليها مقتل 15 مسلحاً انفصالياً أرمينياً، مما أدى إلى ارتفاع الحصيلة الإجمالية للمواجهات إلى 39 قتيلاً. كما لقي خمسة مدنيين أذربيجانيين ومدنيان أرمينيان من قرة باغ مصرعهم، وفق حصيلة أُعلن عنها الأحد. ولم تعلن أذربيجان عن خسائرها العسكرية. وأثارت هذه المعارك، وهي الأكثر دموية منذ عام 2016. قلقاً دولياً، حيث دعت الأمم المتحدة وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص إلى وقف فوري لإطلاق النار. وأبدت تركيا دعمها الكامل لأذربيجان، واتهمت يريفان أنقرة بالتدخل السياسي والعسكري في الصراع.
وموسكو، التي تحافظ على علاقات ودية مع الطرفين المتحاربين وتعتبر الحكم الإقليمي الأبرز، فتعد أقرب إلى أرمينيا، حيث إن البلدين ينتميان إلى نفس التحالف العسكري الذي تهيمن عليه روسيا، منظمة معاهدة الأمن الجماعي.