كيم في روسيا: ثبات المُسلّمات الجيوسياسيّة وآنيّة الآيديولوجيا!

جانب من زيارة كيم إلى مركز الفضاء الروسي (د.ب.أ)
جانب من زيارة كيم إلى مركز الفضاء الروسي (د.ب.أ)
TT

كيم في روسيا: ثبات المُسلّمات الجيوسياسيّة وآنيّة الآيديولوجيا!

جانب من زيارة كيم إلى مركز الفضاء الروسي (د.ب.أ)
جانب من زيارة كيم إلى مركز الفضاء الروسي (د.ب.أ)

عقب انتهاء الحرب العالميّة الثانيّة، وقبل اندلاع الحرب الكوريّة عام 1950، خطب وزير الخارجية الأميركي الراحل دين أتشيسون قائلاً، بما معناه أن كوريا الجنوبية «لا تدخل ضمن الخط الدفاعي» للولايات المتحدة. وعليه، هاجم الزعيم الشيوعي الكوري آنذاك كيم إيل سونغ كوريا الجنوبيّة، وبموافقة ضمنيّة من الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين. فكانت الحرب الكوريّة.

بعد 73 سنة من هذه اللحظة، يلتقي وريث ستالين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحفيد كيم إيل سونغ الرئيس الكوري الشمالي بكيم جونغ أون. لكن مطالب اليوم ليست كما مطالب الأمس. فموسكو لا تحث بيونغيانغ على مهاجمة كوريا الجنوبيّة، بل تطلب مساعدة الحفيد الكوري لمدها بالمزيد من الذخائر المدفعيّة والصواريخ كي تستمر في الحرب على أوكرانيا. فماذا سيُعطي بوتين ضيفه في المقابل؟

ثلاثة مستويات للفهم

هناك ثلاثة مستويات لفهم اللقاء الذي جمع فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون.

المستوى الأول يتعلّق بإعطاء موسكو بيونغيانغ المتوفّر حالياً من تكنولوجيا مدنيّة حديثة، وحتى مدّها بالطاقة والغذاء لتفادي شبح تكرار المجاعة الكبيرة التي شهدتها كوريا الشماليّة في التسعينات؛ وقضى فيها ما يُقارب 500 ألف شخص.

بوتين وكيم جونغ أون خلال لقائهما اليوم (د.ب.أ)

المستوى الثاني مهمّ، لأنه يطرح أسئلة تتعلّق بالأمور الجيوسياسيّة. فكوريا الشماليّة تعد ضمن منطقة النفوذ الصينيّة. ويكثر التساؤل عن موقف الصين من التقارب الروسيّ - الكوري الشمالي. وهل ستسمح الصين بأن تعطي روسيا تكنولوجيا عسكريّة متقدّمة لكوريا الشمالية، مثل تكنولوجيا الغواصات التي تعمل بالوقود النوويّ؟ وإذا أعطت كوريا الشماليّة الذخيرة والسلاح لروسيا، فكيف سيكون الردّ الغربي على موافقة الصين الضمنيّة؟

أما المستوى الثالث المرتبط بما سبق، فيتعلق بمراقبة الصين بحذر تشكّل الحزام الأميركي العسكري - السياسي حولها بهدف الاحتواء. فكيف تنظر بكين إلى المثلّث الصيني - الروسي - الكوري الشماليّ؟ وما دور هذا المُثلّث، وما آليّة تفعيله، واستغلاله لضرب الطوق من حولها؟ وما دور هذا المثلثّ في الاستراتيجيّة الصينيّة الكبرى؟ ومن يدير هذا المثلثّ، وما التراتبيّة فيه؟ وما الأدوار الموزّعة على الدول فيه؟ خاصة إذا عددنا حتى الآن، أن المُشاغب الأول في شرق آسيا للمشروع الأميركي هو حتما كوريا الشماليّة.

لا يزال مبدأ «الاحتواء» مُتداولاً حتى يومنا هذا. فبدل احتواء الاتحاد السوفياتيّ، خلال الحرب الباردة، تتّهم الصين اليوم الولايات المتحدة بمحاولة تطويقها. فالخلل في موازين القوى أصبح ظاهراً بشكل جلي بين روسيا والصين. فالاتحاد السوفياتي ولّى إلى غير رجعة. والصين الفقيرة نهضت لتتحقّق مقولة الكاتب الفرنسي آلان بيرفيت حين قال: «عندما تستفيق الصين سيهتزّ العالم».

القوى العظمى والقراءات الخاطئة

ليس بالضرورة أن تكون العلاقات بين القوى العظمى واضحة، مكتوبة، مُعلنة، ومُتّفقاً عليها مسبقاً. فحسب الكاتب ديفيد كورتزر، تقوم السياسة على كثير من الإشارات والرموز وغيرها من الأمور.

الزعيمان الكوري الشمالي والروسي في مركز الفضاء الروسي (رويترز)

وتحاول القوى العظمى قراءة سلوك منافسيها، وتحليل الخطاب السياسي لهذه القوى. والهدف هو دائماً، لاستنتاج الأنماط السلوكيّة، لبناء ورسم الاستراتيجيّات المُضادة. فإذا تكرّر سلوك معيّن على سبيل المثال، فهذا الأمر يعني أن هناك سياسية رسميّة، موضوعة للتنفيذ، وأن وسائلها مؤمّنة للنجاح.

كانت الحرب الكورية مثالاً صارخاً لتفسير الإشارات والرسائل السياسيّة بشكل خاطئ. وتكرر ذلك بعد 40 عاماً في اجتياح العراق للكويت. لكن الأمر هذه المرّة حصل مع السفيرة الأميركيّة أبريل غلاسبي، بعد لقائها الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين.

في عام 1979، هاجم الزعيم الصيني ماو تسي تونغ فيتنام. قال الخبراء آنذاك إنها حرب فاشلة. لكن الأكيد أن الحرب حصلت للأسباب التالية:

- حصلت الحرب بعد توقيع فيتنام معاهدة دفاع مع الاتحاد السوفياتيّ، وبعد رفض الصين توقيع معاهدة مماثلة.

- شعر الزعيم ماو أن الاتحاد السوفياتي يريد تطويق واحتواء الصين. فكانت الحرب محدودة لمعاقبة فيتنام.

في العام نفسه، عادت العلاقات الدبلوماسيّة الأميركيّة – الصينيّة إلى المسار الطبيعي (1979).

في هذا الإطار، يطرح لقاء بوتين - كيم، اليوم، سؤالاً عما إذا كانت أي من القوى العظمى ستلتقط إشارات خاطئة منه.


مقالات ذات صلة

روسيا: أوكرانيا شنّت ضربتين باستخدام صواريخ «أتاكمس» الأميركية

أوروبا تظهر هذه الصورة التي نشرتها قناة وزارة الدفاع الروسية الرسمية على «تلغرام» يوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2024... حطام صاروخ «أتاكمس» الذي تم العثور عليه في أراضي مطار كورسك في روسيا (قناة وزارة الدفاع الروسية الرسمية على تلغرام - أ.ب)

روسيا: أوكرانيا شنّت ضربتين باستخدام صواريخ «أتاكمس» الأميركية

أعلنت روسيا اليوم الثلاثاء أنها تعرضت في الأيام الأخيرة لضربتين أوكرانيتين نُفّذتا بصواريخ «أتاكمس» الأميركية، السلاح الذي توعدت موسكو برد شديد في حال استخدامه

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا امرأة تمشي خارج مبنى السفارة البريطانية في موسكو (أرشيفية - أ.ف.ب)

روسيا تطرد دبلوماسياً بريطانياً بتهمة التجسس

أعلنت روسيا، الثلاثاء، أنها طردت دبلوماسياً بريطانياً بتهمة التجسس، في أحدث ضربة للحالة المتدهورة بالفعل للعلاقات بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أضرار في موقع هجوم صاروخي روسي ضرب مبنى إدارياً لبنك متوقف عن العمل جنوب غربي أوكرانيا 25 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تستهدف البنية التحتية الأوكرانية بأكبر هجوم مسيّرات منذ بدء الحرب

قال مسؤولون أوكرانيون، الثلاثاء، إن القوات الروسية شنّت أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيّرة على أوكرانيا الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جينبينغ (رويترز)

تقرير: الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على شركات صينية تدعم روسيا

كشف تقرير صحافي أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على عدة شركات صينية يُزعم أنها ساعدت شركات روسية في تطوير طائرات مسيرة هجومية تم استخدامها ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين (أرشيفية - رويترز)

مدير المخابرات الروسية: نرغب في «سلام راسخ وطويل الأمد» في أوكرانيا

قال مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية إن بلاده تعارض تجميد الصراع في أوكرانيا؛ لأن موسكو بحاجة إلى «سلام راسخ وطويل الأمد».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

كوريا الشمالية توسِّع مصنعاً لإنتاج صواريخ تستخدمها روسيا في أوكرانيا

صورة لقمر اصطناعي تُظهر عملية توسيع لمجمع رئيسي لتصنيع الأسلحة في شمال كوريا (رويترز)
صورة لقمر اصطناعي تُظهر عملية توسيع لمجمع رئيسي لتصنيع الأسلحة في شمال كوريا (رويترز)
TT

كوريا الشمالية توسِّع مصنعاً لإنتاج صواريخ تستخدمها روسيا في أوكرانيا

صورة لقمر اصطناعي تُظهر عملية توسيع لمجمع رئيسي لتصنيع الأسلحة في شمال كوريا (رويترز)
صورة لقمر اصطناعي تُظهر عملية توسيع لمجمع رئيسي لتصنيع الأسلحة في شمال كوريا (رويترز)

خلص باحثون في مؤسسة بحثية مقرها الولايات المتحدة، بناء على صور أقمار اصطناعية، إلى أن كوريا الشمالية توسع مجمعاً رئيسياً لتصنيع الأسلحة، يستغل لتجميع نوع من الصواريخ قصيرة المدى تستخدمه روسيا في أوكرانيا، وفق ما أوردته وكالة «رويترز».

وتعد المنشأة، المعروفة باسم «مصنع 11 فبراير»، جزءاً من «مجمع ريونغ سونغ» في هامهونغ، ثاني أكبر مدينة في كوريا الشمالية على الساحل الشرقي للبلاد.

وقال سام لير الباحث في مركز «جيمس مارتن» لدراسات منع الانتشار النووي، إنه المصنع الوحيد المعروف بإنتاج صواريخ باليستية تعمل بالوقود الصلب من طراز «هواسونغ 11».

وذكر مسؤولون أوكرانيون أن هذه الذخائر، المعروفة في الغرب باسم «كيه إن-23»، استخدمتها القوات الروسية في هجومها على أوكرانيا.

ولم ترد أنباء من قبل عن توسيع المجمع.

ونفت روسيا وكوريا الشمالية أن تكون الأخيرة قد نقلت أسلحة إلى الأولى لاستخدامها ضد أوكرانيا. ووقَّع البلدان معاهدة دفاع مشترك في قمة عقدت في يونيو (حزيران)، وتعهدا بتعزيز العلاقات العسكرية بينهما.

ولم ترُد بعثة كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة على طلب للتعليق على هذا التقرير.