تصاعدت التحذيرات في مصر من ممارسات «شراء الأصوات»، وتوظيف ما بات يُعرف بـ«المال السياسي»، وذلك قبل أيام من انطلاق المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب؛ بينما شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة التحلي بـ«الوعي الكامل» لدى الناخبين.
وخلال تفقده أكاديمية الشرطة، الثلاثاء، شدد السيسي على أن صوت المواطن «أمانة، ومسؤولية» لا يجوز التفريط فيهما مهما كانت الضغوط، أو المغريات.
وما زالت تداعيات قرار «الهيئة الوطنية للانتخابات» بإبطال نتائج 19 دائرة في المرحلة الأولى تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي، بعد رصد «خروقات مؤثرة» وُصفت بأنها «غير مسبوقة».

وتفاعل مصريون على نطاق واسع مع حديث الرئيس الذي أطلق فيه توجيهات تؤكد على أهمية ضمان النزاهة، وحين قال إن الانتخابات «انتقاء يقوم به الشعب لمن يمثله»، محذراً من أن الحصول على أموال أو سلع مقابل التصويت «ليس مكسباً»، بل «تفريط في مصلحة الدولة».
وحذَّر السيسي من تمكين «أحمق، أو جاهل، أو متخلف، أو متردد، أو غير جاهز» من مصير البلاد، و120 مليون مواطن، سواء بوصف أنه نائب في البرلمان، أو غيره.
«سطوة المال السياسي»
وعمَّق حديث الرئيس المصري النقاش حول انتشار الرشاوى الانتخابية، وصعّد من التحذيرات السياسية، والحقوقية بشأن انعكاسات المال السياسي على مستقبل الحياة النيابية.
وجدد النائب مصطفى بكري تحذيراته من الظاهرة، مذكراً بما كشفه في برنامجه «حقائق وأسرار» حول «توزيع أموال انتخابية»، مشيراً إلى أن ما طرحه دفع أحد المرشحين إلى تقديم بلاغ ضده بتهمة «إفساد العملية الانتخابية». وقال إن ما طرحه كان «بالأرقام»، وإن حجم الأموال المتداولة في بعض الدوائر «فاق التوقعات».
https://t.co/66WTjyhEKJفي ١٣ نوفمبر الماضي وفي برنامج حقائق وأسرار علي قناة صدي البلد حذرت من استخدام المال السياسي في انتخابات مجلس النواب، وكشفت بالأرقام الأموال التي توزع، مما دفع أحد المحامين إلي تقديم بلاغ ضدي يتهمني بإفساد العمليه الإنتخابيه.
— مصطفى بكري (@BakryMP) November 19, 2025
وتوقّع عصام شيحة، رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان»، أن تسهم تصريحات الرئيس وإلغاء الانتخابات في 19 دائرة في الحد من «سطوة المال السياسي»؛ لكنه حذر من «أساليب التفاف» قد يلجأ إليها بعض المرشحين عبر شبكات محلية، مثل العُمَد في القرى، أو جمعيات أهلية تُستخدم قنوات غير مباشرة لتقديم الرشاوى.
وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الظروف الاقتصادية الصعبة تجعل بعض الفئات «أكثر عرضة للاستغلال»، مشيراً إلى أن منظمته وثَّقت «وقائع توزيع أموال»، وأبلغت بها الهيئة الوطنية للانتخابات.
وفتح الجدل حول المال السياسي الباب لانتقادات بشأن ضم رجال أعمال ونافذين إلى قوائم انتخابية حزبية.
وفي المقابل، دافع مصدر سياسي عن مشاركة رجال الأعمال قائلاً إن بعضهم «يقدم تبرعات للأحزاب بهدف دعم الدعاية الانتخابية في ظل غياب دعم حكومي». وأشار إلى تداول مقاطع يظهر فيها أحد المرشحين وهو يستشهد بنماذج تاريخية ودينية حول «الإنفاق لخدمة الدولة» لتبرير استخدامه الأموال في المنافسة.
غير أن شيحة عاد ليؤكد أن سقف الإنفاق الانتخابي المحدد قانوناً بنحو 500 ألف جنيه للفردي و2.5 مليون جنيه للقوائم (الدولار يساوي 47 جنيهاً تقريباً) لم يُطبّق عملياً، مضيفاً: «لم تصلنا إحالة واحدة لمرشح بسبب تجاوز السقف المالي، رغم انتشار لافتات انتخابية تتكلف وحدها عشرات الآلاف، ويضيف بعض المرشحين عليها عبارة (إهداء من فلان) للتحايل».
ودعا إلى تطبيق «رقابة مالية حقيقية»، لافتاً إلى أن اشتراط القانون فتح حسابات مصرفية للحملات «لم يُفَعَّل على الأرض».
«الإصلاح الانتخابي»
وفي الأثناء، يستعد المرشحون والأحزاب لخوض المرحلة الثانية من الانتخابات، والمقرر أن يبدأ التصويت فيها بالخارج يومي 21 و22 نوفمبر، وفي الداخل يومي 24 و25 من الشهر.
ويبقى السؤال المعلّق في صدورنا جميعاً:هل هناك حسابٌ حقيقي؟أم أنّنا سنكتفي بشعارٍ مريح عنوانه “عفا الله عمّا سلف”؟من أخطأ؟كيف أخطأ؟ولمصلحة من؟إن كان هناك احترام لمبدأ الشفافية وسيادة القانون،فلابد من كشف الحقائق كاملة،تحديد المسؤوليات،ومحاسبة كل من تورّط،مهما كان موقعه أو صفته. pic.twitter.com/qG93IxiG0B
— طارق العوضى المحامى (@tarekelawady2) November 18, 2025
ومن داخل «القائمة الوطنية من أجل مصر» تتعالى أيضاً الأصوات المطالِبة بإصلاح النظام الانتخابي لوقف تمدد المال السياسي. ففي صالون نظمته «تنسيقية شباب الأحزاب»، دعت أميرة العادلي، مرشحة القائمة، إلى تطوير التشريعات المنظمة للحياة السياسية «لبناء أحزاب قوية».
وقالت إن غرفة عمليات التنسيقية تلقت «شكاوى متكررة» من مخالفات دعائية «لا تجد معالجة قانونية»، مشيرة إلى أن سقف الإنفاق الانتخابي لم يعد «واقعياً» في ظل ارتفاع الأسعار، واتساع الدوائر.
ورغم الإقرار بأهمية تدخل الرئيس في ملف «المال السياسي»، يرى الدكتور عماد جاد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مواجهة الظاهرة تتطلب «مساراً إصلاحياً أشمل» يمنح الأجهزة الرقابية «صلاحيات كاملة» لتطبيق قوانين الشفافية، والمحاسبة.
وأضاف أن الإصلاح قد يستدعي «إلغاء الانتخابات الجارية، وتمديد عمل مجلس النواب لعام إضافي، وإعادة هيكلة منظومة مباشرة الحقوق السياسية، واعتماد نظام انتخابي مختلط يجمع بين القوائم النسبية والفردي».
كما دعا إلى توسيع المجال العام أمام الأحزاب المتنوعة، وضمان حرية إعلامية «حقيقية» تُدار وفق ميثاق شرف مهني، وتقليص تدخل الأجهزة التنفيذية في تشكيل الحياة السياسية.

وكانت الهيئة الوطنية للانتخابات قد أبطلت، الثلاثاء، أكثر من ربع نتائج المرحلة الأولى (19 دائرة في 7 محافظات)، بعد رصد «خروقات» شملت عمليات فرز مبكر، وتجاوزات أمام اللجان، وشكاوى موثقة من مرشحين.
وتزامن القرار مع تداول مقاطع مصوّرة، بينها استغاثة مرشح في البحيرة يوجّه نداءً إلى الرئيس، وفيديو من دائرة المنتزه في الإسكندرية وثّق «فرزاً قبل انتهاء التصويت»، وهو ما أقرت به الهيئة، وقررت استبعاد الصندوق محل الطعن.









