عقب أزمة الفيضان التي اتهمت مصر «سد النهضة» الإثيوبي بالتسبب فيها، أطلقت الحكومة المصرية مشروعاً قومياً يهدف إلى «ضبط مياه النيل»، يتضمن إنتاج خرائط رقمية لقاع النهر وجانبيه وفرعيه، ويهدف إلى تعزيز قدرته الاستيعابية، ومواجهة أي طوارئ، والتعامل مع حالات الفيضانات.
ودشّنت أديس أبابا مشروع «سد النهضة» في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط اعتراضات من مصر والسودان للمطالبة باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات «تشغيل السد»، بما لا يضرّ بمصالحهما المائية.
وبعد أيام من تدشين السد، غمرت مياه فيضان نهر النيل عدداً من المدن السودانية، كما شهدت قرى مصرية عدة -خصوصاً في محافظتَي البحيرة والمنوفية- ارتفاعاً غير مسبوق في منسوب مياه النهر، ما أدّى إلى غمر مساحات من أراضي طرح النهر والأراضي الزراعية، فضلاً عن تضرر عدد من المنازل. وأعلنت الحكومة المصرية آنذاك أن سوء إدارة «سد النهضة» كان وراء ما وصفته بـ«الفيضان المصطنع».

وخلال اجتماع بوزارة الموارد المائية والري المصرية، الثلاثاء، تحدّث الوزير هاني سويلم عن «المشروع القومي لضبط مياه النيل»، قائلاً إنه «يهدف إلى استعادة القدرة الاستيعابية لمجرى نهر النيل لضمان توفير الاحتياجات المائية المطلوبة للمنتفعين ومواجهة أي طوارئ، والتعامل مع حالات الفيضان».
وأوضح، في إفادة رسمية، أن المشروع «يتضمن إنتاج خرائط رقمية حديثة لقاع ونهر النيل وجانبيه وفرعيه، ورفع وحصر وتوثيق أراضي طرح النهر جنباً إلى جنب مع الأملاك العامة لنهر النيل».
ويتضمن المشروع، حسب إفادة «الري»، «حصر جميع أشكال التعديات على مجرى النهر باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل صور الأقمار الاصطناعية والتصوير الجوي والتطبيقات الرقمية، بما يمكّن مسؤولي الوزارة من تحديد مواقع التعديات بدقة، وحدود المنطقتين، المحظورة والمقيدة، على جانبي النهر»، وكذلك «التأكد من التزام الأفراد والمستثمرين بالاشتراطات الصادرة عن وزارة الموارد المائية والري فيما يخص الأعمال التي يتم تنفيذها على جانبي النهر، وتنفيذ أعمال التطوير لأي كورنيش أو ممشى طبقاً للنماذج التي وضعتها الوزارة من دون التأثير سلباً على القطاع المائي لنهر النيل».

ويأتي المشروع المصري وسط زيادة المخاوف من تأثيرات «سد النهضة»، وتكرار الفيضان الذي أثّر على مصر والسودان نتيجة تصريف المياه من «السد» الإثيوبي بكميات كبيرة.
وعقب الفيضان الإثيوبي، حمّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إثيوبيا مسؤولية ما وصفه بـ«الإدارة غير المنضبطة» لـ«سد النهضة»، مؤكداً أن «أديس أبابا أضرّت بدولتي المصب (مصر والسودان)».
وقال السيسي خلال «أسبوع القاهرة الثامن للمياه»، في الثاني عشر من الشهر الحالي: «مرّت أيام قليلة على بدء تدشين (السد) الإثيوبي، وثبت بالدليل الفعلي صحة مطالبتنا بضرورة وجود اتفاق قانوني وملزم لأطرافه لتنظيم تشغيل هذا (السد)».
وأضاف: «في الأيام القليلة الماضية، تسببت إثيوبيا من خلال (إدارتها غير المنضبطة للسد) في إحداث أضرار بدولتي المصب، نتيجة التدفقات غير المنتظمة التي جرى تصريفها دون أي إخطار أو تنسيق مع دولتي المصب».
وحسب وزير الري المصري، يتضمن «المشروع القومي لضبط نهر النيل» وفرعيه، 3 محاور هي: إنتاج خرائط رقمية حديثة لقاع نهر النيل وجانبيه وفرعيه، وحصر ورفع الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف وأراضي طرح النهر، وإزالة التعديات التي تؤثر على تدفق المياه بنهر النيل».

وفي رأي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، يُحقق المشروع المصري أهدافاً مهمة للحفاظ على الموارد المائية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المشروع «يُسهم في الحفاظ على مياه النيل من حيث الكمية والجودة، ويرفع ويعظم كفاءة استخدامها بأفضل الطرق، كما يُقلل هدر المياه ويرشّد استهلاكها».
وأكد «رغم امتلاء خزان بحيرة سد النهضة مجدداً، ليصل المخزون إلى نحو 64 مليار متر مكعب في الوقت الحالي، فإن مخاطر حدوث فيضان مرة أخرى خلال الموسم الحالي قلّت كثيراً، لأن كمية الأمطار التي تهطل على الهضبة الإثيوبية أصبحت أقل كثيراً، لكن المشكلة ستظل قائمة وأكثر خطورة في المواسم المقبلة».
وخلال مناقشة تفاصيل «ضبط مياه النيل»، أكّد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن المشروع يأتي «في إطار رؤية الدولة المصرية لحماية الموارد المائية وضمان استدامتها»، وقال في إفادة رسمية عقب اجتماعه مع وزير الري، الاثنين، «تأكيداً لأهمية نهر النيل في تحقيق الأمن المائي والتنمية المستدامة، جاءت الحاجة إلى تنفيذ مشروع يهدف إلى تطوير وتحسين إدارة مياهه».
ويرى المستشار الأسبق لوزير الري المصري، خبير المياه، الدكتور ضياء الدين القوصي، أن «استخدام التكنولوجيا سيُعزز قدرة مصر على إدارة مواردها المائية».
وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تكنولوجيا المسح عن طريق الأقمار الاصطناعية لنهر النيل ومحيطه توفر معلومات وبيانات محدثة لحظياً، وتعطي إنذاراً مبكراً لأي مشكلة وقت حدوثها ليتم التعامل معها فوراً».









