في غزة… الفقير والغني في الجوع سواء

حتى من يملك المال لا يجد السلع

فلسطينيون يتطلعون بأنظارهم إلى أجولة طحين معروضة للبيع بمنطقة المواصي برفح يوم الأحد (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتطلعون بأنظارهم إلى أجولة طحين معروضة للبيع بمنطقة المواصي برفح يوم الأحد (أ.ف.ب)
TT

في غزة… الفقير والغني في الجوع سواء

فلسطينيون يتطلعون بأنظارهم إلى أجولة طحين معروضة للبيع بمنطقة المواصي برفح يوم الأحد (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتطلعون بأنظارهم إلى أجولة طحين معروضة للبيع بمنطقة المواصي برفح يوم الأحد (أ.ف.ب)

وقف المراسل المخضرم أمام الكاميرا، يقص كيف هرول إليه طفل لم يتجاوز السابعة يستنجد به ويرجوه، عندما علم أنه صحافي وربما كان له بعض من «سلطة»، أن يتوسط لدى أبيه ليعطيه نصف رغيف خبز كل ثلاثة أيام بدلاً من الربع الذي يمنحه إياه.

يتوجه المراسل إلى الأب، الذي أبلغه أنه يحصل على رغيفين كل أربعة أيام، ويحصل أبناؤه على رغيفين، والعائلة تضم سبعة أشخاص. وتساءل: «من أين لي أن أطعمه ما هو أكثر؟».

ثم لا يتمالك المراسل النحيل نفسه، فتهتز كلماته بفعل العبرات.

يواجه قطاع غزة مجاعة ثالثة هي الأشد منذ بدء الحرب الإسرائيلية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لتطول هذه المرة سكانه كافة بعدما كانت تنحسر في مرحلة ما على شمال القطاع، ثم لاحقاً وبدرجة أقل في جنوبه.

فلسطينيون يمدون أيديهم بأوان خاوية أملاً في ملئها من تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الأحد (رويترز)

ولم تدع المجاعة فقيراً ولا غنياً، فحتى من يملك المال لا يجد السلع. ولم ينجُ منها سوى من يُطلَق عليهم «تجار الحروب» الذين قال غزيون لـ«الشرق الأوسط» إنهم «يحلبون جيوباً» خلت، أو تكاد، من المال.

وقال المتحدث باسم «حركة فتح» في غزة، منذر الحايك، إن إسرائيل حكمت على جميع سكان القطاع «بالإعدام جوعاً». ونقلت إذاعة «صوت فلسطين»، يوم الاثنين، عنه قوله إن الأطفال يأكلون بقايا الطعام من القمامة، وصار المواطنون يسقطون في الشوارع من شدة الجوع.

وحذر مسؤولو الصحة في غزة من «وفيات جماعية» محتملة في الأيام المقبلة بسبب زيادة الجوع الذي قالت وزارة الصحة بالقطاع إنه أودى بحياة 19 شخصاً على الأقل منذ يوم السبت الماضي.

ووفقاً للوزارة، توفي 86 شخصاً بسبب الجوع أو سوء التغذية منذ بداية الحرب، من بينهم 76 طفلاً.

وقالت «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) إنها «تتلقى رسائل بائسة» من بعض موظفيها في قطاع غزة، مع بلوغ الجوع وسوء التغذية مستويات غير مسبوقة. وأضافت في منشور على منصة «إكس» أن النقص في الإمدادات أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمقدار 40 ضعفاً.

كل الطبقات سواء

تروي إلهام ياسين، (49 عاماً)، وهي من سكان مخيم جباليا ونازحة إلى ميناء غزة، كيف كانت تحيا حياة «مستورة»، يكفي راتبها من أحد مصانع القطاع الخاص لتلبية احتياجاتها وأسرتها، لكن الحرب جعلتها من الفئة الأشد فقراً.

وتؤكد أن الفترة الحالية هي الأكثر قسوة، فقد عاشت المجاعة الأولى في شمال القطاع، وكانت تلجأ وقتها لطعام الحيوانات وتطحنه لتحويله إلى خبز، لكن الآن لا يتوفر طحين، ولا حتى طعام الحيوان.

احتشاد أمام تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الأحد (رويترز)

وتضيف في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أنه حتى من لديه مال لا يجد في الأسواق ما يشتريه، إذ تخلو من الأرز والعدس والطحين وغيرها. فإن ظهرت مثل هذه السلع على استحياء شديد، كان السعر باهظاً.

وتابعت بحسرة غلبت على كلماتها: «كل عائلة فينا تحتاج لموازنة دولة حتى تستطيع شراء أقل القليل من احتياجاتها الأساسية اليومية»، مشيرةً إلى أنها تحتاج يومياً لما بين 500 و1000 شيقل (ما بين 150 و300 دولار).

وبلغ سعر جوال الدقيق (الطحين) زنة 25 كيلوغراماً، ظهر الاثنين، ما بين 2300 و2500 شيقل (686 إلى 745 دولاراً).

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى رجب حميد، (57 عاماً)، الذي كان أحد تجار السلع والمواد الغذائية قبيل الحرب وكان يوصف بأنه من رجال الأعمال، لكنه حالياً «من الفئة الفقيرة» كما يصنف نفسه، لا يجد ما يطعم به أبناءه.

يقول: «كانت لدينا حياة وأموال، وكنا نكسب رزقنا بكل طمأنينة، لكننا أصبحنا مثل الجميع، نبحث عما نستطيع تقديمه من طعام لأبنائنا، سواء من العدس أو غيره».

وهو الآن مثله مثل المئات من التجار ورجال الأعمال، الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم ومحالهم التجارية، وضاع ما كان لديهم من مال، لشراء مستلزمات واحتياجات العائلة بمبالغ باهظة استنزفتهم تماماً حتى باتوا يعانون في توفير لقمة العيش.

فلسطينيون يحملون أجولة طحين في غرب جباليا بشمال قطاع غزة يوم الأحد (إ.ب.أ)

يقول: «أصبحنا مثلنا مثل من كان يعيش فقيراً قبل الحرب وخلالها. لم تعد هناك طبقة أفضل من طبقة. الجميع هنا يعاني إلا القليل ممن حافظوا على علاقات تجارية بطرق غير مفهومة، وباتوا ممن يُطلَق عليهم تجار الحروب، والذين استفادوا من هذه الفترة بشكل كبير».

وأصبحت الأقدام لا تقوى على حمل أصحابها، بمن فيهم الأطباء الذين أكد بعضهم في تصريحات لإذاعات محلية أنهم باتوا لا يستطيعون تقديم حتى أدنى الخدمات الطبية للمواطنين لعجزهم أحياناً عن الوقوف.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة، خليل الدقران، إن الطواقم الطبية تعتمد على وجبة واحدة في اليوم، وإن مئات يتدفقون على المستشفيات يومياً بينما طواقم العاملين تعاني التعب والإرهاق من شدة الجوع.

الموت قصفاً أو جوعاً

الشاب محسن البلبيسي يقول إن والده كان صاحب «سوبر ماركت» دُمّر إلى جانب منزلهم وقُتل والده بالمكان، ولم يبق له ولوالدته وأشقائه ما يعينهم على واقع الحياة الصعب بغزة. حتى أموالهم احترقت بفعل الصواريخ الإسرائيلية.

دخان يتصاعد بعد انفجار في غزة في لقطة مأخوذة من الجانب الإسرائيلي من الحدود يوم الأحد (رويترز)

هذا الواقع أجبره وثلاثة من أشقائه على الذهاب إلى نقاط المساعدات وطرق دخول شاحناتها، والمخاطرة بحياتهم في العديد من المرات، من أجل جلب الطحين والمواد الغذائية، لسد رمق أشقائه الأطفال وشقيقاته.

وقال الشاب، وهو خريج جامعي، «أصبحنا جميعاً سواسية، نبحث عن كيلو طحين واحد يبقينا على قيد الحياة، سواء كان الفقير بيننا أو الغني، ولذلك نغامر بالموت من أجل أن نحصل على القليل من المواد الغذائية».

وقد فقدت غزة أكثر من ألف فلسطيني منذ نهاية مايو (أيار) الماضي، بينهم نحو 100 في مجزرة دامية لمنتظري المساعدات وقعت، الأحد، في شمال غرب قطاع غزة، بالقرب من موقع «زيكيم» العسكري الإسرائيلي.

فلسطينيون يحملون جثمان فتى قُتل بالرصاص عند نقطة توزيع المساعدات قرب موقع زيكيم العسكري يوم الأحد (إ.ب.أ)

وتشير نجاة عليان، النازحة من بلدة بيت لاهيا إلى مدينة غزة، إلى أن الطحين بالنسبة لسكان القطاع هو المادة الغذائية الأساسية والأهم، «ومن دونه لا نستطيع حتى الوقوف على أقدامنا، ولذلك صار الكثيرون منا يشتكون من الضعف والهزال بفعل الواقع الذي نعيشه».

وأضافت: «أسعار بعض ما يتوفر من الطحين وغيره من المواد الأساسية جنونية، لا يقدر عليها أحد، حتى ولو كان من أغنى الأغنياء».

وأكدت هي الأخرى أنه مع الغلو الفاحش بات كل مواطن بحاجة لأكثر من 500 دولار يومياً حتى يستطيع العيش بالحد الأدنى من الطحين والمواد الأساسية.

وترى أن وقف إطلاق النار وحده هو ما يمكن أن يطفئ لهيب الأسعار، كما جرى في مرحلة وقف إطلاق النار السابقة في يناير (كانون الثاني) الماضي.


مقالات ذات صلة

خاص الرئيس الفلسطيني محمود عباس (د.ب.أ)

خاص عباس دعا «حماس» لتسليم سلاحها وإسرائيل للانسحاب من غزة

بينما يمر اتفاق غزة بوضع حرج، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتنفيذ فوري للمرحلة الثانية، عبر انسحاب إسرائيل، وتسليم «حماس» سلاحها للسلطة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

مقتل 7 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

قال تلفزيون فلسطين إن سبعة أشخاص قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

«الشرق الأوسط»
المشرق العربي طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

خلال ساعات ليل ونهار السبت، استخدمت القوات الإسرائيلية الطائرات الحربية تارةً والعربات المفخخة تارةً أخرى، لقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية داخل قطاع غزة

المشرق العربي على اليمين صورة لمريم إبراهيم قبل الإصابة في الحرب... ويساراً صورة لها بعد الإصابة (وسائل إعلام محلية - إ.ب.أ)

نجاح عملية معقّدة لفتاة فقدت جزءاً من جمجمتها في حرب غزة

نجت فتاة من غزة كانت تعاني من إصابة في جمجمتها، جراء شظية إسرائيلية، بعد جراحة تمت لها في الأردن.

«الشرق الأوسط» (غزة)

عبد العاطي في قطر... دفع لـ«الشراكة» وتنسيق بشأن مستجدات المنطقة

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره القطري في الدوحة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره القطري في الدوحة (الخارجية المصرية)
TT

عبد العاطي في قطر... دفع لـ«الشراكة» وتنسيق بشأن مستجدات المنطقة

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره القطري في الدوحة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره القطري في الدوحة (الخارجية المصرية)

على هامش مشاركته في «منتدى الدوحة»، ناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مسؤولين قطريين، سبل دفع «الشراكة» بين مصر وقطر، إلى جانب تنسيق المواقف بشأن المستجدات في المنطقة.

ويشارك عبد العاطي، في فعاليات النسخة رقم 23 من «منتدى الدوحة»، التي انطلقت، السبت، في العاصمة القطرية، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبمشاركة رؤساء دول وخبراء ودبلوماسيين من مختلف أنحاء العالم.

ويعقد وزير الخارجية المصري سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من نظرائه ومسؤولين مشاركين، لبحث تعزيز التعاون الثنائي، وتنسيق المواقف إزاء تطورات المنطقة، لا سيما ما يتعلق بجهود تثبيت الاستقرار، ودعم مسارات السلام والتنمية، حسب «الخارجية المصرية».

وأشاد عبد العاطي بالزخم الذي تشهده العلاقات المصرية - القطرية على مختلف الأصعدة، وثمَّن خلال لقائه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، «التعاون بين بلاده والدوحة في المجالات المختلفة، بما يحقق مصالح الشعبين».

ووقَّعت مصر وقطر، في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقد شراكة استثمارية لتنمية منطقة «سملا وعلم الروم» بالساحل الشمالي الغربي بمحافظة مطروح (شمال غربي مصر)، بقيمة تبلغ نحو 29.7 مليار دولار أميركي. (الدولار يساوي 47.50 جنيه تقريباً بالبنوك المصرية).

وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، وقتها، إن توقيع عقد الشراكة الاستثمارية مع الجانب القطري، «يشكل تتويجاً للعلاقات الثنائية بين البلدين، ويعكس عمق الروابط التاريخية بينهما».

وعلى صعيد تنسيق المواقف بشأن الأوضاع في المنطقة، شدد وزيرا خارجية مصر وقطر على أهمية «مواصلة جهود تنفيذ اتفاق (شرم الشيخ) للسلام بكافة مراحله، وتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ومنع أي خروقات»، إلى جانب «التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق».

وسبق محادثات وزير الخارجية المصري ونظيره القطري، لقاؤه بمسؤولين قطريين، ضم وزير المالية، أحمد الكواري، ووزير التجارة والصناعة، الشيخ فيصل آل ثاني، ووزير المواصلات، الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد آل ثاني، لبحث «تعزيز التعاون المتنامي بين القاهرة والدوحة في المجالات الاقتصادية والتجارية والخدمية»، حسب «الخارجية المصرية».

وشدد عبد العاطي على «حرص بلاده على دفع الشراكة مع الدوحة، بما يحقق المصالح المشتركة، ويفتح آفاقاً أوسع للتعاون»، مؤكداً أهمية «تعزيز التواصل المؤسسي بين الوزارات والهيئات المختصة، بما يسهم في الارتقاء بجهود التنمية والاقتصادية في الدولتين».

وزير الخارجية المصري خلال لقائه وزراء المالية والتجارة والصناعة والمواصلات القطريين في الدوحة (الخارجية المصرية)

وباعتقاد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير يوسف الشرقاوي، أن زيارة عبد العاطي للدوحة ولقاءاته مع مسؤولين قطريين «تعكس النمو المتزايد لمستوى العلاقات السياسية بين البلدين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حرصاً بين القاهرة والدوحة، على رفع مستوى التعاون، خصوصاً في المجالات التجارية والاستثمارية، ليرتقي إلى مستوى التنسيق السياسي القوي في هذه المرحلة».

ويتصدر الجانب الاقتصادي مسارات التعاون الثنائي بين مصر وقطر، وفق الشرقاوي، الذي أشار إلى أهمية «استفادة الدوحة من مناخ الاستثمار المشجع في مصر الفترة الحالية»، وقال إن هذا القطاع يمكن أن يشكل «قاطرة لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين».

وخلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للدوحة في أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت قطر عن «دعم الشراكة الاقتصادية مع مصر، من خلال الإعلان عن حزمة من الاستثمارات المباشرة، بقيمة 7.5 مليار دولار».

وإلى جانب تعزيز «الشراكة المصرية - القطرية،» شدد الشرقاوي على أهمية «التنسيق المستمر بين الجانبين فيما يتعلق بقضايا المنطقة، خصوصاً الوضع في غزة»، وقال إن «القاهرة والدوحة، تعملان لحشد الجهود الدولية، لتثبيت وقف إطلاق النار، وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للسلام في غزة».

كما ناقش وزير الخارجية المصري، مع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، بورج برانديه، خلال «منتدى الدوحة»، السبت، «التعاون المشترك، من خلال مبادرات وأفكار مبتكرة لدعم جهود التنمية»، كما بحث مع أمين عام منظمة التعاون الرقمي، ديما اليحيى، «تعزيز التعاون بين الدول النامية في قضايا التكنولوجيا والحوكمة الرقمية».


نساء الأحزاب اليمنية يتمرّدن على القيادات

جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
TT

نساء الأحزاب اليمنية يتمرّدن على القيادات

جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)

تشهد الساحة السياسية اليمنية تحوّلاً لافتاً في الوعي والتنظيم النسوي داخل الأحزاب والمكوّنات السياسية، بعد سنوات طويلة من التهميش والإقصاء؛ إذ أعلنت قيادات نسائية حزبية تبنّي خطة جديدة لتعزيز حضور المرأة في الحياة السياسية، وتمكينها من الوصول إلى مواقع القرار، بما في ذلك الحصول على حقائب وزارية، ورفع تمثيلها داخل الهياكل الحزبية إلى 30 في المائة كمرحلة أولى، ترتفع تدريجياً إلى 50 في المائة.

وجاءت هذه الخطوات عقب ثلاثة أيام من النقاشات الواسعة في لقاء نظّمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عدن، وشاركت فيه ممثلات ثمانية من أبرز الأحزاب والكيانات السياسية اليمنية. اللقاء كشف حجم الاحتقان داخل الأطر الحزبية نتيجة استمرار تغييب النساء عن المواقع القيادية، رغم الدور الواسع الذي لعبته اليمنيات خلال الحرب والأزمات المتتالية.

واتفقت المشاركات على وضع خطط داخلية واضحة لتمكين القيادات النسوية من حقائب وزارية وقيادة مؤسسات حكومية، إلى جانب إطلاق برامج تدريب وتأهيل متخصصة لإعداد كوادر نسائية قادرة على المنافسة.

اليمنيات يطمحن لرفع تمثيلهن داخل الهيئات الحزبية إلى 50% (إعلام محلي)

كما أقرت المشاركات اعتماد «كوتا نسائية» لا تقل عن 30 في المائة في التعيينات القيادية داخل الأحزاب، مع مراجعة اللوائح الداخلية التي تمثّل عائقاً أمام وصول النساء إلى مراكز صنع القرار.

وتجاوزت المشاركات التباينات السياسية بين أحزابهن، مؤكدات الحاجة إلى إعداد ميثاق أخلاقي يحمي المرأة داخل العمل الحزبي والسياسي، ويفرض التزامات واضحة على المكوّنات في ما يتعلق بترشيح النساء للمناصب، ودعم صعودهن في هياكل الأحزاب.

تحرير القرار الحزبي

ناقشت المشاركات اليمنيات بعمق الوضع المؤسسي للمرأة داخل أحزابهن، والعوائق البيروقراطية والتنظيمية التي تعوق مشاركتها الفاعلة، إضافة إلى التحديات العامة المرتبطة بالعمل السياسي في ظل الحرب التي أشعلها انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية قبل أحد عشر عاماً.

وأشارت المتحدثات إلى ضعف آليات التواصل والتنسيق بين الكوادر النسوية، وغياب السياسة الحزبية الواضحة لتمكين المرأة، إلى جانب محدودية حضور النساء في دوائر صنع القرار داخل الأحزاب.

دعم أممي لمشاركة المرأة في العملية السياسية وبناء السلام (إعلام محلي)

من جانبها، أكدت دينا زوربا، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في اليمن، خلال اللقاء، أن القيادات النسوية داخل الأحزاب يتحملن دوراً محورياً في دعم وصول النساء إلى مناصب القرار العليا، من خلال تقديم المرشحات للمناصب الحكومية والمشاركة النشطة في العملية السياسية وبناء السلام.

وحثّت زوربا المشاركات على مواجهة التحديات الهيكلية في مؤسساتهن الحزبية، والعمل على تحسين الوضع المؤسسي للمرأة باعتباره خطوة أساسية لضمان وصولها إلى القرار السياسي.

كما أوضحت أن رفع مشاركة المرأة في الأحزاب ليس مطلباً حقوقياً فحسب، بل ضرورة لحماية العملية السياسية نفسها، مؤكدة أن أي عملية بناء سلام لا تشمل النساء تظل ناقصة وغير قابلة للاستمرار.

ووفقاً للمنظمين، فقد هدفت الجلسات النقاشية إلى خلق منصة حوار سياسية تجمع النساء القياديات، وتتيح لهن فرصة صياغة حلول عملية قابلة للتطبيق على المدى القريب. وشملت الجلسات عروضاً تحليلية حول موقع المرأة داخل الهياكل الحزبية، ونقاشات جماعية لتحديد مقاربات فعّالة لتعزيز دور النساء في صياغة مستقبل البلاد.

موقف رئاسي داعم

قدّمت القيادات النسوية عدداً من التوصيات المتعلقة بتحسين الدور المؤسسي للنساء داخل الأحزاب اليمنية، والارتقاء بكفاءتهن في مواقع اتخاذ القرار، وتعزيز مسؤولية الأحزاب تجاه قضايا النساء داخل المكوّنات السياسية. وأكدت التوصيات ضرورة تفعيل دوائر تمكين المرأة داخل الأحزاب، وتبنّي آليات واضحة تضمن وصول أصوات النساء وأولوياتهن إلى مسارات صنع القرار.

وفي السياق ذاته، تماشياً مع المطالب النسوية، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، إلى ضرورة إشراك المرأة في الحكومة وتمكينها من قيادة حقيبة وزارية، مؤكداً أن تغييب النساء عن مواقع القرار يمثل خللاً قانونياً ومؤسسياً يجب معالجته فوراً.

التزام حكومي يمني بتمثيل المرأة في موقع القرار السياسي (إعلام حكومي)

وشدد العليمي على أن المرأة اليمنية كانت وما تزال شريكاً أساسياً في الصمود والبناء، وأن مطالبتها بحقها في التمثيل السياسي ليست مِنّة من أحد، بل حق أصيل يجب الاعتراف به. وقال: «ليس من العدل أن تتحمل المرأة الأعباء كافة، في حين تغيب عن مواقع صنع القرار تماماً». وأضاف أن بقاء الحكومة بلا حقيبة وزارية نسائية أمر غير مقبول، خاصة في بلد تشكل النساء فيه أكثر من نصف عدد السكان.

ويبدو أن هذه التوجهات، إلى جانب الجهود الأممية، تمهد لمرحلة جديدة من المشاركة النسوية، قد تعيد رسم الخريطة السياسية المستقبلية، خصوصاً إذا التزمت الأحزاب بتنفيذ ما أعلنته من خطط ومراجعات داخلية.


تشديد يمني رئاسي على توحيد الجهود لحسم المعركة ضد الحوثيين

عناصر موالون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
عناصر موالون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
TT

تشديد يمني رئاسي على توحيد الجهود لحسم المعركة ضد الحوثيين

عناصر موالون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
عناصر موالون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

شدد عضوا مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح وسلطان العرادة على توحيد الجهود في مواجهة الانقلاب الحوثي وتسريع خطوات استعادة الدولة وتحرير العاصمة المختطفة صنعاء، مع ضرورة إنهاء الخلافات البينية وإغلاق الملفات العالقة، وذلك قبيل انطلاق جولة مفاوضات جديدة بين الحكومة والحوثيين بشأن الأسرى والمحتجزين برعاية دولية.

وفي لقاء جمع عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، مع رئيس مجلس النواب سلطان البركاني وعدد من أعضاء المجلس، عرض صالح رؤية المقاومة الوطنية ومقاربتها للمعركة ضد الجماعة الحوثية، موضحاً أنها إطار وطني جامع لا يقوم على أي اعتبارات حزبية أو مناطقية، وأن معيار الانضمام إليها هو الإيمان بأولوية قتال الميليشيات واستعادة مؤسسات الدولة.

واستعرض صالح خلال اللقاء عدداً من مشاريع وبرامج المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، مؤكداً أنها موجّهة لخدمة المواطنين في كل المناطق دون تمييز. كما شدد على أن الانقسامات بين القوى المناهضة للحوثيين تُضعف الجبهات وتمنح الميليشيا مساحات للتقدم، محذراً من انعكاساتها السلبية على معنويات المقاتلين.

طارق صالح خلال لقائه قيادات برلمانية في المخا (إعلام رسمي)

وأشار صالح إلى أن توحيد مسرح العمليات العسكرية يمثّل حجر الزاوية في أي تحرك لاستعادة صنعاء، مجدداً تأكيده أن استعادة الجمهورية مرهونة بهزيمة الحوثيين. كما دعا مجلس النواب إلى مضاعفة الجهود بما يخدم المصلحة الوطنية العليا ويعزّز الثقة الإقليمية والدولية بالقوى الشرعية.

هزيمة الانقلاب

في لقاء آخر جمع طارق صالح بعدد من أمناء عموم وممثلي الأحزاب السياسية، أكد عضو مجلس القيادة أن المرحلة الراهنة تتطلّب حشد الجهود وتوحيد المعركة شمالاً لهزيمة الانقلاب وتحرير العاصمة المختطفة صنعاء.

وأشار صالح إلى أن التباينات بين القوى الوطنية أمر طبيعي، لكنها لا تلغي وجود هدف جامع هو «قتال الحوثي واستعادة الدولة»، مؤكداً أن المجلس الانتقالي الجنوبي شريك في هذه المعركة منذ الحرب الأولى في صعدة، وأن تضحيات أبناء الجنوب في جبال مرّان تشكّل شاهداً حياً على دورهم الوطني.

لقاء طارق صالح مع ممثلي الأحزاب السياسية (إعلام رسمي)

وشدد صالح على ضرورة تهيئة البيئة المناسبة للمعركة القادمة، لافتاً إلى أن «دول التحالف لدعم الشرعية قدّمت الكثير من الدعم، وإذا أردنا دعماً إضافياً فعلينا أن نوحّد جهودنا نحو صنعاء». وأعاد تأكيد أن المقاومة الوطنية لن تنشغل عن هدفها في مواجهة الحوثي، ولن تعود إلى «تحرير المحرر»، في إشارة إلى عدم الدخول في صراعات جانبية.

كما عبّر عن تقديره للأحزاب والمكونات السياسية، وعدّ حضورهم دليلاً على «وعي متقدم بأهمية اللحظة الوطنية وضرورة التكاتف في مواجهة المشروع الإيراني».

استعادة الدولة

أكد عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، سلطان العرادة، خلال لقائه رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن صغير بن عزيز، ووكلاء محافظة مأرب، وعدداً من القيادات العسكرية والأمنية، أن ما تمر به البلاد اليوم هو «نتيجة طبيعية لانقلاب ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني»، مشدداً على أن كل الإشكالات ستتلاشى بمجرد استعادة مؤسسات الدولة.

وقال العرادة إن القوات المسلحة والأمن يشكّلان «عماد الاستقرار والتحرير»، وإن مجلس القيادة يقدّر تضحيات منتسبي المؤسستَين ويتابع قضاياهم بشكل دائم. ودعا إلى تجاوز المشكلات الآنية والخلافات الجانبية وإرث الماضي، مؤكداً أن القضية الوطنية الكبرى هي استعادة العاصمة المختطفة صنعاء.

سلطان العرادة خلال اجتماعه بقيادات عسكرية في مأرب (إعلام رسمي)

وأضاف مخاطباً القيادات العسكرية: «الناس يعلّقون عليكم آمالاً كبيرة... فاحملوا الراية لتحرير البلاد»، مشدداً على استعداد الجميع للتضحية في سبيل إنهاء الانقلاب واستعادة المجد للشعب اليمني. كما شدد على أن اليمن «لن يستعيد مكانته إلا بالتخلص من الميليشيا الحوثية الإيرانية»، معبّراً عن امتنانه لتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية.

وفي سياق آخر أعلنت السلطات اليمنية في محافظة مأرب عن تسليم 26 جثماناً من قتلى الحوثيين الذين قُتلوا في جبهات مأرب والجوف، بعد التعرف عليهم من قبل الجماعة.

وأوضح العميد يحيى كزمان أن العملية تمت «بوصفها مبادرة من طرف واحد لدواعٍ إنسانية»، وبإشراف من لجنة الصليب الأحمر الدولية، وبتنسيق مع رئاسة هيئة الأركان العامة والجهات المعنية.

وأكد كزمان، وهو عضو الفريق الحكومي المفاوض، أن الحكومة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إظهار حسن النية قبل جولة المفاوضات المرتقبة، وتهيئة الأجواء للانتقال إلى قاعدة «الكل مقابل الكل» في ملف المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً.

وأوضح أن المبادرة جاءت بناءً على توجيهات عليا ضمن جهود تهدف إلى إغلاق هذا الملف الإنساني الذي يفاقم معاناة آلاف الأسر اليمنية.