السعودية ومصر لتعميق العلاقات بمجلس «تنسيق أعلى»

السيسي أصدر قرار تشكيله

السيسي والأمير محمد بن سلمان خلال لقائهما في القاهرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
السيسي والأمير محمد بن سلمان خلال لقائهما في القاهرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

السعودية ومصر لتعميق العلاقات بمجلس «تنسيق أعلى»

السيسي والأمير محمد بن سلمان خلال لقائهما في القاهرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
السيسي والأمير محمد بن سلمان خلال لقائهما في القاهرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

في خطوة تستهدف «تعميق» العلاقات بين الرياض والقاهرة في مختلف المجالات، أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قراراً بشأن الموافقة على محضر تشكيل «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، بحسب ما نشرت الجريدة الرسمية المصرية، الخميس.

ووفقاً للقرار الذي حمل رقم 55 لعام 2025، اتفقت حكومتا البلدين على تشكيل «مجلس تنسيق أعلى مصري - سعودي» برئاسة السيسي والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي.

و«يتألف المجلس من عدد من الوزراء في المجالات ذات الصلة بالمهمات المسندة إليه، ويقوم كل جانب بتزويد الجانب الآخر بأسماء ممثليه في المجلس، ويكون لكل جانب أمين يتولى التنسيق مع نظيره في الجانب الآخر واتخاذ ما يلزم لتنفيذ المهمات المنصوص عليها في هذا المحضر»، بحسب نص القرار.

ويهدف المجلس إلى «تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات، وبخاصة السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والتعليمية، والصحية، والزراعية، والبيئية، والثقافية، والصناعية، والتقنية، والاتصالات، والنقل، والتعاون الرقمي، والبنى التحتية والطاقة».

ونصَّ القرار على أن «يعقد المجلس اجتماعاته دورياً وبالتناوب في البلدين، وللمجلس أن يعقد اجتماعات استثنائية كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وله تشكيل لجان تحضيرية لمساندته في إنهاء المهمات المسندة إليه».

ووفق القرار «يعدّ أمينا الجانبين محضراً مشتركاً يتضمن حوكمة لأعمال المجلس ولجانه ومهماتها وآليات التنسيق والتواصل بما يكفل تحقيق الغايات المنشودة من تشكيل المجلس، وتعتمد الحوكمة بموافقة رئيسي الجانبين».

وكان ولي العهد السعودي والرئيس المصري قد شهدا في ختام مباحثاتهما بالقاهرة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التوقيع على تشكيل «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي». وعكف البلدان منذ ذلك الوقت على وضع هيكل المجلس، بحسب تصريحات سابقة لوزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أكد خلالها «العلاقة الاستراتيجية الوطيدة، والتنسيق المستمر بين القاهرة والرياض».

ووفق نص القرار، فإن مجلس النواب المصري (البرلمان) قد وافق على قرار تشكيل «المجلس» في 24 مارس (آذار) الماضي.

وزير الخارجية المصري خلال لقاء نظيره السعودي على هامش فعاليات «منتدى أوسلو» (الخارجية المصرية)

اللواء دكتور محمد الحربي، المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي السعودي، عدّ القرار امتداداً للاتفاق بين ولي العهد السعودي والرئيس المصري. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المجلس هو آلية رفيعة المستوى وبالغة الأهمية للتنسيق بين البلدين ما يعمق العلاقات بين القاهرة والرياض في مختلف المجالات ويسهم في تعزيز الاستثمارات».

وأضاف أن «المجلس خطوة مهمة لتعزيز العلاقات، وانطلاقه نحو التكامل والتعاون الاقتصادي والسياسي، لا سيما مع ما تشهده المنطقة والعالم من حروب وأزمات وتحديات إقليمية». ولفت إلى أن «السعودية ومصر دولتان كبيرتان ومهمتان، وتعميق العلاقات بينهما يُسهم في استقرار المنطقة»، مشيراً إلى أن «حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي بلغ نحو 48 مليار ريال».

ووفق بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» في مصر، فإن حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية وصل خلال عام 2024 إلى 11.3 مليار دولار، مقارنة بـ8.2 مليار دولار خلال 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 37.8 في المائة. (الدولار الأميركي يساوي 49.7 جنيه في البنوك المصرية).

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أكد أن المجلس «خطوة لتعميق العلاقات بين مصر والسعودية»، مشيراً إلى أن «القاهرة والرياض تربطهما علاقات قوية وكبيرة وتشكيل (المجلس) إضافة لتعزيزها وتعميقها في مختلف المجالات».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المجلس يأتي في إطار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ويُسهم بشكل كبير في تعزيز أطر التعاون وتذليل أي عقبات وتسهيل اتخاذ القرارات»، مشيراً إلى لقاء وزيري خارجية مصر والسعودية الأخير اللذين أكدا خلاله على «عمق العلاقات بين البلدين».

والتقى وزير الخارجية المصري، الأربعاء، نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، على هامش مشاركتهما في فعاليات «منتدى أوسلو»، حيث ثمَّن عبد العاطي «التطور السريع الذي تشهده العلاقات الثنائية»، معرباً عن «التطلع لدفع وتيرة التعاون مع المملكة؛ تنفيذاً لتوجيهات الرئيس المصري وولي العهد السعودي»، بحسب إفادة رسمية من «الخارجية المصرية».

وأشار إلى تدشين «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، حيث أكد الوزيران «ضرورة تعظيم الاستفادة من الأطر المؤسسية الاقتصادية القائمة بين مصر والسعودية وتبادل الزيارات لكبار المسؤولين ورجال الأعمال والمستثمرين».

وكان وزير الخارجية المصري أكد خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي، في القاهرة، سبتمبر (أيلول) الماضي، أن «(مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي) سيكون مظلة شاملة لمزيد من تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، والدفع لآفاق التعاون بينهما في المجالات السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والتنموية والاستثمارية، بما يحقق مصالح الشعبين».


مقالات ذات صلة

نائب أمير مكة المكرمة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة

يوميات الشرق نائب أمير مكة المكرمة عقب تشرُّفه بغسل الكعبة المشرفة (واس)

نائب أمير مكة المكرمة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة

نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، تشرَّف الأمير سعود بن مشعل، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، الخميس، بغسل الكعبة المشرفة.

«الشرق الأوسط» (مكة المكرمة)
سينما ‎⁨إبراهيم الخيرالله وأضوى بدر وفهد المطيري في مشهد من الفيلم (الشرق الأوسط)⁩

فيلم «الزرفة»... كثير من الضحك خارج حدود المنطق

ليس مستغرباً أن يتصدر الفيلم السعودي «الزرفة» شباك التذاكر المحلي في أسبوعه الأول، محققًا إيرادات 9 ملايين ريال، لكن المفاجأة كانت في حجم الحشود.

إيمان الخطاف (الدمام)
رياضة سعودية الشباب يتطلع إلى العودة إلى عصره الذهبي (تصوير: عبدالرحمن السالم)

هل يعيد ألغواسيل ليوث الشباب إلى عصرهم الذهبي؟

على مدار عقد كامل، عاش نادي الشباب السعودي حالة صيام قسري عن الألقاب، رغم تاريخه الحافل ومكانته المرموقة بين كبار الأندية السعودية، لكن مع قدوم الإسباني.

فهد العيسى (الرياض)
الخليج وزير الدفاع السعودي خلال استقباله نظيره المجري في جدة (واس)

وزير الدفاع السعودي يبحث المستجدات مع نظيره المجري

ناقش الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع نظيره المجري كريستوف سالاي بوبروفينسكي، الأربعاء، مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الاقتصاد شعار هيئة السوق المالية في أحد المباني بالعاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

«السوق المالية» السعودية تعتمد تعديلات شاملة لتطوير صناديق الاستثمار وتعزيز إدارة الأصول

أقرَّ مجلس هيئة السوق المالية حزمة شاملة من التعديلات على لائحة صناديق الاستثمار، ولائحة صناديق الاستثمار العقاري، وقائمة المصطلحات المستخدمة في أنظمة الهيئة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الحوثيون يتهمون غروندبرغ بـ«الانحياز» ويلوِّحون بقطع التواصل معه

الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)
الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)
TT

الحوثيون يتهمون غروندبرغ بـ«الانحياز» ويلوِّحون بقطع التواصل معه

الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)
الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)

​في أعقاب الهجمات الحوثية التي أدت إلى غرق سفينتين تجاريتين، ومقتل وإصابة وفقدان عدد من الطاقم في البحر الأحمر، توالت الإدانات الدولية، بينما اتخذت الجماعة موقفاً غاضباً من تصريحات الأمم المتحدة، ولوحت بقطع التواصل مع المبعوث هانس غروندبرغ، بعد أن اتهمته بـ«الانحياز» و«عدم الحياد».

وكانت الجماعة المتحالفة مع إيران قد هاجمت بين يومي الأحد والثلاثاء الماضيين سفينتي شحن يونانيتين في البحر الأحمر وأغرقتهما، وأدت الهجمات إلى مقتل 4 بحارة على الأقل، وجرح آخرين، وفقدان 12، مع اعتراف الجماعة باحتجاز عدد منهم.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية من وقت لآخر إطلاق صواريخ ومُسيَّرات باتجاه إسرائيل تحت ذريعة مساندة الفلسطينيين في غزة، تسود مخاوف يمنية من هجمات إسرائيلية انتقامية أشد قسوة من الضربات السابقة.

وفي بيان منسوب للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أدان «بشدة» استئناف الحوثيين هجماتهم على السفن المدنية العابرة للبحر الأحمر، ولا سيما الهجمات التي وقعت بين 6 و8 يوليو (تموز).

وقال البيان إن غرق السفينتين «ماجيك سيز» و«إيترنيتي سي» إلى جانب مقتل ما لا يقل عن 4 من أفراد الطاقم وإصابة آخرين، يشكّل تصعيداً خطيراً في هذا الممر المائي الحيوي.

ومع ورود تقارير تفيد بفقدان ما لا يقل عن 15 من أفراد الطاقم، دعا الأمين العام الحوثيين إلى عدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها عرقلة عمليات البحث الجارية عن الطاقم المفقود وإنقاذه.

ووصف البيان هذه الأفعال الحوثية -بالإضافة إلى كونها هجوماً غير مقبول على سلامة وأمن الطواقم البحرية- بأنها انتهاك لحرية الملاحة، وكذلك تشكل تهديداً مباشراً لحركة النقل البحري، وتنذر بخطر جسيم يلحق أضراراً بيئية واقتصادية وإنسانية كبيرة في بيئة ساحلية تعاني هشاشةً أصلاً.

صورة وزعها الحوثيون تظهر لحظة غرق السفينة «إيترنيتي سي» في البحر الأحمر (رويترز)

وشدد البيان الأممي على ضرورة التزام جميع الأطراف باحترام القانون الدولي في جميع الأوقات. كما أكد أهمية الالتزام الكامل بقرار مجلس الأمن رقم 2768 (2025)، المتعلق بهجمات الحوثيين على السفن التجارية وناقلات الشحن.

وجدد غوتيريش -في البيان الذي جاء على لسان المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك- التزام الأمم المتحدة المتواصل بدعم جهود التهدئة على نطاق أوسع في المنطقة، إلى جانب استمرار انخراطها مع الجهات الفاعلة اليمنية والإقليمية والدولية، بهدف التوصّل إلى حل سلمي ومستدام للنزاع في اليمن.

موقف أوروبي

في سياق المواقف الدولية من تصعيد الحوثيين البحري، أدان الاتحاد الأوروبي بشدة الهجوم الحوثي على السفينة التجارية «إيترنيتي سي» في البحر الأحمر، ما أدى إلى غرق السفينة، كما أدان الوفاة المأساوية لعدد من أفراد الطاقم وإصابة آخرين.

وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي لدي اليمن -في بيان- إنه ينبغي للحوثيين عدم عرقلة عمليات إنقاذ ومساعدة السفن المنكوبة، وينبغي لجميع الدول المشاطئة تقديم كل المساعدة الممكنة في هذا الأمر.

وإذ دعا البيان الحوثيين إلى الإفراج الفوري ودون شروط عن أفراد طاقم «إيترنيتي سي» الناجين، وصف الهجمات بأنها تعد انتهاكاً للقانون الدولي وتهدد بشكل مباشر السلام والاستقرار في المنطقة والتجارة العالمية وحرية الملاحة، بوصفها مصلحة عالمية عامة، وتؤثر على الوضع الإنساني المتردي أساساً في اليمن، مشدداً على وجوب توقفها.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أنشأ مهمة لحماية الملاحة في البحر الأحمر، أطلق عليها «مهمة أسبيدس» وبدأت عملها في فبراير (شباط) 2024، بمشاركة عدد من فرقاطات دول الاتحاد العسكرية، ولكنها لم تنخرط في مواجهة مباشرة مع الحوثيين كما فعلت واشنطن ولندن.

وخلال الأشهر الماضية رافقت قوات المهمة الأوروبية كثيراً من السفن التجارية في البحر الأحمر، وكذلك ساهمت في عمليات إنقاذ للسفن التي تعرضت للهجوم، وتصدت في مرات كثيرة لهجمات حوثية بالطائرات المُسيَّرة والصواريخ.

غضب حوثي

على وقع الإدانات الأممية لأفعال الجماعة الحوثية، اتهمت الأخيرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ بـ«الانحياز» وعدم الحياد، وهددت بقطع التواصل معه.

وجاء رد الفعل الحوثي في بيان لخارجية حكومتها الانقلابية غير المعترف بها؛ حيث وصفت بيان غروندبرغ الذي أدان الهجمات بأنه «يعكس عدم حياديته» وقالت إنه «تجاهل بشكل كامل الأسباب الجذرية للتصعيد في البحر الأحمر» في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية على غزة.

هجمات الحوثيين منذ بدء التصعيد البحري تسببت في غرق 4 سفن وقتل 8 بحارة على الأقل (إ.ب.أ)

وفي حين اتهمت المبعوث بـ«الانحياز» قالت إن بيانه يجعلها «تجد صعوبة في التعاطي معه»، وهددت بأنها قد تلجأ «إلى تصعيد أكثر من مجرد إيقاف التواصل الرسمي مع المبعوث ومكتبه».

وكان المبعوث الأممي إلى اليمن قد أعرب في بيان عن «قلقه البالغ إزاء غرق السفينة (إيترنيتي سي)»، محذراً من التبعات الإنسانية والبيئية للهجمات البحرية التي تنتهك القانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 2722.

وأكد غروندبرغ أن استهداف السفن يعزز خطر انزلاق المنطقة إلى صراع أوسع، داعياً جماعة الحوثي إلى «تقديم ضمانات مستدامة ووقف الهجمات فوراً»، والبناء على الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة، بشأن وقف الأعمال العدائية في البحر الأحمر.

ويضع رد الفعل الحاد من الحوثيين على غروندبرغ الجهود الأممية في اليمن أمام تحدٍّ جديد؛ خصوصاً مع مساعي المبعوث لإحياء مسار السلام اليمني وفق خريطة الطريق التي كانت قد توسطت فيها السعودية وعُمان أواخر 2023، والتي تجمد المضي فيها إثر تصعيد الجماعة البحري والإقليمي.

ويرى مراقبون أن تهديدات الحوثيين المتواصلة بحرمان السفن المتعاملة مع إسرائيل من عبور البحر الأحمر والبحر العربي، بدأت تُترجم إلى عمليات دامية، كما حصل مع السفينتين الأخيرتين، وسط تحذيرات من أن تتسع دائرة المواجهة وتخرج عن السيطرة.