مصر لدعم العاملين بالقطاع الصحي وسط جدل حول «هجرة الأطباء»

ضمن «توجيهات سياسية» بتحسين بيئة العمل

وزير الصحة المصري وجّه بتحمل الدولة تكاليف الدراسات العليا للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
وزير الصحة المصري وجّه بتحمل الدولة تكاليف الدراسات العليا للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر لدعم العاملين بالقطاع الصحي وسط جدل حول «هجرة الأطباء»

وزير الصحة المصري وجّه بتحمل الدولة تكاليف الدراسات العليا للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
وزير الصحة المصري وجّه بتحمل الدولة تكاليف الدراسات العليا للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

تسعى السلطات الصحية في مصر لاتخاذ خطوات عملية بهدف تحسين بيئة عمل الأطباء عبر زيادة التعويض عن مخاطر المهن الطبية وتطوير برامج التدريب وتحمل الدولة تكاليف الدراسات العليا، الأمر الذي وصفه ممثلون عن الأطباء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه يصب في صالح «تقليل هجرة الأطباء من البلاد».

ويوم الاثنين، عقد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان بمصر الدكتور خالد عبد الغفار، اجتماعاً مع المدير التنفيذي لصندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية اللواء حسين دحروج، بحضور رئيس الإدارة المركزية للاستثمار وإدارة أموال الصندوق الدكتور محمد النحيف، وهو الاجتماع الذي قالت عنه وزارة الصحة إنه «بحث تعزيز سبل الدعم للأطقم الطبية، تقديراً لما يبذلونه من جهود في خدمة المنظومة الصحية».

وأوضحت الوزارة، في بيان، أن الاجتماع يأتي في إطار «تنفيذ توجيهات القيادة السياسية بتحسين بيئة العمل في القطاع الطبي، وتعزيز الاستثمار في الموارد البشرية، وتعزيزاً لجهود الدولة الرامية إلى دعم الأطقم الطبية وتحسين أوضاع العاملين في القطاع الصحي».

وزير الصحة المصري في جولة بأحد المستشفيات (أرشيفية - وزارة الصحة المصرية)

تأتي تلك الخطوة في ظل تصاعد الحديث خلال الأيام الماضية عن هجرة عدد كبير من الأطباء بعد نشر جامعة الإسكندرية إعلاناً عن خلو عشرات الوظائف الطبية الحيوية في المستشفيات التابعة لها، وهو ما أرجعه البعض لاستقالات الأطباء بسبب تردي الأوضاع.

ورغم توضيح الجامعة أن السبب ليس الاستقالات ولكنْ أمور إجرائية، فإن الجدل تصاعد وتحدث العديد من الأطباء عن تجاربهم بعد التخرج في كليات الطب في مصر والعمل في المستشفيات الحكومية ومعاناتهم الكبيرة من طول ساعات العمل، وأيضاً تعدي أهالي المرضى عليهم، فضلاً عن تدني الرواتب، وهي أحاديث أكدها نقيب أطباء مصر أسامة عبد الحي، في تصريحات تلفزيونية.

الجدل دفع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للتعليق على الأمر، قبل أيام، محاولاً التخفيف من أزمة هجرة الأطباء بدعوى أن مصر يتخرج فيها آلاف الأطباء سنوياً ومن يهاجرون هم نسبة قليلة لن تؤثر بل ستفيد البلاد بالعملة الصعبة وتزيد من قوة مصر الناعمة بالخارج، لكن تصريحات رئيس الحكومة أثارت انتقادات هي الأخرى ووصفها البعض بأنها تشجيع للأطباء على الهجرة.

وأوضحت وزارة الصحة المصرية، الاثنين، أنه تم بحث مساهمة صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية في تكاليف تقديم البرامج التدريبية لأعضاء الصندوق من الأطباء وأطقم التمريض العاملين بوزارة الصحة، بالإضافة إلى دعم تكاليف استقدام خبراء مصريين وأجانب لتقديم تدريبات متخصصة للأطقم الطبية داخل مصر.

وبحسب البيان، فإن وزير الصحة وجّه بمواصلة العمل على تدريب وتأهيل الفرق الطبية وتوفير ورش عمل وبرامج تدريبية في مختلف التخصصات خارج مصر، كما وجّه بأن يتحمل الصندوق تكلفة الدراسات العليا للأطباء البشريين سواء الماجستير أو الدكتوراه، في إطار دعم الكفاءات الطبية المصرية وحثها على مواصلة التطوير العلمي والمهني، كما وجه الوزير بتحمل كامل تكاليف رسوم امتحانات الأطباء الملتحقين بالتدريب في البورد المصري.

عضو مجلس النقابة العامة للأطباء بمصر الدكتور طارق محمد منصور قال لـ«الشرق الأوسط» إن «تحرك وزارة الصحة لتحمل مصاريف الدراسات العليا أو البورد المصري للأطباء الملتحقين بناءً على ترشيح وزاري منها شيء محمود وتصحيح لمسار قانوني طال انتظاره وطالبت به النقابة مراراً، لكن صندوق تعويض مخاطر المهن الطبية له آلية في الصرف وهي تعويض الأطباء عن المخاطر الناجمة عن ممارستهم المهنة، ومن ثم سوف يتأثر الصندوق كثيراً وربما يفقد الدور المنوط بعمله».

وأضاف: «نتمنى عمل دراسات كافية عن ميزانية الصندوق والبحث عن بديل لدعم تدريب الأطباء من الوزارة»، وطالب بـ«البحث عن سبل لزيادة رواتب الأطباء والعاملين في المهن الطبية لتشجيعهم على الاستمرار بمصر».

وبحسب آخر رصد صادر عن «الجهاز المركزي للإحصاء» في مصر، انخفض عدد الأطباء بالبلاد إلى 97.4 ألف طبيب عام 2022 مقابل 100.7 ألف طبيب في 2021، بانخفاض بلغت نسبته 3.3 في المائة.

وتفيد الأرقام بأن «مصر لديها طبيب لكل 1162 شخصاً»، بينما المعدل العالمي، طبقاً لمنظمة الصحة العالمية، هو طبيب لكل 434 شخصاً.

وشهدت السنوات الماضية هجرة العديد من الأطباء إلى خارج مصر، بقصد العمل والاستقرار في أوروبا أو أميركا، وكذلك بعض الدول العربية، خاصة الخليجية، بحسب نقابة الأطباء المصرية.

لكن وزارة الصحة المصرية قالت، الاثنين، أيضاً إنها بحثت «رفع كفاءة سكن الأطباء في بعض الوحدات الصحية، تأكيداً على دور الدولة في رعاية العاملين بالقطاع الطبي وتهيئة البيئة المناسبة لهم».

ووجه وزير الصحة بالتواصل مع الطبيب محمود قنيبر، الذي فقد بصره نتيجة الضغوط الهائلة التي تعرض لها خلال جائحة «كورونا»، لتوفير عمل له داخل صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية، تقديراً لمجهوداته.

واشتكى قنيبر، في مناشدة الشهر الماضي عبر صفحته على «فيسبوك»، من عدم وجود عمل له يعينه على تربية أبنائه بعدما فقد بصره قبل سنوات وهو يؤدي عمله في معالجة المرضى.

ووفق وزارة الصحة، صرف صندوق «التعويض عن مخاطر» منذ إنشائه وحتى الآن تعويضات بقيمة 420 ألف جنيه (نحو 10 آلاف دولار) لحالات العجز الكلي والجزئي، بينما بلغت قيمة التعويضات لحالات الوفاة نحو 70 مليون جنيه (نحو مليون ونصف مليون دولار).

وقال عضو مجلس نقابة أطباء القاهرة، يحيى دوير، لـ«الشرق الأوسط»، إن «النقابة ترحب بتوجيهات وزير الصحة لدعم الأطقم الطبية خاصة فيما يتعلق بتحمل الدولة تكاليف الدراسات العليا لأنها تساعد في التعليم المستمر المطلوب لرفع كفاءة المنظومة الصحية». وطالب دوير بـ«استمرار هذا النهج من أجل رفع الضغوط عن كاهل الأطباء وتقليل هجرتهم».


مقالات ذات صلة

الحكومة المصرية تحاصر «فوضى الميكروباص» بـ«الأتوبيس الترددي»

العالم العربي الأتوبيس الترددي يشق طريقه قريباً في القاهرة (وزارة النقل)

الحكومة المصرية تحاصر «فوضى الميكروباص» بـ«الأتوبيس الترددي»

يشكو مواطنون ومسؤولون في مصر من أزمات عدة يتسبب فيها «الميكروباص»، رغم كونه وسيلة نقل حيوية داخل المدن المصرية، من بينها عدم الالتزام بالقوانين المرورية.

رحاب عليوة (القاهرة)
العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يجتمع مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله (الرئاسة المصرية)

مصر «راضية» عن التغطية الإعلامية العالمية لأدائها الاقتصادي

تزامناً مع توجيهات رئاسية بجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، أبدت مصر «رضاً» عن شكل التغطية الإعلامية العالمية لأدائها الاقتصادي.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء)

تعدد الإجازات الرسمية في مصر... هل يؤثر على «معدلات الإنتاج»؟

أثار مقترح برلماني تقليص عدد الإجازات الرسمية في مصر، بهدف «زيادة الإنتاج وتحسين الأوضاع الاقتصادية»، جدلاً واسعاً.

رحاب عليوة (القاهرة)
شمال افريقيا الاجتماع الأسبوعي لرئيس مجلس الوزراء المصري يوم الثلاثاء (مجلس الوزراء)

حوار مجتمعي في مصر حول «الإيجار القديم»

بدأت الحكومة المصرية تحريك ملف «الإيجار القديم»، والذي يهم ملايين المصريين، وذلك بتقديم مشروعي قانونين لمجلس النواب في محاولة لحسم الجدل القانوني بشأن القضية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي القطار يشق طريقه في سيناء ضمن جهود التنمية (وزارة النقل المصرية)

هل أثّرت «حرب غزة» على جهود التنمية المصرية في سيناء؟

تكثف الحكومة المصرية جهود التنمية في سيناء، رغم شكواها من اضطرابات أمنية وسياسية واقتصادية تسببت فيها الحرب الدائرة في قطاع غزة، على الحدود الشمالية الشرقية.

رحاب عليوة (القاهرة)

إسرائيل تعترض باليستيين حوثيين والجماعة تهدد بالمزيد

اعتراض صاروخ قال الجيش الإسرائيلي إنه أُطلق من اليمن شوهد من مدينة عسقلان (رويترز)
اعتراض صاروخ قال الجيش الإسرائيلي إنه أُطلق من اليمن شوهد من مدينة عسقلان (رويترز)
TT

إسرائيل تعترض باليستيين حوثيين والجماعة تهدد بالمزيد

اعتراض صاروخ قال الجيش الإسرائيلي إنه أُطلق من اليمن شوهد من مدينة عسقلان (رويترز)
اعتراض صاروخ قال الجيش الإسرائيلي إنه أُطلق من اليمن شوهد من مدينة عسقلان (رويترز)

فيما أبلغ سكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء عن دوي انفجارات وتصاعد الدخان بموقعين على الأقل قرب مطار المدينة، تبنت الجماعة الحوثية، الخميس، إطلاق صاروخين باليستيين وطائرتين مسيّرتين باتجاه إسرائيل، وتوعدت بالمزيد في سياق ما تقول إنه مساندة للفلسطينيين في غزة.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخين لم يشر إلى الطائرتين المسيرتين، وسط مخاوف يمنية من موجة تاسعة من الغارات الانتقامية رداً على هذه الهجمات.

وقال يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الحوثيين في بيانين منفصلين، الخميس، إن جماعته استهدفت في المرة الأولى مطار بن غوريون في تل أبيب بصاروخٍ باليستي اسمه «ذو الفقار».

وزعم المتحدث الحوثي أن العملية حققت هدفها، وأدت إلى هروب الإسرائيليين إلى الملاجئ، وأوقفت حركة المطار قرابة ساعة، كما زعم مهاجمة هدفين في تل أبيب وحيفا بطائرتين مسيرتين.

نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي «القبة الحديدية» اعترض مقذوفاً فوق مدينة نابلس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

وفي البيان الثاني، قال سريع إن جماعته استهدفت المطار نفسه بصاروخ باليستي فرط صوتي أدى إلى توقف حركة المطار والدخول إلى الملاجئ، متوعداً بمزيد من الهجمات حتى توقف إسرائيل حربها على غزة، وتسمح بدخول المساعدات.

من جهته، أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي باعتراض صاروخين أطلقا من اليمن في عمليتين منفصلتين، مشيراً إلى تفعيل صفارات الإنذار في عدد من المناطق الإسرائيلية، دون الحديث عن أي أضرار.

وتقول الحكومة اليمنية إن هجمات الحوثيين لا تفيد الفلسطينيين في غزة، بقدر ما تستدعي إسرائيل لشن ضربات تدمر ما بقي من المنشآت الحيوية والبنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

انفجارات غامضة

بالتزامن مع الهجمات الحوثية الجديدة باتجاه إسرائيل سمع السكان في صنعاء دوي انفجارات قوية في الأنحاء القريبة من المطار، كما شاهدوا أعمدة من الدخان تتصاعد من أماكن الانفجارات.

ومع الاعتقاد للوهلة الأولى أن هذه الانفجارات ناجمة عن ضربات إسرائيلية جديدة، لم تتطرق الجماعة الحوثية إلى الأمر، كما لم تتبن أي جهة تنفيذ أي ضربات، وهو ما يرجح فرضية أن تكون الانفجارات ناجمة عن عمليات إطلاق فاشلة لصواريخ أو مسيّرات مفخخة.

انفجار في صنعاء يعتقد أنه جراء عملية فاشلة لإطلاق صاروخ حوثي (إكس)

وسبق أن هاجمت الجماعة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 نحو 100 سفينة، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أطلقت أكثر من 200 صاروخ ومسيّرة باتجاه إسرائيل حتى 19 يناير (كانون الثاني) الماضي.

ولم تحقق هجمات الحوثيين أي نتائج مؤثرة على إسرائيل، باستثناء مقتل شخص بطائرة مسيّرة ضربت شقته في تل أبيب 19 يوليو (تموز) 2024.

ومنذ انهيار الهدنة بين إسرائيل و«حركة حماس»، عادت الجماعة للهجمات الجوية، وأطلقت ابتداء من 17 مارس (آذار) الماضي نحو 27 صاروخاً باتجاه إسرائيل وطائرات مسيرة كثيرة.

وكان أخطر هذه الهجمات الأخيرة انفجار أحد الصواريخ قرب مطار بن غوريون في 4 مايو (أيار) الحالي، محدثاً حفرة ضخمة بعد أن فشلت الدفاعات الجوية في اعتراضه.

حطام طائرة مدنية في مطار صنعاء إثر ضربات إسرائيلية انتقامية رداً على هجمات الحوثيين (أ.ف.ب)

وفتح هذا الهجوم المجال لإسرائيل لشن ضربات انتقامية كثيرة دمرت بها ميناء الحديدة ومطار صنعاء ومصنعي أسمنت ومحطات كهرباء، قبل أن تشن الجمعة الماضي، الموجة الثامنة من هذه الضربات الانتقامية على الحديدة والصليف.

وتوّعدت إسرائيل باستمرار ضرباتها، وهددت على لسان وزير دفاعها بتصفية زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أسوة بما حدث مع زعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، وقادة «حركة حماس».

ومن المرجح أن تستمر تل أبيب من وقت لآخر في ضرب المنشآت الخاضعة للحوثيين رداً على الهجمات، لكن يستبعد المراقبون للشأن اليمني أن تكون الضربات ذات تأثير حاسم على بنية الجماعة وقادتها وأسلحتها بسبب البُعد الجغرافي.