ترمب يضع الحوثيين أمام واقع جديد... والجماعة تتوعد

تبخر 4 فرضيات غربية عن الجماعة المدعومة من إيران

TT

ترمب يضع الحوثيين أمام واقع جديد... والجماعة تتوعد

الرئيس الأميركي لدى وصوله إلى نادي ترمب للغولف في ويست بالم بيتش الأحد (أ.ب)
الرئيس الأميركي لدى وصوله إلى نادي ترمب للغولف في ويست بالم بيتش الأحد (أ.ب)

اعتبر خبراء أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وضع الحوثيين أمام واقع جديد، غداة حملة عسكرية أميركية بسلسلة ضربات أمر بتنفيذها على 6 محافظات، بينها صنعاء، مساء السبت، ولم تتوقف حتى مطلع الفجر، وأودت بحياة 31 شخصاً على الأقل، وفق وسائل إعلام حوثية نقلت أيضا توعد الجماعة بالرد.

ويوم الأحد، أعلن البيت الأبيض مقتل قيادات حوثية «أساسية» خلال الضربات. ولم ترد الجماعة أو تعلن مقتل أو إصابة أي من قياداتها حتى لحظة إعداد هذه القصة.

وفي أول تعليق رسمي لها، اتهمت الحكومة اليمنية الجماعة الحوثية بإقحام اليمنيين في صراع وصفته بـ«العبثي»، لا تستطيع نفسها كجماعة أن تواجهه. جاء ذلك على لسان مصطفى نعمان نائب وزير الخارجية اليمني الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن الجماعة تمادت في وهمها بأنها قادرة على الدخول في مواجهة مع العالم كله، «لقد جلبت الويلات لبلادنا والأبرياء».

«لقد كذبوا الكذبة، ولم يصدقها غيرهم. وعاشوا داخل تلك الفقاعة من القوة الوهمية، وقدرتهم على مواجهة العالم أجمع»، يذكّر صادق الوصابي، وهو زميل باحث في «مركز واشنطن للدراسات اليمنية» بأن مَن ساعد الحوثيين على ذلك ليس افتقار الإدارة الأميركية السابقة لفهم طبيعة الجماعة وكيف تفكر، بل الرغبة في التعامل على ذلك الأساس، ولذلك جاء ترمب ليحدّث الحوثيين «باللغة الوحيدة التي يعرفونها جيداً، وهي القوة».

رئيس المفاجآت

منذ نحو الساعة 5:45 دقيقة بتوقيت غرينتش من مساء السبت، انهمرت الأخبار العاجلة ومقاطع الفيديو والتصريحات والتسريبات على شاشات الهواتف والتلفاز، وتسلَّلت التحديثات والبيانات إلى أبرز المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.

مدمرة أميركية لدى إطلاقها من البحر الأحمر صاروخا تجاه مواقع حوثية السبت (رويترز)

كان السيناريو المنتظر من المراقبين في أعقاب التهديدات الحوثية الأخيرة أن يخرج المتحدث الحوثي العسكري، يحيى سريع ببيان بدء هجوم ضد سفينة تجارية بمزاعم دعمها إسرائيل. لكن ترمب، وكعادته، لا يحب السيناريوهات المعلبة، ويفضل المفاجآت. اختار أن يحدد هو شكل المعركة، وبدايتها، ووقت تنفيذها. اختار هو أن يبدأ، ليسدل الستار عن ملامح استراتيجية إدارته للملف اليمني. ويرسم الإطار الأوسع لرؤية واشنطن للحل اليمني.

«إلى جميع الإرهابيين الحوثيين... وقتكم انتهى، وهجماتكم يجب أن تتوقف، بدءاً من اليوم. إذا لم يحدث ذلك فستشهدون جحيماً لم تروه من قبل». بهذا وجَّه ترمب رسالة للحوثيين وإيران في الوقت نفسه.

يعتقد ماجد المذحجي رئيس «مركز صنعاء للدراسات» أن الضربات سترفع الكلفة على الحوثيين، وتدفعهم إلى خيارين؛ إما النزول تحت الشجرة والتهدئة عبر استجابة ضعيفة للهجمات الأميركية، أو التصعيد بشكل قوي في البحر الأحمر.

ويقرأ رئيس «مركز صنعاء للدراسات» نهج الحملة الأميركية بأنها تغيير لـ«الحضور» الأميركي في اليمن بشكل كبير. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الخشونة المتصاعدة التي بدأت بتصنيف الجماعة منظمة إرهابية أجنبية FTO، وتلحقها هذه الموجة من الغارات التي تريد فيها أميركا أول مرة إلحاق أضرار فعلية بجسم الحركة الحوثية، وليس فقط احتواءها.

يذكّر مصطفى نعمان بالتنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية من أجل وقف الحرب والدخول في مسار السلام، لكنه يقول إن الجماعة الحوثية «ضربت بها عرض الحائط، وماطلت ثم رفضت مساعي السعودية لإنهاء الحرب».

ويقول نائب الوزير اليمني «جماعة الحوثي تجاوزت كل الخطوط الحمراء ودخلت في تحد فاضح للإرادة الدولية تحت شعارات مغرية في ظاهرها لكنها غير مجدية».

الدوافع والرسائل

مرّ ميزان القوى في المنطقة بمنعطفات متسارعة، ولم تعد قوى، مثل «حزب الله» و«الحرس الثوري»، بالمرونة نفسها التي سبقت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وتداعياتها على المنطقة، ولا بالقوة ذاتها أيضاً. إضافة إلى ذلك، واجهت إيران ضربات إسرائيلية، مرتين على الأقل، وتواجه الآن ضغطاً أميركياً وعقوبات اقتصادية أكثر شدة، مما يجعلها في موقف غير مسبوق ووضعية تفاوضية أضعف للعودة إلى محادثات حول البرنامج النووي.

الرئيس الأميركي لدى وصوله إلى نادي ترمب للغولف في ويست بالم بيتش الأحد (أ.ب)

ترجح إليزابيث كيندل، وهي عميدة كلية غيرتُن بجامعة كمبردج البريطانية، 3 دوافع وراء الضربة الأميركية، الأول: حماية الملاحة الدولية. الثاني: استباق أي تحرك من جانب الحوثيين، والثالث: تكثيف الضغط على إيران.

تغير الخطاب الأميركي مع الحوثيين في عهد ترمب، خاصة في مسألة العمليات العسكرية. كانت إدارة بايدن وعلى لسان مبعوثه لليمن تيم ليندركينغ تكرر القول إنها تستهدف القدرات الحوثية، وليس الأشخاص. لكن ترمب في رسالته قال بوضوح إنه يستهدف القدرات والقيادات، وامتدت الرسالة نحو طهران.

تقول كيندل لـ«الشرق الأوسط»: «قد تكون هذه الضربات مقدمة لتحرك مباشر ضد إيران. بعد إضعاف (حماس) و(حزب الله) ونظام الأسد، أصبح الحوثيون إحدى أقوى أدوات إيران المتبقية. وسيُضعف تراجع القدرة العسكرية الحوثية خيارات إيران الانتقامية إذا قررت الولايات المتحدة وإسرائيل شن هجمات مباشرة لمنعها من الوصول إلى مرحلة الانطلاق النووي».

ويرى رئيس «مركز صنعاء للدراسات» أنه في كل الأحوال تُعدّ الاستجابة الحوثية محكومة بخيارات قليلة: «فلا يوجد سند إقليمي مثل (حزب الله) يمكن أن يساندهم، فالحوثيون هم آخر ذراع إيرانية قادرة على التصعيد إقليمياً».

كون الضربة تأديباً لمشاغبة الحوثيين في البحر الأحمر واستهداف البحرية الأميركية، فإنها أيضاً (والحديث للمذحجي) «رسالة لطهران... واستجابة الحوثيين ستكون محكومة بالروابط العضوية مع حليفهم الإيراني، وهو الحليف الذي ينظر للحوثيين باعتباره آخر أصل استراتيجي فعال لاستخدامه، في حال جرى استهداف إيران ذاتها».

ويقول مارك كيميت مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن يردّ الحوثيون على الهجمات الأميركية بهجمات إضافية على السفن في البحر الأحمر»، مضيفاً أن الصراع «لن ينتهي في اليمن، حتى يُدرك الحوثيون أن حربهم لم تُحقق أهدافها، أو أن ذخيرتهم قد نفدت (...)»

تبخر الفرضيات وآفاق التصعيد

استغرقت أميركا والدول الغربية 10 أعوام لكي تتأكد بأن الجماعة الحوثية لا تريد السلام، ولا ترتبط بإيران، ولا تخبئ زعزعة لاستقرار الملاحة الدولية وفق مصدر يمني فضل حجب اسمه.

في عام 2018، نشرت «الشرق الأوسط» قصة تتحدث عن معركة غير مسبوقة قادها تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، جنوب البحر الأحمر. كان التحالف يحمي اقتصاد العالم، واضطر الحوثيون ومَن يدعمهم إلى إرسال تطمينات غير مباشرة لدول العالم أنه لا يستعدي إلا دول المنطقة، حينما كان التحالف يحيد الزوارق البحرية المفخخة، ويرافق الناقلات المارة عبر «باب المندب»، ويكرر للعالم أنه لا يمكن لجماعة أن تمتلك قدرات نوعية خارج إطار الدولة وتصل إليها من إيران. لم تتجاوب الدول حتى صار التأثير الحوثي يتسلل إلى مصالحها التجارية المباشرة.

ويبدو من خلال التعاطي الأميركي مع الحوثيين أن الأزمة اليمنية خرجت أخيراً في واشنطن من مربع «المماحكات السياسية»، لتكون أحد أبرز محاور السياسة الخارجية للإدارة الأميركية.

ساهم في ذلك عدة فرضيات كانت تخيم على المخيلة الغربية، لكنها تبخرت، ولعل أبرزها أن الحوثيين مشكلة محلية يمنية، أو أن تأثيرها وقدراتها لن تتجاوز الإقليم، أو أن الجماعة لا ترتبط بشكل وثيق بإيران، إلى جانب أن الجماعة تريد المشاركة في الحكم والحل السياسي في اليمن.

هذه السردية التي سعى الحوثيون وإيران ومحور المقاومة إلى ترويجها خلال عقد من الزمن تبخرت (وفق مسؤول يمني رفيع فضل حجب اسمه)، مع تصاعد هجمات الجماعة ضد السفن وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وعندما صار التأثير يمس مصالح العالم تحركت القوى الغربية، وشكَّلت تحالفات لمواجهة التهديد الحوثي.

السيناريوهات المتوقعة

نقلت وكالات أنباء يوم الأحد عن متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الحوثيين هاجموا السفن الحربية الأميركية 174 مرة، في حين هاجموا السفن التجارية 145 مرة، منذ 2023.

ويعتقد خبراء مجلس الأمن أن الحوثيين يبتزون وكالات شحن بحري مقابل عدم اعتراض سفنها، مقدِّراً ما تجنيه الجماعة إزاء ذلك بنحو 180 مليون دولار شهرياً.

يكشف التقدير الصادر عن فريق الخبراء الدولي أن الجماعة تستفيد اقتصادياً، وليس فقط للدعاية من الهجمات البحرية، خاصة أن لديها قدرات لإرسال الصواريخ والمسيرات مباشرة ضد إسرائيل من دون الحاجة لتأزيم الملاحة الدولية.

ومع تصاعد الحملة الأميركية يبرز السؤال: هل ستكون هناك نتيجة جديدة مع الجماعة التي لا تعتبر الضربات الجوية أمراً جديداً؟

«لو كانت الغارات الجوية كافية لوقف الحوثيين، لكانت الجماعة هُزمت مرات عديدة خلال العقد الماضي»، تذهب هانا بورتر الباحثة في «إيه آر كي» وهي مؤسسة دولية تعنى بالتنمية والأبحاث إلى أن هناك احتمالاً حقيقياً بأن الحوثيين - الجماعة التي تزدهر في أوقات الحرب - لا يمكن هزيمتهم بالقوة العسكرية.

وتقول بوتر لـ«الشرق الأوسط»: «قد تأمل إدارة ترمب في أن يُضعف الاستهداف العسكري، إلى جانب تصنيفها الأخير كمنظمة إرهابية أجنبية، الجماعة إلى حد الهزيمة، لكن الحوثيين أثبتوا في السنوات الأخيرة قدرتهم على تحمل كثير من الضغوط. وكما يقول بعض المراقبين، فإن لدى الحوثيين قدرة تحمل عالية جداً».

وعما يجدر ترقبه تعتقد هانا بوتر تصاعد الخطاب العنيف من قبل الحوثيين: «ومن شبه المؤكد أن يتبعه تصعيد، من خلال هجمات على السفن أو هجمات على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها».

لم يكمل الوصابي قهوته، رغم أنه تناول الإفطار بعد الضربات بدقائق؛ إذ أصر على القول إن الحملة العسكرية الحالية تختلف تماماً في قوتها ودقتها عن الضربات المحدودة التي نفذتها إدارة بايدن. لكنه يشير إلى أن نجاحها مرهون بقدرتها على تصفية قادة الصف الأول في الجماعة، مما قد يشكل ضربة قوية لمعنويات الحوثيين، ويفتح المجال أمام القوات الحكومية المتأهبة في عدة مناطق، محذراً بأنه «من دون ذلك، لن تسهم هذه الضربات إلا في إطالة أمد الصراع».


مقالات ذات صلة

عبد الله بن زايد وماركو روبيو يناقشان تطورات اليمن وأوضاع غزة

الخليج الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي وماركو روبيو وزير خارجية الولايات المتحدة (وام)

عبد الله بن زايد وماركو روبيو يناقشان تطورات اليمن وأوضاع غزة

بحث الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، مع ماركو روبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة، العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

الخليج لقطة من مقطع فيديو لمراقبة الشحنة العسكرية قبل أن يضربها التحالف قرب ميناء المكلا أمس (رويترز)

«التحالف» يفند ادعاءات «بيان الإمارات»... خروقات ومخالفات مرتبطة بسفينتي المكلا

أكد تحالف دعم الشرعية في اليمن أن السفينتين اللتين دخلتا ميناء المكلا خالفتا الإجراءات المعمول بها في مثل هذه الحالات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الكويت العاصمة (كونا)

الكويت تؤكد دعمها الكامل للحكومة الشرعية اليمنية وتدعو للحلول الدبلوماسية

شددت الكويت على ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، وحماية مصالح الشعب اليمني الشقيق، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
العالم العربي اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)

العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي من فرض الأمر الواقع في حضرموت والمهرة مطالباً بموقف دولي صريح لحماية الدولة اليمنية.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الثلاثاء إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات مع إلزام قواتها بالانسحاب من اليمن خلال 24 ساعة

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)

قال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء)، إن القاهرة تتابع باهتمام بالغ الأوضاع الأخيرة على الساحة اليمنية، وذلك من خلال الاتصالات المكثفة التي تجريها على أعلى المستويات وعلى مدار الساعة مع الأطراف المعنية كافة.

وأضاف البيان أن مصر تؤكد ثقتها التامة في حرص الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التعامل بحكمة مع التطورات الحالية في اليمن، وذلك في إطار إعلاء قيم الأخوة بين البلدين الشقيقين، وصون وحدة الصف والمصير العربي المشترك في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها اليمن الشقيق والمنطقة.

وتعرب جمهورية مصر العربية في هذا السياق عن تقديرها البالغ لحكمة القيادتين السعودية والإماراتية في التعامل البنّاء مع تطورات الأوضاع في اليمن، والحرص على تحقيق الاستقرار في اليمن، والحفاظ على سيادته ومصالح شعبه الشقيق.

وتؤكد جمهورية مصر العربية أنها لن تألو جهداً في مواصلة اتصالاتها المستمرة مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومع الجانب اليمني، وباقي الأطراف الإقليمية والدولية المعنية؛ للعمل على خفض التصعيد، وبما يمهد إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة في اليمن، تحقق طموحات وتطلعات الشعب اليمني الشقيق المشروعة في مستقبل آمن ومزدهر وتدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.


العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
TT

العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)

حذّر الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، من خطورة التحركات العسكرية الأحادية في المحافظات الشرقية، مؤكداً أنها تُمثل تهديداً مباشراً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتقويضاً للمركز القانوني للدولة، وإعادة إنتاج لمنطق السلطات الموازية الذي يرفضه المجتمع الدولي.

جاء ذلك خلال لقائه، الثلاثاء، سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني، حيث خُصص اللقاء لاستعراض آخر مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، الأمر الذي استدعى اتخاذ حزمة من القرارات والإجراءات الدستورية والقانونية الحازمة، حمايةً لأمن المواطنين، وصوناً لوحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه.

وفي مستهل اللقاء، رحّب الرئيس بالسفراء، مثمّناً وحدة مواقف دولهم الداعمة للشعب اليمني في أصعب مراحله، سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، ومؤكداً أن ما تشهده المحافظات الشرقية لا يندرج في إطار خلاف سياسي داخلي، بل يُشكّل مساساً خطيراً بأسس الدولة ووحدة مؤسساتها.

وأوضح الرئيس العليمي أن القيادة اليمنية بذلت خلال الفترة الماضية جهوداً مكثفة للتهدئة وخفض التصعيد، واحتواء تداعيات الإجراءات العسكرية الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج مرجعيات المرحلة الانتقالية، ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة تحالف دعم الشرعية، غير أن هذه المساعي قوبلت - حسب تعبيره - بالتعطيل والإصرار على فرض الأمر الواقع.

وأشار إلى أنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجّه صراحة بمنع أي تحركات عسكرية خارج إطار الدولة، وتمت الموافقة على خطة إعادة تموضع تدريجية لقوات «درع الوطن» من ثلاث مراحل، نُفذت مرحلتان منها بالفعل. كما كشف عن تشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى لاحتواء التصعيد وفتح قنوات الحوار، إلا أن تلك الجهود لم تلقَ استجابة.

وشدّد الرئيس العليمي على أن المشكلة لم تكن يوماً نقصاً في الحلول، بل تعطيلها المتعمد، مفنداً في الوقت ذاته ما وصفها بالسرديات المضللة التي تحاول تبرير فرض الأمر الواقع بالقوة تحت لافتة مكافحة الإرهاب. وقال إن مكافحة الإرهاب «قرار دولة ومؤسسات شرعية، وليست ذريعة سياسية»، مذكّراً بالإنجازات التي حققتها المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، بدعم شركائها، في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها، وتأمين المدن والممرات الحيوية.

وفي ملف القضية الجنوبية، جدّد الرئيس العليمي التأكيد على الموقف المبدئي والثابت من معالجتها، وفق أي خيارات تقررها الإرادة الشعبية الحرة، مع رفض قاطع لفرض أي حلول بقوة السلاح أو الأمر الواقع.

وعدّ أن اختزال القضية الجنوبية في تمثيل حصري أو تحركات عسكرية يسيء إلى عدالتها ويقوّض فرص الحل السياسي المستدام، ويلحق الضرر بأبناء الجنوب قبل غيرهم، لافتاً إلى أن هذا الموقف يتطابق مع ما أكدته المملكة العربية السعودية من أن القضية الجنوبية لا تُحل إلا عبر الحوار وفي إطار تسوية سياسية شاملة.

وحذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن وجود ميليشيات لا تأتمر لأوامر الدولة يعرّض أولويات المجتمع الدولي ومصالحه في المنطقة للخطر، فضلاً عن تطلعات الشعب اليمني للأمن والاستقرار والعيش الكريم.

وأكد أن أي اضطراب في حضرموت والمهرة سينعكس مباشرة على تصدير النفط، ودفع المرتبات، ويعمّق الأزمة الإنسانية، ويقوّض الثقة مع مجتمع المانحين.

وتطرق الرئيس العليمي إلى الدور الإماراتي في التطورات الأخيرة، مؤكداً أن اليمن لا ينكر ما قدمته دولة الإمارات من أدوار ومساهمات في مراحل سابقة، لكنه شدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب وضوحاً كاملاً، والنأي بالنفس عن دعم أي مكون خرج على آليات التوافق التي رعتها الإمارات نفسها ضمن تحالف دعم الشرعية. وقال إن أي ضغوط لدفع قوات محلية إلى تحركات عسكرية تشكل تهديداً للأمن القومي اليمني والسعودي، وتتعارض مع الأسس التي قام عليها التحالف.

وأضاف أن المطالبة بمغادرة القوات التي خرجت عن تلك الأسس «مطلب سيادي طبيعي»، لا يستهدف العلاقات الثنائية ولا ينكر التاريخ، بل يهدف إلى حماية فكرة التحالف ذاتها.

وفي ختام اللقاء، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدول الراعية للعملية السياسية إلى موقف دولي موحد وصريح يرفض الإجراءات الأحادية، ويدعم قرارات الدولة اليمنية وجهود التهدئة التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع ممارسة ضغط سياسي وقانوني لتمكين الحكومة الشرعية من ممارسة سلطاتها الحصرية، وترجمة ذلك داخل مجلس الأمن والمحافل الدولية وفق القانون الدولي.

وختم الرئيس العليمي بالتأكيد على أن سقوط منطق الدولة في اليمن يعني غياب أي استقرار يمكن البناء عليه أو الاستثمار فيه، محذراً من تحويل اليمن إلى نموذج جديد لتفكك الدول، ومشدداً على أن الشعب اليمني يستحق فرصة حقيقية للسلام والحياة الكريمة.


اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.