النهب يشل إمدادات الغذاء في غزة رغم تعهد إسرائيل بصد العصابات

يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
TT

النهب يشل إمدادات الغذاء في غزة رغم تعهد إسرائيل بصد العصابات

يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)

قال ثلاثة مسؤولين مطلعين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن إسرائيل تقاعست عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد العصابات المسلحة التي تهاجم قوافل المواد الغذائية في قطاع غزة، على الرغم من تعهدها بفعل بذلك في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) للمساعدة في درء المجاعة عن القطاع الفلسطيني.

وأضاف المسؤولون الثلاثة الكبار أن ذلك التعهد، الذي تم التوصل إليه خلف الأبواب المغلقة، بدا وكأنه انفراجة لأنه منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023 وجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في القطاع الذي عصفت به الحرب.

لكن القوات الإسرائيلية ظلت تركز على حربها ضد حركة «حماس» ولم تتخذ إجراءات تذكر ضد العصابات القليلة التي تنشط في أجزاء من غزة تحت السيطرة الإسرائيلية، وذلك وفقا للمسؤولين الثلاثة الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المعلومات.

وأحال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسئلة المتعلقة بالتعهد وبعمليات الإغاثة في غزة إلى الجيش. وأحجم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على ما تم الاتفاق عليه في أكتوبر وما تم تنفيذه للحد من عمليات النهب.

وقال المتحدث: «إسرائيل اتخذت خطوات كبيرة للسماح بدخول أكبر قدر ممكن من المساعدات إلى غزة».

العنف خرج عن السيطرة

والآن يقول مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن عنف العصابات خرج عن السيطرة، ما أدى إلى شلل خطوط الإمداد التي يعتمد عليها معظم المدنيين في غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، للبقاء على قيد الحياة.

وأظهر إحصاء عن الوقائع كان غير معلن في السابق وجمعته وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمات خيرية أنه في أكتوبر فُقد ما قيمته 9.5 مليون دولار من الأغذية والسلع الأخرى، أي ما يقرب من ربع إجمالي المساعدات الإنسانية التي أُرسلت إلى غزة في ذلك الشهر، بسبب الهجمات والنهب.

وقال شخصان مطلعان على الأمر إن تقييم أعمال النهب في نوفمبر (تشرين الثاني) لا يزال جارياً، لكن البيانات الأولية تظهر أنها كانت أسوأ بكثير.

وفي منتصف نوفمبر تعرضت قافلة مكونة من 109 شاحنات مستأجرة من جانب وكالات الأمم المتحدة للهجوم بعد دقائق من إصدار الجيش الإسرائيلي أمرا لها بمغادرة معبر حدودي في جنوب غزة خلال الليل، قبل عدة ساعات من الموعد المتفق عليه، وذلك وفقا لخمسة أشخاص مطلعين على الواقعة، بينهم اثنان كانا حاضرين.

وأضاف الخمسة أن قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة في مكان قريب لم تتدخل. وامتنع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على الواقعة.

انعدام القانون

وقال جورجيوس بتروبولوس رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة إن وكالات الإغاثة غير قادرة على حل مشكلة انعدام القانون هناك بمفردها.

وذكر في تصريحات للصحافيين لدى عودته من غزة يوم الخميس: «أصبحت المشكلة أكبر من أن تتمكن المنظمات الإنسانية من حلها».

وأحجمت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على التعهد الذي قطعته إسرائيل على نفسها في أكتوبر، لكنها قالت إن عمليات النهب تظل العقبة الرئيسية أمام إيصال المساعدات.

وقال متحدث: «نواصل الضغط على إسرائيل بشأن ضرورة تعزيز الأمن لضمان وصول القوافل التي تحمل المساعدات الإنسانية الضرورية إلى المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة».

وذكر مسؤول أمني إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه أن عمليات النهب تراجعت في الأسابيع القليلة الماضية لكنها لا تزال تشكل تحديا.

وقال للصحافيين اليوم الثلاثاء: «تعلمنا الكثير بالتعاون مع المنظمات الدولية. من الصعب للغاية أن نصل إلى مرحلة من دون عمليات نهب على الإطلاق».

وضع إنساني سيئ للغاية

أصبحت آلة الإغاثة الدولية في حالة فوضى بعد 14 شهرا من الحرب التي تشنها إسرائيل على «حماس»، إذ تقول منظمات الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية إن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وصلت إلى واحد من أسوأ مستوياتها لأنها غير قادرة على توصيل ما يكفي من الغذاء والإمدادات الطبية وتوزيعها على سكان غزة.

وأحيت جولة جديدة من محادثات وقف إطلاق النار هذا الشهر الأمل في إفراج «حماس» عن الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم منذ هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وكذلك في إيجاد حلول لتعزيز المساعدات الإنسانية.

لكن عمليات الإغاثة متعثرة في الوقت الراهن بسبب الخلاف بين إسرائيل ومعظم المجتمع الدولي حول من يتحمل المسؤولية عن إطعام المدنيين في غزة والحفاظ على النظام في القطاع الفلسطيني.

ودأبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة على دعوة إسرائيل إلى الالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية وتوفير الأمن والمساعدة للمدنيين في غزة، لكن السلطات الإسرائيلية تقول إن واجبها الوحيد هو تسهيل نقل المواد الغذائية والإمدادات الطبية وإنها تفعل الكثير بشكل منتظم.

وقال جيمي مكجولدريك الذي شغل منصب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من ديسمبر (كانون الأول) إلى أبريل (نيسان) إن حالة الجمود جعلت تنظيم عمليات الإغاثة وتنسيقها أمرا بالغ الصعوبة.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم يراقبون نسبة سكان غزة الذين تستطيع منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقديم المساعدات الغذائية لهم شهريا، وذلك لقياس مدى تفاقم أزمة الجوع.

وأظهرت بيانات الأمم المتحدة أن النسبة بلغت في نوفمبر 29 في المائة ارتفاعا من 24 في المائة في أكتوبر، لكنها تمثل انخفاضا حادا عن الذروة المسجلة وقت الحرب وتجاوزت 70 في المائة في أبريل.

مخابز تخرج من الخدمة

وقال محمد عبد الدايم مالك مخبز «زادنا 2» وسط قطاع غزة إنه و60 من عماله توقفوا عن العمل منذ شهر ولم يتمكنوا من توفير الخبز لنحو 50 ألف شخص يخدمونهم في الظروف العادية.

وأضاف لـ«رويترز» عبر الهاتف الأسبوع الماضي: «إحنا ما بيصلنا طحين بسبب السرقات».

ونفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ما قيل عن عدم حصول بعض المخابز على الدقيق.

لكن تقارير مراجعة يومية لعمليات المخابز يعدها برنامج الأغذية العالمي واطلعت عليها «رويترز» أظهرت أن 15 من 19 مخبزا تدعمها الوكالة التابعة للأمم المتحدة في غزة خرجت من الخدمة حتى 21 ديسمبر، وأن «زادنا 2» مغلق منذ 23 نوفمبر بسبب نقص الطحين.

وقال عبد الدايم إن بعض المواد الغذائية المسروقة تجد طريقها إلى السوق، ولكن بأسعار باهظة لا يستطيع سوى عدد قليل جدا من السكان تحملها.

وأوضح العاملون بالإغاثة أيضا أنهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى شمال غزة، حيث استأنف الجيش الإسرائيلي العمليات العسكرية ضد «حماس» في أكتوبر. ويقدر أن ما بين 30 إلى 50 ألف مدني ما زالوا عالقين هناك، مع القليل من الغذاء والمساعدة الطبية.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه تم التجهيز لعمليات إغاثة إنسانية مخصصة للمنطقة.

وبخلاف العمليات العسكرية، أرجع أكثر من عشرة مسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة تدهور الأوضاع الإنسانية داخل غزة في الأشهر الثلاثة الماضية إلى قرار اتخذته السلطات الإسرائيلية في أوائل أكتوبر بحظر شحنات الأغذية التجارية التي تُدخلها الشركات.

ووفقا لبيانات الجيش الإسرائيلي، تشكل تلك الشحنات جميع الأغذية الطازجة تقريبا وأكثر من نصف السلع التي دخلت غزة بين مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول).

وقال مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن حظرها المفاجئ تسبب في نقص حاد في الإمدادات وجعل مهاجمة شاحنات المساعدات أمرا مربحا.

وفي أكتوبر، نُهب 40 في المائة من المساعدات التي دخلت من معبر كرم أبو سالم في جنوب غزة، وفقا لإحصاء الحوادث الذي اطلعت عليه «رويترز».

وقالت الأمم المتحدة إن السلطات الإسرائيلية قامت بتشغيل معبر كيسوفيم إلى جانب المعابر الأخرى، لكن العصابات هاجمت أيضا قوافل على ذلك الطريق.

وقال عاملون بالإغاثة وقطاع النقل في غزة إن العصابات تتشكل على أسس عشائرية، وتشمل بعض العناصر الإجرامية التي تم إطلاق سراحها من السجون في غزة في أثناء الهجوم الإسرائيلي.

وتضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة على إسرائيل لاستئناف الشحنات التجارية، وقالتا إن زيادة المعروض من الغذاء في غزة بشكل كبير من شأنها أن تؤدي إلى خفض الأسعار وتثني العصابات على النهب، لكن السلطات الإسرائيلية لم توافق.

شاحنات مفرغة

سعت الأمم المتحدة في وقت مبكر من الحرب إلى الاعتماد على شرطة غزة غير المسلحة لتأمين القوافل، لكن إسرائيل كانت تفتح عليها النار وتقول إنها لا يمكن أن تتسامح مع أي قوة مرتبطة بـ«حماس».

وذكر ضابط إسرائيلي خلال زيارة لمعبر كرم أبو سالم في أواخر نوفمبر أن مسؤولية توزيع المساعدات على سكان غزة تقع على عاتق الأمم المتحدة بمجرد أن تسمح إسرائيل بدخول المواد الغذائية عبر الحدود.

وقال العقيد عبد الله حلبي، الذي كان يرتدي سترة وخوذة واقيتين من الرصاص، للصحافيين وهو يشير إلى أكوام من المواد الغذائية إن المساعدات بانتظار قدوم المنظمات الدولية لتوزيعها.

لكن جورجيوس بتروبولوس رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة قال إن هجمات العصابات تجعل ذلك شبه مستحيل.

وذكر بتروبولوس وعاملون آخرون في الإغاثة أنهم أصيبوا بصدمة من الهجوم على قافلة من 109 شاحنات في 16 نوفمبر على بعد أربعة أميال من المعبر.

وأضافت المصادر الخمسة المطلعة أن مسلحين من عدة عصابات حاصروا القافلة وأجبروا السائقين على اتباعهم إلى تجمعات سكنية قريبة حيث سرقوا دقيقا ومستلزمات طعام من 98 شاحنة.

وذكرت المصادر أن المسلحين أطلقوا في الصباح سراح السائقين والشاحنات بعد إفراغ محتوياتها.


مقالات ذات صلة

إعلان مقتل خمسة من طاقم مستشفى في غزة بغارة إسرائيلية

المشرق العربي بقايا سيارة بعد غارة إسرائيلية بالقرب من مستشفى «العودة» في قطاع غزة (رويترز)

إعلان مقتل خمسة من طاقم مستشفى في غزة بغارة إسرائيلية

قال مدير مستشفى «كمال عدوان» في شمال غزة، الخميس، إن خمسة من أفراد طاقم المرفق، بينهم طبيب، قُتلوا بغارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

حديث إسرائيلي رسمي عن إنشاء «مناطق عازلة» في قطاع غزة، أثار تساؤلات بشأن مدى تأثيراتها على اتفاق الهدنة المحتمل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي قذيفة مورتر أطلقها جنود إسرائيليون على غزة (رويترز) play-circle 03:06

تقرير: الجيش الإسرائيلي خفف قواعد الاشتباك مع بداية الحرب في غزة

ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، اليوم الخميس، أن الجيش الإسرائيلي خفف قواعد الاشتباك في بداية الحملة العسكرية بقطاع غزة؛ لتمكين القادة من إصدار أوامر بشن هجمات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رجل يُمسك بيد الرضيعة سيلا التي قتلها البرد في مستشفى ناصر بخان يونس الأربعاء (أ.ف.ب)

معاناة «قارصة» للنازحين في خيامهم... البرد يقتل 3 رضَّع بغزة

يعاني نحو مليوني نازح، تعيش غالبيتهم العظمى في خيام، ظروفاً قاسية خلال فصل الشتاء الثاني على التوالي الذي يقضونه في ظروف مماثلة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي قال مسعفون إن الصحافيين الخمسة كانوا ضمن 26 شخصاً على الأقل قتلوا في غارات جوية إسرائيلية قبل الفجر (إ.ب.أ) play-circle 00:37

مقتل 5 صحافيين بضربة إسرائيلية في غزة... وإسرائيل تقول إنها استهدفت مسلحين

قال مسؤولون في قطاع غزة إن غارة جوية إسرائيلية قتلت خمسة صحافيين فلسطينيين أمام مستشفى، اليوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (غزة)

اليابان: هواجس داخلية ومواقف إقليمية

كيتامورا توشيهيرو مساعد وزير الخارجية والمتحدث باسم الخارجية اليابانية في حوار مع «الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط)
كيتامورا توشيهيرو مساعد وزير الخارجية والمتحدث باسم الخارجية اليابانية في حوار مع «الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط)
TT

اليابان: هواجس داخلية ومواقف إقليمية

كيتامورا توشيهيرو مساعد وزير الخارجية والمتحدث باسم الخارجية اليابانية في حوار مع «الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط)
كيتامورا توشيهيرو مساعد وزير الخارجية والمتحدث باسم الخارجية اليابانية في حوار مع «الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط)

لماذا تحرص اليابان على تحالفها الاستراتيجي مع أميركا، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي قصفت بالنووي في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس (آب) 1945 في مدينتي هيروشيما وناغازاكي، كان هذا السؤال يطرح أثناء توجه «الشرق الأوسط» إلى وزارة الخارجية في طوكيو، حيث طرق مسؤولون جوانب الهواجس الداخلية، وأبرزوا موقف طوكيو من مختلف القضايا التي تهم منطقة الشرق الأوسط.

كانت الإجابة اليابانية بكل بساطة هي تعلم الدرس القاسي. ولحاجة طوكيو الماسة في الحفاظ على أمنها مما وصفته بمهددات صينية روسية كورية شمالية. ونتيجة لذلك ترفض طوكيو صنع السلاح النووي أو تصدير أي قوى عسكرية للحرب في خارج حدودها، وتبقي على هذا التحالف كجزء من استراتيجياتها في العلاقات الدولية.

سؤال آخر، كيف تجاوز اليابانيون الهجوم النووي، ترجمة الإجابة هي مظاهر العافية والتقدم، التي ترتديها عاصمتها طوكيو حلة، تتناغم فيها البنايات الشاهقة مع توظيف التكنولوجيا في كل سكنة وحركة.

بقية الأسئلة جرت الإجابة عنها من قبل مسؤولين سابقين وحاليين، ورسمت أطراً للعلاقات الدولية وموقف الصين من أحداث تهم منطقة الشرق الأوسط، مع الأخذ بالاعتبار المخاوف الصينية والهواجس من التحركات القريبة والبعيدة من جار تاريخي يشكل تحدياً للعالم أجمع.

أمام ذلك، تحرص اليابان على علاقاتها الاستراتيجية مع السعودية، ويتحدث الدبلوماسيون اليابانيون عن مساعٍ جارية لتوسيع شراكاتها بشكل شامل مع الرياض.

وأقرّ مسؤول في الخارجية اليابانية بمساع حثيثة تستهدف تعزيز تحالف ثلاثي مشترك مع إيطاليا وبريطانيا، يدرس حالياً سبل تطوير صناعات الطائرات الحربية، للجيل المقبل، لتأمين بلاده في ظل ما وصفته بالمهددات التي تحيط بها من قبل تحركات صينية تتحالف مع أخرى روسية وكورية شمالية.

الصين وكوريا

رغم مظاهر التهدئة والطمأنة التي تحاول بكين أن تهيئ بها الطريق إلى علاقات طبيعية مع جارتها اليابان، من خلال دعوة وزير الخارجية الصينية وانغ يي نظيره الياباني تاكيشي إيوايا لإجراء مباحثات في بكين، غير أن مسؤولين يابانيين قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن سرّ التخوف فيما وصفوه بمهددات أمنية تتعلق بسلوك بكين.

يقول مساعد وزير الخارجية والمتحدث باسم الخارجية اليابانية توشيرو كيتامورا «هناك مخاطر في شرق آسيا، على خلفية تحركات كوريا الشمالية، ومحاولتها تطوير أسلحة نووية وصواريخ، في وقت أرسلت فيه جيوش لتقاتل بجانب روسيا ضد أوكرانيا، وبالمقابل روسيا تعطي تعليمات وتسهيلات لكوريا الشمالية لتطوير الأسلحة النووية والصواريخ، بغية تطوير قدرات كوريا الشمالية في مجال الأعمال العسكرية، وهذا حتماً سيفرز مخاطر كبيرة بالمنطقة».

وشدد على أن أنشطة الصين في المجال العسكري ستؤدي إلى مخاطر أمنية في المنطقة في ظل تعزيزات عسكرية صينية في منطقة بحر الصين الشرقي ومنطقة تايوان، بينما هناك انتهاكات واضحة من قبل الصين تتمثل في دخول السفن الصينية في مياه اليابان، بجانب انتهاك جوي بطيران حربي دخل الأجواء اليابانية، فضلاً عن مناورات مشتركة بين الصين وروسيا، «هذه مشكلة خطيرة».

ومن هذا المنطلق وفق كيتامورا، فإن القدرات اليابانية تعتبر غير كافية لمواجهة هذه المهددات، الأمر الذي دفع البلاد نحو تعزيز تحالفها مع أميركا، فضلاً عن التوجه لمضاعفة ميزانية الدفاع، بجانب أن هناك تعاوناً بين اليابان ودول صديقة أخرى، ككوريا الجنوبية والهند وأستراليا لمواجهة مخاطر صينية أو روسية أو كورية شمالية محتملة.

وقال المتحدث باسم الخارجية اليابانية «تعتبر اليابان أن الأمن في منطقة المحيط الأطلسي وآسيا الشرقية مهم للأمن القومي لليابان وللعالم، لذلك نقوم بتعزيز شبكة متعددة الأطراف لمواجهة المخاطر الأمنية المحدقة»، مشيراً إلى أن فكرة الدعوة لتأسيس «الناتو الآسيوي» التي اقترحها رئيس الوزراء الياباني قبل تسلم منصبه الأخير لم تصبح حالياً هي الأولوية لدى اليابان أمام التحديات الأمنية الحالية.

ويؤكد ميزوبوشي ماساشا مدير قسم شؤون الصحافة الأجنبية أن بلاده لن ترسل قوى عسكرية لتقاتل خارج حدودها، رغم أن الصين وفق وصفه تشكل تهديداً عسكرياً ووجودياً لبلاده في ظل علاقات بكين المتوترة مع تايوان، وتحالفها مع روسيا وكوريا الشمالية.

سوريا ولبنان

في جلسة أخرى، عبر تاكيشي أوكوبو وهو السفير الياباني السابق لدى عدة دول من بينها لبنان وفلسطين والسعودية، عن قلقه على مستقبل لبنان وهو يعمل من دون رئيس للجمهورية، ويرى أن أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول)، كشفت بعض الخفايا عن «حزب الله» الذي تعرض إلى ضربات إسرائيلية استهدفت قياداته وكيانه، في ظل البحث عن إزاحته من الساحة اللبنانية، لإفساح المجال للجيش اللبناني.

وحول التطورات الأخيرة في سوريا، لفت كيتامورا، إلى أن وزارة الخارجية أصدرت بياناً بهذا الخصوص، مبيناً أن بلاده تتابع عن كثب سلسلة التطورات في سوريا بقلق بالغ، وسط الوضع غير المستقر في منطقة الشرق الأوسط، مع تطلعات بوقف العنف في سوريا في أقرب وقت ممكن وأن يتمكن جميع السوريين من التمتع بحقوق الإنسان الأساسية والكرامة والحرية والازدهار.

وتشعر اليابان بالقلق إزاء الوضع الذي وقع فيه العديد من الضحايا، بمن في ذلك المدنيون، وتدهور الوضع الإنساني، مع أملها القوي في أن تؤدي التطورات الحالية إلى تحسن عام في الوضع المحيط بسوريا.

إن مستقبل سوريا، التي لها أهمية كبيرة لتحقيق السلام والاستقرار في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط برمتها، ينبغي أن يحدده الشعب السوري نفسه. وتتطلع اليابان إلى انتقال سلمي ومستقر للسلطة في سوريا.

وتحث اليابان بقوة جميع الأطراف المعنية على الوقف الفوري لأعمال العنف، والامتثال للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، واتخاذ الخطوات اللازمة للحد من التوترات في الشرق الأوسط.

وعلى وجه الخصوص، تدعو اليابان جميع الأطراف المعنية إلى الاحترام الكامل لإرادة الشعب السوري، وإلى القيام بدور بناء في تعزيز التسوية السياسية الشاملة والمصالحة الوطنية، من خلال الحوار بين الشعب السوري، وتحقيق السلام والازدهار في المنطقة في نهاية المطاف، بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

وأشار مساعد الوزير إلى بيان قادة مجموعة السبع بشأن سوريا، حيث أكد على الالتزام بمساعدة الشعب السوري، والوقوف بجانبه، مع الدعم الكامل لعملية انتقال سياسي شاملة يقودها ويملكها السوريون بروح سورية، وفق مبادئ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، داعياً جميع الأطراف إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية، واحترام استقلالها وسيادتها.

وقال كيتامورا «نكرر دعمنا لقوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك التي تراقب مرتفعات الجولان بين إسرائيل وسوريا. نحن على استعداد لدعم العملية الانتقالية في هذا الإطار الذي يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي ويضمن احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، وبما يشمل الدينيين والعرقيين والأقليات والشفافية والمساءلة».

ويكمل المتحدث بالقول: وستعمل مجموعة السبع وفق البيان مع الحكومة السورية المستقبلية، التي تلتزم بهذه المعايير ونتائج تلك العملية وستدعمها بشكل كامل، مع التأكيد على أهمية محاسبة نظام الأسد على جرائمه ومواصلة العمل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والشركاء الآخرين لتأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية المتبقية في سوريا والإعلان عنها وتدميرها.

فلسطين والسودان

شدد المتحدث باسم الخارجية اليابانية على ضرورة تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، مبيناً أن الأحداث في فلسطين حالياً مؤسفة، وموضحاً أن قطاع غزة يعاني لأكثر من عام دوامة العنف الذي راح ضحيته العديد من الأشخاص وأفرز أوضاعاً إنسانية كارثية.

وقال كيتامورا «نطالب بتخفيض العنف في المنطقة، لتحجيم أثره على المناطق الأخرى في المنطقة، إذ إن اليابان تتأثر بذلك، علماً بأن اليابان دعمت فلسطين منذ عام بمواد أساسية وطبية وخيام، وأغذية، ومن هنا تطالب اليابان بما أنها عضو في مجموعة السبع ومجلس الأمن الدولي بضرورة إيقاف الحرب والعنف في المنطقة».

ولفت الدبلوماسي الياباني إلى أن هناك مبادرتين أساسيتين خاصتين باليابان، تشملان مبادرة «ممر السلام»، تشارك فيه اليابان وفلسطين والأردن، وبدأت هذه المبادرة في عام 2006 ومن خلالها قامت اليابان بإنشاء مركز زراعي في فلسطين للعمل فيه هناك.

وأضاف «المبادرة الثانية باشتراك اليابان وإندونيسيا وماليزيا ودول في شرق آسيا، إذ لدى هذه الدول خبرة في صناعة (السلام) يمكن الاستفادة منها بالتعاون مع الآخرين لتنفيذ أنشطة في فلسطين تؤسس لمنطقة سلام فيها».

وفيما يتعلق بالموقف الياباني من الأزمة في السودان، قال توشيهيرو «نقرأ كثيراً عن أوضاع السودان، فهناك تدهور للأوضاع الإنسانية، ولذلك قمنا بالدعم الإنساني، ونطالب في نفس الوقت بإيقاف العنف والأعمال الوحشية في السودان، ودعمنا السودان منذ بداية الحرب بقيمة 194 مليون دولار».

وأضاف «اليابان بما أنها عضو في مجلس الأمن الدولي، قامت في شهر مارس (آذار) من العام الحالي بدور رئيس في الجلسة ووقتها طالبنا باتخاذ خطوة للانتقال السياسي والتحول المدني، علماً بأنه في شهر سبتمبر (أيلول) من هذا العام قمنا بدعوة رئيس (إيقاد) وناقشنا الأزمة في السودان وتصور الحلول الممكنة».