الأمم المتحدة تحذّر من أن النزاع في سوريا «لم ينته بعد»

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن (أ.ف.ب)
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة تحذّر من أن النزاع في سوريا «لم ينته بعد»

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن (أ.ف.ب)
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن (أ.ف.ب)

قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن لمجلس الأمن، اليوم الثلاثاء، إن التحرك الملموس نحو انتقال سياسي شامل في سوريا سيكون مهماً لضمان حصول البلاد على الدعم الاقتصادي الذي تحتاج إليه.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف بيدرسن: «هناك استعداد دولي واضح للمشاركة. الاحتياجات هائلة ولا يمكن معالجتها إلا بدعم واسع النطاق، بما في ذلك إنهاء سلس للعقوبات، واتخاذ إجراءات ملائمة بشأن تصنيف (الجماعات) أيضاً، وإعادة الإعمار الكامل».

كما حذّر من أن «النزاع لم ينته بعد»، حيث تسعى السلطات الجديدة إلى طمأنة العواصم الأجنبية بشأن قدرتها على تهدئة الأوضاع في البلاد بعد نزاع مدمر استمرّ أكثر من 13 عاماً.

وأشار بيدرسن إلى الاشتباكات في شمال البلاد بين القوات الكردية السورية والجماعات المدعومة من تركيا، في أعقاب هجوم الفصائل المعارضة الذي أطاح ببشار الأسد من السلطة في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وقال بيدرسن: «وقعت مواجهات واسعة خلال الأسبوعين الماضيين، قبل أن تجري وساطة لوقف إطلاق النار... انقضت مهلة وقف لإطلاق النار مدتها خمسة أيام الآن وأشعر بقلق بالغ حيال التقارير عن تصعيد عسكري... من شأن تصعيد كهذا أن يكون كارثياً».

لكن واشنطن أعلنت الثلاثاء، تمديد الهدنة بوساطتها «حتى نهاية الأسبوع»، مشيرة إلى أنها تعمل على «تمديد وقف إطلاق النار إلى أقصى حد ممكن في المستقبل».

وتعد تركيا قوات سوريا الديمقراطية التي شكّلت وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة عمودها الفقري، فرعاً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة وواشنطن «منظمة إرهابية».

وقال القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام» مرهف أبو قصرة، المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي، الثلاثاء، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، إن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد «ستُضّم» إلى الإدارة الجديدة للبلاد، مؤكداً رفض وجود أي فيدرالية.

وقال أبو قصرة المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي، الثلاثاء، إن بناء مؤسسة عسكرية تنضوي ضمنها كل الفصائل المعارضة، يشكل «الخطوة المقبلة» بعد إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد.

وقال أبو قصرة: «في أي دولة، يجب أن تنضوي كل الوحدات العسكرية ضمن هذه المؤسسة». وعما إذا كان سيصار إلى حل جناح الهيئة العسكري، أجاب: «بالتأكيد... سنكون إن شاء الله من أول المبادرين وسنبقى مبادرين لأي توجه يحقق المصلحة العامة للبلد».

القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام» مرهف أبو قصرة المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف.ب)

وكان أبو محمد الجولاني، قائد «هيئة تحرير الشام» تعهّد بـ«حلّ الفصائل» المسلّحة في البلاد، داعياً إلى «عقد اجتماعي» بين الدولة وكل الطوائف، ومطالباً برفع العقوبات المفروضة على دمشق.

أما أبو قصرة فطالب الولايات المتحدة و«الدول كلها» بإزالة فصيله وقائده أحمد الشرع (أبو محمّد الجولاني) من قائمة «الإرهاب»، واصفاً هذا التصنيف بأنه «جائر».

«ذئب في ثوب حمل»

تتطلع قوى غربية إلى تواصل مع السلطات الجديدة في سوريا، بهدف تجنّب فوضى على غرار تلك التي سادت في العراق أو ليبيا، بعد سقوط حكم الأسد.

وأوفدت فرنسا التي عاد علمها ليرفرف فوق سفارتها المقفلة منذ عام 2012 مبعوثاً، وكذلك فعلت ألمانيا والمملكة المتحدة والأمم المتحدة.

وأجرى دبلوماسيون ألمان محادثات الثلاثاء مع الجولاني للتباحث في «العملية الانتقالية السياسية»، وفق برلين.

وقال الموفد الفرنسي جان - فرنسوا غيوم: «تستعد فرنسا لتقف إلى جانب السوريين» خلال المرحلة الانتقالية.

ومن جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه «مستعد» لإعادة فتح سفارته في العاصمة السورية، فيما أقامت الولايات المتحدة اتصالات بـ«هيئة تحرير الشام».

لكن إسرائيل تبدي موقفاً أكثر تحفظاً تجاه السلطات الجديدة في سوريا، وقد عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، اجتماعاً أمنياً على جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل، بعدما سيطرت إسرائيل على منطقة عازلة تراقبها الأمم المتحدة تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية.

ووصفت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شارين هسكل، الجولاني، بأنه «ذئب في ثوب حمل».

ويقصف الجيش الإسرائيلي بعنف منذ الثامن من ديسمبر (كانون الأول) المواقع العسكرية السورية.

وطالب القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام»، الثلاثاء، المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الغارات والتوغل الإسرائيلي في سوريا، مؤكداً أن بلاده لن تكون منطلقاً لأي «عداء» تجاه أي من الدول.

في مختلف أنحاء البلاد يعمل السكان على استعادة حياتهم العادية، بعد 14 عاماً على اندلاع الحرب في 2011 على خلفية قمع تحركات احتجاجية وتظاهرات مطالبة بالديمقراطية، ما أوقع البلاد في حرب أهلية تحولت إلى نزاع معقد قضى فيه نصف مليون شخص ولجأ ستة ملايين آخرين إلى خارج البلاد.

في أسواق دمشق القديمة، أعاد معظم التجار فتح محالهم. واستكمل أصحاب محال سوق الحميدية صباح الثلاثاء طلاء واجهات محلاتهم باللون الأبيض بدلاً من ألوان العلم السوري ذي النجمتين الخضراوين، الذي كان معتمداً خلال فترة الحكم السابق.

وبينما ارتفعت أسعار بعض المواد، انخفضت أسعار معظم السلع الغذائية والأساسية في ظلّ رفع الضرائب بشكل موقت.

لا خدمات أساسية

قال أبو عماد الذي حوّل سيارته الصغيرة إلى دكان لبيع الخضار في ساحة السبع بحرات في وسط دمشق: «الخير جاء دفعة واحدة، سقط النظام وانخفضت الأسعار وتحسّنت الحياة ونتمنى ألا يكون ذلك مؤقتاً وأن يستمر على طول».

لكن المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، قالت، الثلاثاء، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنها لا توصي حالياً بعودة جماعية إلى سوريا قبل أن يستقرّ الوضع في البلاد بعد إطاحة الأسد.

وبينما كان بشار الأسد يقدّم نفسه على أنه حامي الأقليات في البلاد ذات الغالبية السنية، تترقب كثير من الدول والمنظمات التي رحّبت بسقوطه، كيف ستتعامل السلطات الجديدة مع هذه الأقليات.

وتحدثت بوب عن تقارير تفيد بأن أفراداً من الطائفة الشيعية هربوا من البلاد «ليس لأنهم تعرضوا لتهديد فعلاً، بل لأنهم قلقون إزاء أي تهديد محتمل».

وقال أحمد الشرع، الاثنين، خلال لقائه أعضاء من الأقلية الدرزية التي تقدّر بنسبة 3 في المائة من السكان، إنّ «سوريا يجب أن تبقى موحّدة، وأن يكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية».

وخلال لقائه دبلوماسيين بريطانيين في دمشق، أشار إلى «ضرورة عودة العلاقات»، مؤكداً في الوقت ذاته على «أهمية إنهاء كل العقوبات المفروضة على سوريا حتى يعود النازحون السوريون في دول العالم إلى بلادهم».

وقد بدأ البعض بالعودة في مدنهم المدمرة كما الحال في معرة النعمان في غرب سوريا، حيث خلفت المعارك التي اندلعت ابتداء من 2012 دماراً هائلاً.

ويقول الشرطي جهاد شاهين البالغ 50 عاماً: «النشاط يعود إلى المدينة... تم تنظيف هذا الحي ونحن هنا لحماية الناس وممتلكاتهم. سنعيد البناء بأفضل مما كان عليه من قبل».

لكن كفاح جعفر المسؤول المحلي في «مديرية المناطق المحررة» يقول إن الأمر يتطلب وقتاً.

ويقول: «لا مدارس ولا خدمات أساسية. في الوقت الحالي نحاول تنظيم أنفسنا لمساعدة الناس بأفضل طريقة. لكن الأمر سيستلزم جهداً وكثيراً من المساعدة، فالمدينة تفتقر إلى كل شيء».


مقالات ذات صلة

سوريا: مسؤول في الأمم المتحدة يدعو لزيادة الدعم الدولي «على نطاق واسع»

المشرق العربي مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر (أ.ف.ب)

سوريا: مسؤول في الأمم المتحدة يدعو لزيادة الدعم الدولي «على نطاق واسع»

شدّد مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر اليوم (الأربعاء) على ضرورة زيادة الدعم المخصص لسوريا «على نطاق واسع».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا آثار قصف سابق على مدينة الفاشر (مواقع التواصل)

مقتل وجرح العشرات من المدنيين في قصف على مدينة الفاشر

تعرضت مدينة الفاشر، الأربعاء، لقصف مدفعي وغارات جوية أدت إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. وأدانت مسؤولة أممية الهجمات، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
المشرق العربي المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن يتحدث لوسائل الإعلام في دمشق (أ.ف.ب)

بيدرسن يدعو إلى انتخابات «حرة وعادلة» في سوريا بعد «المرحلة الانتقالية»

دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن من دمشق، اليوم الأربعاء، إلى تنظيم انتخابات «حرة وعادلة» في البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا عناصر هيئة البحث عن المفقودين خلال عملية لانتشال جثث تم العثور عليها بضواحي ترهونة (هيئة البحث عن المفقودين)

دعوة أممية للتحقيق في «جرائم تعذيب أفضت إلى موت» بالسجون الليبية

حثت الرئاسة المشتركة لمجموعة العمل المعنية بالقانون الدولي الإنساني السلطات الليبية على «اتخاذ إجراء فوري لإطلاق سراح الأفراد المحتجزين تعسفياً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا خوري في لقاء سابق بممثلي الأحزاب السياسية بليبيا (البعثة الأممية)

انقسام ليبي بشأن مبادرة خوري لحلحلة الأزمة السياسية

وسط ترحيب أميركي وغربي شهدت ليبيا انقساماً بشأن الإحاطة التي قدمتها القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة ستيفاني خوري أمام مجلس الأمن وتضمنت مبادرة سياسية جديدة.

خالد محمود (القاهرة)

ما مصير الجماعة الحوثية بعد إثارة مخاوفها بالحراك الدبلوماسي؟

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي قائد القوات المشتركة (وزارة الدفاع السعودية)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي قائد القوات المشتركة (وزارة الدفاع السعودية)
TT

ما مصير الجماعة الحوثية بعد إثارة مخاوفها بالحراك الدبلوماسي؟

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي قائد القوات المشتركة (وزارة الدفاع السعودية)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي قائد القوات المشتركة (وزارة الدفاع السعودية)

كثَّفت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية استعداداتها الميدانية وعمليات الحشد والتجنيد لمواجهة السيناريوهات المحتملة لعودة المعارك العسكرية بينها وبين الحكومة اليمنية والقوات الموالية لها داخلياً، إلى جانب مخاوفها من مساندةٍ تأتي من الخارج، وذلك بعد أيام من سقوط نظام بشار الأسد الحليف لها في سوريا.

وبينما يشير كثير من المواقف الغربية، والحراك الدبلوماسي إلى إمكانية إنهاء الأزمة السياسية في اليمن بنفس الطريقة التي جرت بها إزاحة نظام الأسد، خصوصاً أن هذا حدثَ مع انهيارٍ كبير لنفوذ إيران في المنطقة؛ يظهر التخبط في تصريحات وتصرفات الجماعة الحوثية التي تُصرّ على استمرار مواقفها الرافضة لأي تسوية سياسة.

وبحث رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الاثنين، مع الفريق الركن فهد بن حمد السلمان قائد القوات المشتركة، التطورات الميدانية، وسبل دعم الجيش اليمني لتثبيت الأمن والاستقرار في المناطق المحررة، بما يعود بالنفع على القاطنين فيها، ومناقشة دعم قيادة «قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن».

دخان في صنعاء بعد ضربة أميركية على مواقع الجماعة الحوثية فيها الثلاثاء (أ.ف.ب)

وسبقت ذلك لقاءات كثيرة بين مسؤولين عسكريون وسياسيين سعوديين ويمنيين وغربيين، في الرياض، مع القادة لدعم قوات الجيش اليمني ضد الجماعة الحوثية.

وشهدت الأيام الماضية تصريحات أميركية غير مسبوقة بشأن الأزمة اليمنية، وصفت النفوذ الحوثي في اليمن بالعدوان، فيما يبدو تغيراً مهماً تجاه الجماعة، بعد سنوات طويلة اتُّهمت فيها الإدارة الأميركية بالنعومة السياسية معها، وحتى بعد دخولها في مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة معها بسبب أحداث البحر الأحمر، ظلت تلك الاتهامات قائمة.

وكشفت السفارة الأميركية لدى اليمن عن لقاءات عقدها السفير ستيفن فاجن، ورئيس مكتب مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط التابع لوزارة الخارجية الأميركية جيسي ليفنسون، مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وعدد من المسؤولين اليمنيين، جرى فيها بحث «مواجهة عدوان الحوثي داخل اليمن وخارجه».

كما كشفت السفارة عن لقاء جمع القيادي العسكري في الجيش اليمني الفريق محمود الصبيحي، بالسفير الأميركي، مع إشارة إلى بحثهما «مواجهة الحوثيين في اليمن»، بالتزامن مع أنباء عن طلب الولايات المتحدة من العراق وعمان، طرد ممثلي الجماعة لديهما، بمن فيهم محمد عبد السلام فليتة، الناطق الرسمي باسمها، والذي يقيم في عمان، ويمتلك استثمارات كبيرة في العراق.

ولا يستبعد الباحث السياسي اليمني فارس البيل، تكرار سيناريو إسقاط نظام الأسد في اليمن، لكن ليس بنفس الصورة، نظراً إلى اختلافات كثيرة، أبرزها مخاوف المجتمع الدولي من أن يكون حل الأزمة اليمنية عسكرياً سبباً في نشوء بؤرة صراع جديدة، فالجماعة الحوثية يمكن أن يستخدمها النظام الإيراني لمزيد من التصعيد في المنطقة وإغلاق ممرات الملاحة الدولية خلال مرحلة الحسم.

وتضع إيران ثقلها العسكري على الجماعة الحوثية، وفقاً لحديث البيل إلى «الشرق الأوسط»، مما يدفع المجتمع الدولي إلى التفكير في حل الأزمة اليمنية بعيداً عن الحسم العسكري، وجرّ الجماعة الحوثية بعيداً عن المشروع الإيراني لتصبح حالة سياسية يمنية، لكن ما يمنع ذلك هو الارتباط الوثيق بين الجماعة وإيران، ومشروعها الطائفي المختلف عن الواقع اليمني.

الجماعة الحوثية تتعهد باستمرار الهجمات على إسرائيل (أ.ف.ب)

ولكون الجماعة الحوثية غير قادرة على المشاركة في الحياة السياسية اليمنية، وبسبب ما بات بينها وبين اليمنيين من ثارات بعد أكثر من عقد من حروبها وممارساتها ضدهم من جهة ثانية، فإن أي تسوية يجري فرضها ستكون مؤقتة، وسيعود الصراع مبكراً، مع استمرار أو عودة الجماعة الحوثية إلى الالتحاق بالمشروع الإيراني، كما يرى البيل.

تحفز وتحشيد

تبدو الجماعة الحوثية متحفزة إزاء ما يجري من لقاءات وتحضيرات لتحريك ملف الأزمة اليمنية، ورغم أنه لم تتضح بعد ملامح التوجهات المقبلة تجاه هذه الأزمة؛ فإن الجماعة الحوثية تشعر بالتهديد، ويَظهر ذلك من خلال تصريحات قادتها وتحركاتها على الأرض.

وأخيراً، تحدث محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، إلى وسائل إعلام إيرانية عن توسيع خيارات المواجهة، واستمرار المعركة، وعن خطة عسكرية للمواجهة، مدَّعياً عدم الاكتراث بأي استعدادات أو توجهات لحل الأزمة القائمة معها بالحل العسكري، إذ، حسب مزاعمه، فإنهم في الجماعة واجهوا تلك التحديات طوال العقد الماضي، وما زال بإمكانهم الاستمرار في دعم فلسطينيي غزة.

ومنذ أيام أعلن زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، استعدادها لمواجهة كل تحرك يستهدفها، ضمن ما سمّاه «إطار موقفها ضد أميركا وإسرائيل»، والتصدي «لكل مؤامرة، ولكل استهداف»، مشيراً إلى تدريب مئات الآلاف خلال الأشهر الأخيرة، على المهارات القتالية، و«ليصبحوا حاضرين نفسياً وثقافياً ووجدانياً ومعنوياً»، كما قال: «لمواجهة التغييرات التي تحمل مسمى الشرق الأوسط الجديد».

ورغم مخاوفها من إطلاق عملية عسكرية ميدانية محلية ضد مواقعها ومناطق سيطرتها وبمساندة خارجية؛ فإن الجماعة الحوثية اختارت التصعيد أسلوبَ هروب إلى الأمام، كما يصفه مراقبون للشأن اليمن، وذلك بإعلانها استمرار عملياتها العسكرية في المياه الدولية المحيطة باليمن، وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل تحت مزاعم مساندة أهالي قطاع غزة.

أكثر من نصف مليون مقاتل زعم عبد الملك الحوثي تجنيدهم خلال الأشهر الأخيرة (إعلام حوثي)

ويؤكد مطهر البذيجي، المدير التنفيذي للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف رصد)، أن تخوفات الجماعة من اندلاع ثورة شعبية دفعتها لعقد اجتماعات مكثفة ونزول ميداني عبر مشرفيها ومسؤولي التعبئة والتحشيد في مناطق سيطرتها لتجنيد أكبر عددٍ ممكنِ من الأطفال والكبار على حد سواء.

ويوضح البذيجي لـ«الشرق الأوسط» أن مخاوف الجماعة من تنامي الغضب الشعبي تزداد بسبب تدهور الأوضاع المعيشية واستمرار ارتكابها الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين خصوصاً الأطفال والنساء، يدفعها إلى الاستثمار في معاناة سكان قطاع غزة من جهة، وتصعيد مزاعمها بمواجهة إسرائيل والغرب لكسب التأييد والحصول على مزيد من الأتباع والمقاتلين.

وأشار البذيجي إلى أن خطاب الخميس الماضي، لزعيم الجماعة تضمن حديثاً عن تجنيد 600 ألف مقاتل، بينهم عدد كبير من الأطفال، فيما أعلن محمد عبد السلام فليتة وجود 200 ألف مقاتل في حالة استعداد للقتال.

شكوك بنيّات الغرب

خلال الأيام الماضية نفَّذت الجماعة، حسبما أعلنت على لسان المتحدث العسكري باسمها، وعبر وسائل إعلامها، ست هجمات باتجاه إسرائيل، واحدة منها بمشاركة ميليشيات عراقية موالية لإيران، وهاجمت ثلاث سفن حربية أميركية في البحر الأحمر وخليج عدن، كانت ترافق سفناً تجارية لحمايتها.

ومن المتوقع أن تستمر الجماعة الحوثية في التصعيد تجاه إسرائيل، بوصف ذلك إحدى أهم وسائل الحصول على تأييد شعبي داخلي، خصوصاً مع انهيار حلفائها في محور الممانعة، واضطرارها إلى تحمل مسؤولية مواجهة خصوم المحور وحدها، حسب باحث أكاديمي في جامعة صنعاء فضَّل عدم ذكر اسمه حفاظاً على سلامته.

وأبدى الباحث مخاوفه من أن يكون لدى الجماعة الحوثية استعداد لتقديم تنازلات للغرب والقوى الدولية التي تستغل صراعات المنطقة لصالح أجندتها، مما يؤدي إلى عقد صفقة بين الطرفين على حساب اليمنيين ودول الجوار التي يجري ابتزازها بهذه الجماعة.

ولفت الباحث إلى أن التحركات الأميركية يُجريها مسؤولون من الصف الثالث وليسوا حتى من الصف الأول، مما يشكك بجدية التعاون مع السلطة الشرعية لإنهاء سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة، مع احتمالية أن يكون ما يجري مجرد مساعٍ لإخافة الحوثيين من أجل عقد صفقة معهم، وإلزام الرئيس المنتخب دونالد ترمب بها قبل تسلمه السلطة.

وإلى جانب المخاوف من الغضب الشعبي، فإن التحركات السياسية والدبلوماسية اليمنية والإقليمية والدولية المحدودة، زادت قلق قادة الجماعة من انسحاب المتغيرات الجديدة في المنطقة لتصل إلى اليمن، وبدء تحجيم نفوذها فيه بصفتها إحدى أذرع إيران التي تلقت كثيراً من الخسائر أخيراً.

فعاليات حوثية مكثفة لتجنيد مزيد من المقاتلين تحت مسمى مناصرة الفلسطينيين (إعلام حوثي)

ورصدت «الشرق الأوسط» تنظيم أكثر من 15 فعالية خطابية كبيرة لمن تسميهم الجماعة الحوثية «خريجي دورات طوفان الأقصى» في مختلف المدن الخاضعة لسيطرتها خلال الشهر الجاري، إلى جانب عشرات الفعاليات الأخرى في الأرياف والمناطق النائية.

وحسب الباحث الاقتصادي اليمني يوسف شمسان، فإن إيران ستدفع بالجماعة الحوثية للبحث عن الربح في الأزمة اليمنية التي ستظل أحد ملفات المواجهة بينها والولايات المتحدة الأميركية.

ويذهب شمسان في إفادته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حل الأزمة اليمنية بالحسم العسكري أمر وارد جداً، إلا أن المتوقع تفضيل الغرب الحل السياسي الذي يتضمن إلزام الجماعة الحوثية بتقديم كثير من التنازلات بما يحقق الرغبة في حماية ممرات الملاحة الدولية وتأمين الاقتصاد العالمي من أي أضرار ناتجة عن الأزمة اليمنية.

ويتوقع شمسان، وهو باحث أكاديمي في اقتصاد الحرب، أن تُثْقَل الجماعة الحوثية بشروط كثيرة لاستمرار بقائها في المشهد اليمني، ومن ذلك تسليم الأسلحة الاستراتيجية والنوعية مثل الصواريخ الباليستية والطائرات والزوارق المُسيَّرة، والتعهد بعدم التعرض لأمن الملاحة الدولية أو مصادر الطاقة.

ويتوقع مراقبون أن تكون التفاهمات السعودية - اليمنية أكثر جدية في التعاطي مع النفوذ الحوثي في اليمن بعد التطورات الأخيرة في المنطقة من التحركات الأميركية المحدودة.