الأمم المتحدة تحذّر من أن النزاع في سوريا «لم ينته بعد»

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن (أ.ف.ب)
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة تحذّر من أن النزاع في سوريا «لم ينته بعد»

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن (أ.ف.ب)
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن (أ.ف.ب)

قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن لمجلس الأمن، اليوم الثلاثاء، إن التحرك الملموس نحو انتقال سياسي شامل في سوريا سيكون مهماً لضمان حصول البلاد على الدعم الاقتصادي الذي تحتاج إليه.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف بيدرسن: «هناك استعداد دولي واضح للمشاركة. الاحتياجات هائلة ولا يمكن معالجتها إلا بدعم واسع النطاق، بما في ذلك إنهاء سلس للعقوبات، واتخاذ إجراءات ملائمة بشأن تصنيف (الجماعات) أيضاً، وإعادة الإعمار الكامل».

كما حذّر من أن «النزاع لم ينته بعد»، حيث تسعى السلطات الجديدة إلى طمأنة العواصم الأجنبية بشأن قدرتها على تهدئة الأوضاع في البلاد بعد نزاع مدمر استمرّ أكثر من 13 عاماً.

وأشار بيدرسن إلى الاشتباكات في شمال البلاد بين القوات الكردية السورية والجماعات المدعومة من تركيا، في أعقاب هجوم الفصائل المعارضة الذي أطاح ببشار الأسد من السلطة في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وقال بيدرسن: «وقعت مواجهات واسعة خلال الأسبوعين الماضيين، قبل أن تجري وساطة لوقف إطلاق النار... انقضت مهلة وقف لإطلاق النار مدتها خمسة أيام الآن وأشعر بقلق بالغ حيال التقارير عن تصعيد عسكري... من شأن تصعيد كهذا أن يكون كارثياً».

لكن واشنطن أعلنت الثلاثاء، تمديد الهدنة بوساطتها «حتى نهاية الأسبوع»، مشيرة إلى أنها تعمل على «تمديد وقف إطلاق النار إلى أقصى حد ممكن في المستقبل».

وتعد تركيا قوات سوريا الديمقراطية التي شكّلت وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة عمودها الفقري، فرعاً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة وواشنطن «منظمة إرهابية».

وقال القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام» مرهف أبو قصرة، المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي، الثلاثاء، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، إن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد «ستُضّم» إلى الإدارة الجديدة للبلاد، مؤكداً رفض وجود أي فيدرالية.

وقال أبو قصرة المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي، الثلاثاء، إن بناء مؤسسة عسكرية تنضوي ضمنها كل الفصائل المعارضة، يشكل «الخطوة المقبلة» بعد إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد.

وقال أبو قصرة: «في أي دولة، يجب أن تنضوي كل الوحدات العسكرية ضمن هذه المؤسسة». وعما إذا كان سيصار إلى حل جناح الهيئة العسكري، أجاب: «بالتأكيد... سنكون إن شاء الله من أول المبادرين وسنبقى مبادرين لأي توجه يحقق المصلحة العامة للبلد».

القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام» مرهف أبو قصرة المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف.ب)

وكان أبو محمد الجولاني، قائد «هيئة تحرير الشام» تعهّد بـ«حلّ الفصائل» المسلّحة في البلاد، داعياً إلى «عقد اجتماعي» بين الدولة وكل الطوائف، ومطالباً برفع العقوبات المفروضة على دمشق.

أما أبو قصرة فطالب الولايات المتحدة و«الدول كلها» بإزالة فصيله وقائده أحمد الشرع (أبو محمّد الجولاني) من قائمة «الإرهاب»، واصفاً هذا التصنيف بأنه «جائر».

«ذئب في ثوب حمل»

تتطلع قوى غربية إلى تواصل مع السلطات الجديدة في سوريا، بهدف تجنّب فوضى على غرار تلك التي سادت في العراق أو ليبيا، بعد سقوط حكم الأسد.

وأوفدت فرنسا التي عاد علمها ليرفرف فوق سفارتها المقفلة منذ عام 2012 مبعوثاً، وكذلك فعلت ألمانيا والمملكة المتحدة والأمم المتحدة.

وأجرى دبلوماسيون ألمان محادثات الثلاثاء مع الجولاني للتباحث في «العملية الانتقالية السياسية»، وفق برلين.

وقال الموفد الفرنسي جان - فرنسوا غيوم: «تستعد فرنسا لتقف إلى جانب السوريين» خلال المرحلة الانتقالية.

ومن جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه «مستعد» لإعادة فتح سفارته في العاصمة السورية، فيما أقامت الولايات المتحدة اتصالات بـ«هيئة تحرير الشام».

لكن إسرائيل تبدي موقفاً أكثر تحفظاً تجاه السلطات الجديدة في سوريا، وقد عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، اجتماعاً أمنياً على جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل، بعدما سيطرت إسرائيل على منطقة عازلة تراقبها الأمم المتحدة تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية.

ووصفت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شارين هسكل، الجولاني، بأنه «ذئب في ثوب حمل».

ويقصف الجيش الإسرائيلي بعنف منذ الثامن من ديسمبر (كانون الأول) المواقع العسكرية السورية.

وطالب القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام»، الثلاثاء، المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الغارات والتوغل الإسرائيلي في سوريا، مؤكداً أن بلاده لن تكون منطلقاً لأي «عداء» تجاه أي من الدول.

في مختلف أنحاء البلاد يعمل السكان على استعادة حياتهم العادية، بعد 14 عاماً على اندلاع الحرب في 2011 على خلفية قمع تحركات احتجاجية وتظاهرات مطالبة بالديمقراطية، ما أوقع البلاد في حرب أهلية تحولت إلى نزاع معقد قضى فيه نصف مليون شخص ولجأ ستة ملايين آخرين إلى خارج البلاد.

في أسواق دمشق القديمة، أعاد معظم التجار فتح محالهم. واستكمل أصحاب محال سوق الحميدية صباح الثلاثاء طلاء واجهات محلاتهم باللون الأبيض بدلاً من ألوان العلم السوري ذي النجمتين الخضراوين، الذي كان معتمداً خلال فترة الحكم السابق.

وبينما ارتفعت أسعار بعض المواد، انخفضت أسعار معظم السلع الغذائية والأساسية في ظلّ رفع الضرائب بشكل موقت.

لا خدمات أساسية

قال أبو عماد الذي حوّل سيارته الصغيرة إلى دكان لبيع الخضار في ساحة السبع بحرات في وسط دمشق: «الخير جاء دفعة واحدة، سقط النظام وانخفضت الأسعار وتحسّنت الحياة ونتمنى ألا يكون ذلك مؤقتاً وأن يستمر على طول».

لكن المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، قالت، الثلاثاء، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنها لا توصي حالياً بعودة جماعية إلى سوريا قبل أن يستقرّ الوضع في البلاد بعد إطاحة الأسد.

وبينما كان بشار الأسد يقدّم نفسه على أنه حامي الأقليات في البلاد ذات الغالبية السنية، تترقب كثير من الدول والمنظمات التي رحّبت بسقوطه، كيف ستتعامل السلطات الجديدة مع هذه الأقليات.

وتحدثت بوب عن تقارير تفيد بأن أفراداً من الطائفة الشيعية هربوا من البلاد «ليس لأنهم تعرضوا لتهديد فعلاً، بل لأنهم قلقون إزاء أي تهديد محتمل».

وقال أحمد الشرع، الاثنين، خلال لقائه أعضاء من الأقلية الدرزية التي تقدّر بنسبة 3 في المائة من السكان، إنّ «سوريا يجب أن تبقى موحّدة، وأن يكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية».

وخلال لقائه دبلوماسيين بريطانيين في دمشق، أشار إلى «ضرورة عودة العلاقات»، مؤكداً في الوقت ذاته على «أهمية إنهاء كل العقوبات المفروضة على سوريا حتى يعود النازحون السوريون في دول العالم إلى بلادهم».

وقد بدأ البعض بالعودة في مدنهم المدمرة كما الحال في معرة النعمان في غرب سوريا، حيث خلفت المعارك التي اندلعت ابتداء من 2012 دماراً هائلاً.

ويقول الشرطي جهاد شاهين البالغ 50 عاماً: «النشاط يعود إلى المدينة... تم تنظيف هذا الحي ونحن هنا لحماية الناس وممتلكاتهم. سنعيد البناء بأفضل مما كان عليه من قبل».

لكن كفاح جعفر المسؤول المحلي في «مديرية المناطق المحررة» يقول إن الأمر يتطلب وقتاً.

ويقول: «لا مدارس ولا خدمات أساسية. في الوقت الحالي نحاول تنظيم أنفسنا لمساعدة الناس بأفضل طريقة. لكن الأمر سيستلزم جهداً وكثيراً من المساعدة، فالمدينة تفتقر إلى كل شيء».


مقالات ذات صلة

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

المشرق العربي خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب) play-circle

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، على تمديد عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات إضافية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

طالب الرئيس اللبناني جوزيف عون وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب من جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

وصفت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً المبعوثة الأممية في مكتبه بطرابلس الأربعاء (مكتب الدبيبة)

محادثات أممية - كندية حول سبل تنفيذ «خريطة الطريق» الليبية

ناقشت المبعوثة الأممية إلى ليبيا مع الدبيبة آليات تطبيق «خريطة الطريق»، بما في ذلك إطلاق «الحوار المهيكل» وقضايا أخرى تتعلق بتطورات العملية السياسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الممثل الدائم لسلوفينيا ورئيس مجلس الأمن الحالي صمويل زبوغار يتحدث خلال مؤتمر صحافي في دمشق الخميس (رويترز)

رئيس مجلس الأمن: زيارتنا لدمشق دعم لسوريا ووحدة أراضيها

قال رئيس وفد مجلس الأمن إلى دمشق، صامويل زبوغار، خلال مؤتمر صحفي، اليوم، إن ما ترمي لتحقيقه من هذه البعثة، هو تضامن المجتمع الدولي في دعمه لسوريا ووحدتها.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.