بعد تبخر الوعود الحوثية التي قُطعت للأمم المتحدة بالإفراج عن العشرات من الموظفين في مكاتبها والمنظمات الإغاثية الدولية والمحلية في اليمن، كشفت مصادر قانونية يمنية عن توجه الجماعة نحو إحالة دفعة جديدة من هؤلاء المعتقلين إلى القضاء؛ تمهيداً لمحاكمتهم بتهمة التخابر لصالح الولايات المتحدة.
وذكرت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن خارجية الجماعة الحوثية قطعت وعوداً للأمم المتحدة بمعالجة قضية المعتقلين، بدءاً من السماح لهم بالاتصال بأسرهم، وأنه تم بالفعل السماح لعدد محدود من المعتقلين بإجراء مكالمة هاتفية سريعة بأسرهم، لكن الجماعة الانقلابية رفضت السماح لهم بالاستعانة بمحامين، قبل أن يُفاجأ مجتمع العمل الإنساني بإحالة الدفعة الأولى إلى نيابة أمن الدولة ومكافحة الإرهاب؛ تمهيداً للمحاكمة.
ووفق المصادر، فإن الجماعة تعتزم أيضاً إحالة دفعة أخرى من المعتقلين إلى النيابة؛ تمهيداً للمحاكمة، ومن بينهم معتقلون منذ عام 2021 على ذمة العمل لدى سفارة الولايات المتحدة قبل إغلاقها عند اقتحام الحوثيين صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، متجاهلة بذلك المطالب الدولية باحترام الحصانة الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة وعمال الإغاثة.
تأتي التطورات مع تأكيد منظمتين دوليتين أن الحوثيين اعتقلوا تعسفياً وأخفوا قسرياً عشرات من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني منذ 31 مايو (أيار)، ومع ذلك فإن عدد المعتقلين مستمر في الارتفاع.
وذكرت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين في «هيومن رايتس ووتش»، أن الحوثيين يواصلون دعوة المجتمع الدولي إلى احترام حقوق الفلسطينيين في غزة، بينما ينتهكون في الوقت نفسه حقوق الأشخاص الذين يعيشون في الأراضي التي يسيطرون عليها. وأكدت أنه «عليهم أن يظهروا للشعب اليمني الاحترام نفسه الذي يطالبون به للفلسطينيين، بدءاً بإنهاء هذه الحملة التي لا نهاية لها من الاعتقالات التعسفية».
تنديد دولي
وفق بيان مشترك أصدرته «هيومن رايتس ووتش» و«معهد القاهرة»، اعتقل الحوثيون العشرات بتهمة الاحتفال بذكرى قيام الجمهورية في شمال البلاد في 26 سبتمبر عام 1962، وفي حالات أخرى، اعتقلوا أشخاصاً بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أو منشورات أخرى على الإنترنت تحيي هذه الذكرى.
ونُقل عن رجل اعتُقل شقيقه بسبب نشر مقطع فيديو يحتفل فيه بالذكرى، أن خمس مركبات عسكرية حوثية وصلت إلى منزل شقيقه في اليوم التالي، وأخبره الحوثيون أنهم يريدون منه حذف قناته على اليوتيوب وآخر منشور له في 26 سبتمبر.
وذكر الشخص أنهم أخذوا شقيقه إلى إدارة البحث الجنائي، وعندما بدأوا في إطلاق سراح المعتقلين في 30 سبتمبر الماضي، علم أنهم أرسلوه إلى إدارة الاستخبارات والأمن ولم يُفرج عنه بعدُ.
ووفق البيان أيضاً، اعتُقل كاتب في صنعاء له عدد كبير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشره منشوراً عن المناسبة. وقال أحد أصدقائه إن الحوثيين وصلوا إلى منزله في عدة مركبات عسكرية، حيث «اقتحموا المنزل، وكسروا الأبواب، وأخافوا زوجته وابنه... أخذوه هو وأجهزته والكومبيوتر المحمول والجوالات والكاميرات القديمة وفتشوا المنزل بالكامل». ولم يقدم الحوثيون مذكرة اعتقال أو مذكرة تفتيش في أي من الحالتين، في انتهاك للقانون اليمني، والقانون الدولي.
وذكر آخرون في إفادة نقلتها المنظمتان أن الحوثيين هددوهم أو أرهبوهم لمنعهم من نشر أي شيء عن ثورة «26 سبتمبر»، فيما ذكرت امرأة أنها تلقت مكالمة هاتفية تهددها بسبب منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي في الذكرى.
وقالت المرأة إنها لم تشعر أبداً بالخوف من الحوثيين، لكن الإحباط هو أنها لا تستطيع الخروج للاحتفال بالذكرى السنوية للثورة، ولا تستطيع رفع علم الجمهورية. وعبّرت عن شعورها بالإحباط لأن العلم اليمني غير موجود في شوارع صنعاء في ذكرى الثورة، وقالت إنها كانت تبكي كل يوم.
وبينت المنظمتان أن اعتقال شخص دون مذكرة وتهم واضحة يعد انتهاكاً بموجب المادة 132 من قانون الإجراءات الجنائية اليمني. وقالت المنظمتان أيضاً إن احتجاز شخص دون أساس في القانون المحلي أو الدولي، وكذلك احتجازه دون توجيه اتهامات له على الفور، يعد انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وكانت لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية باليمن قالت إنها وثقت العام الماضي كثيراً من الحالات التي تنطوي على الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب، وإن «معظم الانتهاكات التي حققت فيها اللجنة نُسبت إلى الحوثيين».