دعوة ماكرون لوقف تسليح إسرائيل... هل يمكن تفعيلها؟

مصر طالبت المجتمع الدولي بتنفيذها... وقطر اعتبرتها «خطوة مهمة»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في القمة الفرنكوفونية التاسعة عشرة في باريس (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في القمة الفرنكوفونية التاسعة عشرة في باريس (رويترز)
TT

دعوة ماكرون لوقف تسليح إسرائيل... هل يمكن تفعيلها؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في القمة الفرنكوفونية التاسعة عشرة في باريس (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في القمة الفرنكوفونية التاسعة عشرة في باريس (رويترز)

وسط تصعيد إسرائيلي للحرب في لبنان وتواصلها في قطاع غزة، أثارت دعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن الكف عن تسليم أسلحة لإسرائيل، تساؤلات بشأن مدى إمكانية تفعيلها وتأثيرها على الصراع بالمنطقة، خاصة أنها لاقت ترحيباً من دولتي الوساطة مصر وقطر ومطالبة بتنفيذها.

الدعوة الفرنسية، التي تأتي من ماكرون، الذي يملك علاقات متينة مع لبنان، تأتي بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بهدف تحقيق ضغوط على نتنياهو للتراجع عن تصعيده على الأراضي اللبنانية، مشيرين إلى أن تنفيذها، بعيداً عن الرفض الإسرائيلي، يحتاج انضمام دول أوروبية مصدّرة للسلاح لإسرائيل لتكون المبادرة ذات جدوى وتأثير.

وفي سياق خلافات مع إسرائيل، قال ماكرون في تصريحات لإذاعة «فرنس إنتر»، السبت، إن «الأولوية اليوم هي العودة إلى حل سياسي، والكف عن تسليم الأسلحة (لإسرائيل) لخوض المعارك في غزة». ورفض نتنياهو الموقف الفرنسي قائلاً: «الرئيس ماكرون وغيره من القادة الغربيين يدعون الآن إلى حظر الأسلحة عن إسرائيل، يجب أن يشعروا بالعار»، وهو ما رد عليه الإليزيه بأنه «كلام مفرط ولا علاقة له بالصداقة بين فرنسا وإسرائيل».

تلك الخطوة من ماكرون، لم تكن الأولى ذات الصلة بالمشهد المتصاعد في غزة ولبنان؛ فقد اقترحت فرنسا والولايات المتحدة مع دول عربية وغربية، في 26 سبتمبر (أيلول)، هدنة لمدة 21 يوماً في لبنان، ورد نتنياهو بالرفض والتمسك باستمرار الغارات، لضمان الاستقرار في الشمال لعودة النازحين الإسرائيليين لمنازلهم بالأراضي المحتلة، ووضع حد للمواجهات بين إسرائيل و«حزب الله» المستمرة من اليوم التالي لحرب غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وباعتقاد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، فإن «الرئيس ماكرون يتخذ مواقفه بناء على حساب الأحداث خاصة أن التوقيت مرتبط بالتصعيد على لبنان المرتبط بعلاقات مع فرنسا»، مرجحاً أن تكون «وسيلة ضغط فرنسية على إسرائيل لمنع تصعيد عدوانها بلبنان».

ويستبعد هريدي أن يقصد ماكرون بدعوته حلاً في غزة، قائلاً: «لو كان يقصد قطاع غزة، وهذا غير مرجح، فهذه دعوة متأخرة تحمل شعارات خاصة بعدما تم تدمير نسبة كبيرة من القطاع».

في حين يرى المحلل السياسي الفرنسي، بيير لويس ريموند، أن دعوة ماكرون هي «عودة إلى تفعيل المبادئ التقليدية الأساسية للدبلوماسية الفرنسية لتحقيق وقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات، واستمرار حضور صوت فرنسا بين الدبلوماسيات الفاعلة رغم الصعوبات»، مؤكداً أن «باريس ستبدأ بالفعل في تفعيل مبادرة وقف تسليم الأسلحة، خاصة أنه قرار من الرئيس».

وسبق دعوة فرنسا، إعلان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أوائل سبتمبر، أن بلاده، الحليف التاريخي لإسرائيل، قررت تعليقاً فورياً لنحو 30 رخصة تصدير لمعدات عسكرية إلى إسرائيل، وذلك بعد مراجعة امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي خلال عملياتها العسكرية في غزة، ويومها وصف نتنياهو القرار بأنه «مخزٍ»، مؤكداً أنه «سواء بالأسلحة البريطانية أو من دونها، ستفوز إسرائيل في هذه الحرب (بغزة)».

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، أعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنتونيو تاياني، أن روما، ثالث أكبر مورد معدات عسكرية لإسرائيل، قررت بعد (حرب) السابع من أكتوبر عدم إرسال مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل، وهو الموقف ذاته الذي أكده نظيره الإسباني، خوسيه مانويل ألباريز، بالشهر ذاته. وفي مارس (آذار) 2024، وافق البرلمان الكندي على وقف المبيعات العسكرية المستقبلية إلى إسرائيل.

وبخلاف تلك الدول الأوروبية، لم تصدر دول لديها تعاون عسكري لافت مثل ألمانيا والدنمارك أي تعليق على دعوة ماكرون، ومثلهما الولايات المتحدة.

كان «سيكون اقتراح فرنسا جاداً وله أثر» لو خرج من أكثر من دولة من الدول الأوروبية التي تصدّر السلاح مثل ألمانيا، وفق ما يرى السفير حسين هريدي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة غير مرجح أن تتخذ مثل هذه المواقف قياساً على دعمها المستمر لإسرائيل منذ بدء الحرب، وعدم ممارسة ضغوط حقيقية عليها. غير أن المحلل السياسي الفرنسي، بيير لويس ريموند، يعتقد أن مبادرة ماكرون لن تتوقف عليه وحده، مضيفاً: «أقرب من يحاول الرئيس الفرنسي استدراجهم لهذه المبادرة ألمانيا؛ للتركيز على ما يسمى بالثنائية الفرنسية - الألمانية لتفعيل دبلوماسية أوروبية في هذا الصدد»، مستبعداً حالياً انضمام واشنطن، قائلاً: «سنرى مدى استجابة الدبلوماسية الأميركية لهذا النهج، مع ما ستفرز عنه الانتخابات الرئاسية المقبلة».

ولاقت دعوة ماكرون ترحيباً من دولتَي الوساطة بشأن الهدنة في غزة؛ مصر وقطر، وأكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان الأحد، أنها «تتماشى تماماً مع احترام مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني، وتعكس الاستياء العارم والمتزايد على المستوى الدولي من العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة ولبنان»، وطالبت «المجتمع الدولي بوضع الدعوة محل التنفيذ»، وكررت مطالبتها بـ«الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في كل من قطاع غزة ولبنان».

وبالمثل، رحبت قطر، في بيان صحافي للخارجية، بدعوة ماكرون، وعدّتها «خطوة مهمة ومقدّرة في اتجاه وقف الحرب».

وبرأي السفير هريدي، فإن إسرائيل ستواصل تعطيل أي جهود للوسطاء أو دعوات للدول التي تدعمهما بشأن وقف الحرب، لافتاً إلى أن الحديث بعيد بشأن أي تأثير للمبادرة على الهدنة، خاصة في ظل الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية «التي ستقودنا نتائجها لمزيد من المؤشرات بشأن إمكانية تحقيق تهدئة بغزة من عدمها».

وبتفاؤل، يرى المحلل السياسي الفرنسي، أنه «قد نرى نهاية عسكرية قريبة في غزة»، مستدركاً: «لكن لن تكون هناك نهاية حقيقية ما لم تكن هناك نهاية سياسية للقضية الفلسطينية بحذافيرها تصل بطرفي النزاع إلى (حل الدولتين)».


مقالات ذات صلة

أوروبا أقارب وأصدقاء بموقع حفل نوفا في الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر بتل أبيب (د.ب.أ)

تضامن غربي مع إسرائيل في ذكرى «طوفان الأقصى»

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتزامن مع الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر (تشرين الأول)، إن «الألم لا يزال قائماً».

«الشرق الأوسط» (فرنسا)
المشرق العربي طفل يقف وسط الدمار الذي سببته الحرب الإسرائيلية على غزة في خان يونس (أ.ب)

بالأرقام... خسائر بشرية ومادية فادحة في الحرب الإسرائيلية على غزة

أسفرت الحرب الإسرائيلية على غزة التي استمرت لمدة عام عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
خاص وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

خاص طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه.

يوسف دياب (بيروت)
خاص بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

خاص واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر تبدو إدارة الرئيس جو بايدن عاجزة عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

رنا أبتر (واشنطن)

غارة جوية إسرائيلية تستهدف شاحنات محملة بمواد طبية وإغاثية في حمص

من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)
من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)
TT

غارة جوية إسرائيلية تستهدف شاحنات محملة بمواد طبية وإغاثية في حمص

من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)
من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)

استهدفت غارة إسرائيلية، الأحد، شاحنات تحمل مواد إغاثية وطبية في مصنع فارغ للسيارات الإيرانية جنوب مدينة حمص وسط سوريا، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بعد أيام من غارات طالت دمشق والحدود اللبنانية السورية.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، قال «المرصد» إن طائرات إسرائيلية شنّت «غارات جوية بثلاثة صواريخ استهدفت(...) 3 شاحنات محملة بالمواد الغذائية والطبية في معمل للسيارات الإيرانية بمنطقة حسياء الصناعية»، الواقعة جنوب المدينة.

وأدّت الغارة إلى إصابة 3 أشخاص من فرق الإغاثة، وتدمير الشاحنات القادمة من العراق لتقديم مساعدات إنسانية للبنانيين المتضررين من الغارات الإسرائيلية، وفق «المرصد».

من جهته، أكد مدير المدينة الصناعية في حسياء عامر خليل وقوع «أن عدواناً جوياً إسرائيلياً استهدف 3 سيارات داخل المدينة الصناعية، محملة بمواد طبية وإغاثية، والأضرار مادية»، وفق ما نقلت «وكالة الأنباء الرسمية» (سانا).

يذكر أن حمص محافظة حدودية مع لبنان.

وكثّفت إسرائيل في الأيام الماضية وتيرة استهداف نقاط قرب المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، التي عبرها مؤخراً عشرات الآلاف هرباً من الغارات الإسرائيلية الكثيفة على لبنان.

وأدّت غارة إسرائيلية، استهدفت فجر الجمعة منطقة المصنع في شرق لبنان، إلى قطع الطريق الدولي بين لبنان وسوريا، وأتت بعد اتهام إسرائيل «حزب الله» باستخدام المعبر لنقل الأسلحة.

كما شنّت إسرائيل مراراً في الأيام الماضية غارات جوية داخل سوريا.

وأدت إحداها، الأربعاء، على منطقة المزة في دمشق إلى مقتل حسن جعفر قصير، وهو صهر الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، الذي قتل بغارات إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية في 27 سبتمبر (أيلول).

ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية في هذا البلد، مستهدفة مواقع لقوات النظام وأهدافاً إيرانية وأخرى لـ«حزب الله» الحليف لطهران ودمشق.

ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر أنها ستتصدى لما تصفه بمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا. ومنذ بدء غاراتها المكثفة في لبنان في 23 سبتمبر، شددت إسرائيل على أنها ستعمل على الحؤول دون نقل «حزب الله» لـ«وسائل قتالية» من سوريا إلى لبنان.