يتكفل مجموعة من الناشطين في مناطق جبلية ومنحدرات عدة في اليمن بمهمة تنبيه سكان المناطق المنخفضة من السيول الجارفة، وتحذير المسافرين وسائقي السيارات والشاحنات عبر الأودية ومصباتها من الكوارث المحدقة، في حين تضاعف الفيضانات من حصار السكان بزيادة خراب الطرقات التي تشهد حوادث مأساوية شبه يومية.
ومنذ أسابيع، بدأ المسافرون وسائقو سيارات الأجرة والنقل بين المدن والمحافظات والمناطق الجبلية بتوخي الحذر الشديد عند التنقل، والتحرك خلال ساعات النهار الأولى وحتى ما بعد الظهيرة بقليل.
وغالباً ما تتشكل السحب الركامية الرعدية فوق المرتفعات الجبلية في اليمن، ابتداءً من الظهر، وتتكثف تدريجياً ليبدأ هطول الأمطار الموسمية الصيفية خلال فترة ما بعد الظهيرة والمساء.
ويبدأ النشطاء المجتمعيون أيامهم خلال موسم الأمطار بالاستماع إلى نشرات الأرصاد الجوية لمعرفة احتمالية سقوط الأمطار وغزارتها والاستعداد لمراقبة تجمع السحب وهطول الأمطار.
يقول صامد عبد الجبار، وهو من أبناء مديرية حيفان، التابعة لمحافظة تعز (جنوب غرب)، إنه بمجرد هطول الأمطار الغزيرة، يقضي وقته في نوافذ منزله مراقباً تجمع السيول وتوجهاتها، ليبدأ نشر التحذيرات عبر الاتصالات الهاتفية المباشرة لأصدقائه وزملائه في القرى التي تتجه إليها السيول.
ويوضح عبد الجبار لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يفضل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التحذير من السيول؛ لأن غالبية سكان الأرياف لا يستخدمونها، في حين ينشغل سائقو السيارات والشاحنات بالطريق، ولا يملكون الوقت للاطلاع عليها، إلى جانب أن غالبية السكان يغلقون هواتفهم خوفاً من الصواعق الرعدية.
عادة متوارثة
يخاطر الناشطون بتعريض أنفسهم للصواعق من خلال إبقاء هواتفهم مفتوحة إلى جانب تحركاتهم في أسطح المنازل وعلى المرتفعات الجبلية لمراقبة السيول للتحذير منها، أو لاستقبال الاتصالات والرسائل التحذيرية من نظرائهم.
ويضطر محمد عبد الصمد، من مديرية المواسط التابعة لمحافظة تعز، إلى استخدام هاتف قديم من النوع الذي تدوم بطاريته لأيام طويلة، وذلك لتسبب الغيوم والسحب بحجب الشمس أغلب أوقات النهار في معظم مناطق البلاد، خصوصاً الأرياف التي لجأ سكانها للاستعاضة بالطاقة الشمسية بعد انقطاع الكهرباء بسبب الحرب.
ويقضي عبد الصمد -وفق إفادته لـ«الشرق الأوسط»- أغلب وقته في زراعة أراضي العائلة، وعند سقوط الأمطار يراقب السيول من كوخ في مرتفع جبلي، ومنه يجري اتصالاته للتحذير من السيول الغزيرة على القرى والطرقات في الوديان والمناطق المنخفضة.
ويلجأ بعض الناشطين الذين تقع منازلهم بالقرب من تقاطع الطرقات ومسارات السيول إلى مغادرة منازلهم عند استقبال الرسائل التحذيرية والانتظار على جوانب تلك التقاطعات لتحذير السائقين من المغامرة بالعبور.
وينقل الكاتب عبد الله القباطي، عن كبار السن في مديرية القبّيطة، التابعة لمحافظة لحج، أن العقود السابقة، وقبل ظهور التكنولوجيا الحديثة، كانت تشهد ظهور مثل هؤلاء الناشطين بشكل مختلف؛ إذ كان أهالي المناطق المرتفعة، أو التي تشهد ظهور السيول أولاً يبدأون بإطلاق النار من أسلحتهم بكثافة لتحذير أهالي المناطق الأخرى من السيول.
إلا أن تلك الوسيلة لم تكن مجدية كفاية، وفق ما أورد القباطي لـ«الشرق الأوسط»، لكون إطلاق النار لم يكن ليُفسر على أنه تحذير من خطر ما، بقدر ما يمكن فهمه حفل زفاف أو استقبال مسافرين عائدين من الغربة.
كما كان السكان حينها يعتمدون على الرجال ذوي الأصوات الجهيرة لمناداة السكان في المناطق المنخفضة وتحذيرهم، إلا أن تلك الوسيلة لم تكن كافية أيضاً، لبُعد المسافات، وطغيان هدير السيول على أصواتهم.
طرقات تحت التأهيل
للمرة الثانية خلال أقل من أسبوعين، تتجدد حوادث سقوط شاحنات في الطريق الرابط بين محافظتي تعز وعدن، عبر محافظة لحج جنوب غربي اليمن.
وذكرت مصادر محلية في مديرية المقاطرة، التابعة لمحافظة لحج، التي يمر الطريق الرابط بين مدينتي عدن وتعز عبرها أن شاحنة محملة بالبضائع انقلبت في «كربة-الصحى»، خلال رحلتها إلى مدينة تعز، ما أدى إلى وفاة السائق على الفور، وإلحاق أضرار جسيمة بالشاحنة، وتلف معظم البضائع التي كانت تحملها.
ويشهد طريق «كربة-الصحى» الذي يعدّ بديلاً مؤقتاً لطريق هيجة العبد، الذي يمر بدوره في المديرية نفسها، حوادث مأساوية متكررة، نتيجة وعورته وضيقه.
ومنذ ما يزيد على أسبوع توفي 16 شخصاً في حادث انقلاب مروع لحافلة نقل مسافرين كانوا في طريقهم إلى العاصمة عدن، بينهم نساء وأطفال، بسبب عطل في المكابح أفقد السائق السيطرة عليها، وتسبب في سقوطها في وادٍ صخري.
وتجري منذ أشهر أعمال صيانة وتوسعة لطريق هيجة العبد، الذي يعد المنفذ الأهم الرابط بين محافظة تعز وسكانها في المدن والأرياف بباقي مناطق البلاد، خصوصاً مدينة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، بسبب الحصار الذي تفرضه الجماعة الحوثية على المحافظة من عدة جهات، وإغلاقها عشرات الطرقات فيها.
ولم يعرف بعد الموعد المحدد للانتهاء من مشروع صيانة الطريق، الذي ينتظر منه توسعته وتهيئته لاستيعاب الزحام، إلى جانب تقليل المخاطر والحد من الحوادث المأساوية التي كانت تقع فيه، وتقليل آثار السيول والانهيارات الصخرية التي تتسبب بإغلاقه لأيام طويلة أو تؤدي لسقوط ضحايا.
ووفق مصادر محلية في المنطقة وأخرى رسمية، فإن إنجاز المشروع يواجه كثيراً من الصعوبات، خصوصاً خلال أشهر الربيع والصيف نتيجة الأمطار والسيول الغزيرة.
وكان مقرراً أن يتم الانتهاء من أعمال الصيانة خلال الشهر الماضي، إلا أنه، وفقاً للمصادر التي فضلت عدم إيراد بياناتها، تسببت الإجراءات الإدارية البطيئة وصعوبة التواصل بين الجهات التنفيذية ومختلف المستويات الإدارية لتنفيذ المشروع نتيجة صعوبة الانتقالات، وسفر المسؤولين الحكوميين وانشغالاتهم المتكررة، في بطء التنفيذ.
ولا يزال طريق «كربة-الصحى» نفسه تحت الصيانة والتأهيل، بسبب الأضرار التي لحقت به جراء الإهمال الناجم عن الانقلاب والحرب، إضافة إلى السيول والانهيارات الصخرية، ومرور الشاحنات المحملة بأوزان ضخمة عليها.