جدل يمني حول أولويات وفاعلية الأنشطة الموجهة للنساء

المرأة محاصرة بين تبعات الصراع وتجاهل خصوصية المجتمع

النساء في مناطق سيطرة الحوثيين عرضة لمختلف الانتهاكات دون تمكن المنظمات الدولية من حمايتهن (أ.ف.ب)
النساء في مناطق سيطرة الحوثيين عرضة لمختلف الانتهاكات دون تمكن المنظمات الدولية من حمايتهن (أ.ف.ب)
TT

جدل يمني حول أولويات وفاعلية الأنشطة الموجهة للنساء

النساء في مناطق سيطرة الحوثيين عرضة لمختلف الانتهاكات دون تمكن المنظمات الدولية من حمايتهن (أ.ف.ب)
النساء في مناطق سيطرة الحوثيين عرضة لمختلف الانتهاكات دون تمكن المنظمات الدولية من حمايتهن (أ.ف.ب)

بعد عشر سنوات من عمر الانقلاب الحوثي والصراع في اليمن لا تزال الأنشطة المجتمعية تنتظر الفرصة للعودة إلى ممارسة القدرة على الفاعلية والرقابة في سبيل تعزيز الحقوق والحريات، إلا أن العواقب كانت أكثر تعقيداً بالنسبة إلى النساء، اللواتي يواجهن المزيد من التمييز والكراهية المرتكزة على التطرف.

وبينما تولي المنظمات غير الحكومية الدولية النساء وفرص تمكينهن وتعزيز أدوارهن الأهمية الكبرى ضمن أنشطتها، تعلو أصوات مجتمعية كثيرة مناهضة لهذا التوجه، تحت مبررات مختلفة؛ فالنخب السياسية والاجتماعية ترى أن المجتمع يواجه مخاطر وجودية تستدعي تأجيل نقاش القضايا النسوية، لكن القوى المتطرفة ترفض الأمر برمته الآن أو في المستقبل.

جدل واسع حول أولويات احتياجات المجتمع والنساء باليمن في ظل آثار الحرب والفقر والنزوح (إ.ب.أ)

وبرغم الجدل المثار بشدة حول التركيز المتزايد على أوضاع وحقوق النساء من قِبَل المنظمات غير الحكومية الدولية، ترى ماريا راشد، مديرة إدارة الإعلام في اللجنة الوطنية للمرأة، أن المنظمات الدولية ركزت خلال الحرب على الاحتياجات الطارئة والاستجابات الإنسانية، ولفتت الانتباه لمعاناة النساء، لكن تخفيفها من تلك المعاناة كان محدوداً نتيجة عوامل أثرت في توجيه عملها.

وبينت راشد لـ«الشرق الأوسط» أن جميع أنشطة المنظمات تضافرت مع البيئة المجتمعية في إبقاء النظرة إلى النساء كمتلقيات سلبيات، داعية إلى تقييم كل نشاط بآثاره ومنها الاستدامة، إلى جانب التخطيط الاستراتيجي والتعاون مع الجهات الحكومية المعنية لتحويل العمل من إنساني إلى مستدام.

وتأمل راشد باستغلال الهدنة الإنسانية للتعافي، وتوازي التخطيط التنموي مع تمكين النساء، وتنظيم حملات إعلامية توعوية وحملات مناصرة، لزيادة الوعي بأهمية الاستقلال الاقتصادي للمرأة الذي يسهم في التغلب على الفقر. وأعادت التذكير بأن الكثير من النساء أصبحن معيلات لعائلاتهن، ما يعزز من التشديد على أهمية عمل المرأة في مواجهة خطاب الكراهية ضد النساء.

خطاب مستغرب

توصلت دراسة يمنية صدرت منذ أشهر إلى أن التركيز المتزايد على حقوق المرأة من قِبَل المنظمات غير الحكومية الدولية يثير الحساسية، لعدم فهم المعايير الثقافية، والتواصل الفعَّال المبكر مع قادة المجتمع المحلي وأفراده، وتعزيز الثقة والتعاون.

وطالبت الدراسة الصادرة عن المركز اليمني للسياسات بمعالجة الديناميكيات الاجتماعية والثقافية المعقدة في اليمن، واتِّباع نهج شامل لتمكين المرأة، لافتة إلى أن إعطاء الأولوية للحساسية الثقافية لتجنُّب ردود الفعل، يمكن أن يساعد النشطاء المحليين والمنظمات غير الحكومية الدولية في تحقيق التقدم.

يمنيات محجبات في حضرموت حيث تطالب المجتمعات المحلية المنظمات الدولية باحترام خصوصيتها (غيتي)

وذهبت الدراسة التي أعدتها الباحثة شيماء بن عثمان إلى أن استراتيجيات بعض المنظمات غير الحكومية الدولية والناشطين اليمنيين المتأثرين بالمنظور الغربي لا تتوافق دائماً مع نماذج النوع الاجتماعي في اليمن، والتي تتشكَّل من خلال الدين والثقافة والأعراف الاجتماعية.

وانتقدت الخطاب الذي يركز على إنقاذ النساء من الهياكل المجتمعية الأبوية، والتقاليد والعادات التي قد تبدو معادية للمرأة في نظر الغرب، وهو الخطاب الذي ينطوي على مخاطرة بفهمٍ مبالغ في تبسيطه لحياة المرأة اليمنية ومشاكلها.

وشددت على ضرورة أن يحترم تصميم الأنشطة المعايير والقيم المحلية، ويعمل على تمكين الأشخاص، ومراعاة حساسية البرامج التعليمية من حيث المحتوى وأساليب التدريس، متوقعة أن تساعد أنشطة بناء القدرات التي تمَكِّن القادة والناشطين المحليين من الأخذ بزمام المبادرات، في ضمان استدامتها.

الأوضاع المعيشية الناجمة عن الصراع وضعت اليمنيات في مواجهة يومية مع متطلبات الحياة (رويترز)

وأوضحت أن مفهوم المَحرم (ولي أمر المرأة) يأخذ طابع الرعاية والمسؤولية في الثقافات المحلية، وليس في التشكيك في أخلاق المرأة أو كراهيتها، وقد لا يكون ضرورياً في بعض العائلات أو المناطق، برغم ما يمثِّله من قاعدة ثقافية ودينية في مناطق أخرى.

واستثنت من ذلك ما يجري من انتهاكات تحت هذا المفهوم في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يتذرعون به في انتهاكاتهم ضد النساء وقمعهن.

نساء تحت القمع

تغيب مشاريع وأنشطة دعم وحماية النساء تماماً في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وتوقفت المنظمات غير الحكومية الدولية عن تقديم أي مشاريع تتعلق بتعزيز دور النساء في المجتمع هناك، مكتفية بالأنشطة الإغاثية والتنموية الخاضعة لسيطرة ورقابة الجماعة.

تصف آمال عبد النور، وهي موظفة سابقة في عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية، معاناة النساء في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بأنها جحيم حقيقي، حيث تستقبل المراكز الخاصة بتقديم العون والحماية يومياً عشرات الحالات التي لا يمكنها إلا التخفيف من معاناتها ببعض المساعدات المالية والنفسية.

اليمنيات اضطررن إلى تحمل مسؤولية إعالة أسرهن بسبب ظروف الحرب والبطالة (رويترز)

وتبين عبد النور لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من المخاطر واجهت العاملات في هذه المنظمات والمراكز، فهناك رقابة مشرفات الجماعة الحوثية، أو من يعرفن بـ«الزينبيات»، وتهديدات أقارب النساء الباحثات عن العون والحماية، مع رفض سلطات الجماعة توفير المساعدة أو الحماية، بل هجومها الدائم على المنظمات واتهامها بالتجسس واستهداف المجتمع.

وخلال الأشهر الماضية اختطفت الجماعة الحوثية عشرات الموظفين العاملين في المنظمات الأممية والدولية في صنعاء، بالتزامن مع إجبار مختطفين سابقين من العاملين في المنظمات والسفارات على الاعتراف بالتجسس لصالح الغرب.

ويستغرب الباحث السياسي محمد عبد الغني من تجاوز المنظمات الدولية والمحلية الواقع أو عدم فهم الوضع الاجتماعي في ظل الحرب في اليمن، فبينما تعاني النساء فعلاً من انتهاكات مركبة وصادمة تحت سلطات الانقلاب الحوثي أو أي ميليشيات شبيهة، فإن التعامل مع هذا الوضع المأساوي للنساء بمعزل عن السياق العام لن يخدم النساء أو المجتمع.

ويوضح عبد الغني لـ«الشرق الأوسط» أن المنظمات لم تدرك أن جهودها وبرامجها لحماية وتأهيل النساء والدفع بهن إلى المشاركة في صنع القرار، لن تحقق أي نجاح ما دامت أسباب الأزمة متجذرة بشدة، وهي الأزمة التي كانت سبباً في شتات المجتمع وانقسامه، وحلها فقط هو ما سيسهم في تغيير أوضاع المجتمع بما فيه من نساء.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي: صاروخ أطلق من اليمن سقط في منطقة مفتوحة

شؤون إقليمية القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صواريخ أُطلقت من لبنان (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الإسرائيلي: صاروخ أطلق من اليمن سقط في منطقة مفتوحة

قال الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم (الأحد)، إن صاروخاً «أرض-أرض» أطلق على وسط إسرائيل من اليمن وسقط في منطقة غير مأهولة دون أن يتسبب في إصابات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي مقاتلة أميركية تقلع من حاملة الطائرات «يو إس إس أيزنهاور» لهاجمة أهداف حوثية (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش الأميركي يدمر 3 مسيّرات حوثية ومركبة دعم

أعلن الجيش الأميركي تدمير 3 طائرات حوثية من دون طيار ومركبة دعم في مناطق يمنية تُسيطر عليها الجماعة، وذلك في سياق الضربات الدفاعية التي تقودها واشنطن.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالسعي للسيطرة على القطاع التجاري

اتهم وزير يمني الجماعة الحوثية بالسعي للسيطرة الكاملة على القطاع التجاري، وذلك تعليقاً على رفع الجماعة رسوم الجمارك على الملابس المستوردة بنسبة 100 %.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي صورة حديثة لاستمرار الحرائق على متن ناقلة النفط «سونيون» في البحر الأحمر (المهمة الأوروبية «أسبيدس»)

«أسبيدس» الأوروبية متأهبة لحماية إنقاذ ناقلة النفط «سونيون»

أكدت المهمة الأوروبية «أسبيدس» أن قواتها متأهبة لحماية عملية إنقاذ ناقلة النفط اليونانية «سونيون» المشتعلة بسبب هجمات الحوثيين، داعية للتكاتف لتجنب كارثة بيئية.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جانب من مسيرة طلابية نظّمها الحوثيون تجوب أحد شوارع حجة (إعلام حوثي)

طلاب المدارس تحت طائلة التطييف والاستقطاب الحوثي

أرغمت الجماعة الحوثية طلبة المدارس في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها على تنظيم مسيرات تجوب الشوارع، وتهتف بشعارات الجماعة ذات المنحى الطائفي.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

غروندبرغ يشكو تعقيد جهود السلام في اليمن بسبب حرب غزة

من آخر لقاء في عدن جمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بالمبعوث الأممي (سبأ)
من آخر لقاء في عدن جمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بالمبعوث الأممي (سبأ)
TT

غروندبرغ يشكو تعقيد جهود السلام في اليمن بسبب حرب غزة

من آخر لقاء في عدن جمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بالمبعوث الأممي (سبأ)
من آخر لقاء في عدن جمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بالمبعوث الأممي (سبأ)

أحاط المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، مجلس الأمن، الخميس، بآخر التطورات في اليمن، معترفاً بتعثر جهود السلام التي يقودها بين الحكومة اليمنية والحوثيين بسبب الحرب في غزة والتصعيد الإقليمي المرتبط بها.

وفي حين أشار غروندبرغ إلى جهوده التي قام بها خلال الشهر الماضي، تحدث عن مرور أكثر من 100 يوم منذ أن بدأ الحوثيون حملة اعتقالات استهدفت اليمنيين المنخرطين في جهود أساسية تشمل المساعدات الإنسانية، والتنمية، وحقوق الإنسان، وبناء السلام، والتعليم.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

وجدد المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، دعوات الأمين العام والمفوض السامي لحقوق الإنسان الواضحة للحوثيين بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين.

وقال إن هدفه الرئيسي يبقى في ظل هذه الظروف الصعبة، هو التوسط للتوصل إلى حل دائم وعادل للنزاع في اليمن، لكنه عبر عن أسفه على أن الحرب المستمرة في غزة، والتصعيد الإقليمي المرتبط بها، يعقدان من هذه الجهود.

وحذر المبعوث من كارثة بيئية غير مسبوقة في البحر الأحمر، وقال: «من التطورات المثيرة للقلق بشكل خاص أخيراً هو استهداف أنصار الله (الحوثيين) لناقلة النفط اليونانية (إم في سونيون)، ما أجبر الطاقم على التخلي عن السفينة، ويُعد ذاك تهديداً وشيكاً بحدوث تسرب نفطي خطير وكارثة بيئية غير مسبوقة». داعياً الحوثيين إلى التوقف عن مهاجمة السفن التجارية.

آخر التطورات

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن إلى أنه لم يطرأ أي تحسن على الوضع العسكري منذ إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، حيث لوحظت أنشطة عسكرية مثيرة للقلق على خطوط الجبهات في مأرب وشبوة وتعز والضالع ولح، إلى جانب تصاعد الخطاب بين الأطراف المتنازعة.

وأوضح أنه سيستمر في العمل «بعزيمة لا تلين» وعلى وجه التحديد، قال إن مكتبه سيعمل على مساعدة الأطراف اليمنية في تنفيذ التفاهم الذي تم التوصل إليه في 23 يوليو (تموز) الماضي بشأن خفض التصعيد في القطاع المصرفي وشركة طيران الخطوط الجوية اليمنية، من خلال استمرار التواصل مع الممثلين المعنيين.

الحوثيون وزعوا مشاهد لتفجير سطح ناقلة النفط اليونانية «سونيون» في البحر الأحمر (رويترز)

وقال غروندبرغ إن الاتفاق المشار إليه ساهم في تفادي أزمة حادة، ومع ذلك، حذر من أن الوضع الحالي غير مستقر، وأن الأوضاع الاقتصادية لأغلبية اليمنيين تستمر في التدهور.

وأفاد بأن مكتبه يستعد لإجراء مزيد من المشاورات مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لتعزيز رؤية لعملية سلام شاملة في اليمن، وقال إن هذه المشاورات ضمت حتى الآن مئات اليمنيين.

وبمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي يصادف 21 سبتمبر (أيلول) من كل عام، شدد المبعوث على المسؤولية المشتركة في إعطاء الأولوية للسلام وتعزيز الاستقرار في اليمن، وقال: «هذه ليست مجرد مناسبة رمزية؛ بل هي دعوة للعمل. فالشعب اليمني يستحق السلام الذي طالما انتظره».

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه أكد أنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة فرصة للهرب من استحقاق السلام في اليمن (إ.ب.أ)

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر العام الماضي إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي أحدث تصريحات رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، حمّل الحوثيين مسؤولية تعطيل مسار السلام، وتطرق إلى المبادرات التي قدمها «المجلس»، وقال: «لم نجد المشترك معهم للتقدم على هذه الطريق؛ إذ ليس لديهم سوى الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».