أثار إعلان الحكومة المصرية عن دراسة إمكانية تطبيق منظومة «الدعم النقدي» اعتباراً من العام المالي المقبل، التكهنات بشأن آليات وخطط الحكومة لتحويل الدعم المقدم لمواطنيها من العيني إلى النقدي، وكيفية حساب الفئات الأولى بالرعاية، بينما يُترقب مناقشة «الحوار الوطني» للقضية.
وتطبق الحكومة المصرية منظومة لتوزيع سلع ضرورية، بينها الخبز والزيت والسكر، بأسعار منخفضة منذ عقود طويلة، من خلال «بطاقات تموينية». لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لتلك المنظومة على الموازنة العامة، فضلاً عن التشكك في حقيقة وصول الدعم إلى مستحقيه.
ويستفيد نحو 63 مليون مواطن من منظومة الدعم التمويني بمصر، حسب بيانات مجلس الوزراء المصري.
ووفق تصريحات لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الخميس، فإنه قد يبدأ التحول من دعم السلع الأولية الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات الأولى بالرعاية مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو (تموز) 2025، شرط حدوث «توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في جلسات الحوار الوطني».
ومع طرح الحكومة المصرية القضية للنقاش طالب عدد من الخبراء والبرلمانيين بمجموعة من الضوابط لضمان وصول الدعم لمستحقيه ونجاح المنظومة الجديدة حال تطبيقها، تتضمن «توافر قاعدة بيانات دقيقة، وربط قيمة الدعم بمعدل التضخم».
وفي السادس من أغسطس (آب) الماضي، ناقش «الحوار الوطني» في اجتماعات نوعية مصغرة «جدولة مناقشات قضية الدعم، والمحاور الرئيسية والفرعية الخاصة بالمناقشات»، تمهيداً لبدء جلسات حوار مجتمعي بشأنها.
وأقر الحوار الوطني خلال الاجتماعات «إجراء المناقشات على مرحلتين»، تضم المرحلة الأولى «جلسات عامة بحضور متخصصين وخبراء، وممثلين لأحزاب وقوى سياسية ونقابية وأهلية يمثلون اتجاهات مختلفة»، فيما تضم المرحلة الثانية «جلسات مغلقة بحضور متخصصين وخبراء، للخروج بالقرار المناسب مع مصلحة المواطن المصري»، حسب إفادة من الحوار الوطني.
وربط عضو مجلس أمناء الحوار الوطني المصري، طلعت عبد القوي، بدء مناقشات قضية الدعم «بتوفير الحكومة بيانات كاملة حول منظومة الدعم العيني من مختلف الجهات المعنية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المنسق العام للحوار الوطني طلب توفير تلك البيانات من وزارات مثل التموين والمالية والتضامن، للإلمام بجوانبها كافة قبل بدء مناقشاتها، من أجل التوصل إلى القرار الذي يتناسب مع مصلحة المواطن المصري».
وقدر رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري (البرلمان)، فخري الفقي، قيمة الدعم النقدي المقترح «200 جنية للفرد شهرياً (نحو 4 دولارات)»، وقال في تصريحات إعلامية (الأحد) إن «الأسرة المكونة من 4 أفراد سوف تحصل شهرياً على 800 جنيهاً، حال التحول للدعم النقدي»، مشيراً إلى «مناقشة الملف وتأثيره على رفع معدل التضخم في الحوار الوطني».
وقال وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري (البرلمان)، ياسر عمر، إن «الحكومة انتهت من إعداد قاعدة بيانات للمستحقين في الدعم»، مشيراً إلى أن «الجهات الحكومية بدأت منذ عام 2016 في مراجعة قواعد بيانات منظومة الدعم، والمستحقين له»، وقال إن «الحكومة تتجه لتطبيق التحول للدعم النقدي اعتباراً من موازنة العام المالي 2025/2026، بعد اكتمال بيانات المستحقين للدعم».
وحول آليات حساب قيمة الدعم النقدي، قال عمر لـ«الشرق الأوسط»: «القيمة سيتم تقديرها وفقاً لنصيب الفرد من الدعم المخصص للسلع التموينية ودعم الكهرباء والمواد البترولية»، عاداً التحول للدعم النقدي «ضرورياً، وخطوة تأخرت كثيراً، بسبب حجم فواقد الدعم العيني وعدم وصوله كاملاً للمستحقين».
وأضاف نسبة الفقد في الدعم العيني «تقارب نصف المخصصات السنوية للدعم في الموازنة»، واستشهد على ذلك «بحجم الفاقد في السلع المدعمة لدى التجار مثل رغيف العيش»، وقال إن «هذا الملف سيكون مطروحاً للنقاش على أجندة البرلمان في دور الانعقاد البرلماني القادم المقرر انطلاقه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».
ورأى مقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أيمن محسب، في التحول للدعم النقدي فوائد اقتصادية وللمواطن، وقال إن «التحول للمنظومة النقدية يمثل أهمية كبيرة لتقليل الأعباء على الموازنة العامة للدولة، ولضمان وصول الدعم لمستحقيه»، واعتبر الدعم النقدي «يساهم في الحفاظ على توفر السلع الأساسية للأسر الأكثر احتياجاً، ويضمن صرف مبالغ نقدية شهرية للمستحقين، بما يمكنهم من سد الفجوة في أسعار السلع المرتفعة».
وطالب محسب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بضرورة «توعية المواطن بأهمية التحول لمنظومة الدعم النقدي وفوائده»، وشدد على ضرورة «قاعدة بيانات دقيقة للمستحقين للدعم النقدي قبل التطبيق»، مشيراً إلى أن «الدولة تنفق أموالاً طائلة لدعم الطاقة والكهرباء والمواد البترولية والسلع التموينية والغذائية».
وفي أغسطس الماضي، قال وزير التموين المصري إن الحكومة المصرية «تنتظر ردود الفعل من الحوار الوطني بشأن التحول لمنظومة الدعم النقدي»، وقال إن «هناك أفكاراً مطروحة على الحكومة والمشاركين في الحوار، منها التحول لدعم نقدي كامل أو نقدي مشروط، لكن لم يتم اتخاذ قرار بشأنها حالياً».
ودعا مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، عبد المنعم السيد، إلى دراسة تجارب الدول التي طبقت منظومة الدعم النقدي، وقال إن «معظم الدول التي شهدت إصلاحات اقتصادية هيكلية طبقت الدعم النقدي، مثل تركيا والبرازيل والهند».
وعدد مزايا منظومة الدعم النقدي، ومنها أنها تتضمن «رفع وصاية الدولة على المواطن، ومنحه الحق في اختيار السلع الخاصة باحتياجاته»، إضافة إلى «مواجهة الفساد في تطبيق منظومة الدعم العيني، وأهمها وجود سعرين مختلفين للسلعة الواحدة».
وطالب السيد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بضرورة توافر مجموعة من الضوابط لإنجاح التحول للدعم النقدي تتضمن «تحديد فئة المستحقين للدعم، ومن سيحصل عليه هل الأسرة أم كل فرد على حدة؟ وتحديد قيمة الدعم، وهل سيتم ربط القيمة النقدية بمعدل التضخم؟»، مشيراً إلى ضرورة «تشكيل لجنة لمراجعة قيمة الدعم بشكل دوري، حسب أسعار السلع الاستراتيجية في الأسواق».