مخاوف يمنية من التبعات الإنسانية جراء التصعيد الحوثي الإسرائيلي

إدانات شعبية ورسمية وهلع من اشتداد التنكيل بالسكان

حرائق خزانات الوقود في ميناء الحديدة دفعت السكان للسهر على أضوائها حتى الصباح (غيتي)
حرائق خزانات الوقود في ميناء الحديدة دفعت السكان للسهر على أضوائها حتى الصباح (غيتي)
TT

مخاوف يمنية من التبعات الإنسانية جراء التصعيد الحوثي الإسرائيلي

حرائق خزانات الوقود في ميناء الحديدة دفعت السكان للسهر على أضوائها حتى الصباح (غيتي)
حرائق خزانات الوقود في ميناء الحديدة دفعت السكان للسهر على أضوائها حتى الصباح (غيتي)

قضى عبد الرحمن مشهور وعدد من أصدقائه ليلة السبت على كورنيش مدينة الحديدة اليمنية (غرب) يتسامرون حتى وقت متأخر، ورغم مضايقات مسلحي الجماعة الحوثية، فإنهم أمضوا ليلتهم على أضواء حرائق خزانات النفط في الميناء الذي قصفته إسرائيل.

بالنسبة لمشهور ورفاقه، فهم غالباً ما يقضون ليالي الصيف على الكورنيش مثل المئات من أهالي الحديدة للاستمتاع بلطافة الجو التي توفرها الرياح الخفيفة المقبلة من البحر، والهروب من قسوة الحر في المنازل، خصوصاً مع الارتفاع الكبير لأسعار الكهرباء التي يحصلون عليها من محطات خاصة، أو المحطات العمومية التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية.

لم تكن المرة الأولى التي تتعرض الحديدة فيها للقصف لكن كان الهدف أشد حساسية (أ.ف.ب)

يقول مشهور، وهو موظف عمومي، لـ«الشرق الأوسط» إن مزيجاً من الغضب والقلق والتوتر ساد بين أهالي الحديدة عقب معرفة مصدر القصف، فليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المدينة لمثل هذه الضربات، لكن مصدرها هذه المرة إسرائيل التي يكن لها اليمنيون العداء ومشاعر الكراهية، نتيجة جرائمها ضد الفلسطينيين، وبوصفها خصماً تاريخياً للعرب.

في المقابل، كانت مشاعر أخرى من اللامبالاة في أوساط السكان، إذ تعودوا على القصف، وأصبحوا يتوقعون حدوثه عقب كل إعلان للجماعة الحوثية عن عملياتها في البحر الأحمر أو إرسال الطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، إلا أنه ولأول مرة يشاهدون آثاراً للقصف بمثل هذا الحجم والأثر.

وإلى جانب كل ذلك، كانت هناك حالة من القلق المعيشي الذي سببه الدمار وطبيعة القصف، عندما شاهد السكان مخازن الوقود تحترق، ودفعهم ذلك إلى التفكير بالمآلات التي يمكن أن يؤدي إليها انعدام الوقود ودمار ميناء الحديدة، وهو ما دفع الآلاف منهم إلى التسابق لشراء الوقود والسلع الأساسية وتخزينها تحسباً لأي أزمات مقبلة.

وأعرب سائقو سيارات الأجرة عن مخاوفهم من حدوث أزمة في الوقود كما يحدث غالباً عقب أي تطورات عسكرية، إلى جانب الأزمات التي تخلقها الجماعة الحوثية باستمرار، وذكر سكان في العاصمة المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنهم واجهوا صعوبة في التنقل ليلة السبت ونهار الأحد بفعل المخاوف من حدوث أزمة وقود. وعدّ سائقو الحافلات هذه التطورات تهديداً مباشراً لمصدر دخلهم الرئيسي.

طوابير سيارات أمام محطات الوقود في صنعاء بعد الضربة الإسرائيلية بالحديدة بساعات (فيسبوك)

وازدحمت محطات تعبئة الوقود بالسيارات بعد أقل من ساعة من القصف، وتسبب الزحام بإغلاق عدد من الشوارع، وبينما كانت الجماعة الحوثية تحاول طمأنة السكان بعدم تأثر مخزونها النفطي بالقصف الإسرائيلي؛ اضطرت عشرات المحطات إلى الإغلاق.

وتراجعت حركة المرور، نهار الأحد، بشكل ملحوظ فسره مراقبون بمحاولة ملاك السيارات ادخار الوقود لأجل المهام الضرورية، في حين عانى الكثير من الحصول على سيارات أجرة، واشتكوا من لجوء سائقي سيارات التاكسي إلى المبالغة في طلب أجرة المشاوير.

خدمة إسرائيلية للحوثي

يختلف التعاطي مع الحدث في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية الشرعية نوعاً ما، فموقف المجتمع لم يتغير من الجماعة الحوثية التي يرى السكان أنها تتخذ معاناة الفلسطينيين تحت العدوان والحصار الإسرائيليين مبرراً لممارساتها، وسبباً لمغامراتها التي تضيف مزيداً من المعاناة لليمنيين.

وكانت الحكومة اليمنية حذرت إسرائيل وإيران من تحويل اليمن إلى ساحة لحروبهما «العبثية»، وحملت إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات جراء الغارات الجوية، مثل تعميق الأزمة الإنسانية التي فاقمتها جماعة الحوثي بهجماتها الإرهابية على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية، واتهمتها بالمساهمة في تقوية موقف الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، وادعاءاتها المضللة.

الجماعة الحوثية حشدت أنصارها في مدينة الحديدة للتنديد بالهجمات الإسرائيلية (إعلام حوثي)

ووصف عيبان السامعي القيادي الاشتراكي في محافظة تعز (جنوب غرب) الضربات الإسرائيلية على محافظة الحديدة بالاعتداء السافر والإجرامي، والإمعان في انتهاك السيادة الوطنية، نافياً أن تؤدي هذه الضربات ومن قبلها الضربات الأميركية البريطانية إلى إضعاف الحوثيين أو زعزعة قدراتهم العسكرية.

ونوه السامعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن هذه الضربات تعزز موقف الحوثيين داخلياً وخارجياً، وتقدّمهم في صورة أبطال في المخيال الشعبي اليمني والعربي، إلى جانب أثرها على السكان البسطاء، بدليل أن جلّ ضحاياها من المدنيين، واستهدافها منشآت حيوية مدنية لتضاعف معاناة اليمنيين، وتفاقم من سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

وذهب صلاح أحمد غالب المحامي والناشط الحقوقي في مدينة تعز، إلى أن ما جرى هو إحدى نتائج المشروع التدميري الإيراني في المنطقة باستثمار الحوثي في القضية الفلسطينية، وهو المعروف لدى اليمنيين بالأداة الطائفية لنظام الخميني التي دمرت البلد بالانقلاب والحرب والمشروع الطائفي منذ التمرد قبل عشرين عاماً، وحالياً باستدعاء التدخلات الأجنبية.

وأضاف غالب لـ«الشرق الأوسط»: «الميليشيا الحوثية استدعت تحالفاً دولياً لعسكرة البحر الأحمر، واستدعت مؤخراً إسرائيل للضرب في ميناء الحديدة، وهي الدولة المارقة التي تبحث عن مبررات لحروبها وجرائمها».

مخاوف من التنكيل

يبدي ناشطون وكتّاب في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية مخاوفهم من أن تكون الهجمات الإسرائيلية سبباً جديداً للممارسات الحوثية ضدهم، خصوصاً في ظل الاستنفار الحوثي المتواصل منذ أشهر، ومزاعم الجماعة المتكررة عن ضبط خلايا تجسسية مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن خلايا أخرى مزعومة تقدم خدمات لوجيستية على الأرض لتحالف «حارس الازدهار» الذي تقوده واشنطن.

وتحدث عدد من الكتّاب والناشطين في صنعاء ومدن أخرى لـ«الشرق الأوسط» عمَّا لاحظوه من نشوة وزهو ناشطي وأتباع الجماعة الحوثية منذ لحظة الإعلان عن الهجوم المميت في قلب العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، وهجومهم على كل من انتقد الهجوم أو شكك به، وخلال يوم ونصف اليوم فقط تحول الموقف إلى التلويح بمعاقبة من يصفونهم بعملاء إسرائيل في الداخل.

أسرة يمنية فقيرة في مدينة الحديدة التي تعاني أزمات معيشية عميقة (أرشيفية - رويترز)

وتوقع أحد الكتّاب أن تبدأ الجماعة الحوثية عمليات اختطافات وتنكيل جديدة ضد أفراد من مختلف الفئات والمهن والتخصصات، معرباً عن قلقه من أن يجري تقديم ضحايا جدد من أهالي مدينة الحديدة بوصفهم متهمين بالتخابر مع إسرائيل وتسهيل هجماتها، وهو ما دأبت عليه الجماعة خلال السنوات الماضية، وآخرها الخلية المزعومة في الحديدة قبل شهرين.

وكشف أحد الناشطين الحقوقيين في صنعاء عن أنه بادر بإرسال عائلته إلى مدينة تعز بعيداً عن نفوذ الجماعة الحوثية تخوفاً من أي إجراءات قد تُتخذ ضده، رغم أن العائلة لم تكن قد قضت لديه أكثر من أسبوع فقط منذ عودتها إلى المنزل، بعد أن اضطرت إلى السفر للمخاوف نفسها منذ ما يقارب الشهرين.

وأظهر عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة الحوثية سعادته بالهجوم الإسرائيلي لأنه حوّل المواجهة بين الطرفين إلى معركة المباشرة، بعد أن اقتصرت سابقاً على مواجهة جماعته بالعملاء.

ويرى المتابعون للشأن اليمني أن موقف الجماعة الحوثي ينذر بالتصعيد، وهو ما يهدد بإغراق اليمن في مزيد من الحروب والأزمات والكوارث.


مقالات ذات صلة

اتفاق يمني على التهدئة يمهّد لمفاوضات اقتصادية

المشرق العربي المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

اتفاق يمني على التهدئة يمهّد لمفاوضات اقتصادية

اتفقت الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية على تدابير للتهدئة وخفض التصعيد الاقتصادي بينهما تمهيداً لمحادثات اقتصادية شاملة بين الطرفين، حسب بيان لمكتب المبعوث.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي رغم اهتراء العملة في مناطق سيطرة الحوثيين فإنهم رفضوا تداول العملة الشرعية الصادرة من عدن (إ.ب.أ)

خفض تصعيد بين الحكومة اليمنية والحوثيين يمهد لمحادثات اقتصادية شاملة

اتفقت الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية على تدابير لخفض التصعيد الاقتصادي بينهما، فيما يتعلق بالمصارف والخطوط الجوية اليمنية، تمهيداً لمحادثات اقتصادية شاملة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون في صنعاء خلال حشد دعا له زعيمهم (رويترز)

الحوثيون يفرضون الموافقة المسبقة على أسماء موظفي المنظمات الدولية

فرض الحوثيون موافقتهم المسبقة للالتحاق بالعمل لدى المنظمات الإنسانية الدولية والوكالات الأممية في مناطق سيطرتهم، وهو ما يعني مزيداً من القيود على العمل الإغاثي.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي حزم من الأوراق النقدية التي أصدرتها الحكومة اليمنية في مقر البنك المركزي اليمني في عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية: خفض التصعيد مع الحوثيين لتخفيف المعاناة الإنسانية

أكدت الحكومة اليمنية أن اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي مع الحوثيين جاء لتخفيف المعاناة الإنسانية الصعبة وأشادت بالجهدين السعودي والإماراتي لإبرام الاتفاق.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي حزم من الأوراق النقدية اليمنية الجديدة والقديمة في أحد البنوك بعدن (غيتي)

اتفاق على خفض تصعيد اقتصادي بين الحكومة اليمنية والحوثيين

اتفقت الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية على تدابير لخفض التصعيد الاقتصادي بينهما فيما يتعلق بالمصارف والخطوط الجوية، وفق ما أفاد به بيان لمكتب المبعوث الأممي.

علي ربيع (عدن)

الإفراج عن عشرات المحبوسين بمصر عشية استئناف «الحوار الوطني»

الأهل والأصحاب يستقبلون ناشطاً مصرياً فور إطلاق سراحه قبل أشهر (أرشيفية)
الأهل والأصحاب يستقبلون ناشطاً مصرياً فور إطلاق سراحه قبل أشهر (أرشيفية)
TT

الإفراج عن عشرات المحبوسين بمصر عشية استئناف «الحوار الوطني»

الأهل والأصحاب يستقبلون ناشطاً مصرياً فور إطلاق سراحه قبل أشهر (أرشيفية)
الأهل والأصحاب يستقبلون ناشطاً مصرياً فور إطلاق سراحه قبل أشهر (أرشيفية)

عشية استئناف جلسات «الحوار الوطني» بمصر، أخلتْ السلطات المصرية، الاثنين، سبيل 79 متهماً محبوسين على ذمة قضايا، في خطوة قُوبلت بـ«ترحيب» قوى سياسية وحزبية.

ونشر محامون وحقوقيون قائمة بأسماء المفرج عنهم، فيما عدَّ بيان لمجلس أمناء «الحوار الوطني» الإفراج عن الـ79 «استجابة» لمناشدات سابقة وخطوة من شأنها «توفير أجواء إيجابية لنجاح الحوار».

ويناقش «الحوار الوطني»، الذي انطلق مطلع مايو (أيار) 2023 بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في جلسة مخصصة، يعقدها الثلاثاء، ملف «الحبس الاحتياطي»، كونه على رأس قضايا الحريات وحقوق الإنسان.

وعدَّ بيان لـ«مجلس الأمناء» أن الإفراج عن 79 من المحبوسين، عشية الجلسة، يؤكد «اهتمام الرئيس السيسي بهذا الملف»، مثمناً «حرصه على معالجة إشكاليات الحبس الاحتياطي، وإحالة هذا الملف للقائمين على الحوار الوطني».

وعدّت «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين» قرار إخلاء سبيل 79 متهماً «انفراجة في ذلك الملف»، مطالبة في بيان بـ«تعديل قانون الإجراءات الجنائية للعمل على حل إشكالية الحبس الاحتياطي بما يضمن أن يبقى مجرد إجراء احترازي، ولا يتحول إلى عقوبة طبقاً لما نص عليه الدستور المصري».

ويطالب حقوقيون وسياسيون مصريون بتحديد سقف زمني للحبس الاحتياطي، وإيجاد بدائل له، في ضوء اتهامات بـ«تجاوز سجناء المدة القانونية للحبس».

وقال البرلماني حازم الجندي، عضو مجلس «الشيوخ»، وعضو الهيئة العليا لحزب «الوفد»، إن الإفراج عن بعض المحبوسين «يعطي مزيداً من الأمل والتفاؤل بخروج دفعات متتالية من المحبوسين وإعادة النظر في العديد من الحالات التي توجد بالسجون على ذمة قضايا».

وتتضمن محاور جلسة «الحوار الوطني»، «تقليص مدة الحبس الاحتياطي، وبدائله، وموقف الحبس الاحتياطي حال تعدّد الجرائم، والتعويض عن الحبس الخاطئ، وتدابير منع السفر».

وتعهّد مجلس الأمناء، في بيان سابق، بأن تكون جلسات مناقشة ملف الحبس الاحتياطي «متنوعة ومتخصّصة»، مع إرسال التوصيات إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي مصحوبة بـ«قائمة تتضمن عدداً من المحبوسين» للإفراج عنهم.

وفي مارس (آذار) الماضي، ناقش مجلس النواب المصري مشروع قانون بتعديلات تشريعية لتقليص مدد «الحبس الاحتياطي»، تضمّنت التعديلات المقترحة وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، وتنظيم حالات التعويض عنه؛ تحقيقاً للغاية من كونه «تدبيراً احترازياً»، وليس «عقوبة»، وتقليص مدة الحبس الاحتياطي، لتصبح في قضايا الجنح 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي الجنايات 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً في القانون الحالي، وأيضاً 18 شهراً بدلاً من عامين، إذا كانت العقوبة المقرّرة للجريمة السجن المؤبّد أو الإعدام.

في المقابل، قال موقع «المنصة» الإعلامي، الاثنين، على صفحته بـ«فيسبوك»، إن «السلطات الأمنية أوقفت رسام الكاريكاتير بالموقع الصحافي أشرف عمر»، وهو ما أدانته لجنة الحريات بنقابة الصحافيين المصرية، مطالبة «بالكشف عن ملابسات القبض عليه والإفراج الفوري عنه».