غارات إسرائيلية تحرق مستودعات وقود في الحديدة... واستنفار حوثي

قالت إنها رد على مقتل شخص وإصابة آخرين بمسيّرة استهدفت تل أبيب

دخان كثيف شاهده السكان من منطقة بعيدة عن موقع الهجوم الإسرائيلي على الحديدة السبت (أ.ف.ب)
دخان كثيف شاهده السكان من منطقة بعيدة عن موقع الهجوم الإسرائيلي على الحديدة السبت (أ.ف.ب)
TT

غارات إسرائيلية تحرق مستودعات وقود في الحديدة... واستنفار حوثي

دخان كثيف شاهده السكان من منطقة بعيدة عن موقع الهجوم الإسرائيلي على الحديدة السبت (أ.ف.ب)
دخان كثيف شاهده السكان من منطقة بعيدة عن موقع الهجوم الإسرائيلي على الحديدة السبت (أ.ف.ب)

شنت إسرائيل سلسلة غارات استهدفت مواقع من بينها مستودعات الوقود في ميناء الحديدة اليمني الخاضع للحوثيين، يوم السبت، مما تسبب في قتلى وجرحى بحسب وسائل إعلام تابعة للجماعة المدعومة من إيران.

وذكرت قناة «المسيرة» أن ثلاثة أشخاص قُتلوا و87 أصيبوا في الضربات الجوية الإسرائيلية.

يأتي ذلك غداة مقتل شخص وإصابة آخرين في تل أبيب إثر هجوم بطائرة مسيّرة تبنته الجماعة التي تزعم أنها تساند الفلسطينيين في غزة.

وتبنت الجماعة الحوثية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي العديد من الهجمات ضد إسرائيل، دون أي تأثير يذكر، كما تبنت مهاجمة أكثر من 170 سفينة في البحرين الأحمر والعربي، وادعت مهاجمة سفن في موانئ إسرائيلية منفردة ومشتركة مع فصائل عراقية موالية لإيران.

لهب ودخان كثيف يتصاعد من موقع قصف إسرائيلي لموقع قرب ميناء الحديدة يوم السبت (أ.ف.ب)

وفي حين أكد الجيش الإسرائيلي أن الغارات التي استهدفت منشآت تخزين الوقود في ميناء الحديدة، أدت الضربات إلى إشعال حريق ضخم وتحدثت وسائل إعلام الجماعة الحوثية عن سقوط قتلى وجرحى لم تحدد عددهم على الفور.

ووفق ما أفاد به سكان في الحديدة لـ«الشرق الأوسط» استنفر الحوثيون في أرجاء المدينة كافة، فيما التزم أغلب السكان منازلهم مع القصف الذي وصف بأنه الأعنف منذ بدء الضربات الأميركية والبريطانية على مواقع الحوثيين في المدينة.

وقال وكيل محافظة الحديدة في الحكومة الشرعية، وليد القديمي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحوثيين وضعوا السكان عرضة للاستهدافات الأميركية والبريطانية المتكررة وأخيراً الإسرائيلية».

وأضاف القديمي أن هدف الحوثيين «تحقيق أطماع إيران في المنطقة والسيطرة على الممر التجاري بالبحر الأحمر». مشيراً إلى نزوح السكان من منازلهم في الحديدة إلى خارج المدينة وإلى المحافظات المجاورة.

ويرى ماجد المذحجي رئيس مركز صنعاء للدراسات أن هذه المرحلة أكثر تقدماً في الاشتباك الدولي مع الحوثيين تدخل بها إسرائيل في المعادلة بطريقة صريحة، مرجحاً أن يأخذ المشهد منحى آخر في الاشتباك بين الجانبين.

ويعتقد رئيس مركز صنعاء للدراسات أن تبني الجماعة الهجوم بطائرة مسيّرة ضد إسرائيل تحول كبير في معادلة المواجهة التي تجمع المجتمع الدولي مع الحوثيين، وقال: «هذا الهجوم هو محطة أخرى في حرب اليمن ومحطة كبيرة ويمكن وصفه بالتحول الكبير (....) الضربات الأولى للحوثيين تجاه إسرائيل أدت إلى التدخل الأميركي والبريطاني وبالتأكيد ذلك يترافق مع الهجمات على البحر الأحمر ولكن في الجانب الآخر هذا يحرك عادة البعد الحمائي الدولي لإسرائيل وينقل مستوى التدخل إلى مستويات أعلى».

تأكيد إسرائيلي

أكد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن طائرات الجيش شنت غارات ضربت أهدافاً «لنظام الحوثي الإرهابي» في ميناء الحديدة في اليمن. وأوضح في تغريدة على «إكس» أن الغارات جاءت رداً على «مئات الهجمات ضد دولة إسرائيل طوال الأشهر الأخيرة».

وقال إن مهاجمة ميناء الحديدة سببها أنه معبر نقل الأسلحة والذخيرة من إيران إلى الحوثيين، بينما ذكر وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت في بيان أن «دماء المواطنين الإسرائيليين لها ثمن».

يمنيون يشاهدون النيران من منطقة بعيدة عن موقع الاستهداف في الحديدة السبت (أ.ف.ب)

وفي أول تعليق للجماعة الحوثية، وصف المتحدث باسمها محمد عبد السلام، في تغريدة على منصة «إكس» الغارات بأنها «عدوان غاشم استهدف منشآت مدنية وخزانات النفط ومحطة الكهرباء في الحديدة بهدف مضاعفة معاناة الناس» والضغط على الجماعة للتوقف عن مساندة غزة وفق ادعائه. متوعداً بالاستمرار في تنفيذ المزيد من الهجمات.

وبحسب إفادات السكان تركز القصف على شمال الحديدة حيث يوجد الميناء، ومستودعات الوقود، إضافة إلى محطة لتعبئة الغاز، كما استهدفت الضربات مبنى قيادة الشرطة العسكرية الخاضع للحوثيين في المدينة.

وقال الإعلام الموالي للحوثيين إن الغارات أدت إلى انفجارات ضخمة، في منشآت تخزين الوقود والغاز وتصاعد الدخان بشكل كثيف، حيث شوهد من مسافات بعيدة، زاعماً أن الضربات نفذت بطائرات من طراز «إف 35». ونقلت قناة «المسيرة» الحوثية عن مصادر طبية أن عدداً من الأشخاص قتلوا وأصيبوا.

خوف وأزمة وقود

ذكر سكان في الحديدة وفي صنعاء وعدد من المناطق الخاضعة للحوثيين لـ«الشرق الأوسط» أن محطات تعبئة الوقود أغلقت أبوابها عقب الغارات مباشرة وأن طوابير طويلة من السيارات تشكلت عند محطات شركة النفط وسط مخاوف من أزمة خانقة في وقود السيارات وارتفاع أسعارها.

ويتعمد الحوثيون - بحسب السكان - افتعال مثل هذه الأزمات لبيع الوقود بأضعاف سعره، كما أنهم يغلقون المحطات الرسمية ويديرون أسواق سوداء للبيع، كذلك يخشى السكان من أزمة خانقة في غاز الطهي بعد الأنباء التي وردت عن استهداف محطة تعبئة الأسطوانات خلال الغارات الإسرائيلية.

وأفادت مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بأن السكان في الحديدة يعيشون حالة من الذعر مع عودة تحليق المقاتلات في سماء المدينة، وأنهم يخشون تجدد الضربات.

وعجز الحوثيون - وفق المصادر - عن السيطرة على حريق مخازن الوقود الذي شكل سحابة داكنة في أجواء المدينة، وأكدت سقوط ضحايا في هذه الضربات لكن الإجراءات المشددة التي فرضها الحوثيون على المواقع المستهدفة وفي محيط المستشفيات حالت دون معرفة العدد الدقيق للقتلى والجرحى.

ويقول المسؤولون في الحكومة اليمنية إن الجماعة الحوثية وجدت منذ أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فرصة لتبييض جرائمها ضد اليمنيين ومحاولة التحول إلى لاعب إقليمي تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين، مع الهروب من استحقاقات السلام واستغلال التطورات لتجنيد مئات الآلاف بذريعة الاستعداد لمحاربة إسرائيل فيما أعين قادة الجماعة مصوبة على بقية المناطق اليمنية المحررة.

أول هجوم ناجح

مع سقوط أول قتيل إسرائيلي في هجمات الحوثيين، الجمعة، كان المسؤولون الإسرائيليون، صرحوا بأنهم «يعملون على تعزيز فوري لمجمل منظومات الدفاع، وسيقومون بمحاسبة أي أحد يستهدف دولة إسرائيل أو يرسل إرهاباً ضدها».

وتدعي الجماعة أنها تشن منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي؛ لمنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغضّ النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية، كما تزعم أنها تقوم بهجمات في البحر المتوسط وموانئ إسرائيلية بالاشتراك مع فصائل عراقية مسلحة.

جانب من الدخان الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي على مواقع في الحديدة السبت (أ.ف.ب)

ولم تؤكد أي تقارير غربية أو إسرائيلية الهجمات السابقة المزعومة، باستثناء هجوم الجمعة، حيث بدا الأمر مختلفاً مع إفاقة السكان في تل أبيب على دوي انفجار المسيّرة التي يرجح الجيش الإسرائيلي أنها مطورة من طائرة «صماد 3» ذات المكونات الإيرانية.

وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع في بيان متلفز، إن جماعته استهدفت أحد الأهداف المهمة في منطقة يافا المحتلة (تل أبيب) بواسطة طائرة مسيّرة جديدة اسمها «يافا»، زاعماً أنها قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية وأنها حققت أهدافها بنجاح.

وهدد المتحدث الحوثي بأن تل أبيب ستكون منطقة غير آمنة وستكون هدفاً أساسياً في مرمى جماعته التي ستركز على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، مدعياً وجود بنك أهداف عسكرية وأمنية حساسة.

وتبنت الجماعة الحوثية في الأسابيع الماضية، منفردة ومشتركة مع فصائل عراقية مدعومة من إيران هجمات سابقة ضد سفن في ميناء حيفا وأخرى في البحر المتوسط، دون أن يكون لها أي أثر، وذلك ضمن ما تسميه الجماعة المرحلة الرابعة من التصعيد.

ويشكك مراقبون يمنيون في قدرة الجماعة الحوثية على تنفيذ هجمات مؤثرة في إسرائيل، ولا يستبعدون أن يكون الهجوم الأخير تم تنفيذه من مناطق أخرى غير يمنية، بتخطيط إيراني، فيما قامت الجماعة بتبنيه لدرء خطر الرد الإسرائيلي على طهران.

تصعيد مستمر

تبنى زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في خطبته الأسبوعية، الخميس، مهاجمة 170 سفينة في البحر الأحمر وخليج عدن منذ بدء التصعيد في نوفمبر الماضي، كما أقر بتلقي أكثر من 570 غارة منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، معترفاً بسقوط 57 قتيلاً و87 جريحاً، من جراء الضربات التي تشنها واشنطن ومعها بريطانيا في أربع مناسبات لتحجيم قدرات الجماعة.

مشهد آخر للدخان المتصاعد من موقع استهدفته إسرائيل في الحديدة يوم السبت (أ.ف.ب)

وأصابت الهجمات الحوثية، حتى الآن، نحو 30 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان؛ إذ أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

وتسبّب تصعيد الحوثيين في إصابة مساعي السلام اليمني، التي يقودها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بالجمود؛ إذ تسود المخاوف من انهيار التهدئة الهشّة المستمرة منذ عامين، وعودة القتال على نطاق أوسع.

وتقول الحكومة اليمنية إن الحل ليس في الضربات الغربية الدفاعية ضد الحوثيين، وإن الوسيلة الأنجع هي دعم قواتها المسلحة لاستعادة الحديدة وموانئها وكل مؤسسات الدولة المختطفة وإنهاء الانقلاب المدعوم إيرانياً.

ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من انفجار في ناقلة نفط بعد هجوم في البحر الأحمر باليمن (إ.ب.أ)

وفي أحدث تصريحات لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (الخميس) دعا الجماعة الحوثية إلى «تحكيم العقل والتعاطي الإيجابي مع المساعي الحميدة لإحلال السلام، (...) والتوقف عن المتاجرة المكشوفة بأوجاع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة».

وبالعودة إلى ماجد المذحجي، يقول رئيس مركز صنعاء للدراسات: «الآن مع بدء أولى الضربات الحوثية هناك؛ ظلت الوتيرة ذات طابع دفاعي في البحر الأحمر وفي مواجهة الحوثيين، والنقلة الحقيقية حين سقط هذا القتيل في تل أبيب. هذا يغير القواعد وينقل مستوى الخطر الى أعلى وهو الدفعة الإضافية التي تنتظرها المؤسسات العسكرية في البلدان المتداخلة في اليمن لتدفع بالسياسيين لاتخاذ قرار على ضربات أكثر تأثيراً على الحوثيين».

ومن ثم، يعتقد المذحجي أنها مرحلة «أكثر تقدماً من اشتباك المجتمع الدولي مع الحوثيين، تدخل فيها إسرائيل بطريقة صريحة»، مضيفاً: «أعتقد أن المشهد يأخذ منحى مختلفاً تماماً في الاشتباك بين المجتمع الدولي والحوثيين».


مقالات ذات صلة

السعودية تؤكد عدم علاقتها باستهداف الحديدة

الخليج العميد الركن تركي المالكي المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية (الشرق الأوسط)

السعودية تؤكد عدم علاقتها باستهداف الحديدة

أكدت السعودية أن ليس لها أي علاقة أو مشاركة باستهداف مدينة الحديدة اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي ألسنة النيران تشتعل في الحديدة بعد الغارات الإسرائيلية (أ.ف.ب)

الحكومة اليمنية تحذر إسرائيل وإيران من تحويل اليمن إلى ساحة لحروبهما «العبثية»

أدان مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية بأشد العبارات الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة، وعده انتهاكاً لسيادة الأراضي اليمنية، ومخالفة للقوانين والأعراف الدولية.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي أحد موظفي الأمم المتحدة قرب سيارة تابعة للمنظمة الدولية في صنعاء خلال زيارة سابقة للمبعوث غروندبرغ (إ.ب.أ)

مطالبة يمنية بتعليق النشاط الأممي في مناطق سيطرة الحوثيين

ترى الحكومة اليمنية أن إيقاف النشاط الأممي في مناطق سيطرة الحوثيين هو الخطوة المطلوبة للرد على الاعتقالات التي طالت موظفي الوكالات الأممية والمنظمات الأخرى.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)

جبايات انقلابية في صنعاء تفاقم معاناة اليمنيين

اشتكى التجار وملاك المحال التجارية والباعة المتجولون في صنعاء ومدن يمنية أخرى، خلال الأيام الماضية، من عودة أتباع الجماعة الحوثية لفرض جبايات جديدة عليهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من انفجار في ناقلة نفط بعد هجوم في البحر الأحمر باليمن (إ.ب.أ)

هجوم مزدوج على سفينة قبالة المخا اليمنية... والأضرار طفيفة

أعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (السبت)، أنها تلقت بلاغاً عن هجومين على سفينة على بعد 64 ميلاً بحرياً شمال غربي المخا باليمن.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

جبايات انقلابية في صنعاء تفاقم معاناة اليمنيين

متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)
متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)
TT

جبايات انقلابية في صنعاء تفاقم معاناة اليمنيين

متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)
متسوقون في سوبر ماركت في صنعاء قبل أيام قليلة من عيد الأضحى الماضي (أ.ب)

اضطر مجيب ناصر إلى بيع عربته التي قام بتصميمها قبل سنوات عدة لاستخدامها في بيع البطاطس المسلوقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، وأخذ يفكر منذ شهرين في نشاط تجاري لا تطاله الجبايات أو تمنعه الإتاوات من الاستقرار، ويخشى أنه لن يصل إلى نتيجة.

يقول ناصر لـ«الشرق الأوسط» إنه لجأ أكثر من مرة إلى تغيير مواقع عمله؛ هرباً من المشرفين الحوثيين الذين ينتزعون يومياً وأسبوعياً وشهرياً مبالغ كبيرة من دخله، لكنه فوجئ أخيراً بتراكم المبالغ والغرامات التي قُيِّدت عليه؛ نتيجة تنقلاته قبل سداد الجبايات المفروضة عليه، واكتشف أن لدى سلطات الجماعة وسائل رقابة وسجلات منظمة للجبايات.

باعة متجولون في صنعاء يعرضون «الكدم» وهو أحد أنواع الخبز الشهيرة في اليمن (رويترز)

كان ناصر معلماً، اضطره توقف رواتب المعلمين إلى بيع البطاطس المسلوقة، وهي مهنة يزاولها آلاف اليمنيين؛ نظراً لإقبال السكان على تناول هذه الوجبة زهيدة الثمن طوال اليوم، ورغم أنها أصبحت مزدحمة بآلاف العاطلين المقبلين عليها، فإن ذلك الزحام لم يسبب تراجعاً في مداخليهم، كما فعلت الجبايات والإتاوات إلى درجة دفعتهم إلى التخلي عنها.

واشتكى التجار وملاك المحال التجارية والباعة المتجولون في صنعاء ومدن أخرى، خلال الأيام الماضية، من عودة أتباع الجماعة الحوثية لفرض جبايات جديدة عليهم، بعد شبه توقف منذ عيد الأضحى الماضي، الذي يعدّ أحد أهم مواسم الجبايات طوال العام، في الوقت نفسه الذي أقرّت فيه الجماعة زيادة رسوم قطاعات خدمية عمومية.

وأكد عدد من ملاك المحال التجارية أن المسلحين الحوثيين المكلفين جمع الجبايات منهم، يحملون خلال زياراتهم أجهزة كومبيوتر محمولة أو لوحية مُحمّلة بأنظمة وسجلات إلكترونية تتضمن البيانات المالية لمختلف المستهدفين بالجبايات، بمَن فيهم الباعة المتجولون.

وتبعاً لذلك، فإن لدى الجماعة الحوثية القدرة على فرض غرامات على كل مَن ينقل محل نشاطه التجاري أو يفتتح نشاطاً آخر دون أن يبلغها مسبقاً، ويعمل على تصفية ما عليه من مبالغ تم فرضها كجبايات دورية، أسبوعية أو شهرية أو فصلية أو سنوية.

تأجير المساحات العامة

منذ مارس (آذار) الماضي بدأت الجماعة الحوثية تحصيل آلاف الدولارات من الباعة المتجولين وأصحاب البسطات في سوق شرق العاصمة صنعاء بالقوة، نظير إيجار للمساحات التي يشغلونها لممارسة أنشطتهم التجارية.

وكشفت وثيقة أن القيادي في الجماعة نجيب شرف الدين، الذي عينته وكيلاً لأمانة العاصمة لشؤون الاستثمار، كلف أحد أتباعها ويدعى محمد الجبر، مهام مسؤول سوق الزهراوي في حي الصافية؛ لتحصيل الجبايات من الباعة وأصحاب البسطات.

اتفاق بين قيادات حوثية على تحصيل الجبايات من الباعة المتجولين في إحدى أسواق صنعاء (إكس)

وبموجب الاتفاق بين شرف الدين والجبر، يلتزم الثاني بتوريد ما يزيد على 4700 دولار شهرياً (2.5 مليون ريال يمني) إلى خزينة المدينة التي يسيطر عليها الأول، بعد أن يعمل على استقطاع مستحقاته والفريق العامل معه. وأشرف على الاتفاق القيادي الحوثي حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة صنعاء.

ووفقاً لمصادر مطلعة؛ فإن هذا المبلغ يزيد على المبلغ الذي كان يتم تحصيله سابقاً بأكثر من الضعفين، إذ كان يتم توريد نحو 1500 دولار شهرياً فقط (800 ألف ريال)، قبل مارس (آذار) الماضي.

وفي سياق آخر، ذكرت مصادر في جامعة صنعاء أن إدارة الجامعة المعينة من الجماعة الحوثية رفعت رسوم السكن الطلابي إلى أكثر من 500 في المائة بالتزامن مع بدء العام الجامعي الجديد، ووصل المبلغ المفروض على كل غرفة إلى نحو 57 دولاراً (30 ألف ريال يمني) بعد أن كان أقل من 10 دولارات (5 آلاف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 530 ريالاً.

وكان السكن الطلابي في جامعة صنعاء، قبل هذه الزيادة، خدمة شبه مجانية للطلاب القادمين من الأرياف والمناطق النائية، ويتم تحصيل رسوم رمزية مقابل خدمات النظافة وتوفير المتطلبات الضرورية.

الجبايات الحوثية المفروضة على الباعة والتجار والمحلات تضاعف الأسعار (رويترز)

وأثارت هذه الزيادة استياءً بين طلاب الجامعة والأوساط الأكاديمية، حيث يُنظر لها بوصفها جزءاً من مخطط تحويل الجامعات اليمنية والمؤسسات التعليمية إلى مصادر للإيرادات والجبايات على حساب الخدمات العلمية والتعليمية التي تواجه الإهمال والتدهور، بحسب المصادر.

وتوقّعت المصادر أن يضطر عشرات الطلاب إلى مغادرة السكن الجامعي نظراً لعدم مقدرتهم على دفع تلك المبالغ، خصوصاً مع زيادة كبيرة في رسوم مختلف الخدمات التعليمية والكتب والمستلزمات الدراسية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء الأسعار الذي يشمل مختلف نواحي الحياة.

ابتزاز باسم المستهلكين

يواجه ملاك المخابز في صنعاء خطر الإفلاس بعد فرض جبايات جديدة عليهم، مع إجبارهم على بيع الخبز بالتسعيرة السابقة نفسها ودون تغيير في أحجام أو أوزان الأرغفة.

وأفادت مصادر تجارية بأن الجماعة الحوثية كلفت، عبر قطاع التجارة الذي تسيطر عليه، فرقاً للنزول الميداني اليومي للرقابة على أوزان وأحجام الأرغفة وأسعارها، وتحصيل غرامات فورية على أي مالك مخبز يتم اتهامه بارتكاب مخالفة، حيث تحدث مشادات واشتباكات شبه يومية بين ملاك المخابز وأفراد فرق الجبايات الحوثية.

عامل في مخبز في صنعاء حيث يواجه ملاك المخابز حملات جباية حوثية تهددهم بالإفلاس (أ.ف.ب)

ويعاني ملّاك المخابز مما يسمونه «الابتزاز» الذي يمارسه أتباع الجماعة المكلفين جمع الجبايات، والرقابة على الأوزان والأسعار، تحت مبرر حماية المستهلك من الاستغلال بمنع رفع سعر الخبز، إذ يتم إجبارهم على البيع بالتسعيرة المُقرَّة، بينما تتسبب الجبايات والغرامات في إلحاق الخسائر بهم، دون مراعاة لحقوقهم في تحقيق الأرباح.

وفرضت الجماعة الحوثية، العام الماضي، تسعيرة جديدة للخبز أقل من التسعيرة السابقة، تحت مبرر انخفاض أسعار القمح، إلا أنها وفي موازاة ذلك زادت من فرض الجبايات على ملاك المخابز تحت مسميات متعددة، ومن بينها جبايات لدعم المقاتلين في الجبهات ودعم الاحتفالات بالمناسبات الخاصة بالجماعة، بالإضافة إلى المساهمة في تمويل نظافة الشوارع، وصيانة الطرقات.