صنعاء تتحول سجناً كبيراً للعاملين في المجال الإنساني

حملات اعتقال وتحريض ومراقبة

الحوثيون يُخيرون العاملين في المنظمات الإغاثية بين الاعتراف بالتخابر والبقاء في السجن (إعلام محلي)
الحوثيون يُخيرون العاملين في المنظمات الإغاثية بين الاعتراف بالتخابر والبقاء في السجن (إعلام محلي)
TT

صنعاء تتحول سجناً كبيراً للعاملين في المجال الإنساني

الحوثيون يُخيرون العاملين في المنظمات الإغاثية بين الاعتراف بالتخابر والبقاء في السجن (إعلام محلي)
الحوثيون يُخيرون العاملين في المنظمات الإغاثية بين الاعتراف بالتخابر والبقاء في السجن (إعلام محلي)

«لا أعرف متى تنتهي هذه الموجة وأتمكن من مغادرة صنعاء بسلام». هكذا لخَّص عمر، وهو أحد العاملين في المنظمات الإنسانية، حالته وأغلب زملائه في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، مع تأكيد منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن عدد المعتقلين خلال حملة الاعتقالات الأخيرة بلغ 50 شخصاً يعملون في منظمات أممية ودولية ومحلية.

ويقول عمر لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع لا يطاق، وحملات التحريض التي أعقبت الاعتقالات التي طالت زملاءنا في المساجد وفي وسائل الإعلام وفي الأوساط الشعبية حوَّلت حياتنا إلى جحيم، وكل واحد منَّا وأسرته أصبح متهماً إلى أن يثبت العكس، مع انتظاره المداهمة والاعتقال في أي وقت».

تحريض حوثي وتخوين للعاملين في المنظمات الإنسانية الأممية والدولية (أ.ف.ب)

ويشير إلى أن الحوثيين يريدون تحويل السكان إلى مخبرين مهمتهم الإبلاغ عن العاملين لدى المنظمات الإغاثية أو البعثات الدبلوماسية.

أجواء القمع والاعتقالات ليست جديدة على مناطق سيطرة الحوثيين، لكنَّ الموجة الأخيرة، حسبما تقول نور، العاملة في المجال الإنساني، تعد أوسع حملة اعتقالات عرفتها البلاد منذ بداية الحرب عقب اقتحام الحوثيين صنعاء. وتضيف أنه في ظل انقطاع المرتبات وتحكم الحوثيين خلال السنوات السابقة في توزيع المساعدات، كان العاملون في المنظمات الإنسانية هدفاً لتهديد ما يسمى المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية وهو تشكيل استخباري استحدثه الحوثيون لمراقبة المنظمات والتحكم في المساعدات.

وتجزم نور بأنها وزميلاتها وبعد تقييد تحركاتهن أصبحن عاجزات عن مراقبة ومتابعة توزيع وإيصال المساعدات، وتؤكد أن قرار برنامج الأغذية العالمي وقف توزيع المساعدات في مناطق سيطرة الحوثيين أفقد الأخيرين توازنهم حيث وجَّهوا سهام مخابراتهم نحو العاملين المحليين في الجانب الإنساني وأبسط التهم التي توجَّه ويحاكَم عليها كثير من الأشخاص في تلك المناطق هي التجسس لمصلحة الخارج.

إخفاء وتحريض

يذكر اثنان من الناشطين في المجال الحقوقي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن أسر المعتقلين فشلت في الحصول على أبسط معلومة عن أماكن اعتقالهم وأوضاعهم الصحية. وأفادا بأن أحد الأشخاص قد أُخذ رهينة إلى حين تعافي زوجته من عارض صحي وتسليمها إلى سجن المخابرات الحوثي بسبب عملها في الجانب الإنساني.

وأكد المصدران أن اتحاد منتجي الأدوية فشل أيضاً في تأمين إطلاق سراح ثمانية من مديري أكبر شركتين لإنتاج الأدوية بسبب رفض الحارس القضائي الحوثي ذلك وإصراره على محاكمتهم بتهمة إخفاء أسماء أربعة من المساهمين يُتهمون بأنهم من مؤيدي الحكومة اليمنية والتحالف الداعم لها، حيث تريد الجماعة الانقلابية الاستيلاء على أرباحهم في الشركتين.

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

ونبَّه المصدران إلى تحريض الحوثيين العامة على الإبلاغ عمّا يعدونها «تحركات مشبوهة»، حيث خصصوا لذلك رقماً هاتفياً لدى ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات، وطلبوا من مسؤولي الأحياء والمساجد مسؤولية مراقبة السكان وعلاقاتهم. وحذّرا من أن ذلك سوف يفتح الباب للانتقام الشخصي والمكيدة ومن ثم وقوع كثير من الأبرياء ضحايا لمثل هذه البلاغات الكاذبة، التي تستند الاتهامات فيها إلى مدى تأييد السكان لنهج الجماعة وحضور فعالياتهم الطائفية كافة وإلا فإنهم يصنَّفون في خانة الأعداء والجواسيس.

من جهتها، ذكرت مسؤولة ملف اليمن في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، نكو جعفرينا، أن عدد المعتقلين لدى جماعة الحوثي من الموظفين الأمميين وموظفي المنظمات غير الحكومية بلغ 50 حتى الآن خلال الحملة الأخيرة.

ووسط عاصفة من الإدانات الدولية والمحلية لحملة الاعتقالات وبث اعترافات انتُزعت من بعض المعتقلين الذين أمضوا ثلاثة أعوام في السجن، خرج محمد علي الحوثي، عضو مجلس حكم الجماعة وابن عم زعيمها عبد الملك الحوثي، بمقترح نظر إليه الكثيرون على أنه محاولة فاشلة للتغطية على حملة الاعتقالات.

وزعم القيادي الحوثي أنه وجَّه مسؤولي المخابرات في مناطق سيطرتهم بمنح فرصة لكل من يأتي معترفاً بالتخابر، متعهداً بعدم الاستمرار في الأنشطة الاستخباراتية وبحضور النيابة فإن عاد لممارسة التجسس فبموجب ما التزم به تتم معاقبته وفقاً لذلك.


مقالات ذات صلة

مصادر: الناقلة «لافانت» ربما غرقت قبالة سواحل اليمن

العالم العربي مروحية عسكرية تابعة للحوثيين تُحلّق فوق سفينة شحن في البحر الأحمر (أرشيفية - رويترز)

مصادر: الناقلة «لافانت» ربما غرقت قبالة سواحل اليمن

كشفت 3 مصادر بحرية وأمنية أن ناقلة انجرفت قبالة ساحل يمني وغادرها طاقمها اختفت ويُعتقد أنها غرقت، لتصبح أحدث سفينة مفقودة في البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (أ.ف.ب)

اتهامات يمنية لـ«الحرس» الإيراني بإدارة التشكيلات العسكرية والأمنية الحوثية

ذكرت مصادر وثيقة الاطلاع في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء أن ممثلي «الحرس الثوري» الإيراني استكملوا إحكام قبضتهم على جميع التشكيلات المخابراتية والعسكرية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر شركة «يمن موبايل» في صنعاء (إعلام محلي)

مخاوف يمنية من تدمير الانقلابيين كبرى شركات الاتصالات

مع رفع كبرى شركات الاتصالات الخاضعة للحوثيين أسعار خدماتها تدور شكوك يمنية حول نية الجماعة تدمير الشركة المختلطة تمهيداً لتملكها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي مقاتلات أميركية تحلّق فوق البحر الأحمر (أ.ف.ب)

الجيش الأميركي يدمر راداراً حوثياً ضمن ضرباته الدفاعية

غداة مزاعم الجماعة الحوثية تنفيذ أربع هجمات بحرية ضد السفن أفاد الجيش الأميركي بتدمير موقع رادار في سياق الضربات الدفاعية التي تقودها واشنطن لحماية الملاحة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي من المتوقع أن تتوقف التحويلات المالية إلى مناطق سيطرة الحوثيين حتى الرضوخ لقرارات البنك المركزي اليمني (رويترز)

تحذيرات أممية من أزمة سيولة عميقة في مناطق سيطرة الحوثيين

حذر برنامج أممي حديث من انخفاض احتياطي النقد الأجنبي مع أزمة في السيولة بمناطق سيطرة الحوثيين إذا ما استمرت المواجهة الاقتصادية مع الحكومة المعترف بها دولياً.

محمد ناصر (تعز)

مخاوف يمنية من تدمير الانقلابيين كبرى شركات الاتصالات

مقر شركة «يمن موبايل» في صنعاء (إعلام محلي)
مقر شركة «يمن موبايل» في صنعاء (إعلام محلي)
TT

مخاوف يمنية من تدمير الانقلابيين كبرى شركات الاتصالات

مقر شركة «يمن موبايل» في صنعاء (إعلام محلي)
مقر شركة «يمن موبايل» في صنعاء (إعلام محلي)

تشهد وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن دعوات واسعة لمقاطعة أكبر شركات الهاتف المحمول، وسط اتهامات لها بنهب أموال المستخدمين وتضليلهم، مع رداءة الخدمات التي تقدمها، في حين شككت مصادر في قطاع الاتصالات في صنعاء في هذه الحملة، ورأت أنها تأتي ضمن مخطط حوثي لتدمير الشركة المختلطة.

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الدعوة التي يشارك فيها ناشطون حوثيون لمقاطعة شركة «يمن موبايل» التي تسيطر عليها الجماعة وتستنزف مواردها، تثير الشكوك في وجود مخطط خفي لاستغلال هذه المقاطعة لاستكمال السيطرة على الشركة وخصخصتها وتحويل ملكيتها لصالح قيادات عليا في الجماعة.

وتوضح المصادر أن شركة «يمن موبايل» شركة رسمية بمساهمة وطنية واسعة، وليست شركة خاصة أو مملوكة للدولة بشكل كامل، وأنه مع سيطرة الجماعة الحوثية على مؤسسات الدولة طوال السنوات الماضية، ظلت تبحث عن مبررات لتصفية القطاعات المختلطة ذات المساهمة الوطنية والشعبية تحت مبررات مختلفة.

وتعزز المصادر شكوكها بالإشارة إلى أن رفع أسعار خدمات الاتصالات والإنترنت لم يقتصر على شركة «يمن موبايل» وحدها، بل شمل ثلاث شركات اتصالات خاصة أخرى، كانت الجماعة الحوثية قد سيطرت واستولت عليها بوسائل متعددة.

وتتساءل المصادر حول عدم شمول المقاطعة بقية الشركات، إن لم يكن هناك مخطط حوثي مرتبط بشركة «يمن موبايل» التي لا يزال جزء كبير من أسهمها مملوكاً للقطاع الخاص.

اجتماع في مايو الماضي بين قيادات حوثية لتسهيل استيراد معدات اتصالات (إعلام حوثي)

وفرضت الجماعة الحوثية على جميع شركات الاتصالات الخاصة في مناطق سيطرتها رفع أسعار الخدمات بالتوازي مع رفع أسعار خدمات «يمن موبايل» التي يزيد عدد مستخدميها على 12 مليون مشترك، وتحقق إيرادات تزيد على 470 مليون دولار سنوياً (249 مليار ريال يمني، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار يساوي 530 ريالاً)، وذلك وفقاً لآخر التقارير المالية للشركة.

تضييق الخيارات

في حين يتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية معلومات حول استغناء 30 ألف مشترك يمني عن خدمات شركة «يمن موبايل»، يورد آخرون أرقاماً أقل بكثير، إلا أنه لا يمكن التحقق من هذه المعلومات، خصوصاً وأن الدعوة إلى المقاطعة بدأت منذ أيام قليلة، غير أن مصادر في قطاع الاتصالات أكدت تراجع مبيعات الشركة خلال الأيام الماضية.

ووفقاً للمصادر، لا يمكن معرفة إن كان سبب هذا التراجع هو الأسعار الجديدة التي قد تجبر الكثير من المستخدمين على ترشيد استهلاكهم، ولو بشكل مؤقت، أم هو فعلاً بتأثير دعوات المقاطعة.

أواخر مارس الماضي زعم الحوثيون توزيع أعلى نسبة أرباح لشركة «يمن موبايل» (إعلام حوثي)

ويرى الباحث الاقتصادي اليمني عبد الحميد المساجدي أن حملة مقاطعة شركة «يمن موبايل» هي تعبير شعبي واضح عن الارتفاع الكبير في خدمات الاتصالات والإنترنت المقدمة من شركات الاتصالات، وجميعها خاضعة لسيطرة الحوثيين، بفعل تزايد الجبايات والإتاوات وسرقة الباقات والأرصدة، وتقليص المساحات وسوء تغطية الشبكات، إلى جانب تحول هذه الشركات أداةً للتجسس وتعقب المواطنين وملاحقتهم.

ويضيف المساجدي لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين يستغلون عدم وجود بديل في مجال الاتصالات في مناطق سيطرتهم بعد استيلائهم على وزارة الاتصالات والشركات الحكومية والخاصة العاملة في تقديم خدمات الهاتف النقال، والتي تحولت وسيلةً للحشد والتعبئة والابتزاز وجمع التبرعات والأموال.

وبدلاً من أن تكون الاتصالات خدمة للمواطنين تحولت أداةَ حربٍ وجبايات، وفقاً للمساجدي، فمن الطبيعي إذن أن تكون خدماتها سيئة وأسعارها مرتفعة، وتذهب أغلب إيرادات الشركات الحكومية إلى جيوب قيادات الحوثي، وتمويل الأنشطة الطائفية والقتالية، في حين تمت السيطرة على الشركات الخاصة بشكل غير مباشر.

ويتهم الجماعة الحوثية بالتركيز والاهتمام بالجباية وجمع الأموال، ولا خيار أمام المواطنين إلا دفع الأسعار التي تحددها مقابل أسوأ خدمات اتصالات وإنترنت في العالم.

دعوات للتصعيد

لم تقتصر الزيادة السعرية لخدمات الاتصالات والإنترنت في اليمن على شركة «يمن موبايل»، فبالمثل رفعت شركتا «سبأفون» و«يو» أسعار الباقات والخدمات المقدمة للمشتركين بنسبة 40 في المائة كما جاء في إعلانات لهما على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان القيادي الحوثي صالح الشاعر استولى على شركة «سبأفون» تحت مسمى «الحارس القضائي»، بحجة ملكيتها لشخصيات وجهات مناهضة للانقلاب الحوثي، في حين ظهرت «YOU» مسمى بديلاً لشركة «MTN» التي اشتراها رجال أعمال حوثيون ومستثمرون عمانيون.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لأشخاص يعملون على نزع شرائح الاتصال الخاصة بشركة «يمن موبايل» من هواتفهم وإتلافها، في حين ألَّف آخرون أغاني وقاموا بتلحينها وغنائها وبثها، وتبادل رواد هذه المواقع عبارات وقصصاً تتهكم بالشركة وتتهمها بسرقة أموالهم وأرصدتهم.

ومن ضمن العبارات التهكمية التي تداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي حول تعمد الشركة سلب أموالهم أنها إذا لم تجد لدى المشترك رصيداً لنهبه، يمكن أن تسلبه وجباته اليومية أو وقود سيارته من خلال الهاتف، في إشارة إلى اختفاء أرصدتهم من دون استخدامهم لها.