حالات «الكوليرا» في اليمن تتضاعف وتتجاوز 63 ألف مصاب

مساعٍ إغاثية دولية لتقديم الرعاية في 8 محافظات

فريق طبي يتابع حالة طفل يمني في مركز لعلاج الكوليرا (أطباء بلا حدود)
فريق طبي يتابع حالة طفل يمني في مركز لعلاج الكوليرا (أطباء بلا حدود)
TT

حالات «الكوليرا» في اليمن تتضاعف وتتجاوز 63 ألف مصاب

فريق طبي يتابع حالة طفل يمني في مركز لعلاج الكوليرا (أطباء بلا حدود)
فريق طبي يتابع حالة طفل يمني في مركز لعلاج الكوليرا (أطباء بلا حدود)

قفزت أرقام الإصابات المسجلة بالكوليرا في اليمن إلى أكثر من 63 ألف شخص وبنسبة زيادة تجاوزت 200 في المائة من الحالات التي سجلت في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، وفق بيانات حديثة منسوبة إلى السلطات الصحية اليمنية، وسط تحذيرات من أن هذا الارتفاع يشكّل خطراً على حياة الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية.

وبحسب المصادر الرسمية، فإن 20 محافظة من أصل 22 محافظة يمنية تشهد ارتفاعاً كبيراً في حالات الإسهال المائي الحاد، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 63 ألف حالة حتى 31 مايو (أيار) الماضي مقارنة بنحو 20 ألف حالة في نهاية الشهر الذي قبله، في ظل محدودية القدرة على الفحص، حيث تبيّن أن أكثر من 2700 حالة من الحالات التي تم فحصها مخبرياً هي إصابات مؤكدة بالكوليرا.

مركز علاج الكوليرا في مدينة عدن يعمل بكامل طاقته الاستيعابية (أطباء بلا حدود)

وذكرت منظمة «أطباء بلا حدود» أنها أطلقت استجابة عاجلة في ثماني محافظات يمنية لتقدم العلاج الطبي للمرضى، وتدريب الطواقم الطبية وغير الطبية، وتتبرع بالإمدادات اللازمة لعلاج الحالات، كما وتنفذ أنشطة التوعية الصحية.

وقالت المنظمة إن الإسهال المائي الحاد مرض متكرر في اليمن، إلا أن مثل هذا الارتفاع في الحالات يشكّل خطراً على حياة الأشخاص الذين لديهم إمكانية محدودة للحصول على الرعاية الصحية.

جهود للاحتواء

في محافظة حجة اليمنية (شمال غرب) افتتحت منظمة «أطباء بلا حدود» مركزاً لعلاج الإسهال بسعة استيعابية قدرها 60 سريراً في مدرسة تبعد خمس دقائق عن مستشفى عبس العام الذي تدعمه المنظمة، وتذكر قائدة الفريق الطبي إيفانجيلينا لوكسمان، أن المركز هو المكان الوحيد الذي يوفّر العلاج لمرضى الإسهال المائي الحاد في هذه المنطقة الكبيرة.

وبيّنت المسؤولة في المنظمة أنّ «الإسهال المائي الحاد قابل للعلاج، إلّا أنّه يشكل خطراً على المرضى الذين يعانون أمراضاً مصاحبة والنساء الحوامل اللاتي يواجهن خطراً متزايداً لوفاة أجنتهنّ». وقالت إنه وعلاوة على ذلك، فقد بدأ موسم الأمطار في الكثير من المناطق التي يقدم فيها الدعم، وهذا الأمر سيؤدي إلى تفاقم انتشار المرض الذي ينتقل عن طريق المياه الملوثة.

وبالنظر إلى نقص التمويل المخصص للاستجابة لانتشار المرض، نبّهت «أطباء بلا حدود» إلى أن الكثير من المنظمات الدولية لديها موارد محدودة؛ ممّا يجعل الاستجابة غير كافية، ولهذا فإنها واحدة من المنظمات القليلة التي تقدّم العلاج للمرضى الذين يعانون حالات الإسهال المائي الحاد والكوليرا، والتي يمكن أن تقتل في غضون ساعات إذا تُركت دون علاج.

وتدير المنظمة بالتعاون مع السلطات الصحية في مدينة عدن (جنوب اليمن) المركز الوحيد لعلاج الكوليرا، بسعةٍ استيعابية قدرها 70 سريراً، والذي يقع داخل مستشفى الصداقة، وأكدت أنه يعمل بكامل طاقته، في حين يتزايد عدد المرضى بشكل مستمر.

طفل يمني يتلقى الرعاية في مركز لعلاج الكوليرا في المخا (أطباء بلا حدود)

وبحسب رئيسة بعثة منظمة «أطباء بلا حدود» في اليمن فيديريكا فرانكو، فإن هناك حاجة كبيرة إلى اتخاذ إجراءات إضافية لمواجهة الأعداد المتزايدة للمرضى، وأكدت على أهمية التدابير الوقائية مثل توفير المياه الصالحة للشرب، وخدمات الصرف الصحي وممارسات النظافة، وجهود توعية صحية واسعة النطاق «لمعالجة هذا الوضع بشكل فعال».

وأكدت رئيسة البعثة أنه في الكثير من المناطق، حيث تعمل، فاق عدد المرضى قدرتهم على استيعابهم؛ ولهذا تواجه المنظمة تحدياً يتمثل في العثور على الكوادر الطبية والطبية المساعدة واللوجيستية وتدريبها لمواصلة أنشطة علاج المرضى. وقالت إنه من دون أنشطة واسعة النطاق في مجال المياه والصرف الصحي في المحافظات الأكثر تضرراً، وفي غياب أنشطة التوعية المجتمعية بممارسات النظافة السليمة والكشف المبكر عن المرضى، من المتوقع أن يعود ارتفاع حالات الإسهال المائي الحاد بشكل متوالي خلال الأشهر المقبلة.

10 آلاف مريض

وفق بيانات منظمة «أطباء بلا حدود»، فإنها وخلال شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) عالجت أكثر من 10 آلاف مريض في مناطق مختلفة من اليمن إذ توجد في 13 محافظة وتقدّم الدعم الطبي للأشخاص الذين يعيشون ظروفاً محفوفة بالمخاطر مع محدودية فرص الحصول على الرعاية الصحية.

وفي محافظة تعز، تدير «أطباء بلا حدود» بالتعاون مع السلطات الصحية مركزَيْن لعلاج الإسهال؛ الأوّل في ضاحية الحوبان داخل مستشفى الأم والطفل التابع للمنظمة، والآخر في مدينة تعز داخل المستشفى الجمهوري الذي تدعمه المنظمة، كما افتتحت وحدة لعلاج الكوليرا في منطقة المفرق، وأنشأت مركزاً لعلاج الكوليرا في المخا داخل المستشفى الميداني التابع للمنظمة.

تسارُع مخيف في عدد الإصابات المسجلة بمرض الكوليرا في اليمن (الأمم المتحدة)

وفي أماكن أخرى من اليمن، تدير المنظمة مراكز لعلاج الإسهال المائي الحاد في مستشفى الوحدة بمحافظة ذمار وفي مركز خيري في الضحي بمحافظة الحديدة. ولتعزيز مواجهة الإسهالات المائية الحادة أنشأت المنظمة أيضاً نقاط الإرواء الفموي في كلتا المحافظتَيْن، أما في مدينة عبس التابعة لمحافظة حجة، فقد افتتحت وحدة لعلاج الإسهال داخل المستشفى العام، ثم نقلت الأنشطة إلى مركز علاج في مدرسة تبعد خمس دقائق عن المستشفى.

وفي مدينة القاعدة التابعة لمحافظة إب، افتتحت «أطباء بلا حدود» مركزاً لعلاج الإسهال داخل مستشفى القاعدة الذي تدعمه، كما تدير مركز علاج الكوليرا في مدينة عتق بمحافظة شبوة (وسط اليمن) بالتعاون مع السلطات الصحية، أما في محافظة مأرب (شرق صنعاء) فقد أنشأت المنظمة نقاط الإرواء الفموي في مركزين صحيين وتقدم لهما الدعم.


مقالات ذات صلة

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

العالم العربي سوق سوداء لبيع غاز الطهي في صنعاء (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

خصصت الجماعة الحوثية ملايين الريالات اليمنية لتوزيع أسطوانات الغاز على أتباعها دون غيرهم من السكان الذين يواجهون الصعوبات في توفير الحد الأدنى من القوت الضروري.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الإمارات ترحب بإعلان غروندبرغ الاقتصادي وتصف الاتفاق بالخطوة الإيجابية

الإمارات ترحب بإعلان غروندبرغ الاقتصادي وتصف الاتفاق بالخطوة الإيجابية

قالت الإمارات إنها ترحب ببيان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بشأن التوصل إلى اتفاق بين الأطراف اليمنية حول الخطوط الجوية والقطاع المصرفي.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
العالم العربي دخان يتصاعد من موقع الغارات الجوية الإسرائيلية بمدينة الحديدة الساحلية باليمن في هذه الصورة المنشورة 20 يوليو 2024 (رويترز)

الحوثيون: هجماتنا على إسرائيل ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية

قال عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين، الخميس، إن هجمات الجماعة على إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية في طريقها من صنعاء إلى عمان (أرشيفية - أ.ب)

اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي في اليمن يدخل مسار التنفيذ

دخل اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي بين الحكومة اليمنية والحوثيين حيّز التنفيذ مع عودة «السويفت» الدولي إلى البنوك المعاقبة، واستئناف الرحلات من صنعاء إلى عمان.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا بعد تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة (الأمم المتحدة)

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تكافح الحكومة اليمنية لمواجهة تفشي الكوليرا في مقابل تكتم حوثي على الإصابات التي تقدر الأمم المتحدة أنها بلغت 93 ألف حالة.

محمد ناصر (تعز)

يمنيون يتوقعون إفشال الحوثيين اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي

إلغاء تدابير البنك المركزي اليمني أثار انتقادات شديدة للحكومة اليمنية (إعلام حكومي)
إلغاء تدابير البنك المركزي اليمني أثار انتقادات شديدة للحكومة اليمنية (إعلام حكومي)
TT

يمنيون يتوقعون إفشال الحوثيين اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي

إلغاء تدابير البنك المركزي اليمني أثار انتقادات شديدة للحكومة اليمنية (إعلام حكومي)
إلغاء تدابير البنك المركزي اليمني أثار انتقادات شديدة للحكومة اليمنية (إعلام حكومي)

على الرغم من الغضب الذي ساد الشارع اليمني بسبب موافقة الحكومة اليمنية على اتفاق لخفض التصعيد الاقتصادي مع الحوثيين، الذي أعلنه، الثلاثاء مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبرغ، فإن مؤيدي الحكومة يراهنون على تعنّت الحوثيين وعدم التزامهم بتنفيذ هذا الاتفاق الذي رأوا فيه تراجعاً عن الإجراءات العقابية التي اتخذت ضد الجماعة التي كانت سبباً في الانقسام المالي وبدء الحرب الاقتصادية.

ولا يخفي اليمنيون في المقاهي والتجمعات الشعبية سخطهم من الموافقة الحكومية على الاتفاق، ويؤكدون أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في عدن كانت الأقوى والأكثر تأثيراً على الحوثيين بعد سنوات من الإجراءات التي اتخذتها الجماعة المسيطرة على صنعاء، وفي طليعتها مصادرة أموال المودعين والبنوك التجارية وفرض الانقسام المالي.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ حذر من خطر التصعيد الاقتصادي في اليمن (د.ب.أ)

ويؤكد عبد الحكيم سالم وهو موظف حكومي لـ«الشرق الأوسط» أن الخطوة التي كان اتخذها البنك المركزي في عدن أعادت ثقة الناس بالحكومة، وكانت الأكثر إيلاماً للحوثيين، وينتقد الموافقة على إلغائها دون الحصول على تنازل حقيقي من الحوثيين، ويرى أن أبسط المواضيع التي كان ينبغي مقايضتها مع الحوثيين هو قرار منع تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية.

أما أحمد عبد الله، وهو موظف في القطاع التجاري، فيشعر بخيبة أمل من الاتفاق، لأن البنك المركزي استطاع أن يهز الحوثيين الذين ظلوا يتخذون إجراءات تصعيدية من جانب واحد، ابتداء بمنع تداول العملة إلى منع المعاملات البنكية ومنع تصدير النفط وفرض جمارك إضافية على البضائع القادمة من موانئ الحكومة.

خطوط عريضة

يرى نادر محمد، وهو أحد الناشطين اليمنيين أن ما ورد في بيان المبعوث الأممي هو مجرد خطوط عريضة لاتفاق أولي سيحتاج بعده إلى مشاورات ونقاشات طويلة لتنفيذه، ووضع ضمانات فعلية للالتزام بكل بنوده إلى جانب أن الاتفاق يتطلب ترتيبات أمنية ودولية مع مصر والهند من أجل تسيير رحلات تجارية من صنعاء إلى هذين البلدين، مؤكداً أن هناك تجارب عديدة ثبت خلالها أن الحوثيين يمتلكون القدرة على إفشال أي اتفاق.

هذه الرؤية يشاركه فيها رضوان وهو معلم يعيش في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يقول إن الحديث عن اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها شركة الخطوط الجوية اليمنية تعني أن أزمة الطائرات المختطفة لم تحل وأن مشكلة تجميد أرصدة الشركة ما تزال قائمة.

الحوثيون سكوا عملة معدنية غير قانونية وهو ما فجر المواجهة مع الحكومة اليمنية (رويترز)

ويبدي رضوان شكوكاً كبيرة في جدية الحوثيين بمعالجة كل القضايا الاقتصادية، لأن الاشتراطات التي يعلنون عنها من قبل تعني أن التوصل إلى اتفاق سيكون بعيد المنال، لأنهم يريدون الحصول على امتيازات اقتصادية دون تقديم أي تنازلات.

ويتفق مسؤول يمني تحدث لـ«الشرق الأوسط» مع ما ذهب إليه المتحدثون، ويؤكد أنه منذ سريان التهدئة التي رعتها الأمم المتحدة لم ينفذ الحوثيون أي التزام رغم تنفيذ الحكومة كل التزاماتها.

ويقول المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه؛ لأنه غير مخول بالتصريحات الصحافية، إن المحادثات الاقتصادية هي المحك الفعلي، حيث اشترط مجلس القيادة الرئاسي الذهاب إلى محادثات اقتصادية تؤدي في النهاية إلى استئناف تصدير النفط الذي توقف بسبب استهداف الحوثيين موانئ تصديره، وكذلك الأمر فيما يتعلق بانقسام العملة، حيث بدأ الحوثيون الحرب الاقتصادية منذ 2019 من خلال منع تداول الطبعة الجديدة من العملة اليمنية في مناطق سيطرتهم.

مكسب للجميع

على خلاف ذلك، يرى المحامي اليمني والوسيط المحلي عبد الله شداد أن الاتفاق بين الحكومة الشرعية والحوثيين بشأن إعادة رحلات طيران الخطوط الجوية اليمنية من مطار صنعاء، وزيادة الرحلات وإلغاء جميع القرارات الصادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن وصنعاء واستمرار الحوار، سيزعج المنتفعين كثيراً، وقال إنه ‏تبقى الاتفاق على إعادة تصدير النفط والغاز وتوحيد العملة.

وبخلاف اللهجة التي تحدث بها رئيس فريق المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام، أكد عبد الملك العجري، عضو الفريق الحوثي المفاوض، أن اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي ضد البنوك مكسب لعموم الشعب اليمني في شماله وجنوبه شرقه وغربه وأن «الخاسر الحقيقي هو أميركا وإسرائيل»، وفق قوله.

وفي حين يرى قطاع عريض من اليمنيين أن التوصل إلى اتفاق اقتصادي سيكون مؤشراً فعلياً على الجدية في المضي على مسار السلام، يؤمّل القيادي الحوثي العجري أن يشكل الاتفاق الجديد حافزاً نحو البدء في خطوات تنفيذ الشق الإنساني والاقتصادي من خريطة الطريق - بحسب الاتفاق - وعلى رأسها المرتبات.

وبالاستناد إلى الاتفاقات التي أبرمت برعاية الأمم المتحدة منذ بداية الصراع في اليمن، فإن الحوثيين عادة ما يذهبون نحو عرقلة أي التزامات تخصهم، ولعل أبرز ذلك عرقلة اتفاق «استوكهولم» بشأن انسحاب كل القوات من مدينة وميناء الحديدة، واتفاق استئناف الرحلات التجارية من صنعاء وتخفيف القيود على السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة في مقابل فتح الطرقات بين المدن وإنهاء حصارهم لمدينة تعز ودفع رواتب الموظفين من إيرادات موانئ الحديدة.