الحكومة اليمنية توسّع إجراءات خنق الحوثيين اقتصادياً

توجيهات بنقل الاتصالات وإيرادات «طيران اليمنية» إلى عدن

من المتوقع أن تؤدي القرارات الحكومية اليمنية بتضييق الخناق على الجماعة الحوثية إلى حرمانها من تمويل أنشطتها العسكرية (رويترز)
من المتوقع أن تؤدي القرارات الحكومية اليمنية بتضييق الخناق على الجماعة الحوثية إلى حرمانها من تمويل أنشطتها العسكرية (رويترز)
TT

الحكومة اليمنية توسّع إجراءات خنق الحوثيين اقتصادياً

من المتوقع أن تؤدي القرارات الحكومية اليمنية بتضييق الخناق على الجماعة الحوثية إلى حرمانها من تمويل أنشطتها العسكرية (رويترز)
من المتوقع أن تؤدي القرارات الحكومية اليمنية بتضييق الخناق على الجماعة الحوثية إلى حرمانها من تمويل أنشطتها العسكرية (رويترز)

وسّعت الحكومة اليمنية من إجراءاتها لخنق الجماعة الحوثية اقتصادياً، بعد أن وجهت شركات الاتصالات بنقل مراكزها وإداراتها الرئيسية من العاصمة المختطفة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، وذلك بعد توجيه مشابه من وزارة النقل إلى وكالات السفر، إلى جانب قرارها بنقل حسابات «طيران اليمنية» إلى المحافظات المحررة أو إلى الخارج.

وتضاف هذه القرارات إلى قرارات البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن بوقف التعامل مع 6 بنوك امتنعت عن تنفيذ توجيهاته بنقل إداراتها إلى عدن، وتوجيهاته بسحب الأوراق النقدية للعملة القديمة الصادرة قبل عام 2016، إلى جانب حظر الحوالات الخارجية إلا عبر البنوك وشركات الصرافة المعتمدة من طرفه.

تفاؤل كبير بجدوى قرارات البنك المركزي اليمني في السيطرة على القطاع المصرفي (إعلام حكومي)

ووجهت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في الحكومة اليمنية شركات الاتصالات العاملة في البلاد بنقل مقراتها إدارياً وفنياً ومالياً إلى العاصمة المؤقتة عدن، واستكمال الإجراءات اللازمة لتصحيح أوضاعها، والالتزام بنقل مقراتها إلى عدن للحصول على التراخيص اللازمة.

وأعلن واعد باذيب القائم بأعمال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في الحكومة اليمنية أن ‏عملية تصحيح أوضاع شركات الهاتف الجوّال تعد قراراً وتوجهاً للحكومة المعترف بها دولياً، وهو واضح ومستحق، وتأكيداً على شرعية قرارات الحكومة.

وتستغل الجماعة الحوثية قطاع الاتصالات بوصفه أحد أكبر مصادر تمويلها من خلال سيطرتها على غالبية إيراداته، حتى في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وذلك لاستمرار سيطرتها على مشغلي هذا القطاع، فبحسب تقارير إحصائية رسمية، يسهم قطاع الاتصالات بنحو 7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

إيرادات وتجسس

كشف تقرير لشركة «يمن موبايل» الحكومية التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية عن العام المالي 2021، أن إجمالي الإيرادات القانونية عبر مصلحة الضرائب ومصلحة الواجبات الزكوية يزيد على 100 مليون دولار (أكثر من 52 مليار ريال يمني، والجماعة تفرض سعراً للدولار يساوي 530 ريالاً).

وكشفت منظمة «ريكورد فيوتشر»، المتخصصة في استخبارات التهديدات الإلكترونية، أن الجماعة تستخدم شبكة الإنترنت في اليمن لغربلة المعلومات وتسخيرها لصالحها، في المراقبة والتجسس على مستخدمي الشبكة العنكبوتية، وحجب كل ما هو ضدها.

ويذهب فهيم محمد، وهو اسم مستعار لخبير في تقنية المعلومات وموظف سابق في الأمم المتحدة في اليمن، إلى أن استعادة قطاع الاتصالات من قبضة الجماعة الحوثية، تمنعها من التجسس على اليمنيين، وتحرمها من خدمة أغراضها الأمنية والعسكرية، إلى جانب حرمانها من إيراداته الضخمة لتمويل عملياتها العسكرية.

سيطرة الحوثيين على قطاع الاتصالات مكنتهم من التجسس على اليمنيين والحصول على إيرادات ضخمة (إكس)

وذكر محمد لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة تمكنت خلال السنوات الماضية من إبرام عقود مع شركات دولية كبرى للتجسس على اليمنيين في مختلف القطاعات، خصوصاً الناشطين السياسيين والحقوقيين ومسؤولي الحكومة الشرعية، وحتى موظفي الأمم المتحدة، وتمكنت من الحصول على قاعدة معلومات خطيرة لتسهيل أعمالها وأنشطتها محلياً وإقليمياً.

وتتجاوز إيرادات المؤسسات العامة للاتصالات الخاضعة لسيطرة الجماعة 230 مليون دولار سنوياً، بينما حجبت الجماعة الحوثية التقارير المالية الخاصة بالمؤسسة، في ظل اتهامات لها بالتلاعب بالحسابات الرسمية من أجل توجيه الإيرادات بشكل غير قانوني لدعم قياداتها والهيئات التابعة لها.

وتعمل في اليمن 4 شركات للهاتف الجوّال، 3 منها كانت تتبع القطاع الخاص، إلى جانب شركة «يمن موبايل» الحكومية التي تضم غالبية المشتركين في خدمات الهاتف الجوّال في البلاد، الذين يزيد عددهم على 20 مليون مشترك.

الجدوى والفاعلية

شملت القرارات الحكومية الموجهة لتضييق الخناق على الجماعة الحوثية توجيه وزير النقل اليمني عبد السلام حميد خطاباً إلى رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية، بتحويل كل إيرادات الشركة إلى حساباتها البنكية في العاصمة المؤقتة عدن أو إلى حساباتها البنكية في الخارج، بداية من مطلع الشهر الحالي.

يؤكد محمد قحطان الأكاديمي وأستاذ الاقتصاد في جامعة تعز أن القرارات والإجراءات الحكومية الأخيرة ستكون مؤثرة جداً في حصار الجماعة الحوثية اقتصادياً وعسكرياً، كون تمويل الأنشطة العسكرية للجماعة يعتمد بدرجة أساسية على استمرار وضع يدها على الجهاز المصرفي والمؤسسات الإيرادية للدولة.

طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية في مطار الغيضة شرق البلاد (الشرق الأوسط)

وقال قحطان لـ«الشرق الأوسط» إن تعزيز تلك القرارات يحتاج إلى إجراءات أخرى تتمثل بنقل مراكز منظمات العمل الإنساني الدولية من صنعاء إلى عدن، واستقرار الحكومة بشكل دائم في العاصمة المؤقتة عدن، وإيقاف رواتب المسؤولين والموظفين المقيمين خارج البلاد، وترشيد النفقات غير الضرورية، وإصلاح مصافي نفط عدن، وإلغاء قرار المتاجرة بالوقود والعودة للعمل بما كان سارياً قبل الانقلاب والحرب.

كما دعا إلى اتخاذ كثير من الإجراءات الداخلية لتعزيز قراراتها بالسيادة على الموارد، والاستفادة من ذلك في تدعيم الاقتصاد المحلي، ومن ذلك مواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية، وإلزامها بتوريد المبالغ المالية التي تحصلها إلى البنك المركزي، والحد من النفقات الحكومية، والعمل بميزانية تقشفية.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي إلى أن الجماعة الحوثية لا يزال لديها خيار استخدام القوة لمنع تنفيذ القرارات الحكومية، وهو ما يستدعي تضافر جميع الجهات الحكومية والأطراف المحلية والإقليمية والدولية لدعم هذه القرارات وتمكينها من النفاذ.

عملة معدنية أصدرتها الجماعة الحوثية كانت أحد أسباب قرارات البنك المركزي اليمني بحصارها اقتصادياً (إعلام حكومي)

وينبه العوبلي لـ«الشرق الأوسط» إلى صعوبة سحب قطاع الاتصالات من قبضة الجماعة الحوثية لأمور عدة، منها سيطرة الجماعة على كبرى الشركات المحلية، وهي الشركة الحكومية «يمن موبايل»، وامتلاكها شركة أخرى من شركات الهاتف الجوّال، ما يمكن الجماعة من استمرار السيطرة على جزء كبير من هذا القطاع، إلا أنه يعود ليشير إلى حق الحكومة الشرعية في قطع خطوط الاتصالات من مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، ونقل بوابة الاتصالات والإنترنت اليمنية من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، ليكون تحت سيطرتها وإدارتها.


مقالات ذات صلة

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).