تقدم القوات الإسرائيلية في رفح يجبر بقية المحتمين بها على النزوح

يصف الأهالي عملية النزوح المستمرة بأنها حرب أخرى لا تقل جحيماً عن القصف والقتل والتدمير الإسرائيلي (وكالة أنباء العالم العربي)
يصف الأهالي عملية النزوح المستمرة بأنها حرب أخرى لا تقل جحيماً عن القصف والقتل والتدمير الإسرائيلي (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

تقدم القوات الإسرائيلية في رفح يجبر بقية المحتمين بها على النزوح

يصف الأهالي عملية النزوح المستمرة بأنها حرب أخرى لا تقل جحيماً عن القصف والقتل والتدمير الإسرائيلي (وكالة أنباء العالم العربي)
يصف الأهالي عملية النزوح المستمرة بأنها حرب أخرى لا تقل جحيماً عن القصف والقتل والتدمير الإسرائيلي (وكالة أنباء العالم العربي)

يستكمل فادي سلمان تفكيك الخيمة التي يقيم فيها مع عائلته منذ نزوحه في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في شمال غرب رفح بجنوب قطاع غزة، ليبدأ رحلة البحث عن مكان جديد يعيش فيه في رحلة نزوح أخرى إلى خان يونس المدمرة أو في مواصيها الساحلية.

يجمع الرجل مع عائلة عمه النازحة معه الأخشاب والأقمشة والحبال والقطع الصغيرة المكونة لملحقات الخيمة ويحملونها إلى شاحنة صغيرة تستعد لنقلهم إلى وجهتهم الجديدة، بينما تنشغل زوجته في وضع الملابس في أكياس بلاستيكية كبيرة وبعض الحقائب وترتيب الأمتعة استعدادا للنزوح للمرة الخامسة.

يسيطر الحزن والإرهاق على وجوه الجميع بينما يحملون مقتنياتهم ومستلزمات نزوحهم الجديد، بعد أن نجحوا بشق الأنفس في التأقلم مع المكان الذي سيغادرونه ولا يعرفون كيف ستكون أحوالهم في المنطقة الجديدة التي سيلجأون إليها.

يسارعون الخطى في جمع ونقل مستلزماتهم بعدما قرروا عدم المبيت ليلة إضافية في رفح بعدما نجوا من قصف جوي إسرائيلي، حيث التهمت النيران جزءا من مخيم النازحين وتطايرت الشظايا نحو خيامهم وظلوا لساعات يختبئون وراء تلة رملية فرارا من القصف والحريق في وقت سابق هذا الأسبوع، في واقعة أودت بحياة 45 فلسطينيا.

يوضح سلمان (38 عاما) لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، وهو يتصبب عرقا ويأخذ الأمتعة من أفراد أسرته ويضعها داخل السيارة، أنه عاش ساعات من الرعب الذي لا سابق له وهو يشاهد النيران تلتهم أجساد النازحين وصرخاتهم لا تتوقف دون أن يتمكن أحد من إنقاذهم. وتساءل في حزن: «أيعقل أن يكون مصيرنا مماثلا؟».

فر سلمان وأسرته من بيت لاهيا في شمال القطاع ونزحوا عدة مرات في الشمال قبل أن يصلوا إلى رفح في أقصى جنوب القطاع، والآن يغادرونها بحثا عن مناطق أقل خطورة. ويقول سلمان إنهم أجبروا على النزوح وتوجهوا بناء على توجيهات الجيش الإسرائيلي نحو «المناطق الآمنة» في رفح، وهي ذات المناطق التي لم يتوقف فيها القصف.

ولا يعتقد سلمان، كغيره من النازحين، أن هناك مكانا آمنا في قطاع غزة، لكن الجميع يحاول أن ينقذ عائلته من مناطق خطرة جدا أصبح فيها الموت شبه محتوم إلى أماكن أقل خطورة على أمل إيجاد فرصة للحياة، على حد قوله.

وقال سلمان بنبرة غاضبة: «والله ما أنا عارف وين نروح؟ نغرق في البحر ولا نطير في السما، يا عالم ارحمونا بيكفي حرب وموت، تعبنا على الاخر».

وأضاف: «لمتى بدنا نظل نحلم بأطفالنا أشلاء؟ العالم كله لازم يتحرك لوقف المحرقة في غزة».

وتشهد رفح نزوحا واسع النطاق مع تصاعد القصف الإسرائيلي لمخيمات النازحين في غرب المدينة الواقعة على الحدود مع مصر خلال الأيام القليلة الماضية، بينما بدأ النازحون والمقيمون هناك في النزوح مع بداية اجتياحها من قبل الجيش الإسرائيلي قبل أكثر من ثلاثة أسابيع.

ويمكن مشاهدة زحام شديد في الشوارع الغربية لرفح وقوافل طويلة من السيارات التي تقل النازحين الفارين نحو وجهاتهم الجديدة التي أصبحت تقتصر على مواصي خان يونس ومدينتها المدمرة، فيما يتوجه البعض إلى دير البلح والمخيمات في المحافظة الوسطى وصولا إلى المنطقة الفاصلة بين جنوب القطاع وشماله.

ويحاول النازحون في أطراف شمال غربي رفح، وهي منطقة صنفها الجيش الإسرائيلي بأنها آمنة، البحث عن مأوى جديد، خشية وصول القوات الإسرائيلية للمنطقة، فيفضلون النزوح قبل الوصول إلى هذه المرحلة الخطيرة، وفق تقديرهم.

يسيطر الحزن والإرهاق على وجوه الجميع بينما يحملون مقتنياتهم ومستلزمات نزوحهم الجديد (وكالة أنباء العالم العربي)

ينشغل محمود الشويخي في تفكيك عريشته وبعض ملحقاتها للنزوح مجددا إلى وجهة لم يحددها بعد، لكن المهم بالنسبة له الخروج من أي مكان يكون تابعا جغرافيا لرفح، بينما يواصل ابنه الأكبر البحث عن وسيلة نقل تقلهم إلى مكان نزوحهم المجهول.

عائلة الشويخي التي نزحت من حي الشجاعية في مدينة غزة قبل ستة أشهر صوب رفح، تجتهد في جمع أمتعتها وتجهيز احتياجاتها حتى لا تبيت ليلة أخرى في رفح بعدما عاشت الأيام السابقة في رعب جراء القصف ودوي الانفجارات الذي لا يتوقف.

تبدو معالم الإرهاق والقلق على وجوه الرجل وزوجته وأبنائه الستة الذين لم يعثروا حتى قبل المغرب على وسيلة نقل بأجرة مناسبة لقدراتهم، وقالوا إن سائقي الشاحنات يطلبون مبالغ تصل إلى 500 دولار، وهو ما لا يتوفر لدى عائلة الشويخي.

أوضح الشويخي أن كل مدخراته نفدت بعد ثلاثة أشهر من النزوح ولم يعد بمقدوره توفير الحد الأدنى المطلوب لبقاء أبنائه على قيد الحياة «فكيف ونحن بحاجة إلى مبالغ كبيرة للنقل ونصب الخيام من جديد؟».

يقترب غروب الشمس وما زالت أسرة الشويخي، وغيرها من العائلات المجاورة التي فككت خيامها، عاجزة عن توفير وسيلة نقل للخروج من رفح، في وقت تتواصل فيه المناشدات لتوفير وسائل نقل للنازحين في ظل ارتفاع الأجرة ونفاد الوقود بسبب الحصار.

ويصف الشويخي عملية النزوح المستمرة بأنها «حرب أخرى لا تقل جحيما عن القصف والقتل والتدمير الإسرائيلي»، مشيرا إلى أنه بالكاد نجح في تدبير متطلبات أسرته في المنطقة التي يغادرها الآن، ولا يعلم هل سيفلح في هذه المهمة في مكان النزوح الجديد أو لا.

وقال الشويخي: «النزوح من مكان إلى آخر ليس مجرد كلمة، النزوح مأساة بكل تفاصيلها، سواء على المستوى النفسي أو المادي».

وأضاف: «ننتقل بكل مستلزماتنا لمكان جديد ونبدأ في التأقلم القسري عليه والبحث عن مصادر الغذاء والماء والدواء وقصة لا تنتهي فصولها من المعاناة».


مقالات ذات صلة

سكان غزة يشعرون بالخوف بعد ظهور احتمال التوصل لاتفاق بين إسرائيل و«حزب الله»

المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل في قطاع غزة (رويترز)

سكان غزة يشعرون بالخوف بعد ظهور احتمال التوصل لاتفاق بين إسرائيل و«حزب الله»

يشعر الفلسطينيون في غزة بالخوف من أن تصب إسرائيل كامل قوتها العسكرية على القطاع، بعد ظهور احتمال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أفراد من القوات المسلحة الأردنية يسقطون مساعدات جوية على غزة 9 أبريل 2024 (رويترز)

طائرات عسكرية أردنية تسقط مساعدات على شمال قطاع غزة

قال مصدر رسمي إن طائرات عسكرية أردنية أسقطت، الثلاثاء، مساعدات على شمال غزة لأول مرة في خمسة أشهر للمساعدة في تخفيف وطأة الوضع الإنساني المتردي في القطاع.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي صبي جريح يجلس في مستشفى شهداء الأقصى عقب تعرضه للإصابة في غارة جوية إسرائيلية في مخيم البريج وسط غزة (إ.ب.أ)

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن «قوات الاحتلال ارتكبت 7160 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون يسيرون في شارع غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في لبنان وإسرائيل وغزة

دعت الأمم المتحدة، اليوم (الثلاثاء)، من جديد إلى «وقف دائم لإطلاق النار» في لبنان وإسرائيل وغزة، في حين يتوقع إعلان هدنة بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

الغزيون يكابدون الأمطار والبرد

تسبب الانخفاض الجوي الذي تشهده غزة، هذه الأيام، في زيادة معاناة سكان القطاع الذين يعانون أصلاً ويلات الحرب منذ 14 شهراً.

«الشرق الأوسط» (غزة)

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
TT

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اليوم الاثنين، إن هناك خطة لتوسيع الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان لتشمل دولاً أخرى.

وفي كلمة، خلال افتتاح مؤتمر سفراء العراق الثامن حول العالم في بغداد، أكد الوزير أنه يجب تكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي تهديد أو عدوان محتمل» على العراق.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد قال، الأسبوع الماضي، إنه بعث رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حثَّ فيها على اتخاذ إجراء فوري للتصدي لأنشطة الجماعات المسلَّحة المُوالية لإيران في العراق، قائلاً إن الحكومة العراقية مسؤولة عن أي أعمال تحدث داخل أراضيها أو انطلاقاً منها.

كما ذكرت تقارير إعلامية أميركية، في وقت سابق من هذا الشهر، أن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنها إذا لم تمنع وقوع هجوم إيراني من أراضيها على إسرائيل، فقد تواجه هجوماً إسرائيلياً.

وشنت إسرائيل هجوماً على منشآت وبنى تحتية عسكرية إيرانية، الشهر الماضي؛ رداً على هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل، وذلك بعد أن قتلت إسرائيل الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية المتحالفة مع إيران، حسن نصر الله، في سبتمبر (أيلول) الماضي.