سوريون في لبنان يخشون قيوداً غير مسبوقة وترحيلاً قسرياً

هناك نحو 1.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في بلد عدد سكانه نحو 4 ملايين لبناني (رويترز)
هناك نحو 1.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في بلد عدد سكانه نحو 4 ملايين لبناني (رويترز)
TT

سوريون في لبنان يخشون قيوداً غير مسبوقة وترحيلاً قسرياً

هناك نحو 1.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في بلد عدد سكانه نحو 4 ملايين لبناني (رويترز)
هناك نحو 1.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في بلد عدد سكانه نحو 4 ملايين لبناني (رويترز)

جاء جنود قبل بزوغ الفجر بحثاً عن رجال سوريين لا يحملون تصاريح إقامة في مخيم لاجئين في وادي البقاع اللبناني.

وشاهدت منى، اللاجئة السورية في لبنان منذ نحو عقد، القوات اللبنانية وهي تقيد شقيقها وتقتاده إلى شاحنة متجهة صوب الحدود وسط بكاء أطفاله.

ويرصد تقرير لـ«رويترز» أنه بعد نحو 13 عاماً على اندلاع الصراع السوري، يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين مقارنة بعدد السكان في العالم.

وهناك نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، نصفهم مسجلون رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بلد عدد سكانه نحو أربعة ملايين لبناني.

وهم من بين نحو خمسة ملايين لاجئ سوري فروا من بلادهم إلى دول الجوار بينما نزح ملايين آخرون داخل سوريا. وتعهدت دول مانحة هذا الأسبوع في بروكسل بمساعدات لسوريا، لكنها أقل من العام الماضي.

ويعاني لبنان من انهيار اقتصادي أدى لتضاؤل سبل العيش وتردي أغلب الخدمات العامة. والآن تتفق قوات الأمن، التي تفتقر بصورة مزمنة للتمويل، والسياسيون المنقسمون على أمر واحد وهو أنه لا بد من إعادة السوريين إلى ديارهم.

وقال مصدران في مجال الإغاثة الإنسانية لـ«رويترز» إنه تم حث أصحاب العمل على التوقف عن توظيف السوريين في الأعمال البسيطة، كما أصدرت بعض البلديات أوامر جديدة بحظر تجول السوريين ليلاً، ووصل الأمر إلى حد طرد مستأجرين سوريين من بيوتهم. وأضافا أن بلدية واحدة على الأقل في شمال لبنان أزالت مخيماً غير رسمي مما ترك سكانه السوريون دون مأوى.

وأصدرت قوات الأمن اللبنانية توجيهات جديدة هذا الشهر تقلص عدد الفئات التي يمكن للسوريين من خلالها التقدم للحصول على إقامة، مما أفزع كثيرين لم يعودوا مؤهلين للحصول على وضع قانوني، الأمر الذي يعرضهم للترحيل.

رتب لبنان عمليات عودة طوعية للسوريين شملت سفر 300 لبلادهم في مايو (أيار). لكن المصدرين في مجال الإغاثة الإنسانية قالا لـ«رويترز» إن أكثر من 400 تعرضوا لتهجير قسري على يد الجيش اللبناني بعد احتجازهم في مداهمات لمخيمات أو عند نقاط تفتيش أقيمت بغرض ضبط السوريين الذين لا يحملون إقامة رسمية.

ويقول لاجئون وعاملون في مجال الإغاثة إن هؤلاء يُقتادون مباشرة لعبور الحدود، مما أجج مخاوف بشأن تعرضهم لانتهاكات حقوقية لدى العودة مثل التجنيد الإجباري والاعتقال التعسفي.

تقول منى، وهو اسم مستعار طلبت استخدامه في التقرير خشية عقاب السلطات اللبنانية، إن شقيقها قيل له إن عليه التسجيل مع جنود احتياط الجيش السوري لدى دخوله لبنان.

وبسبب الخوف من مواجهة المصير نفسه لم يعد باقي الرجال في المخيم يخاطرون بالخروج.

وتابعت قائلة: «وضع الشباب كشغل، كطلعة برات البيت كتير سيئ، كتير عم نعاني من هالمواضيع حتى إنه يعني لا عاد حدا فيه يقدر يجيب ابنه من المدرسة، لا عاد فيه يطلع على سوق، لا عاد فيه يشتري أغراض البيت، لا عاد فيه يروح على دوائر حكومية، على مستشفى، على محكمة».

ويتعين على منى الآن أن تعتني بأطفال شقيقها الذين لم يتم ترحيلهم وتعولهم من دخل عمل غير رسمي في مصنع قريب وتختار نوبات عمل ليلية لتجنب نقاط التفتيش في الطريق.

انتشار خطاب الكراهية في لبنان ومطالب بترحيل اللاجئين السوريين وعدّهم تهديداً وجودياً (رويترز)

خاطئة ولا يمكن أن تستمر

رحّل لبنان لاجئين في الماضي. وتؤكد أحزاب سياسية منذ فترة طويلة أن أجزاء من سوريا آمنة بما يكفي لعودة أعداد كبيرة من اللاجئين.

لكن في أبريل (نيسان)، أطلق مقتل مسؤول حزبي لبناني محلي، ألقي باللوم فيه على سوريين، العنان لمشاعر محمومة مناهضة للاجئين.

وقالت شركة الأبحاث اللبنانية (إنلفوانسرز) إن خطاب الكراهية انتشر على الإنترنت، حيث تركز أكثر من 50 في المائة من التعليقات عن اللاجئين في لبنان على ترحيلهم، وأشار 20 في المائة آخرون إلى السوريين على أنهم «تهديد وجودي».

وامتدت التوترات إلى المؤسسات الدولية. وضغط وزير الخارجية اللبناني على ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإلغاء طلب وقف القيود الجديدة، وانتقد النواب حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي ووصفوها بأنها «رشوة» لمواصلة استضافة اللاجئين.

وقال روي حدشيتي، وهو ممثل إعلامي للتيار الوطني الحر، متحدثاً في تجمع مناهض للاجئين نظمه التيار المسيحي المحافظ: «المصاري اللي عم يبعتها الاتحاد الأوروبي للسوريين يبعتهم إياها على سوريا».

واشتكى، مثل عدد متزايد من اللبنانيين، من أن اللاجئين السوريين يتلقون مساعدات أكثر من اللبنانيين المحاطين بالمشكلات.

وقال: «روح شوف إنت بالمخيمات، ألواح شمسية، بالوقت اللبناني ما معه يشترك بالموتور (مولد كهربائي)».

ولا تزال الأمم المتحدة تعد سوريا غير آمنة لعودة أعداد كبيرة من اللاجئين، وعبرت عن قلقها إزاء تصاعد الخطاب المناهض لهم.

وقال فيليبو جراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: «أنا قلق للغاية؛ لأنه يمكن أن يؤدي إلى... عمليات إعادة قسرية، وهي خاطئة ولا يمكن أن تستمر».

وتابع قائلاً: «أتفهم مشاعر الإحباط السائدة في البلدان المضيفة، لكن من فضلكم لا تذكوها أكثر».

وقالت زينة، اللاجئة السورية التي طلبت أيضاً تغيير اسمها، إن ترحيل زوجها الشهر الماضي تركها بلا عمل أو وضع قانوني في بلدة لبنانية تتنامى فيها مشاعر العداء.

وللعودة لمخاطرها، فقد أنجبت أطفالها في لبنان ولا يحملون بطاقات هوية سورية، ولا يزال منزلها في محافظة حمص في حالة خراب منذ ضربة جوية نفذتها القوات الحكومية عام 2012 والتي أجبرتها على الفرار.

وقالت: «أول بيت انضرب بيتنا. أنا ما بنسى ذاك النهار وهلأ حتى مثلا لو فكرت في الأيام، أهلي ولا أحد بده يرجع عليه، ما فيه يرجع، البيت (سوي) بالأرض. أي رجعة هاي؟».


مقالات ذات صلة

مصر تنفي توقيف سودانيين على خلفية «أعمال مسيئة»

العالم العربي مقهى شعبي بالجيزة يضم تجمعاً سودانياً (الشرق الأوسط)

مصر تنفي توقيف سودانيين على خلفية «أعمال مسيئة»

نفت السلطات المصرية، الاثنين، توقيف سودانيين على خلفية ما سمّته «أعمالاً مسيئة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي اللاجئون السوريون في تركيا يخشون الاتفاق مع دمشق على صفقة لترحيلهم رغم تطمينات أنقرة (أرشيفية)

مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا تدفعهم للبحث عن مآوٍ أخرى

تتصاعد مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا يوماً بعد يوم مع ما يبدو أنه إصرار من جانب أنقرة على المضي قدماً في تطبيع العلاقات مع دمشق، فضلاً عن موجة العنف ضدهم.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الرئيس التركي يتحدث خلال مؤتمر صحافي على هامش قمة حلف «الناتو» في واشنطن (أ.ف.ب)

ماذا يريد إردوغان من التطبيع مع الأسد؟

كشفت تقارير عن خطة تركية من شقين لحل مشكلة اللاجئين السوريين بُنيت على التطبيع المحتمل للعلاقات مع سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عناصر من أمن الدولة يخلون منازل يقطنها سوريون لا يحملون أوراقاً قانونية (المركزية)

لبنان يخلي بلدة في الشمال من سوريين لا يحملون أوراقاً قانونية

أخلت السلطات اللبنانية بلدة في شمال البلاد من النازحين السوريين الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية قانونية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص متظاهر سوري يرشق نقطة عسكرية تركية عبر الشريط الشائك عند معبر ابن سمعان شمال حلب (أ.ف.ب) play-circle 02:09

خاص تركيا على الخط السريع للتصادم بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة

يصعبُ وضع خط زمني واضح للتطورات المتلاحقة التي قادت إلى حوادث العنف الأخيرة ضد اللاجئين السوريين في تركيا.

مازن عزّي

تعرُّض سفينتين للهجوم في البحر الأحمر دون إصابات

إيران متهمة بتزويد الحوثيين بصواريخ بحرية لمهاجمة السفن (أ.ب)
إيران متهمة بتزويد الحوثيين بصواريخ بحرية لمهاجمة السفن (أ.ب)
TT

تعرُّض سفينتين للهجوم في البحر الأحمر دون إصابات

إيران متهمة بتزويد الحوثيين بصواريخ بحرية لمهاجمة السفن (أ.ب)
إيران متهمة بتزويد الحوثيين بصواريخ بحرية لمهاجمة السفن (أ.ب)

أبلغت تقارير أمن بحري بريطانية، الاثنين، عن تعرض سفينتين في جنوب البحر الأحمر للهجوم دون تسجيل إصابات، حيث يرجح وقوف الجماعة الحوثية المدعومة من إيران وراء الحادثتين، وذلك على مشارف نهاية الشهر الثامن من التصعيد البحري الذي تزعم الجماعة أنه لمناصرة الفلسطينيين في غزة.

وبينما تقود الولايات المتحدة عمليات الدفاع الاستباقية لحماية السفن، تشن الجماعة منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي؛ إذ تدعي أنها تحاول منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغضّ النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية.

كما تزعم الجماعة الحوثية أنها تقوم بهجمات في البحر المتوسط وموانئ إسرائيلية بالاشتراك مع فصائل عراقية مسلحة، وهي الهجمات التي لم تؤكد وقوعها أي تقارير غربية أو إسرائيلية.

في هذا السياق، أفادت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، الاثنين، بأن سفينة تجارية أبلغت عن تعرضها لهجوم من 3 زوارق صغيرة على مسافة 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي مدينة الحديدة اليمنية.

وذكرت الهيئة البريطانية أن زورقاً صغيراً مسيّراً اصطدم بالسفينة مرتين، وأطلق زورقان صغيران مأهولان النار عليها، وأضافت أن السفينة وطاقمها بخير، وتتجه إلى ميناء التوقف التالي.

وفي حين لم يتبنَّ الحوثيون الهجوم على الفور، عادت الهيئة البريطانية البحرية للإفادة بتلقي بلاغ عن واقعة على مسافة 97 ميلاً بحرياً شمال غربي مدينة الحديدة اليمنية، دون إيضاح ما إذا كان الهجوم استهدف نفس السفينة الأولى.

كان المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع تبنى، الأحد، قصف سفينة في خليج عدن زعم أنها إسرائيلية، كما ادعى مهاجمة أهداف إسرائيلية في منطقة إيلات، بالطائرات المسيرة، وهو ما لم تؤكده تل أبيب.

من جهته، أفاد الجيش الأميركي، الأحد، بأن قواته دمرت طائرتين حوثيتين مسيرتين فوق البحر الأحمر وزورقاً مسيراً، إضافة إلى طائرة أخرى من دون طيار في منطقة تسيطر عليها الجماعة الحوثية.

نتائج المواجهة

اعترف زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس الماضي، بتلقي 570 غارة منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، معترفاً بسقوط 57 قتيلاً و87 جريحاً، جراء الضربات، كما تبنى مهاجمة 166 سفينة منذ بدء التصعيد في نوفمبر الماضي.

وبينما توعّد الحوثي بمزيد من الهجمات نفى تراجع فاعلية عمليات جماعته، وزعم أن السبب يعود إلى قلة السفن المرتبطة بإسرائيل المارة من البحر الأحمر وخليج عدن، كما اعترف بتجنيد 372 ألف شخص خلال الأشهر الماضية من بوابة مناصرة الفلسطينيين في غزة. وقد أصابت الهجمات الحوثية، حتى الآن، نحو 28 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان؛ إذ أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استُهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

سفينة الشحن «شامبيون» تعرضت لهجوم حوثي في خليج عدن وكانت تحمل مساعدات لليمن (رويترز)

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

وأثّرت هجمات الحوثيين على مصالح أكثر من 55 دولة، وفقاً للجيش الأميركي، وهدّدت التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، وهو حجر أساس للاقتصاد العالمي؛ إذ دفعت الهجمات أكثر من 10 شركات شحن كبرى إلى تعليق عبور سفنها عبر البحر الأحمر، ما تسبب في ارتفاع أسعار التأمين على السفن في المنطقة.

وتسبّب تصعيد الحوثيين في إصابة مساعي السلام اليمني، التي يقودها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بالجمود؛ إذ تسود المخاوف من انهيار التهدئة الهشّة المستمرة منذ عامين، وعودة القتال على نطاق أوسع.