مصر تستضيف مؤتمراً للقوى المدنية السودانية يونيو المقبل

بهدف التوافق حول «سلام شامل ودائم»

قمة دول جوار السودان في القاهرة يوليو 2023 (الرئاسة المصرية)
قمة دول جوار السودان في القاهرة يوليو 2023 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تستضيف مؤتمراً للقوى المدنية السودانية يونيو المقبل

قمة دول جوار السودان في القاهرة يوليو 2023 (الرئاسة المصرية)
قمة دول جوار السودان في القاهرة يوليو 2023 (الرئاسة المصرية)

أعلنت مصر، الثلاثاء، عزمها استضافة مؤتمر يجمع كافة القوى السياسية السودانية نهاية يونيو المقبل، بهدف «التوصل إلى توافق حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان»، بحسب إفادة رسمية لوزارة الخارجية المصرية نشرتها على صفحتها على «فيسبوك».

وأوضحت الخارجية المصرية، في بيانها، أن «المؤتمر سيعقد بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين»، ويسعى لبناء التوافق «عبر حوار وطني سوداني - سوداني، يتأسس على رؤية سودانية خالصة».

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) من العام الماضي، بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط دمج «الدعم السريع» في الجيش. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من ستة ملايين شخص داخلياً في السودان، وفرار نحو مليوني شخص إلى البلدان المجاورة.

وبحسب الإفادة، فإن الدعوة المصرية لاستضافة المؤتمر «تأتي انطلاقاً من إيمان راسخ بأن النزاع الراهن في السودان هو قضية سودانية بالأساس، وأن أي عملية سياسية مستقبلية ينبغي أن تشمل كافة الأطراف الوطنية الفاعلة على الساحة، وفي إطار احترام مبادئ سيادة البلاد ووحدة وسلامة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها».

وقالت الخارجية المصرية إن المؤتمر «يأتي في إطار حرص القاهرة على بذل كافة الجهود الممكنة لمساعدة السودان على تجاوز الأزمة التي يمر بها، ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب السوداني، وعلى أمن واستقرار المنطقة، لا سيما دول جوار السودان».

لاجئون سودانيون يتلقون إمدادات المياه أبريل الماضي في مخيم فرشانا بتشاد (أ.ف.ب)

وأضافت أن «المؤتمر يأتي أيضاً انطلاقاً من الروابط التاريخية والاجتماعية الأخوية والعميقة التي تربط بين الشعبين المصري والسوداني، وتأسيساً على التزام القاهرة بدعم كافة جهود تحقيق السلام والاستقرار في السودان»، لافتة إلى أن «تنظيم المؤتمر يأتي استكمالاً لجهود مصر ومساعيها المستمرة من أجل وقف الحرب الدائرة في السودان، وفي إطار من التعاون والتكامل مع جهود الشركاء الإقليميين والدوليين، لا سيما دول جوار السودان، وأطراف مباحثات جدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الإيغاد».

وأعربت القاهرة عن «تطلعها إلى المشاركة الفعالة من جانب كافة القوى السياسية المدنية السودانية، والشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، وتكاتف الجهود من أجل ضمان نجاح المؤتمر في تحقيق تطلعات الشعب السوداني».

دور مهم

بدورها، أكدت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتورة أماني الطويل، «أهمية الدعوة المصرية لعقد المؤتمر». وقالت، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدعوة المصرية تنطلق من أمرين؛ الأول هو ضلوع القاهرة خلال الفترة الماضية في مجهود مستمر لحلحلة الموقف في السودان، عبر استضافتها مؤتمر دول الجوار، ولقاء القوى الداخلية في السودان، وثانياً استقبالها رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله لحمدوك، في مارس (آذار) الماضي، وهو يمثل كتلة سودانية مغايرة للقوى التي اجتمعت سابقاً في مصر».

وأضافت أن «كل ما سبق من جهود يؤهل مصر للعب دور مهم في المرحلة المقبلة، لا سيما مع المشاورات المستمرة مع المبعوث الأميركي بشأن السودان (توم بيرييلو) ومع الشركاء الإقليميين، خاصة السعودية والإمارات».

وأعرب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير علي الحفني عن «أمله في أن تلقى الدعوة المصرية ترحيباً من القوى السودانية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المؤتمر المنتظر من شأنه توفير الظروف والمكان المناسبين لجمع الفرقاء حول مائدة واحدة للتوصل إلى تفاهم ووضع نهاية للتشاحن الداخلي، ووقف نزيف الدم، والسماح للسودانيين الذين لجأوا إلى دول الجوار بالعودة إلى بلادهم، إضافة إلى تسهيل نفاذ المساعدات دون تهديد».

وأضاف أن «مصر حريصة على أمن واستقرار السودان، لا سيما أن وزن الأمن القومي المصري مرتبط بالسودان».

وكانت مصر قد استضافت في يوليو (تموز) الماضي، قمة دول جوار السودان بمشاركة سبع دول أفريقية، هي: مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإريتريا، وإثيوبيا. كما استضافت اجتماعات المجلس المركزي لائتلاف «قوى الحرية والتغيير»، التي استهدفت بلورة إطار سياسي من جانب القوى المدنية لوقف الحرب السودانية، وبحث قضايا الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وفي مارس الماضي، زار وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، برئاسة حمدوك، القاهرة لمدة يومين، في زيارة كانت الأولى له إلى مصر منذ اندلاع الحرب في السودان.

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في برلين 14 فبراير 2020 (رويترز)

وشملت زيارة حمدوك عقد لقاءات مع قيادات رسمية ومفكرين ومسؤولين بالجامعة العربية، ومكونات المجتمع السوداني بمصر، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها «تقدم» في سبيل وقف الحرب المدمرة في السودان، وفق بيان للتنسيقية نشرته على صفحتها الرسمية على «فيسبوك» في حينه.

دعم دولي

وعدّت الطويل المؤتمر المنتظر في مصر «فرصة جيدة لاختراق الموقف الراهن تحت مظلة دعم دولي لم تتمتع به مصر من قبل، يتيح لها المجال للعب دور في حلحلة الأزمة، لا سيما مع وجود حالة اقتناع دولي بأهمية وجدوى دور القاهرة».

وأكدت الطويل أن «التجربة أثبتت أن التدخلات الخارجية واستيراد نماذج جاهزة تعقد الحالة السودانية التي تتميز بتنوع عرقي وسياسي وثقافي كبير، من ثم فإن أي حل لا بد أن ينبع من داخل السودان، وأن يعكس هذا التنوع».

من جانبه، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن تأكيد القاهرة ضرورة أن يكون حل الأزمة بأيدي السودانيين أنفسهم، هو «موقف مصر الثابت الذي لا تحيد عنه»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مسؤولية تاريخية تقع على عاتق القوى السودانية للحد من أي تدخلات أو تأثيرات خارجية».

وقال الحفني: «طال أمد الأزمة السودانية، وآن أوان علاجها، ومصر ستوفر الظروف المناسبة لتسوية وعلاج المشكلة، لكن الأمر يتوقف على الفرقاء السودانيين، وعليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية أمام الشعب، ويعيدوا الاستقرار للبلاد».


مقالات ذات صلة

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه شاحنات الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر «أدري» الحدودي الحيوي مع تشاد.

ديكلان والش (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش البرهان وقائد «الدعم السريع» حميدتي خلال إحدى المناسبات السابقة على الحرب (أرشيفية)

حملات «إسفيرية» وشعبية لحث الجيش السوداني على التفاوض

علت الأصوات المطالبة بوقف الحرب وإحلال السلام في السودان، متحديةً التضييق الذي تفرضه الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن وحلفاؤهما ضد كل من ينادي بـ«لا للحرب».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

«الخارجية السودانية»: ندرس المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار

تقتصر المحادثات بين طرفي القتال في السودان؛ الجيش و«الدعم السريع»، على بحث وقف إطلاق النار والعنف في جميع أنحاء البلاد، لتمكين وصول المساعدات.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا مسلّحون من «الدعم السريع» في سنار (مواقع التواصل)

«الدعم السريع» يعلن الاستيلاء على السوكي وإحكام الحصار على سنار

تعد مدنية السوكي واحدة من مدن ولاية سنار الاستراتيجية وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 300 كيلومتر.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس الإريتري آسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

أفورقي يفاجئ الجيش بطرد القائم بأعمال السفارة السودانية في أسمرا

«التحول الراهن في الموقف الإريتري، يمكن أن يكون حافزاً لاستعادة الموقف الإريتري لجانب القوى المدنية، إذا ضربنا على الحديد وهو ساخن».

أحمد يونس (كمبالا)

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
TT

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)

في وقت يعاني فيه اليمنيون في صنعاء ومدن أخرى من انعدام غاز الطهي وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، خصصت الجماعة الحوثية ملايين الريالات اليمنية لتوزيع أسطوانات الغاز على أتباعها دون غيرهم من السكان الذين يواجهون الصعوبات في توفير الحد الأدنى من القوت الضروري لهم ولأسرهم.

وبينما يشكو السكان من نقص تمويني في مادة الغاز، يركز قادة الجماعة على عمليات التعبئة العسكرية والحشد في القطاعات كافة، بمن فيهم الموظفون في شركة الغاز.

سوق سوداء لبيع غاز الطهي في صنعاء (فيسبوك)

وأفاد إعلام الجماعة بأن شركة الغاز بالاشتراك مع المؤسسة المعنية بقتلى الجماعة وهيئة الزكاة بدأوا برنامجاً خاصاً تضمن في مرحلته الأولى في صنعاء إنفاق نحو 55 مليون ريال يمني (الدولار يساوي 530 ريالاً) لتوزيع الآلاف من أسطوانات غاز الطهي لمصلحة أسر القتلى والجرحى والعائدين من الجبهات.

وبعيداً عن معاناة اليمنيين، تحدثت مصادر مطلعة في صنعاء عن أن الجماعة خصصت مليارات الريالات اليمنية لتنفيذ سلسلة مشروعات متنوعة يستفيد منها الأتباع في صنعاء وبقية مناطق سيطرتها.

ويتزامن هذا التوجه الانقلابي مع أوضاع إنسانية بائسة يكابدها ملايين اليمنيين، جرَّاء الصراع، وانعدام شبه كلي للخدمات، وانقطاع الرواتب، واتساع رقعة الفقر والبطالة التي دفعت السكان إلى حافة المجاعة.

أزمة مفتعلة

يتهم سكان في صنعاء ما تسمى شركة الغاز الخاضعة للحوثيين بالتسبب في أزمة مفتعلة، إذ فرضت بعد ساعات قليلة من القصف الإسرائيلي على خزانات الوقود في ميناء الحديدة، منذ نحو أسبوع، تدابير وُصفت بـ«غير المسؤولة» أدت لاندلاع أزمة في غاز طهي لمضاعفة معاناة اليمنيين.

وتستمر الشركة في إصدار بيانات مُتكررة تؤكد أن الوضع التمويني مستقر، وتزعم أن لديها كميات كبيرة من الغاز تكفي لتلبية الاحتياجات، بينما يعجز كثير من السكان عن الحصول عليها، نظراً لانعدامها بمحطات البيع وتوفرها بكثرة وبأسعار مرتفعة في السوق السوداء.

عمال وموظفو شركة الغاز في صنعاء مستهدفون بالتعبئة العسكرية (فيسبوك)

ويهاجم «عبد الله»، وهو اسم مستعار لأحد السكان في صنعاء، قادة الجماعة وشركة الغاز التابعة لهم بسبب تجاهلهم المستمر لمعاناة السكان وما يلاقونه من صعوبات أثناء رحلة البحث على أسطوانة غاز، في حين توزع الجماعة المادة مجاناً على أتباعها.

ومع شكوى السكان من استمرار انعدام مادة الغاز المنزلي، إلى جانب ارتفاع أسعارها في السوق السوداء، يركز قادة الجماعة الذين يديرون شركة الغاز على إخضاع منتسبي الشركة لتلقي برامج تعبوية وتدريبات عسكرية ضمن ما يسمونه الاستعداد لـ«معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس».

ونقل إعلام حوثي عن القيادي ياسر الواحدي المعين نائباً لوزير النفط بالحكومة غير المعترف بها، تأكيده أن تعبئة الموظفين في الشركة عسكرياً يأتي تنفيذاً لتوجيهات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.