كيف تؤثر الأزمة الاقتصادية في طقوس المصريين خلال العيد؟

أسر قررت تقليص ميزانية الملابس والكعك وارتياد المتنزهات

مصريون يتجولون في الأسواق لشراء ملابس العيد (الشرق الأوسط)
مصريون يتجولون في الأسواق لشراء ملابس العيد (الشرق الأوسط)
TT

كيف تؤثر الأزمة الاقتصادية في طقوس المصريين خلال العيد؟

مصريون يتجولون في الأسواق لشراء ملابس العيد (الشرق الأوسط)
مصريون يتجولون في الأسواق لشراء ملابس العيد (الشرق الأوسط)

نفثَ المصري محمد رأفت دخان الشيشة (النرجيلة) بضيق من فمه، مُحدّثاً صديقه الجالس بجواره على المقهى الشعبي: «سبعة آلاف جنيه دفعتها لشراء ملابس العيد لزوجتي وأطفالي الثلاثة، لم أكن أتوقع أن ترتفع أسعار الملابس بهذا الشكل المبالغ فيه». وواصل المُحاسب الأربعيني، تدخينه شارداً في مشهد الزحام الليلي الذي تشهده شوارع وسط القاهرة أمام واجهات محال الملابس، ثم تحدث مُجدداً: «اكتفيت بملابس أسرتي ولم أشترِ لنفسي، فراتبي لم يعد يتحمل».

بالحال نفسها، جاء رد صديقه ياسر فوزي، الذي يعمل موظفاً إدارياً بإحدى شركات الأدوية، بعد أن نفث هو الآخر دخان شيشته: «غلاء الأسعار طال كل شيء، لم أشترِ كعك العيد حتى الآن، وسمعت أخيراً عن عروض لشرائه بالتقسيط، وهو ما أفكر فيه جدياً».

في حين تداخلت أدخنة الصديقين لتشكّل لوحة سريالية في الهواء؛ «تطاير» حوارهما ليشمل فئات أخرى من المصريين وهم يستقبلون عيد الفطر، ما رسمَ «لوحة باهتة» مُستلهمة من واقع أحوالهم المعيشية، التي تُخيم عليها أزمة اقتصادية، فرضت مجموعة من المتغيرات على نمط الاحتفالات بهذه المناسبة.

ويرتبط عيد الفطر في مصر بعدد من الطقوس المتوارثة في المأكل والملبس، إلا أنه يهل هذا العام بالتزامن مع ارتفاعات متتالية في أسعار السلع منذ بداية العام الحالي، خصوصاً أسعار المواد الغذائية، واللحوم والدواجن، ومع حلول شهر رمضان امتد الأمر إلى أسعار التمور والياميش.

ومع اقتراب عيد الفطر، «ارتفعت أسعار الملابس ارتفاعاً كبيراً هذا العام بنسبة 40 في المائة مقارنة بالعام الماضي؛ بسبب ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة، إلى درجة يصعب معها شراء أطقم العيد لأسرة كاملة»، وفق «شعبة الملابس الجاهزة» بـ«الغرفة التجارية بالإسكندرية».

كذلك ارتفعت أسعار كعك العيد والبسكويت بنسبة تجاوزت 25 في المائة للكيلوغرام، وفق «غرفة الصناعات الغذائية»، متأثرة بارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، الأمر الذي دفع عدداً من البنوك والشركات في مصر لإعلان تقسيط شراء الكعك لمدة عام.

ويوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور محمد البهواشي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المناسبات الدينية، بداية من شهر رمضان، ثم عيد الفطر، فرضت عديداً من المتغيرات على نمط الاحتفال بها من جانب المصريين، فمع ارتفاع أسعار المائدة الرمضانية اختفت الولائم، ثم مع العد التنازلي للعيد، وجد المواطن نفسه محاصراً بأسعار منتجات ومستلزمات العيد، ما اضطره إلى تعديل سلوكه الإنفاقي، وتغيير عاداته، والتكيف مع الأوضاع الاقتصادية المحيطة، وتبعاً لذلك ظهرت عروض الشراء بالتقسيط والعروض الترويجية لسلع لم يكن يتوقعها مثل الكعك، وهو ما سيستمر مستقبلاً، ما دامت معدلات التضخم مرتفعة».

وبلغ معدل التضخم السنوي في مصر لأسعار المستهلكين في المناطق الحضرية (المدن) 33.3 في المائة في مارس (آذار) الماضي، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، الصادرة الاثنين.

لم يكن «التقسيط» هو الحل الوحيد لشراء الكعك والبسكويت، حيث لجأت ربة المنزل الخمسينية، وفاء علي، إلى تقليل الكميات التي تشتريها منه، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد بإمكاني أن أشتري كيلوغرامات كثيرة من الكعك والبسكويت بعد أن بلغ أقل سعر للكيلوغرام منها 150 جنيهاً (الدولار يساوي 47.5 جنيه مصري)، ولجأتُ إلى شراء كيلوغرام واحد فقط من كل نوع، بما يناسب ميزانيتي».

وبينما تعدّ الشوكولاته والحلوى والفول السوداني، من أهم مظاهر عيد الفطر لدى المصريين، قالت ربة المنزل: «هذه الأصناف أعتادُ تقديمها لضيوفي في العيد، لكن أثمانها ازدادت هي الأخرى، وأمام ذلك اكتفيتُ بشراء كيلوغرام واحد من الشوكولاته لأجل أحفادي الصغار، بينما اضطررت إلى الاستغناء عن الفول السوداني، بعد أن وصل سعره لـ120 جنيهاً».

جانب آخر من تأثّر عادات وطقوس العيد، يُعبر عنه الأربعيني، وائل كامل، صاحب مكتب دعاية، الذي انضم إلى حديث المقهى الشعبي، مُخبراً صديقيه بإلغاء نزهته المعتادة خلال العيد برفقة طفليّه وزوجته إلى الإسكندرية، بعد أن صدمته نار الأسعار. وتابع ساخراً: «اجتماعي مع عائلتي صبيحة أول يوم العيد سوف أنسحب منه، تجنباً لدفع (العيدية) لأبناء إخوتي، وتجنباً لإحراجهم أيضاً بدفع العيدية لطفليّ، فالغلاء طال الجميع».

ويبيّن الخبير الاقتصادي: «أمام ما يلمسه المستهلك من غلاء قبل العيد، فإنه حاول الاستغناء عن بعض السلع غير الأساسية أو التقليل من كمياتها، وأن يكتفي بما لديه فعلياً من ملابس، وما لمستهُ على أرض الواقع أن الخيّاطين كانوا دائماً وبالتزامن مع اقتراب عيد الفطر، تزدحم محلاتهم لضبط الملابس الجديدة، أما حالياً فأكثرهم يعمل على إصلاح الملابس القديمة، كذلك كانت هناك لهفة من جانب المواطنين على الحصول على النقود الجديدة لتوزيعها في صورة عيدية العيد، لكن تلك الرغبة تراجعت بشكل كبير».

وتوضح الدكتورة داليا الحزاوي، الخبيرة الاجتماعية والنفسية، لـ«الشرق الأوسط»، أن العائلات تستشعر صعوبة المحافظة على عاداتها في عيد الفطر، ما فرض عليهم تغيير شكل الاحتفال بالعيد، فقد ظهر ذلك جلياً في تراجع القوة الشرائية وترتيب أولويات الإنفاق، الذي أصبح يتجه نحو الأساسيات وليس التفضيلات، ومنها اتجاه كثيرين لشراء ملابس العيد من أسواق شعبية مثل وكالة البلح والعتبة والموسكي، كما دفعت الضغوط الاقتصادية إلى تفكير كثير في استبدال الهدايا البسيطة بالعيدية النقدية، وتقديمها بشكل مُغلف لإدخال البهجة على الأطفال.

وتطالب الحزاوي الأسر أمام تلك الضغوط أن تحرص على مفتاح بهجة العيد، المتمثل في الاجتماع مع العائلة والأقارب، ومحاولة الاستمتاع بالعيد، بما يخفف من وطأة الظروف الصعبة.

عودة إلى المقهى، حيث التقط كامل أنفاس «الشيشة» لينضم إلى لوحة الدخان السريالية، بينما تحرك لسانه واصفاً حال راسميها: «عيدُ بأي حال عدت يا عيد».


مقالات ذات صلة

دور سينما مصرية تعيد عرض أفلام «رأس السنة» في موسم العيد

يوميات الشرق نور النبوي ومؤلِّف «الحريفة» إياد صالح في العرض الخاص بالفيلم (الشركة المنتجة)

دور سينما مصرية تعيد عرض أفلام «رأس السنة» في موسم العيد

رغم طرح أفلام جديدة في موسم عيد الفطر السينمائي، استعادت دور سينما مصرية أفلاماً سبق وعُرضت في موسمي رأس السنة ومنتصف العام الدراسي بالتزامن مع عرض أربعة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة)
السفيرة مشيرة خطاب رئيس «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في زيارة سابقة لمركز الإصلاح والتأهيل التابع لوزارة الداخلية (المجلس القومي لحقوق الإنسان)

مصر تعفو عن آلاف السجناء بمناسبة عيد الفطر

أفرجت مصر عن أكثر من ثلاثة آلاف سجين، في عفو سنوي معتاد بمناسبة عيد الفطر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يحتفل بالعيد مع أسر الجيش والشرطة في العاصمة الإدارية (الرئاسة المصرية)

السيسي احتفل بالعيد مع أسر من الشرطة والجيش وعائلات فلسطينية

توافد المصريون على الحدائق والمتنزهات العامة، ومراكز التسوق، لتكتسي شوارع البلاد بالبهجة، وسط تجمعات للشباب والأطفال في الشوارع، وعلى كورنيش الإسكندرية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)

الملك سلمان: العيد تتجسد فيه معاني التراحم والمحبة والتسامح

هنأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، المواطنين والمقيمين، والمسلمين، بمناسبة عيد الفطر، الذي «تتجسد فيه معاني التواد والتراحم والمحبة والتسامح».

«الشرق الأوسط» (جدة)
المشرق العربي عروض كثيرة للحلويات السورية قبل عيد الفطر وإقبال ضعيف (الشرق الأوسط)

ركود غير مسبوق في الأسواق السورية قبل العيد

عكس مشهد استعدادات الأسر في العاصمة السورية دمشق ومحيطها لعيد الفطر، حقيقة الوضع المعيشي المزري الذي تعيشه الأغلبية العظمى.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».