تدهور المعيشة يزيد أعداد اليمنيات المصابات نفسياً

اليمن في ذيل قائمة الدول العربية الأقل أماناً للنساء

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)
TT

تدهور المعيشة يزيد أعداد اليمنيات المصابات نفسياً

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

مع التزايد المستمر لأعداد المرضى النفسيين في اليمن جراء النزاع وما خلفه من مآس وهموم، أفادت مصادر صحية يمنية في صنعاء، بأن المشكلة اتسعت لتشمل النساء إلى جانب الرجال.

وأكدت المصادر تزايد أعداد النساء المصابات بأمراض نفسية وعقلية من مختلف الأعمار، في صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة للحوثيين حيث يمكن مشاهدة العشرات منهن في الشوارع والأحياء.

مشرد في صنعاء يتناول طعامه في أحد الشوارع (الشرق الأوسط)

جاء ذلك في وقت أكد فيه مؤشر «المرأة والسلام والأمن» الصادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن ومعهد أبحاث السلام في أوسلو في نسخته الرابعة أن اليمن يأتي في ذيل قائمة الدول العربية الأقل أماناً للنساء.

وأدى التدهور الحاد للمعيشة وانقطاع الرواتب واتساع رقعة الجوع والفقر وغياب الخدمات وعوامل سلبية أخرى إلى فقدان آلاف اليمنيين من الذكور والإناث عقولهم، وباتوا إثر ذلك يعانون من اضطرابات نفسية، وسط تقديرات محلية سابقة تشير إلى وجود أكثر من 7 ملايين يمني يعانون من اضطرابات نفسية على خلفية الصراع.

ويخشى العاملون في مجال الصحة النفسية والعقلية من أن يتحول التزايد المتسارع لأعداد اليمنيات المضطربات عقلياً نتيجة سوء الأوضاع المعيشية إلى ظاهرة مجتمعة تصعب معالجتها.

غياب الرعاية

يتحدث أمين عبد الله، ويسكن في ريف صنعاء عن استمرار معاناة شقيقته عصماء (22 عاماً) منذ سنوات من مرض نفسي، حيث يعجز حتى اللحظة عن علاجها، نظراً لتكاليف العلاج التي تفوق وضعه المادي المتدهور.

ويرجع أمين، وهو اسم مستعار في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، سبب فقدان أخته لعقلها إلى تعرضها قبل ثلاث سنوات لصدمة كبيرة نتيجة وفاة والدتهم إثر الإصابة بجلطة دماغية مفاجئة. لافتاً إلى قيامهم بنقلها في حينها إلى أحد مشافي صنعاء، لكنها فارقت الحياة أثناء ما كانوا بطريقهم، وهي في أحضان شقيقته.

يواجه اليمن نقصاً واضحاً في الكادر المدرب على العلاج النفسي (إعلام محلي)

ويضطر أمين يومياً إلى حبس شقيقته بإحدى غرف المنزل، حتى لا تغادره وتتعرض للضياع والتشرد، معبراً عن ألمه عند مشاهدة أخته وهي بتلك الحالة التي يرثى لها، وهو عاجز عن علاجها في ظل ما قال إنه وضع معيشي بائس يكابده وأفراد عائلته المكونة من ستة أفراد.

ويرجح المختصون بالصحة النفسية أن أسباب ظهور نساء من مختلف الأعمار يعانين من أمراض نفسية في شوارع وأزقة صنعاء بلا مأوى ولا معيل لهن، يعود إلى استمرار الحالة الإنسانية المزرية التي وصل إليها عامة اليمنيين جراء تصاعد الهموم والأوجاع بسبب انقطاع المرتبات وتدهور سبل العيش.

ومثل عصماء تعاني حنان، وهي موظفة تربوية في صنعاء، من ضغوط نفسية لازمتها طوال فترة انقطاع راتبها، كما لا يزال تنتابها بأوقات كثيرة حالات اكتئاب شديدة.

وفشلت حنان (32 عاماً)، وهي مدرسة مادة العلوم بمدرسة حكومية، وأم لأربعة أولاد، أثناء محاولات سابقة لها في تجاوز أزماتها المادية والمعيشية والنفسية التي خلفها توقف الراتب، عبر العمل بعدة مهن منها التدريس في مدارس أهلية من أجل سد الرمق، لكن دون جدوى.

وتبدي حنان خوفها على مصير أطفالها في حال استمرار تدهور حالتها النفسية والصحية. وتشكو لـ«الشرق الأوسط»، من التدهور المعيشي الذي أصاب أفراد أسرتها منذ توقف الراتب، ووفاة زوجها إثر مرض عضال، مما أدى إلى دخولها في حالة اكتئاب والمعاناة من مشاكل نفسية أخرى.

وليست عصماء وحنان هما اليمنيتان الوحيدتان اللاتي يعانين من اضطرابات نفسية، فهناك آلاف اليمنيات في صنعاء وغيرها، يواجهن المشكلات والمعاناة ذاتها، ويجدن صعوبات كبيرة في الحصول على الدعم وخدمات الرعاية الصحية المناسبة.

أدنى المراتب

يتذيل اليمن مرتبة متأخرة من حيث الصحة العقلية، حيث لا تزال مناطق عدة في صنعاء ومدن رئيسية أخرى تعج بأعداد المشردين والمضطربين عقلياً من الذكور والإناث.

يمنيون يفترشون الأرض في شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)

وبحسب تقرير صادر عن منظمة «سابين لابس» الأميركية، حلت اليمن المرتبة 46 من بين 57 دولة ضمن التقرير السنوي الثالث حول الحالة العقلية للعالم لعام 2022. ويفيد التقرير بأن نحو 24.4 في المائة ممن شملهم البحث من اليمنيين يعانون صعوبات في التعامل مع ضغوط الحياة اليومية.

وفي تقرير سابق لها، ذكرت منظمة الصحة العالمية أن 7 ملايين يمني، يشكّلون نحو رُبع سكان البلاد، يعانون من الصدمات النفسية والتوتر الناجم عن استمرار الصراع. مؤكدة أن 120 ألفاً فقط من هذا العدد يمتلكون القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، ووصفت الأزمة بأنها «معركة صامتة، وتتطلب اهتماماً عاجلاً».

وألقت سنوات الصراع المستمر بظلالها القاتمة على اليمن سواء على بنيته التحتية المادية أو على صحة ورفاهية شعبه.

وتشير المنظمة إلى أنه تم تجاهل الصحة النفسية في اليمن لفترة طويلة للغاية، وهي الآن تتفاقم بوصفها أزمة خفية، إذ تفتقر أجزاء واسعة من البلاد لخدمات الصحة والدعم النفسي الاجتماعي؛ بسبب نقص المهنيين المدربين ومرافق العلاج المتخصصة.


مقالات ذات صلة

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.