ما دلالة نشاط السفن الحربية الروسية بالبحر الأحمر؟

موسكو تجري مناورات مشتركة مع أسمرة لأول مرة منذ 30 عاماً

استقبال مسؤولين بالبحرية والجيش الإريتريَّين لنظرائهم في البحرية الروسية (حساب وزير الإعلام الإريتري على «إكس»)
استقبال مسؤولين بالبحرية والجيش الإريتريَّين لنظرائهم في البحرية الروسية (حساب وزير الإعلام الإريتري على «إكس»)
TT

ما دلالة نشاط السفن الحربية الروسية بالبحر الأحمر؟

استقبال مسؤولين بالبحرية والجيش الإريتريَّين لنظرائهم في البحرية الروسية (حساب وزير الإعلام الإريتري على «إكس»)
استقبال مسؤولين بالبحرية والجيش الإريتريَّين لنظرائهم في البحرية الروسية (حساب وزير الإعلام الإريتري على «إكس»)

تنفّذ قطعٌ من البحرية الروسية مناورات مشتركة من القوات البحرية الإريترية في مدخل البحر الأحمر، في وقت تزداد فيه حدة التوتر بالمنطقة التي تشهد عمليات بحرية أميركية وأوروبية لـ«حماية الملاحة الدولية»، إضافة إلى عمليات استهداف لسفن تجارية من جانب «الحوثيين» في منطقة باب المندب، فضلاً عن تصاعد التوتر بين روسيا والغرب على خلفية الحرب في أوكرانيا.

ورأى مراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن المناورات «لا تخلو من رسائل روسية واضحة إلى الغرب»، فضلاً عن تحرك من جانب موسكو للوجود في منطقة باتت تمثل ساحة لـ«تنافس استراتيجي» بين عديد من القوى حول العالم، وسط مساعٍ من جانب روسيا لإيجاد موطئ قدم في تلك المنطقة الحيوية استراتيجياً واقتصادياً.

وأعلن السفير الروسي لدى إريتريا، إيجور موزغو، الخميس الماضي، أن روسيا أرسلت سفينة عسكرية للمشاركة في مناورات مشتركة مع إريتريا لأول مرة منذ 30 عاماً من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وقال موزغو إن عدداً من القطع البحرية الروسية العاملة ضمن «أسطول المحيط الهادئ» الروسي، وصلت إلى ميناء «مصوع» في إريتريا، ومن المتوقع أن تبقى هناك حتى 5 أبريل (نيسان)، بحسب ما نقله موقع «روسيا اليوم».

وفي 14 مارس (آذار)، اختتمت البحرية الروسية مناورات مشتركة مع نظيرتيها الصينية والإيرانية في خليج عُمان، شاركت فيها قطع بحرية روسية.

وتأتي المناورات في توقيت يشهد توترا أمنياً وسياسياً بين روسيا والدول الغربية، على خلفية استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية منذ عامين، إضافة إلى تفاقم التوتر في أعقاب هجوم على أحد المسارح بضواحي موسكو، الذي اتهم بعض المسؤولين الروس كييف وواشنطن بالوقوف خلفه، وتقديم الدعم لمنفذيه، رغم إعلان ما يُسمى تنظيم «داعش -خراسان» تبنيه للهجوم.

منطقة لتوازن القوى

ورأى خبير الشؤون الأفريقية المقيم في الولايات المتحدة، إبراهيم إدريس، أن المناورات البحرية الروسية تأتي تجسيداً لتطور العلاقات الروسية - الإريترية، خصوصاً في أعقاب الزيارات المتكررة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى المنطقة، خصوصاً إلى شرق أفريقيا، التي تضمنت اتفاقات تنموية، إضافة إلى «تنسيق سياسي في ظل إعادة بناء النظام الدولي الجديد، وتراجع النفوذ الغربي في أفريقيا».

وأشار إدريس لـ«الشرق الأوسط» إلى أن منطقة البحر الأحمر باتت منطقة تستقطب عديداً من القوى الدولية المؤثرة، إذ صارت المنطقة في ظل التطورات الراهنة «منطقة لتوازن القوى»، وبدأت تشهد تصاعداً للوجود الصيني والآن الروسي، إضافة إلى كثافة الوجود العسكري للقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

وتعج منطقة البحر الأحمر حالياً بالسفن الحربية، لا سيما الأميركية، المشارِكة في عملية «حارس الازدهار» التي شكّلتها الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي في أعقاب تصاعد الهجمات الحوثية على سفن الشحن منذ تفجُّر الحرب في قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

كما بدأت دول بالاتحاد الأوروبي منذ منتصف فبراير (شباط) الماضي مهمّةً للمساعدة في حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، الذي تعدّه الدول الغربية ممراً استراتيجياً، إذ تمر عبره 12 في المائة من التجارة العالمية.

وعدّ الخبير في الشؤون الأفريقية المناورات التي تشارك فيها البحرية الروسية «مؤشراً على دور روسي يحتمل أن يتصاعد في المرحلة المقبلة» في تأمين الملاحة بالبحر الأحمر، لافتاً إلى أن روسيا «ليست غريبة عن المنطقة» ولديها علاقات وطيدة مع دول محورية في المنطقة مثل السعودية ومصر وإثيوبيا وإريتريا والسودان.

ومن ثم لا يستبعد إدريس وجود «قبول» لدور روسي في ظل التحالفات الإقليمية الراهنة الساعية إلى موازنة القوى في المنطقة، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن ذلك الدور «لن يكون محل ترحيب غربي»، في ظل تصاعد التوتر بين الجانبين، وهو ما يمكن اعتباره دليلاً على دخول العلاقة بين الجانبين مرحلة «بدايات الصدام، وليس الصدام بحد ذاته».

يُشار إلى أن حجم الصادرات الروسية النفطية يبلغ نحو 24 في المائة من إجمالي حركة النفط المتجهة جنوباً إلى البحر الأحمر مروراً بقناة السويس ومضيق باب المندب، وتعد روسيا كذلك المورد الأهم للأسلحة لعديد من الدول الأفريقية إذ يتم بيع 13 في المائة من الأسلحة الروسية لدول القارة، وفق تقرير «معهد استوكهولم لأبحاث التسليح» لعام 2023.

رسائل روسية إلى الغرب

من جانبه، يرى المدير التنفيذي لـ«المجلس المصري للشؤون الخارجية»، سفير مصر لدى روسيا سابقاً، عزت سعد، أن المناورات البحرية الروسية تأتي في سياق بث عدد من الرسائل الروسية إلى دول الغرب، ومن بينها تأكيد أن روسيا ليست في عزلة، وأن لديها عديداً من الحلفاء حول العالم، إضافة إلى أنها تتصرف بوصفها قوة عظمى، ولديها من حرية الحركة والمشاركة في أنشطة ومناورات حول العالم ما يؤكد ذلك.

وأضاف سعد لـ«الشرق الأوسط» أن لدى روسيا حضوراً وعلاقات عسكرية قديمة مع دول منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً مع إثيوبيا وإريتريا، التي وقّعت معها اتفاقاً عسكرياً العام الماضي، ومن ثم فإن روسيا تتحرك في منطقة تشعر بأن لديها فيها «نفوذاً تقليديّاً».

واستبعد سفير مصر السابق لدى روسيا أن تكون لدى موسكو نية لتصعيد الصدام مع الغرب، في ظل الوجود البحري لعديد من الدول الغربية في المنطقة، لكنها في الوقت ذاته تريد إيصال رسالة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تصاعد حضور الولايات المتحدة والصين في منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية، التي تحولت إلى منطقة «تنافس استراتيجي محكوم إلى الآن»، وبالتالي من الصعب أن تبقى روسيا بعيدة عن منطقة بهذه الأهمية.

يذكر أن إريتريا وقّعت، في 10 يناير (كانون الثاني) عام 2023، مذكرة تفاهم مع روسيا تنص على ربط مدينة مصوع الإريترية الساحلية مع قاعدة البحر الأسود البحرية «سيفاستوبول»، ويتيح الاتفاق لموسكو استغلال ميناء «مصوع» الإريتري تمهيداً لإقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب، وهي خطوة لطالما سعت إليها الحكومة الروسية بشكل حثيث خلال السنوات الأخيرة بهدف إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة؛ لتحقيق أهدافها الجيوسياسية هناك.

في المقابل، تمتلك دول عدة، من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين واليابان، قواعد عسكرية في جيبوتي المجاورة لإريتريا، في حين تمتلك قوى إقليمية مثل تركيا وإسرائيل وجوداً بحرياً بالمنطقة، وتسعى إثيوبيا إلى امتلاك قاعدة بحرية وميناء في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأمر الذي يفاقم من التوتر في منطقة القرن الأفريقي، التي تعاني وضعاً أمنياً واقتصادياً هشّاً.


مقالات ذات صلة

«الحوثيون» يعلنون مهاجمة سفينة في البحر الأحمر

العالم العربي مسلحون حوثيون يشاركون في تظاهرة باليمن (د.ب.أ)

«الحوثيون» يعلنون مهاجمة سفينة في البحر الأحمر

أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن، الثلاثاء، استهداف سفينة شحن في البحر الأحمر، غداة تقرير من «مركز المعلومات البحرية المشترك» عن انفجارين منفصلين.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي البحر الأحمر (أرشيفية - أ.ف.ب)

هيئة بحرية: تقرير عن واقعة غرب المخا باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إنها تلقت تقريراً عن واقعة في البحر الأحمر على بعد 25 ميلاً بحرياً إلى الغرب من المخا في اليمن، حسب «رويترز».

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة سعودية هدف السباق إلى إحياء روح الإبحار السعودي (الشرق الأوسط)

ساحل أملج يتزين بسباق «البحر الأحمر كلاسيك» للإبحار الشراعي

أُقيم سباق «البحر الأحمر كلاسيك» للإبحار الشراعي، الذي نظَّمته شركة «54» العالمية للرياضة والترفيه، بالتعاون مع شركة «البحر الأحمر العالمية»، والمجتمع المحلي.

«الشرق الأوسط» (أملج)
العالم العربي الحوثيون يستهدفون حاملة طائرات أميركية ومدمرتين أميركيتين أخريين بعدد من الصواريخ والطائرات المسيَّرة (أرشيفية - د.ب.أ)

الحوثيون: استهدفنا حاملة طائرات أميركية ومدمرتين... و«البنتاغون» يؤكد

قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين في اليمن يحيى سريع إن قوات الجماعة استهدفت حاملة طائرات أميركية ومدمرتين أميركيتين أخريين بعدد من الصواريخ والطائرات المسيّرة.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

تتّجه قناة السويس المصرية إلى «تنويع مصادر دخلها»، عبر التوسع في تقديم الخدمات الملاحية والبحرية للسفن المارّة بالمجرى الملاحي، في محاولة لتعويض خسائرها.

أحمد إمبابي (القاهرة)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.