يمنيون يجابهون البطالة بحمل البضائع

في مواجهة انقطاع الرواتب والنجاة من شبح التعطل عن العمل

عامل يمني يحمل مساعدات غذائية في العاصمة صنعاء (إ.ب.أ)
عامل يمني يحمل مساعدات غذائية في العاصمة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

يمنيون يجابهون البطالة بحمل البضائع

عامل يمني يحمل مساعدات غذائية في العاصمة صنعاء (إ.ب.أ)
عامل يمني يحمل مساعدات غذائية في العاصمة صنعاء (إ.ب.أ)

يقضي محمود عبد الله، وهو يمني، معظم أوقاته قرب مستودع كبير يتبع تاجراً محليا جنوب صنعاء. ينتظر إقبال شاحنات تحمل بضائع لينقلها مع حمّالين آخرين على ظهورهم إلى المخازن، ومن ثم إعادة المطلوب منها للبيع عند الطلب.

انصرف محمود ومعه آلاف اليمنيين في صنعاء إلى مهنة حمل البضائع على ظهورهم رغم مشقتها من أجل كسب لقمة العيش بعد انقطاع رواتبهم منذ 9 سنوات، وللنجاة من شبح البطالة.

مستودع تجاري في صنعاء بانتظار حمّالين لنقل البضائع من فوق متن شاحنة (الشرق الأوسط)

ويؤكد محمود، وهو اسم مستعار، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه اضطُر مرغماً منذ نحو 4 سنوات إلى ترك مهنة التعليم في مدرسة حكومية بحي «أرتل» جنوب غربي صنعاء، والانضمام إلى صفوف العاملين بمهنة «الحمّالين» ممن يستخدمون أيديهم وظهورهم لحمل الأمتعة في الأسواق والشوارع وعند المستودعات التجارية.

يكابد الموظف التربوي وأطفاله منذ سنوات عدة مضت على انقطاع راتبه مرارة العيش لدرجة أنه بات فيها عاجزاً تماماً عن القيام بتأدية واجبه التعليمي نحو تلاميذه في المدرسة التي كان يعمل فيها، وفق قوله.

ويتقاضى محمود البالغ من العمر 39 عاماً، نحو 40 ريالاً يمنياً مقابل نقل الكرتون الواحد، ونحو 70 ريالاً يمنياً مقابل نقل كيس واحد سعة 50 كيلوجراماً من الأرز أو السكر والدقيق، ويتحصل بنهاية اليوم على ما يعادل 10 دولارات، وهو مبلغ بالكاد يسد حاجاته الضرورية.

إقبال على المهنة

مصادر نقابية في صنعاء كشفت لـ«الشرق الأوسط» عن انضمام أعداد كبيرة من الموظفين العموميين المنقطعة رواتبهم منذ سنوات إلى قائمة العاملين بمهنة «الحمالة» في صنعاء ومدن أخرى، مرجعة ذلك إلى ما يعانيه البلد منذ أكثر من 9 أعوام من أزمات متلاحقة يرافقها تعطيل الأسواق والمؤسسات، وتدمير البنية التحتية، وتوقف عجلة التنمية، وانعدام أبسط الخدمات.

ومثل محمود يواجه آلاف الحمّالين اليمنيين في صنعاء ومدن أخرى معاناة وهموماً بالغة في الصعوبة، حيث يعمل كثير منهم بجهد ليل نهار ودون توقف بحمل مختلف الأمتعة على ظهورهم من أجل تأمين سُبل العيش لهم ولأسرهم.

ودفعت الأوضاع البائسة، واتساع رقعة الفقر، وانقطاع الرواتب، وانحسار فرص العمل، آلافاً من اليمنيين بمن فيهم الموظفون الحكوميون وطلبة مدارس وخريجو الجامعات والمعاهد العلمية... وغيرهم في اليمن، إما للانضمام قسراً إلى رصيف البطالة، وإما لمزاولة مهن مختلفة ومتعددة منها العمل حمّالين، حيث لم تعد تلك المهنة في ظل هذه الأوضاع المتدهورة مقتصرة على فئة أو شريحة يمنية معينة.

مهنة إجبارية

إلى جانب محمود، يعمل «سليم م.»، وهو شاب يمني تخرج في الجامعة قبل عامين حمالاً في أحد مصانع تعبئة المياه المعدنية شمال صنعاء، حيث يبدي لـ«الشرق الأوسط»، عدم ارتياحه هذا العمل الشاق الذي لا يتلاءم مع تحصيله الدراسي، لكنه يؤكد أنه أفضل من غيره الذين لم يحظوا بمثل هذه الفرصة للعيش.

وشكا سليم من معوقات لا يزال يواجهها في الحصول على وظيفة تتناسب مع تحصيله العلمي بوصفه مدرساً لمادة الأحياء، وتساءل، قائلاً: «كيف يمكن لي الانتظار بعد التخرج للحصول على وظيفة، وأنا أُلاحظ ملايين الموظفين اليمنيين يعانون البؤس والحرمان بسبب توقف رواتبهم».

أكاديمي يمني في صنعاء ترك وظيفته نتيجة انقطاع الراتب وعمل في حمل الطوب (إكس)

ولا توجد إحصائية موثوق بها بعدد الحمّالين وغيرهم من العمال اليمنيين بالأجر اليومي الذين تأثروا بصورة مباشرة جراء الصراع الدائر في اليمن منذ سنوات، لكن مصادر عاملة في اتحاد نقابات عمال اليمن بصنعاء قدرت أعدادهم بعشرات الآلاف.

وتؤكد المصادر النقابية أن عمال الأجر اليومي ممن يحملون الأمتعة على ظهورهم وغيرهم من الحرفيين وعمال التشييد والبناء هم أكثر الفئات اليمنية المتضررة من تدهور الأوضاع الذي شهدته القطاعات الحيوية المختلفة بالمناطق التي تحت سيطرة الحوثيين.

وكانت مصادر نقابية في صنعاء قد قدرت في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» أن عدد العمال اليمنيين الذين تأثروا بشكل مباشر جراء الانقلاب والحرب يصل إلى أكثر من 8 ملايين عامل يمني، حيث فقدوا أعمالهم، وتعرض الآلاف منهم لشتى صنوف الانتهاكات.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.