إجراءات مصرفية في صنعاء بعد سريان العقوبات الأميركية

فرض سعرين لصرف الدولار بحسب تاريخ الإصدار

المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية (رويترز)
المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية (رويترز)
TT

إجراءات مصرفية في صنعاء بعد سريان العقوبات الأميركية

المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية (رويترز)
المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية (رويترز)

بدأت آثار تصنيف الولايات المتحدة للجماعة الحوثية بوصفها كياناً إرهابياً دولياً تظهر من خلال إجراءات اتخذتها الجماعة لتلافي شح العملات الأجنبية في مناطق سيطرتها، وتعويض إيقاف الحوالات إليها، وسط اتهامات لها بالسعي لنهب أموال اليمنيين.

وألزمت الجماعة شركات الصرافة في مناطق سيطرتها بتسجيل بيانات العملاء الذين يبيعون لها الدولارات من الإصدار الذي يعود إلى ما قبل عام 2006، والمتعارف عليه محلياً بـ«الدولار الأبيض»، مع خفض سعره بمقدار 4 ريالات يمنية عن السعر المتداول للدولار في تلك المناطق، مع توجيهات لشركات بتصفية مديونياتها بذلك الإصدار من الدولار.

يجري صرف أوراق الدولار القديمة والجديدة بسعرين مختلفين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بأوامر مصرفية (غيتي)

وذكرت مصادر مصرفية وتجارية مطلعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء أن الجماعة دعت مديري شركات الصرافة والبنوك المحلية إلى اجتماع قبل بدء سريان التصنيف الأميركي بأيام، لدراسة وضع الدولار من الإصدارين القديم والجديد، ووضع معالجات تنهي مشكلة فوارق سعر الصرف بينهما.

ويسري تعريف أوراق الدولار الصادرة خلال عام 2006 وما قبله بالدولار الأبيض، بينما يطلق على الأوراق الصادرة منذ عام 2009 وما بعد ذلك الدولار الأزرق.

وخلال الاجتماع وجه قادة الجماعة جميع البنوك وشركات الصرافة والصرافين بصرف أي حوالة قادمة من خارج مناطق سيطرة الجماعة بالإصدار الأزرق من الدولار، وصرف أي مبلغ بالدولار، سواء كان قديماً أو جديداً بسعر موحد، وهو سعر الصرف نفسه الذي أقرته الجماعة للدولار منذ سنوات (530 ريالاً).

وأقرت الجماعة إيقاف إصدار الحوالات المالية بالدولار القديم (الأبيض) في أنظمة شبكات الحوالات المالية، واعتماد الدولار الجديد فقط في عمليات التحويل، مع وقف التغطيات المالية بالدولار القديم، واقتصارها على الدولار الحديث، ووقف بيع الدولار القديم للوكلاء والعملاء وبدء تصفية الأرصدة الدائنة للعملاء والوكلاء من هذا الدولار، مع استمرار شرائه من العملاء والوكلاء بأقل من قيمته بريال واحد فقط.

وكان الفارق بين سعر فئة المائة دولار القديمة والجديدة يتراوح ما بين 500 و1500 ريال، ما يتسبب في خسائر لحاملي فئة الدولار القديم.

وأقرت الجماعة الحوثية منذ سنوات سعر صرف لإصدارات الدولار القديمة، وحدت من التعامل بالإصدارات الجديدة، واحتجزت كميات كبيرة منها.

عامل في شركة صرافة بالعاصمة اليمنية صنعاء (رويترز)

وتؤكد المصادر أن قيادات مالية حوثية أبدت تخوفها من تراجع العملات الأجنبية في مناطق سيطرتها بعد دخول القرار الأميركي بتصنيفها بوصفها كياناً إرهابياً دولياً حيز التنفيذ، والذي يقضي بفرض عقوبات اقتصادية ومالية، من بينها منع التحويلات المالية من وإلى مناطق سيطرتها، رداً على هجماتها في البحر الأحمر.

بيئة طاردة للعملات

تحولت مناطق سيطرة الجماعة الحوثية إلى بيئة طاردة للعملات الأجنبية؛ وفق عدد من خبراء الاقتصاد والمال، حيث بدأت عشرات الشركات التجارية والبنوك وشركات الصرافة منذ أشهر كثيرة في التهرب من تسلُّم الحوالات المالية في مناطق سيطرة الجماعة، وتفضل تسلمها في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.

وأرجع الخبراء ذلك لوجود معروض من سيولة النقد الأجنبي في مناطق سيطرة الحكومة، مقابل تراجع هذا المعروض بشكل كبير في مناطق سيطرة الجماعة التي فرضت على المتعاملين تسلّم تحويلاتهم وحساباتهم بالعملة المحلية؛ وفقاً لسعر صرف جرى فرضه من خلال النظام المصرفي التابع للجماعة.

وترجح المصادر المصرفية والتجارية في إفادتها لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الإجراءات تهدف إلى تسهيل وصول الحوالات القادمة من خارج البلاد نقداً، والاستفادة منها.

وطبقاً للمصادر، فإن كميات العملات الأجنبية المعروضة شهدت تراجعاً في أسواق مناطق سيطرة الجماعة خلال الشهر الحالي.

تسببت الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن بعقوبات أميركية أثرت سلباً على الوضع المالي للجماعة (د.ب.أ)

وأوقفت الولايات المتحدة التحويلات المالية إلى اليمن بما فيها أموال المساعدات الإنسانية التي تقدر بـ291 مليون دولار سنوياً، حيث تقدم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية 209 ملايين دولار، بينما يأتي 82 مليون دولار من خلال مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع للخارجية الأميركية، لتوفير الغذاء وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة والمأوى.

ورغم هذا التراجع في كميات الدولار المعروضة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، فإن الريال السعودي لا يزال ضمن أكبر العملات الخارجية حضوراً في تلك المناطق وعموم البلاد، بسبب حجم التحويلات المالية للمغتربين اليمنيين في السعودية، والذين يقدر عددهم بما يزيد على مليونين ونصف المليون مغترب.

نهب فوارق الصرف

في السياق اتهم القيادي الحوثي والنائب في البرلمان الخاضع لسيطرة الجماعة سلطان السامعي الجماعة بنهب أموال اليمنيين، خصوصاً حوالات المغتربين اليمنيين في الخارج، وذلك من خلال الفارق في سعر صرف الدولار سواء القديم والجديد، مبيناً أن هذا النهب يزداد قبل مناسبات الأعياد.

وبيّن السامعي في مخاطبته محافظ البنك المركزي للجماعة في صنعاء، أن عدم ضبط الصرف كان هو السبب الرئيسي في تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، متهماً الجماعة بعدم حماية السكان من الاستغلال ونهب أموالهم، ما أدى إلى انتشار الفوضى في سوق الصرف، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وانخفاض قيمة العملة المحلية.

وطرح السامعي تساؤلات عدة حول انخفاض سعر الصرف قبل العيد بأسبوع، وعودة سعر الصرف الرسمي بعد العيد مباشرة، وعدم السماح للمستفيدين من الحوالات بتسلمها قبل العيد إلا بالريال اليمني وبسعر صرف ما قبل العيد، كما يجري منعهم من تسلُّم الحوالات خارج مناسبات الأعياد إلا بالدولار القديم.

كما تساءل السامعي، وهو أيضاً عضو المجلس السياسي للجماعة حول تسعير فئات (10) و(20) دولاراً أقل من السعر المقرر، إلى جانب أن سعر الصرف في تطبيقات البنوك والمحافِظ الإلكترونية أقل من السعر الرسمي.

عضو مجلس حكم الجماعة الحوثية سلطان السامعي (إكس)

وأشار إلى أنه وفي حال وجود عيب صغير، يكاد يُرى بالعين المجردة، على العملات الأجنبية لا يتم قبولها، إلا بخصم مبلغ ما بين ثلاثة وخمسة آلاف ريال يمني تستولي عليها شركات الصرافة، مستفسراً إن كان للقادة الحوثيين في البنك المركزي نسبة من هذه الاستقطاعات، حتى يسمحوا للصيارفة بهذه الممارسات.

واستغرب السامعي من غياب عملة الدولار الجديد في السوق، مع وجود كميات كبيرة من الدولار القديم في السوق، منوهاً إلى احتمال أن يكون ذلك إجراءً متعمداً لاستمرار نهب السكان.

ودعا إلى الإجابة عن تساؤلاته، ليس فقط من أجل معرفة الحقيقة، ولكن أيضاً من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تلك الممارسات.


مقالات ذات صلة

استراتيجية يمنية لتمويل المناخ وبرنامج أممي يحمي الأسماك

المشرق العربي التطرفات المناخية باليمن أسهمت إلى جانب الانقلاب والحرب في مضاعفة معاناة اليمنيين (أ.ف.ب)

استراتيجية يمنية لتمويل المناخ وبرنامج أممي يحمي الأسماك

تعتزم الحكومة اليمنية بدء حملة للحصول على تمويلات تساعدها في مواجهة تطرفات المناخ بينما ينفذ برنامج أممي مشروعاً لحماية البيئة والثروة السمكية.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي طفلة تعاني من سوء التغذية وتنتظر العلاج في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء (رويترز)

الكوليرا والحصبة تفتكان بمئات آلاف اليمنيين

تتزايد أعداد المصابين بالكوليرا والحصبة وأمراض أخرى في اليمن، بموازاة تفاقم سوء التغذية الذي تعتزم الحكومة مواجهته بالتعاون مع الأمم المتحدة بمناطق غرب البلاد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تنشط شبكة حوثية لتجنيد شبان يمنيين للقتال ضمن الجيش الروسي في أوكرانيا، من خلال إغرائهم بالعمل في شركات أمن روسية برواتب مجزية وتتقاضى آلاف الدولارات عن كل شاب.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».