يتسابق «أحمد» مع جيرانه في أحد أحياء العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، يومياً، للوصول خلال ساعات الظهيرة إلى أحد المطاعم الشعبية القريبة منهم لشراء كمية من «المرق» (الحساء)، بعد أن تحول هذا الصنف الغذائي بفعل تدهور المعيشة واتساع رقعة الجوع والفقر وتوقف الرواتب إلى وجبة رئيسية، تعتمد عليها آلاف الأسر في صنعاء ومدن أخرى.
ويقول أحمد (38 عاماً) المقيم في حي الحثيلي بضواحي صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إنه يحرص يومياً على شراء قليل من «المرق» حتى تقوم زوجته بتجهيز وجبة الغداء المكونة من «فتة الخبز» و«العصيدة» و«السلتة»، وهي أكلات شعبية يُستخدم فيها «المرق» بشكل رئيسي.
يأتي ذلك في وقت أصبحت فيه أغلبية الموائد التي يتجمع عليها اليمنيون تخلو من أي نوع من اللحوم، نتيجة تدهور الأوضاع جرَّاء الحرب المستمرة للسنة التاسعة.
ويشكو أحمد -وهو أب لخمسة أولاد- من التدهور المعيشي الذي أصابه وأسرته منذ نحو 4 سنوات مضت؛ حيث تم تسريحه من عمله، وتعرضت الشركة التي كان يعمل فيها للإفلاس والإغلاق نتيجة الصراع، وما نتج عنه من تداعيات سلبية على الاقتصاد اليمني. ويؤكد أنه يبحث عن عمل لتأمين سبل العيش؛ لكن دون جدوى.
ويشير «جبران» -وهو موظف عمومي في صنعاء- إلى أنه يعتمد حالياً -كغيره من السكان- على شراء «المرق»، لصنع وجبة الغداء، نظراً لسعرها الرخيص؛ حيث إن مبلغ 250 ريالاً (نحو نصف دولار) يكفي لشراء ما وزنه نصف كيلوغرام من مرق لحم الماعز أو الدجاج.
ويفيد جبران «الشرق الأوسط»، بأنه لم يجلب لأطفاله منذ أشهر طويلة أي نوع من اللحوم، مرجعاً ذلك إلى تردي المعيشة جراء استمرار انقطاع الرواتب وندرة العمل.
ومع تدهور سبل العيش، توسعت ظاهرة إقبال اليمنيين في صنعاء ومدن أخرى على شراء «المرق» لإعداد وجبات بواسطته. ويفسر ملاك مطاعم في صنعاء هذا الإقبال بسبب عجز غالبية السكان عن شراء اللحوم، بمن فيهم أولئك الذين كانت أوضاعهم ميسورة قبل الحرب.
مواكبة زيادة الطلب
نظراً لذلك الإقبال الملحوظ من قبل اليمنيين على شراء «المرق» بأنواعه المختلفة، يقول «إبراهيم» -وهو مالك أحد المطاعم في صنعاء- إنه اضطر وغيره من ملاك المطاعم إلى شراء أوانٍ معدنية كبيرة وتحضير «المرق» المشتق من اللحوم، ليتم بيعه للناس بصورة يومية، وقال إنه لجأ في المقابل إلى تقليص حجم عدد من الأكلات المختلفة، نظراً لضعف الإقبال على شرائها.
وتحدث مالك المطعم لـ«الشرق الأوسط» عن معضلة باتت تؤرقه وكثيراً من ملاك المطاعم، والمتمثلة ببيع كميات «المرق» يومياً للناس مع بقاء قطع اللحم التي لا يشتريها أحد، نتيجة تدني الوضع المادي، وذلك يشكل بالنسبة لهم خسارة كبيرة.
ودفع اليمنيون في مختلف المدن تحت سيطرة الحوثيين فاتورة اقتصادية وإنسانية باهظة الثمن، في ظل استمرار الحرب الدامية التي عصفت بالبلد منذ ما يزيد على 9 سنوات.
ووفق مؤشر الجوع العالمي، شهد اليمن ثالث أسوأ مستويات الجوع في العالم خلال العام المنصرم، كما أن التعهدات الحالية للمساعدات الغذائية منخفضة بشكل مثير للقلق، وقد اضطر «برنامج الأغذية العالمي» إلى تقليص بعض برامجه المنقذة للحياة.
وفي تقرير سابق، أكد «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة، أن ارتفاع الأسعار دفع اليمنيين إلى الفقر المدقع وازدياد الجوع، والنتيجة أن نصف العائلات تستهلك أقل مما تحتاج.
ودفع انخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وعوامل أخرى، كثيرين في اليمن إلى الفقر المدقع. ويقول البرنامج الأممي في تقريره إن الجوع يزداد في اليمن نتيجة ما قال إنه المزيج السام للصراع والتدهور الاقتصادي؛ موضحاً أن نصف العائلات اليمنية تستهلك الآن أقل مما هو مطلوب من الغذاء.