دعوات يمنية لإنقاذ الاقتصاد من تداعيات التصعيد الحوثي البحري

بعد تهاوي العملة المحلية وتراجع تمويلات المانحين

ناقلة النفط «مارلين لواندا» بعد تعرّضها لهجوم حوثي في خليج عدن (أ.ب)
ناقلة النفط «مارلين لواندا» بعد تعرّضها لهجوم حوثي في خليج عدن (أ.ب)
TT

دعوات يمنية لإنقاذ الاقتصاد من تداعيات التصعيد الحوثي البحري

ناقلة النفط «مارلين لواندا» بعد تعرّضها لهجوم حوثي في خليج عدن (أ.ب)
ناقلة النفط «مارلين لواندا» بعد تعرّضها لهجوم حوثي في خليج عدن (أ.ب)

في حين تتهدد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن والردود العسكرية الغربية، أعمال النقل البحري والتجارة العالميين، تصاعدت الدعوات اليمنية لإيجاد حلول عاجلة تستبق تعاظم آثار التصعيد التي بدأت تطال الاقتصاد ومعيشة السكان.

ومنذ أيام تعرّضت سفينة شحن أميركية محملة بالحبوب لهجوم صاروخي حوثي قبل وصولها إلى ميناء عدن جنوب اليمن؛ ما تسبب بوقوع أضرار بسيطة فيها، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأساسية نتيجة تلك الهجمات في ظل استمرار الصراع الداخلي وتعطل فرص الوصول إلى اتفاق سلام.

سفينة الشحن الأميركية «شامبيون» المحملة بالحبوب ترسو في ميناء عدن بعد تعرّضها لهجوم حوثي منذ أيام (رويترز)

وتشهد العملة اليمنية (الريال) انهياراً متواصلاً مع تزايد المخاوف من أن يؤدي استمرار تلك التوترات إلى إلحاق الضرر بالمساعدات الإنسانية الموجهة إلى المتضررين من الأزمة الإنسانية في البلاد، خصوصاً وأنها قد تراجعت بشكل كبير العام الماضي، بفعل انخفاض تمويلات المانحين، وعدد من الأزمات مثل الحرب الروسية - الأوكرانية.

ووصل سعر صرف الدولار الواحد إلى نحو 1700 ريال في عدد من المدن والمناطق الواقعة تحت إدارة الحكومة اليمنية، رغم ثباته عند 530 ريالاً للدولار في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي فرضت نظاماً مصرفيا خاصاً بالقوة، ومنعت تداول العملات الأجنبية بأكثر من الأسعار التي حددتها سلفاً.

أزمة قديمة تتجدد

لم يحدث حتى الآن تراجع ملحوظ أو كبير في الحركة الملاحية من اليمن وإليه - بحسب مصطفى نصر، رئيس مركز لدراسات والإعلام الاقتصادي -، وأفاد بأن استمرار وصول الواردات الغذائية والسلع الأساسية مرهون بمسار الصراع في البحر الأحمر واستمراريته ومستوى التصعيد فيه؛ ما سيهوي بالكثير من الأنشطة الاقتصادية، ومنها اصطياد الأسماك وتصديرها.

ويقدّر نصر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ارتفاع تكاليف الشحن بنحو 5 آلاف دولار للحاوية الواحدة؛ وهو ما سيلقي بآثار مباشرة على الأسعار، إلى جانب أن أزمة البحر الأحمر تتسبب في تأخير وصول السلع إلى الموانئ اليمنية، وتتسبب في قلة المعروض منها في الأسواق؛ ما قد يكون عاملاً آخر في ارتفاع أسعارها.

عطّلت أحداث البحر الأحمر إمكانية التوصل إلى سلام في اليمن وزادت من مخاوف تفاقم الأزمة الإنسانية (أ.ف.ب)

غير أن أزمة البحر الأحمر ليست وليدة اللحظة، كما يرى الباحث الاقتصادي عادل شمسان، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بل إنها تطورت أخيراً إلى مرحلة حرجة بالتزامن مع أحداث غزة التي تستغلها الجماعة الحوثية للحصول على مكاسب سياسية.

وبدأت أزمة البحر الأحمر، برأي شمسان، في عام 2016 عندما استهدفت ميليشيات الحوثي السفن التجارية وسفن النفط التابعة لدول تحالف دعم الشرعية، وأقدمت على زراعة الألغام البحرية وتسيير الزوارق المفخخة.

وينبّه شمسان إلى أن هذه الممارسات الحوثية تسببت خلال السنوات الماضية في عزوف أكثر من 25 شركة شحن بحري عن الوصول إلى الموانئ اليمنية، خصوصاً في البحر الأحمر، وأدت إلى ارتفاع كلفة التأمين البحري، التي أثّرت بدورها على أسعار السلع الأساسية خلال السنوات الماضية.

وزاد الأمر سوءاً بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفقاً لشمسان، وذلك بزيادة عدد شركات الشحن التي ترفض الوصول إلى الموانئ اليمنية أو التعامل معها، وهو ما اعترفت به الغرفة التجارية الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية في صنعاء، إلى جانب تضاعف أسعار الشحن البحري والتأمين أخيراً؛ ما ينبئ بكارثة سعرية جديدة على اليمنيين.

دعوات إلى الحوار

في سياق المخاوف من آثار التصعيد البحري، دعا ممثلو الشركات التجارية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية الإنسانية في اليمن، إلى حوار بين الأطراف المعنية وشركات الملاحة الدولية لتخفيف تداعيات الأحداث في البحر الأحمر على الوضع الاقتصادي والإنساني، وتحييد الملف الاقتصادي عن تلك التوترات.

نقاشات يمنية حول وسائل التخفيف من آثار توترات البحر الأحمر على الاقتصاد اليمني (سبأ)

وجاءت تلك الدعوات في ندوة نظّمها نادي رجال الأعمال في العاصمة المؤقتة عدن وفريق الإصلاحات الاقتصادية، بالشراكة مع مركز المشروعات الدولية الخاصة (CIPE) حول «تداعيات الأحداث في البحر الأحمر وخليج عدن على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن»، والتي طالب المشاركون فيها بتفعيل دور القطاع الخاص كشريك أساسي في إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية.

وعدّ علي الحبشي، رئيس مجلس إدارة نادي رجال الأعمال في عدن، ارتفاع تكاليف الشحن عبر البحر الأحمر والتأخير في وصول الحاويات وتأثيرها على التجار ورجال الأعمال، بالمشكلة الأبرز التي نجمت عن التوترات في البحر الأحمر، إلى جانب صعوبات تصدير الأسماك إلى الخارج.

وحذّر من أن تداعيات تلك التطورات على اليمن، ستلقي بآثارها على الوضع الإنساني، مطالباً بإجراء الحوار مع الخطوط الملاحية، وفتح نقاش حول برامج الرحلات التجارية والمخاطر التي تواجهها وخلق حوارات مع الدول والجهات الإقليمية الفاعلة وتكثيف مناصرة القضية الإنسانية في اليمن، وجعل مصالح السكان ومعيشتهم هي القضية الأهم.

من جهته، دعا سعيد حرسي، نائب مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في عدن، إلى تركيز واهتمام المنظمات الأممية برفع مستوى الدعم الإنساني بالشراكة مع المنظومة الدولية والشركاء المحليين، ورفع جودة الاستهداف وضمان ذهاب المساعدات لمستحقيها، والنظر إلى السياق الإنساني أو التنموي وبرمجة التدخلات التنموية والخدمية، وعدم الاقتصار على العمل الإنساني البحت.

بدأت العمليات الحوثية في البحر الأحمر باختطاف السفينة «غالاكسي ليدر» في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

ولفت حرسي إلى وجود توجه لتعزيز صمود للأسر والمجتمعات المحلية، من خلال الشراكات المشجعة، واستغلال الموارد المتاحة، وتفعيل المساءلة، وتوحيد الجهود المحلية مع جهود الدول المانحة وشركاء اليمن والمجتمع الدولي حتى تمضي في السياق نفسه، مقللاً من تداعيات تصنيف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية على العمليات الإنسانية في البلاد.

وشهدت الندوة دعوات إلى الحد من تدهور العملة المحلية، بصفتها سببا في التحديات التي يواجهها القطاع الخاص، والتي ستحد من فاعلية أي إصلاحات، سواء على مستوى الدولة أو القطاع الخاص.

وأشاد مازن أمان، عضو فريق الإصلاحات الاقتصادية، بالقطاع التجاري الخاص الذي واجه تحديات كبيرة وأثبت مرونته في امتصاص الضغوط والحفاظ على توفير الغذاء للسكان، مقارنة بدول أخرى واجهت مشكلات أكبر، معرباً عن قلقه من استمرار هذه الضغوط دون توفير تمويلات دولية ما سيضاعف الأزمة والتداعيات التي لن يستطيع القطاع الخاص تحمل المزيد منها.


مقالات ذات صلة

استراتيجية يمنية لتمويل المناخ وبرنامج أممي يحمي الأسماك

المشرق العربي التطرفات المناخية باليمن أسهمت إلى جانب الانقلاب والحرب في مضاعفة معاناة اليمنيين (أ.ف.ب)

استراتيجية يمنية لتمويل المناخ وبرنامج أممي يحمي الأسماك

تعتزم الحكومة اليمنية بدء حملة للحصول على تمويلات تساعدها في مواجهة تطرفات المناخ بينما ينفذ برنامج أممي مشروعاً لحماية البيئة والثروة السمكية.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي طفلة تعاني من سوء التغذية وتنتظر العلاج في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء (رويترز)

الكوليرا والحصبة تفتكان بمئات آلاف اليمنيين

تتزايد أعداد المصابين بالكوليرا والحصبة وأمراض أخرى في اليمن، بموازاة تفاقم سوء التغذية الذي تعتزم الحكومة مواجهته بالتعاون مع الأمم المتحدة بمناطق غرب البلاد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تنشط شبكة حوثية لتجنيد شبان يمنيين للقتال ضمن الجيش الروسي في أوكرانيا، من خلال إغرائهم بالعمل في شركات أمن روسية برواتب مجزية وتتقاضى آلاف الدولارات عن كل شاب.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

هوكستين: القوات الإسرائيلية ستنسحب قبل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

هوكستين: القوات الإسرائيلية ستنسحب قبل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

أكد المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، الأربعاء، أن القوات الإسرائيلية ستنسحب من المناطق الجنوبية قبل انتشار الجيش اللبناني، وذلك غداة إعلان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

وأضاف هوكستين في تصريحات تلفزيونية لوسائل إعلام لبنانية: «(حزب الله) انتهك القرار 1701 لأكثر من عقدين وإذا انتهك القرارات مجدداً سنضع الآليات اللازمة لذلك».

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس، وقفاً لإطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» دخل حيّز التنفيذ في الرابعة صباحاً بالتوقيت المحلّي.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الاتفاق سيسمح لبلاده التي ستحتفظ «بحرية التحرّك» في لبنان، وفق قوله، بـ«التركيز على التهديد الإيراني»، وبـ«عزل» حركة «حماس» في قطاع غزة.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن اتفاق وقف النار في لبنان يجب أن «يفتح الطريق أمام وقف للنار طال انتظاره» في غزة.

وأعلن الجيش اللبناني، اليوم، أنه بدأ نقل وحدات عسكرية إلى قطاع جنوب الليطاني، ليباشر تعزيز انتشاره في القطاع، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي بدأ سريانه منذ ساعات.

وقال الجيش في بيان إن ذلك يأتي «استناداً إلى التزام الحكومة اللبنانية بتنفيذ القرار (1701) الصادر عن مجلس الأمن بمندرجاته كافة، والالتزامات ذات الصلة، لا سيما ما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني».

وأضاف أن الوحدات العسكرية المعنية «تجري عملية انتقال من عدة مناطق إلى قطاع جنوب الليطاني؛ حيث ستتمركز في المواقع المحددة لها».

وكان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي قد أعلن في وقت سابق أن لبنان سيعزز انتشار الجيش في الجنوب في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال ميقاتي بعد جلسة حكومية إن مجلس الوزراء أكّد الالتزام بقراره «رقم واحد، تاريخ 11/10/2014، في شقه المتعلق بالتزام الحكومة اللبنانية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701... بمندرجاته كافة لا سيما فيما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني».

وطالب في الوقت نفسه «بالتزام العدو الإسرائيلي بقرار وقف إطلاق النار والانسحاب من كل المناطق والمواقع التي احتلها، تنفيذا للقرار 1701 كاملا».

وأرسى القرار 1701 وقفا للأعمال الحربية بين إسرائيل و«حزب الله» بعد حرب مدمّرة خاضاها في صيف 2006.

وينصّ القرار كذلك على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الامم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.وأعرب ميقاتي في الوقت نفسه عن أمله بأن تكون الهدنة «صفحة جديدة في لبنان... تؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية» بعد عامين من شغور المنصب في ظلّ الخلافات السياسية الحادة بين «حزب الله» حليف إيران، وخصومه السياسيين.

من جهته، دعا رئيس البرلمان اللبناني وزعيم حركة أمل نبيه بري النازحين جراء الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، للعودة إلى مناطقهم مع بدء سريان وقف إطلاق النار. وقال في كلمة متلفزة «أدعوكم للعودة إلى مسقط رؤوسكم الشامخة... عودوا إلى أرضكم التي لا يمكن أن تزداد شموخاً ومنعة إلا بحضوركم وعودتكم إليها».ودعا كذلك إلى «الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية» بعد عامين من شغور المنصب.

ومن المنتظر أن تتولى الولايات المتحدة وفرنسا فضلاً عن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وقال هوكستين إن بلاده ستدعم الجيش اللبناني الذي سينتشر في المنطقة. وأكد: «سندعم الجيش اللبناني بشكل أوسع، والولايات المتحدة هي الداعم الأكبر له، وسنعمل مع المجتمع الدولي جنبا إلى جنب».