صنعاء تكتظ بالمتسولين... ومخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية

مع تصعيد الحوثيين هجماتهم على الملاحة

الفقر دفع صغار السن في صنعاء للعمل لمساعدة أسرهم (إعلام محلي)
الفقر دفع صغار السن في صنعاء للعمل لمساعدة أسرهم (إعلام محلي)
TT

صنعاء تكتظ بالمتسولين... ومخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية

الفقر دفع صغار السن في صنعاء للعمل لمساعدة أسرهم (إعلام محلي)
الفقر دفع صغار السن في صنعاء للعمل لمساعدة أسرهم (إعلام محلي)

فيما تتسيد مشاهد الفقر شوارع العاصمة اليمنية صنعاء المختطفة من الحوثيين، تتمحور مخاوف غالبية السكان ونقاشاتهم حول التصعيد الأخير وعرقلة اتفاق السلام والدفع بالبلاد نحو مواجهة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، والعواقب الوخيمة التي ستترتب على ذلك في بلد يعيش أكثر من 70 في المائة من سكانه على المساعدات.

وفي حين كان عشرات الآلاف من الموظفين ينتظرون بآمال عريضة التوقيع على خريطة الطريق التي أعلنها مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبرغ والتي كانت حصيلة لجهود الوساطة السعودية - العمانية، وجد الملايين من الفقراء بلدهم في مواجهة مع تحالف دولي في البحر الأحمر تقوده الولايات المتحدة، ومعه تعطلت مساعي السلام، فيما اتجه الحوثيون نحو تجنيد المزيد من المراهقين والفقراء.

تكتظ شوارع صنعاء بآلاف المتسولين بعضهم من الموظفين المقطوعة رواتبهم (الشرق الأوسط)

ووسط تحذيرات واشنطن ولندن من تبعات هذا التصعيد على السكان، تنتشر تجمعات الفقراء في صنعاء في تقاطعات الشوارع وأمام المطاعم ومحالّ البقالة يتسولون من الميسورين وبينهم موظفون حكوميون قطع الحوثيون رواتبهم منذ ثمانية أعوام.

في مقابل ذلك، تشهد المدينة المختطفة حضورا لافتا لأحدث موديلات السيارات وأبراجا سكنية حديثة ومراكز تجارية ضخمة تعكس مقدار الأموال التي يحصل عليها قادة الجماعة وحضور الطبقة الجديدة من التجار الذين يعملون كشركاء للقادة الحوثيين.

كسر حاجز الخوف

يقول مراد وهو ناشط يعيش في المدينة لـ«الشرق الأوسط» إن الناس كسرت حاجز الخوف وأصبحت توجه انتقادات علنية لفساد الحوثيين، وتساءل عن ثراء قادة الجماعة ومجموعة التجار الجدد الذين ظهروا، في حين أن العشرات من الإناث والذكور صغارا وكبارا يتجمعون تحت أشعة الشمس الحارقة أو البرد القارس عند إشارات المرور لبيع المناديل الورقية أو قناني مياه الشرب، أو مسح زجاج سيارات الميسورين للحصول على أي مبلغ يمكنهم من خلاله مساعدة أسرهم على توفير أدنى متطلبات الحياة اليومية.

يلجأ السكان في صنعاء لأي عمل يمكن أن يوفر لهم لقمة العيش (الشرق الأوسط)

ويؤكد الشاب أن الحصول على رغيف من العيش وعلبة زبادي بات وجبة متميزة لكثير من الأشخاص الذين يمكن أن يحصلوا عليها، ويجزم أن البؤس يعلو ملامح الناس في تحركاتهم بعد أن أرهقتهم المتطلبات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وعجز غالبية كبيرة من السكان عن توفيرها.

ويتفق معه في ذلك أحمد وهو اسم مستعار لكاتب معروف يقيم في المدينة ويقول إن تسعة أعوام من سيطرة الحوثيين على المدينة حولت أعدادا كبيرة من الناس إلى متسولين، لأنه لا توجد أي فرصة عمل أو مصدر آخر يمكن الحصول من خلاله على أي مبلغ مالي، ويؤكد أن أي فئة اجتماعية كانت تعيش مستوى مقبولا من الحياة باتت اليوم تقبل الصدقات كأمر واقع.

ويضيف أحمد: بعد أن كان الناس في وسائل المواصلات أو في المقاهي أو في المجالس يناقشون كيفية تحسين معيشتهم، وأمنياتهم المستقبلية، ويتنافسون على تعليم أبنائهم وبناتهم ويخوضون في السياسة والاقتصاد والرياضة والفن، أصبحت أحاديثهم اليوم تتمحور حول الفقر وكيفية الحصول على كيس من القمح أو أسطوانة من غاز الطهي المنزلي.

اشتداد الفقر

يذكر منصور وهو سائق سيارة أجرة كيف أنه لم يعد يحصل على دخل يومي يقارب ما كان يلاقيه قبل اقتحام الحوثيين صنعاء، لأن الناس لم تعد تستخدم سيارات الأجرة بل تتنقل بواسطة الميكروباص.

تعيش العاصمة اليمنية تناقضات الفقر المدقع والثراء الفاحش (الشرق الأوسط)

ويورد كيف أن أحد الأشخاص ويعتقد أنه من قادة الحوثيين أو تجارهم لأنه يقود سيارة فارهة وقف في إحدى إشارات المرور وطلب من المتسولين والباعة المتجولين ترديد «الصرخة الخمينية» مقابل أن يوزع لهم بعض النقود ففعلوا ذلك.

ووفق ما أورده الرجل وهو في العقد الخامسة من العمر فإن فتيات بعمر الزهور، ونساء كبيرات في السن، وأمهات مع أطفالهن يذهبون إلى التقاطعات منذ الصباح وحتى المساء أملا في الحصول على مساعدة، حيث باتت جزر الشوارع مكانا لنوم الصغار أو استراحة كبار السن خاصة عند اشتداد الحرارة ظهيرة كل يوم.

أما محمود وهو سائق ميكروباص فيتحدث أنه يواجه يوميا عشرات القصص لرجال ونساء لا يمتلكون أجرة المواصلات، ويقول إنه في كل يوم ينقل نساء وأطفالا وكبار سن دون مقابل، حيث يبلغونه أنهم لا يمتلكون الأجرة وقد أنهكتهم الشمس الحارة فيقبل بذلك ولكن لعدد محدود لأنه لو فتح الباب فإنه لن يحصل على أي دخل وهو ملزم بدفع مبلغ يومي لمالك الميكروباص.

تعكس المباني الضخمة الثراء الذي يعيشه قادة الحوثيين (إعلام محلي)

ويقول أنور وهو موظف حكومي إن أعدادا كبيرة من السكان أرهقهم الفقر والجوع فخرجوا إلى الشوارع يبحثون عمن يساعدهم في الحصول على ما يسدون به رمقهم وأطفالهم وأسرهم، وبين هؤلاء موظفون وعسكريون ومعلمون، ينتشرون في الأسواق والتقاطعات والمطاعم وبجوار الشركات، طمعا في أي مبلغ، في حين أن الأحياء الجديدة من المدينة تشهد وضعا مغايرا لمشاهد البؤس، حيث تنتصب الأبراج السكنية الحديثة والمراكز التجارية الفخمة والتي غالبا ما يملكها قادة في جماعة الحوثي أو تجار شركاء لهم.

وتؤكد منال وهي موظفة في شركة تجارية أن كبار السن يسابقون الأطفال على مسح زجاج السيارات للحصول على أي مبلغ، وأن هؤلاء بملامح مكسورة، يوضحون للسائقين أنهم موظفون كانوا يعيشون على رواتبهم ولكنهم الآن استنفدوا كل مدخراتهم فباعوا مجوهرات نسائهم وكل ما يمكن بيعه في منازلهم أو بقية من أرض ورثوها من آبائهم في الأرياف، قبل أن يضطروا للخروج إلى التقاطعات لممارسة أي عمل.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.