القوى السنية تبلع طعم فقرة تغيير النظام الداخلي

كواليس الليلة الطويلة لانتخاب رئيس البرلمان العراقي

البرلمان العراقي يعمل بلا رئيس منذ أكتوبر الماضي بعد إقالة الحلبوسي (إعلام المجلس)
البرلمان العراقي يعمل بلا رئيس منذ أكتوبر الماضي بعد إقالة الحلبوسي (إعلام المجلس)
TT

القوى السنية تبلع طعم فقرة تغيير النظام الداخلي

البرلمان العراقي يعمل بلا رئيس منذ أكتوبر الماضي بعد إقالة الحلبوسي (إعلام المجلس)
البرلمان العراقي يعمل بلا رئيس منذ أكتوبر الماضي بعد إقالة الحلبوسي (إعلام المجلس)

بعكس كل ما بنته قوى سياسية كثيرة من توقعات بشأن حصر المنافسة في انتخابات رئيس جديد للبرلمان العراقي خلفاً لمحمد الحلبوسي بين الرئيس الأسبق للبرلمان محمود المشهداني وبين مرشح حزب «السيادة» بزعامة خميس الخنجر النائب سالم العيساوي، بدا مفاجئا لكل أصحاب التوقعات المعلنة أن الفوز كان من نصيب من كان مهزوما من وجهة نظرهم من الجولة الأولى وهو مرشح حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي النائب شعلان الكريم بأغلبية كبيرة (152 صوتا مقابل 97 صوتا لصالح العيساوي و48 صوتا لصالح المشهداني).

وطبقاً للسياقات المعمول بها في النظام الداخلي للبرلمان فإنه كان مقررا أن تبدأ جولة التنافس الثانية بين أعلى اثنين حاصلين على أعلى الأصوات شعلان الكريم وسالم العيساوي، وجولة التنافس الثانية لم تعقد إلا بعد نحو ثلاث ساعات.

تلك الساعات بدت طويلة ومثيرة لمزيد من التكهنات، ناهيك عن الأسباب التي بدت غائبة بشأن تبرير هذا التأخير من قبل رئاسة البرلمان، ولا سيما النائب الأول محسن المندلاوي الذي يترأس البرلمان بالإنابة منذ الإطاحة بالحلبوسي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وزادت الأمور استغرابا من قبل أطراف مختلفة حين بدا أن الحضور البرلماني لهذه الجلسة مختلف بعكس كل المرات السابقة لجلسات البرلمان، ليس لهذه الدورة، بل كل دورات البرلمان العراقي الخمس حتى الآن.

فالجلسة بدأت في تمام الساعة السادسة من مساء السبت متأخرة عن موعدها المقرر بثلاث ساعات، وكان الحضور 260 نائبا وهو عدد كبير لجلسة تنصيب رئيس جديد للبرلمان لا يحتاج من يراد له الفوز بالمنصب سوى على الأغلبية المطلقة (النصف زائد واحد). والأمر الذي أثار الغرابة أيضا توافد أعداد كبيرة من أعضاء البرلمان ممن كانوا لا يريدون الدخول إلى القاعة، حيث فضلوا الجلوس في كافتيريا البرلمان أو لم يحضروا أصلا. لكن يبدو أن هناك دعوات جرت لإحضارهم، حيث أصبح عدد الحضور 314 نائباً من مجموع 329 نائباً.

بانتظار الجرس

مياه كثيرة جرت من تحت أقدام الكثيرين، سواء كانوا شخصيات فائزة وخاسرة، أو قوى سياسية، سنية أم شيعية، بانتظار متى يدق رئيس البرلمان بالإنابة محسن المندلاوي جرس الدخول إلى القاعة لإجراء التصويت الثاني بين الكريم والعيساوي. وعلى وقع الاستعدادات الخاصة بإجراء عملية التصويت داخل القاعة من قبل النواب الذين حضروا هذه الجلسة وبلغوا 232 نائبا، وهم وإن كانوا أقل بكثير من الحاضرين في الجلسة الأولى، لكنهم يكفون لترجيح كفة من يتفوق في أعلى الأصوات، لا سيما أن الكريم كان متفوقا على زميله العيساوي بحيث لا يحتاج إلا 13 صوتا ليصبح رئيسا للبرلمان العراقي.

غير أن ما كان يجري خارج القاعة بل خارج البرلمان هو الذي حدد مسار الليلة الطويلة. ففي كواليس الغرف السياسية داخل أماكن الكتل السياسية في البرلمان وفي مقرات بعض زعامات القوى السياسية خارج البرلمان كانت تجري المداولات والمناقشات سواء باللقاءات المباشرة أو عبر الجوال الذي بقي ساخنا بالاتصالات طوال ثلاث ساعات من أجل استيعاب صدمة ما حصل، والانتقال إلى الخطوة التالية. فخروج محمود المشهداني بخسارة ثقيلة منذ الجولة الأولى وهو الذي كان يراهن عليه زعيم أكبر كتلة داخل قوى الإطار التنسيقي نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون بدا أمرا من الصعب استيعابه. كما أن حلول سالم العيساوي الذي كانت تشير التقديرات إلى فوزه بفارق كبير عن الكريم، بينما حل ثانيا وبفارق كبير بدا هو الآخر أمرا يصعب استيعابه.

جلسة أم جولة؟

وبين الفترة التي انتهت فيها الجولة الأولى وانتظار الجولة الثانية أظهر النائب الأول لرئيس البرلمان كتابا صادرا عن المحكمة الاتحادية العليا بناء على استفسار حديث قدمه هو إليها بشأن ما إذا كان القصد من الجولة الثانية هو استكمال التصويت بين الحائزين الاثنين على أعلى الأصوات، أم عقد جلسة جديدة، بحيث يكون التنافس ثانية بين كل المتنافسين، وهو ما يعني منح محمود المشهداني فرصة جديدة مع تحشيد جديد. بدأت الخلافات والمناوشات والمشادات حتى فاجأ رئيس البرلمان بالنيابة الحاضرين بأن أضاف فقرة إلى جدول الأعمال، وهي تعديل النظام الداخلي مما يتيح التصويت على أن تكون للبرلمان هيئة رئاسة لا رئيس ونائبان. وهنا أنتقل في الشرح والتوضيح إلى سياسي مطلع ومشارك في كثير من الجلسات والمناقشات، وفي حديث له لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الكشف عن اسمه وهويته صرح أن «محاولة إضافة هذه الفقرة كان بمثابة طعم ابتلعته القوى السنية وفخ منصوب وقعت فيه في حالة من الفوران والغليان بسبب المماطلة في عدم حسم الجولة الثانية بالطريقة التي ينص عليها النظام الداخلي».

ويضيف السياسي العراقي «بعد أن أعلن رئيس البرلمان بالنيابة عن إضافة هذه الفقرة اعترض النواب السنة بشدة من منطلق أن منصب رئيس البرلمان من حصة المكون السني، وبالتالي للبرلمان رئيس لا هيئة رئاسة، الأمر الذي جعل الرئيس يهدد برفع الجلسة وهو المطلوب»، مشيرا إلى أن «رفع الجلسة يعني العودة إلى المربع الأول، وهو ما يعني صعوبة التوصل إلى توافق جديد خلال فترة قريبة».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.