غروندبرغ في مسقط لحض الحوثيين على دعم خريطته المرتقبة

عقب تلقيه التزاماً من «الرئاسي اليمني» بمساندة مساعي السلام

رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي مجتمعاً مع غروندبرغ في الرياض (سبأ)
رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي مجتمعاً مع غروندبرغ في الرياض (سبأ)
TT

غروندبرغ في مسقط لحض الحوثيين على دعم خريطته المرتقبة

رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي مجتمعاً مع غروندبرغ في الرياض (سبأ)
رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي مجتمعاً مع غروندبرغ في الرياض (سبأ)

وسط مخاوف يمنية من تأثر مساعي الأمم المتحدة لتحقيق السلام بتصعيد الحوثيين في البحر الأحمر، عقد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، الثلاثاء، لقاءات في مسقط مع مسؤولين عمانيين ومع المتحدث باسم الجماعة الحوثية، أملاً في بلورة خريطة السلام، بناء على التزامات الأطراف اليمنية التي توسطت فيها السعودية وعمان.

وتُعد زيارة غروندبرغ الأولى إلى مسقط منذ إعلانه تلقف التزامات الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية لبلورة خريطة الطريق نحو السلام، في حين كان بدأ لقاءاته ضمن هذه الجولة مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في العاصمة السعودية الرياض.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

وقال مكتب غروندبرغ، في بيان، إن المبعوث التقى في مسقط المتحدث باسم الجماعة الحوثية محمد عبد السلام لـ«مناقشة خريطة الطريق الأممية التي ستعمل على تفعيل التزامات الأطراف بوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، واستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة».

وأضاف البيان أن غروندبرغ التقى «مجموعة من كبار المسؤولين العمانيين لمناقشة استمرار الدعم الإقليمي المنسق لجهود وساطة الأمم المتحدة».

وفي وقت سابق، كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي التقى في الرياض غروندبرغ، حيث تطرق اللقاء إلى «تطورات الوضع المحلي، والضغوط الدولية المطلوبة لدفع الميليشيات الحوثية نحو التعاطي الجاد مع مساعي السلام، وإنهاء معاناة الشعب، واستعادة مؤسساته الشرعية». وفق ما نقله الإعلام الرسمي اليمني.

وجدّد العليمي تأكيد دعم المجلس الذي يقوده والحكومة لجهود الأمم المتحدة، والحرص على تقديم التسهيلات كافة لمبعوثها الخاص للوفاء بمهامه ومسؤولياته المشمولة بقرارات الشرعية الدولية، وعلى وجه الخصوص القرار «2216».

وكانت «الشرق الأوسط» أجرت مقابلة مع غروندبرغ أوضح فيها تفاصيل مساعيه، وقال إن التزامات الأطراف اليمنية التي تلقفها تشمل «وقف إطلاق نار في عموم اليمن، وفتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات، ودفع رواتب القطاع العام بجميع أنحاء البلاد، واستئناف تصدير النفط، والمزيد من تخفيف القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة، وإطلاق سراح المحتجزين لأسباب ترتبط بالنزاع، والتحضير لعملية سياسية جامعة يملكها اليمنيون برعاية أممية».

وأضاف أن الالتزامات تضمنت رحيل القوات غير اليمنية وإعادة الإعمار، والانخراط في عملية سياسية جامعة للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم.

يُشكك قطاع عريض من اليمنيين في جدية الحوثيين لتحقيق السلام (أ.ف.ب)

وأفاد غروندبرغ بأن النقاشات التي دارت على مدى الأشهر السابقة بواسطة سعودية وعمانية أدت «لتوافق الأطراف اليمنية حول عدد من الالتزامات، وتقريب الأطراف من الاجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة للتقدم نحو الدفع بتسوية سياسية جامعة ومستدامة».

وقال إن الأطراف اليمنية وافقت على أن يعمل ومكتبه معهم من أجل تفعيل تلك الالتزامات من خلال خريطة طريق أممية.

إلى ذلك، التقى المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، الثلاثاء، في الرياض، رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي ورئيس الحكومة معين عبد الملك، في سياق سعي واشنطن لإنجاح السلام اليمني وضمان عدم تصعيد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

ومع وجود قلق واسع في الشارع اليمني لجهة الشكوك في جدية الحوثيين لتحقيق السلام، إلا أن الدوائر الإقليمية والأممية تطمح في أن تسفر المساعي عن طي صفحة الصراع وعودة اليمن إلى مربع التوافق الوطني الذي انقلب عليه الحوثيون أواخر 2014.


مقالات ذات صلة

خفوت هجمات الحوثيين خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية

العالم العربي صورة وزّعها الحوثيون للطائرة المسيّرة التي استهدفت تل أبيب (أ.ف.ب)

خفوت هجمات الحوثيين خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية

خفتت هجمات الجماعة الحوثية ضد السفن، خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، فيما واصل الجيش الأميركي عملياته الاستباقية الدفاعية ضد الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع في اليمن سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

يأمل اليمنيون أن تفضي المشاورات بين الحكومة اليمنية والحوثيين إلى إنهاء الانقسام المصرفي ودفع الرواتب واستئناف تصدير النفط، وسط مخاوف من تعنت الجماعة الانقلابية

محمد ناصر (تعز) علي ربيع (عدن)
العالم العربي للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

حذّرت منصّة يمنية متخصصة في تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال، من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي، وكشفت عن بيانات تنشر لأوّل مرة عن مشروع توسع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي سوق سوداء لبيع غاز الطهي في صنعاء (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

خصصت الجماعة الحوثية ملايين الريالات اليمنية لتوزيع أسطوانات الغاز على أتباعها دون غيرهم من السكان الذين يواجهون الصعوبات في توفير الحد الأدنى من القوت الضروري.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.