الملابس المستعملة والرديئة ملاذ يمنيين يواجهون الفقر

تنتشر بين الباعة المتجولين... وتُفْتَتَح لبيعها متاجر كبيرة

تنتشر الملابس المستعملة في أغلب أحياء العاصمة صنعاء خصوصاً حي التحرير في الوسط (إكس)
تنتشر الملابس المستعملة في أغلب أحياء العاصمة صنعاء خصوصاً حي التحرير في الوسط (إكس)
TT

الملابس المستعملة والرديئة ملاذ يمنيين يواجهون الفقر

تنتشر الملابس المستعملة في أغلب أحياء العاصمة صنعاء خصوصاً حي التحرير في الوسط (إكس)
تنتشر الملابس المستعملة في أغلب أحياء العاصمة صنعاء خصوصاً حي التحرير في الوسط (إكس)

تتسع تجارة الملابس المستعملة ونظيرتها منخفضة الجودة في اليمن، وبسبب تداعيات الحرب، وتراجع الدخل، واتساع رقعة البطالة، وتوقف رواتب الموظفين العموميين؛ تنتشر في عدد من المدن اليمنية محلات كبيرة لبيع الملابس الرديئة بموازاة ازدياد أعداد الباعة المتجولين لبيع الملابس المستعملة.

ويعد الشتاء أحد أهم مواسم رواج الملابس في اليمن، خصوصاً مع قسوة الظروف الجوية وانخفاض درجة الحرارة إلى نحو الصفر في بعض المناطق، وهو ما يدفع كثيراً من المتسوقين إلى البحث لدى تجار وباعة الملابس المستعملة عمّا يقيهم البرد، خصوصاً في ظل الارتفاع الكبير لأسعار الملابس الجديدة.

عند ميل الشمس إلى المغيب كثيراً ما يكون رشيد عبده، وهو اسم مستعار لصحافي متخصص في الشأن الاقتصادي، أحد المتجولين في شوارع حي التحرير وسط العاصمة صنعاء، حيث يتمركز معظم الباعة المتجولين وتنتشر محلات بيع الملابس المستعملة، ويقضي أوقاتاً طويلة في تقليب المعروض منها؛ للبحث عمّا يناسبه أو يناسب أطفاله.

ازدهرت تجارة الملابس المستعملة في اليمن نتيجة ارتفاع الأسعار واتساع رقعة البطالة وانقطاع الرواتب (إكس)

عندما بدأ رشيد اللجوء إلى شراء الملابس المستعملة، كان يخفي وجهه بشال ويتلفت كثيراً؛ خشية أن يراه أحد زملائه أو أصدقائه ومعارفه، لكن مع مرور السنوات وتحول معظم الصحافيين إلى البطالة أو انقطاع رواتبهم، وُجد كثير من زملائه يرتادون تلك الأسواق، ولم يعد أحدهم يخجل من ذلك، بل إنهم أصبحوا يتفاخرون بينهم البين لمقدرتهم على شراء بضع قطع تحمل علامات ماركات عالمية شهيرة.

ووفقاً لتقارير أممية، فإن أكثر من ثلثي سكان اليمن، يعيشون تحت خط الفقر، بينما يواجه أكثر من 10 ملايين شخص انعدام الأمن الغذائي، بينما تقدر جهات اقتصادية ونقابية في اليمن عدد العمال المتأثرين بشكل مباشر بالحرب بأكثر من 9 ملايين، وخروج أكثر من نصف المنشآت الصناعية عن الخدمة، وتسريح أكثر من 65 في المائة من العاملين في القطاع الخاص.

عزوف الأثرياء الجدد

في موازاة أسواق الملابس المستعملة، تزدحم المحلات ذات المساحات الواسعة المفتوحة بالمتسوقين، خصوصاً من النساء والأطفال؛ لشراء ملابس زهيدة الثمن ومنخفضة الجودة، وتعرف هذه المحلات بـ«المولات»، وبدأت بالظهور منذ ما يزيد على 10 أعوام، لكن الحرب حوّلتها إلى ظاهرة تتسع باطراد، كما يفيد أحد تجار الملابس لـ«الشرق الأوسط».

تشهد الأسواق اليمنية ركوداً ملحوظاً أدى إلى خسائر كبيرة وزيادة للعاطلين عن العمل (رويترز)

يقول علوان النظاري، صاحب سلسلة محال تجارية لبيع الملابس في صنعاء وتعز، إن تجارة الملابس ذات الجودة العالية باتت من أصعب أنواع الأعمال، حيث لم تعد الشريحة المجتمعية القادرة على اقتناء تلك الملابس موجودة، إما لتراجع قدرتها الشرائية أو هجرتها خارج البلاد.

اضطر النظاري إلى إغلاق محل تجاري له في شارع جمال وسط العاصمة صنعاء، حيث تنتشر الأسواق الشعبية؛ بسبب تراجع مبيعاته، وافتتح آخر بديلاً له في حي حدة جنوب العاصمة الذي يعد حياً للأثرياء، واستبدل بالبضائع الهندية التي كان يبيعها في المتجر الأول الملابس التركية في المحل الجديد.

لكن ذلك لم يحقق للنظاري فارقاً كبيراً في الأرباح، فحتى حين استهدف الأثرياء بنشاطه التجاري، وجد أغلبهم قد نزحوا خارج البلاد، بينما ظهر أثرياء جدد صنعتهم الحرب، يفضلون ارتداء الملابس الشعبية والتقليدية، إما لانتمائهم إلى الجماعة الحوثية التي يلتزم قادتها بتلك الملابس، أو تماهياً معهم.

سوق للملابس المستعملة في العاصمة صنعاء (إكس)

ومنذ أسابيع حذر «مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن» من أن فصل الشتاء في اليمن يهدد ما يقارب مليون شخص موزعين على 12 محافظة، ومعظمهم من النازحين، مؤكداً حاجة المجتمعات الضعيفة للحماية من موسم الشتاء والبرد القارس خلال الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) وحتى فبراير (شباط).

كساء أطفال المدارس

لجأت أمرية المقطري، وهي تربوية ولها نشاط اجتماعي لمساعدة الأسر على تعليم أبنائها، إلى شراء الملابس المستعملة للأطفال من الباعة المتجولين. وتشكو من أن هذه العملية تأخذ منها وقتاً أطول مما كان يحدث في السابق؛ لأنها تضطر إلى فحص الملابس المعروضة والتأكد من ملاءمتها للأطفال الذين قد يكون عدم امتلاكهم ملابس نظيفة أحد أسباب تسربهم من التعليم.

في السابق ذاته، كانت المقطري تجمع التبرعات لصالح نشاطها، وتذهب إلى تجار الملابس وتشتري منهم في عملية سهلة ويسيرة، لكن ارتفاع الأسعار وتراجع أعداد المتبرعين دفعاها إلى البحث الطويل لدى باعة الملابس المستعملة أو مولات الملابس زهيدة الثمن، ورغم هذه الصعوبات، فإنها ترى أنه كلما ساءت الأوضاع المعيشة؛ كان ذلك أكثر مدعاة لمساعدة المحتاجين.

زحام وتدافع خلال افتتاح مول ملابس زهيدة الأسعار في مدينة ذمار جنوب صنعاء (فيسبوك)

ومنذ شهر أعلنت الحكومة اليمنية نتائج إحصاء أُجري بالتعاون مع الأمم المتحدة، يكشف أن نصف أطفال البلاد لم يلتحقوا بالمدارس، بينما يتسرب نصف الملتحقين من مراحل التعليم الأساسي والثانوي، بينما ظلت تغذية الأطفال وانعدام الأمن الغذائي للأسر مصدر قلق رئيسياً.

ويحذر الأطباء والمختصون الصحيون من أن الملابس منخفضة السعر، قد تتسبب في عدد من الأمراض، بينها أمراض جلدية؛ بسبب تصنيعها من مواد مضرة بالجسم البشري، أما الملابس المستعملة فقد تحمل بين منسوجاتها ميكروبات وفيروسات تتسبب بأمراض معدية خطرة.

ويباع كثير من القطع في المولات المنتشرة في عدد من المدن اليمنية بأسعار أقل من ألف ريال يمني، وتتنافس هذه المولات على البيع بأقل الأسعار لتصل إلى 500 و300 ريال، (سعر الدولار في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية 530 ريالاً، وفي المناطق المحررة 1540 ريالاً)، وهو ما يتسبب في إقبال كبير عليها وازدحام شديد يتسبب أحياناً في حوادث تدافع ووقوع إصابات.


مقالات ذات صلة

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

أيمن الصفدي (رويترز)
أيمن الصفدي (رويترز)
TT

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

أيمن الصفدي (رويترز)
أيمن الصفدي (رويترز)

قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، اليوم الخميس، إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية يجب أن «تنفذ وتحترم»، وإن الفلسطينيين يستحقون العدالة.

ووفقاً لـ«رويترز»، فقد جاء ذلك في رد فعله على أمرَي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.