العلاج خارج غزة يمنح مرضى القطاع وجرحاه بارقة أمل في النجاة

TT

العلاج خارج غزة يمنح مرضى القطاع وجرحاه بارقة أمل في النجاة

مؤيد حمد -9 سنوات- يخشى فقد ساقه الأخرى إذا لم يسافر للعلاج (وكالة أنباء العالم العربي)
مؤيد حمد -9 سنوات- يخشى فقد ساقه الأخرى إذا لم يسافر للعلاج (وكالة أنباء العالم العربي)

يجلس الطفل مؤيد حمد (9 سنوات) ماداً ساقه اليمنى، المثبتة بقطع من البلاتين الطبي، على كرسي صغير مغطى ببطانية داخل سيارة إسعاف تقلّه مع أطفال جرحى آخرين إلى معبر رفح في الطريق للعلاج خارج قطاع غزة. تتدلى من الكرسي ساقه اليسرى التي تم بترها من فوق الركبة.

وعلى جانب من المقعد، يسند الطفل الفلسطيني ظهره الذي أصابته وأنحاء متفرقة من جسده الشظايا وحروق القصف الإسرائيلي على مربع سكني بمخيم جباليا في شمال القطاع.

ورصد تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، الإمكانات الضعيفة في مستشفيات شمال غزة التي حالت دون تقديم العلاج المناسب للصغير ما اضطر الأطباء إلى بتر الساق اليسرى من تحت الركبة في البداية.

وبعد إجلاء مؤيد من المستشفى مع غيره من المرضى والجرحى إلى مستشفيات الجنوب تم بتر جزء آخر من الساق بعد تدهور وضعه الصحي.

بالكاد يستطيع تحريك جسده النحيل من قلة الطعام، ويتألم من الجروح والحروق التي يأمل أن يضع حدا لها بعد سفره للعلاج خارج غزة. فهو يستعد بعد عبور معبر رفح للسفر إلى تركيا للعلاج أسوة بغيره ممن تم تحويلهم للعلاج في مستشفيات بمصر والإمارات وتركيا وقطر وغيرها.

وبكلمات مبعثرة، يتحدث مؤيد عن شعوره الدائم بالألم والأمل في إمكانية استعادة ولو جانب من حياته بعد تلقيه العلاج في الخارج بعدما لم تُفلح كل المحاولات التي بذلتها الأطقم الطبية بالقطاع في علاجه، بل وأدت إلى تدهور صحته وبتر جزء كبير من ساقه اليسرى.

يقصّ الطفل كيف كان يخشى فقد ساقه الأخرى إذا لم يسافر للعلاج، لكن الأمل عاد إليه بعد ما استبد به من يأس؛ فالحد الأدنى من مقومات نجاح العمليات الجراحية بات منعدما، كما أخبره الأطباء.

الموت البطيء

لم يفقد مؤيد ساقا وحسب، بل وفقد والديه وأشقاءه وعماته وغيرهم من أقاربه وعائلاتهم نتيجة القصف الإسرائيلي، ولم يتبق له سوى شقيقه محمود الذي ما زال في حالة صدمة من القصف الذي باغتهم في الرابعة فجرا، ولم يتمكن من مرافقة شقيقه الذي يرافقه خاله أيمن عزيز (50 عاما).

يوضح الخال أن شقيق مؤيد الوحيد المتبقي لا يتمالك أعصابه وفقد توازنه النفسي، فتطوع هو لمرافقته ابن أخته في رحلة العلاج التي باتت الأمل الوحيد له ولغيره في الشفاء بعد تعثر كل جهود العلاج بمستشفيات قطاع غزة.

ويقول: «من يرشَّح من الجرحى للعلاج بالخارج كمن تعود إليه الحياة بعد الموت، لأن الانتظار الطويل في غزة يعني الموت البطيء الحتمي، سواء بقي الشخص على قيد الحياة يرافقه الألم أو فارق الدنيا».

ودعا عزيز إلى عدم قصر العلاج على الجانب العضوي فقط ومدّه ليشمل العامل النفسي للجرحى والمرضى الذين يعيشون أوضاعا حياتية قاسية تستدعي الدعم النفسي.

على مقربة داخل سيارة الإسعاف، يجلس الطفل مالك وائل الغلبان (8 أعوام) وشقيقته ماسة (11 عاما) اللذان أصيبا خلال قصف استهدف مركز إيواء بشرق خان يونس كانت أسرتهما قد نزحت إليه. أصيب الاثنان بجروح خطيرة وكسور متعددة؛ وعلى دراجة نارية تم نقلهما لمستشفى ناصر بغرب المدنية.

تروي والدتهما أم أنس كيف بذلت جهودا مضنية مع الأطباء لعلاج مالك وماسة، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل ولم يعد أمامها سوى التعلق بأمل إرسالهما للعلاج بالخارج.

لم تيأس الأم لحظة، وظلت تسعى لإضافة طفليها ضمن كشوف العلاج بالخارج (وكالة أنباء العالم العربي)

بارقة الأمل

شاهدت أم أنس طفليها وأطفالا كثيرين غارقين في دمائهم بعد القصف الإسرائيلي؛ وبصعوبة بالغة نجحت في استدعاء والد الطفلين لينقلهما إلى المستشفى بعد تعثر جهود التواصل مع سيارات الإسعاف.

وبات السفر هو بارقة الأمل الوحيدة لوضع نهاية لآلام الطفلين. وتؤكد الأم أنها لم تيأس لحظة، وظلت تسعى للضغط على اللجان المختصة لإضافة طفليها ضمن كشوف العلاج بالخارج، إلى أن نجحت. وها هي الآن ترافقهما في رحلة العلاج خارج القطاع.

وتدعو أم أنس إلى فتح المجال بصورة أكبر لنقل الجرحى والمرضى ضمن قوافل طبية مستمرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الحياة لكثير ممن يعانون إصابات خطيرة وأمراضا مستعصية، خاصة أن وجود هذه الأعداد الضخمة من المصابين والمرضى في مستشفيات القطاع يعني الحكم عليهم بالموت بشكل مباشر.

ويقول الدكتور ناهض أبو طعيمة، مدير مستشفى الجراحة بمجمع ناصر الطبي في خان يونس، إنه رغم وجود آلاف المرضى والجرحى ممن يحتاجون تدخلا علاجيا عاجلا خارج غزة، لا تزال الأعداد التي تغادر عبر معبر رفح محدودة للغاية قياسا إلى الواقع الطبي المنهار بالقطاع والحاجة الماسة لذلك.

ويبين أن عدد الذين غادروا قطاع غزة للعلاج خارجها بلغ 803، بينهم 413 من جرحى الحرب، وذلك منذ بداية السماح بمغادرة الجرحى ومرافقيهم عبر معبر رفح.

ويلفت الدكتور أبو طعيمة إلى أن هذا العدد يقتصر على الموجودين في جنوب القطاع أو من تم نقلهم في وقت سابق إلى الجنوب، إذ لم يُسمح مؤخرا بنقل أي حالات جديدة من غزة والشمال إلى الجنوب لتضمينها ضمن كشوفات المحوَّلين للعلاج بالخارج.

ودعا الطبيب إلى زيادة نطاق عمليات نقل الجرحى، خاصة أن القطاع الصحي في غزة منهار ولا يمتلك القدرات الكافية للتعامل مع عشرات الآلاف من الإصابات التي تصل المستشفيات مع استمرار القصف الإسرائيلي.

وهو يصف الآلية المتبعة حاليا لمغادرة الجرحى بأنها «بطيئة» لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات.


مقالات ذات صلة

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

المشرق العربي جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

أمرت إسرائيل، اليوم (الأحد)، بإغلاق وإخلاء أحد آخر المستشفيات التي لا تزال تعمل جزئياً في منطقة محاصرة في شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية فلسطينيون يحاولون إسعاف مواطن أصيب بغارة إسرائيلية على مخيم البريج وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب) play-circle 00:37

28 قتيلاً فلسطينياً في غزة... وجباليا مدينة أشباح

قُتل 28 فلسطينياً على الأقل، بينهم أطفال ونساء، في غارات عدة شنّها الطيران الحربي الإسرائيلي ليل السبت - الأحد في قطاع غزة، استهدفت إحداها منزل عائلة واحدة،…

نظير مجلي (تل أبيب)
العالم بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

يرسم تقرير أممي صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، فقد شكّلن 40 % من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف النسبة في 2022.

شوقي الريّس (بروكسل)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على مواطنين لهم قضوا بغارة إسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (رويترز)

«هدنة غزة»: حديث عن أيام حاسمة لـ«صفقة جزئية»

مساعٍ تتواصل للوسطاء لسد «فجوات» مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط حديث إسرائيلي عن «أيام حاسمة» لعقد صفقة جزئية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا البابا فرنسيس يدين «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يدين مجدداً «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة

دان البابا فرنسيس مرة أخرى، اليوم (الأحد)، «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)

الجيش الأميركي ينفذ غارات جوية دقيقة على منشأتين للحوثيين في صنعاء

دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
TT

الجيش الأميركي ينفذ غارات جوية دقيقة على منشأتين للحوثيين في صنعاء

دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)

قال الجيش الأميركي إنه نفذ غارات جوية دقيقة على مستودع لتخزين الصواريخ ومنشأة للقيادة والسيطرة تديرهما جماعة الحوثي المدعومة من إيران في العاصمة اليمنية صنعاء، بُعيد تبني الحوثيين إطلاق صاروخ على وسط إسرائيل أسفر عن سقوط جرحى.

وقالت القيادة الوسطى الأميركية «سنتكوم»، في بيان، إن القوات الأميركية أسقطت أيضاً خلال العملية طائرات مسيّرة عدة للحوثيين فوق البحر الأحمر إضافة إلى صاروخ مضاد للسفن.

وذكرت القيادة المركزية للجيش الأميركي في بيان أن الضربات تهدف إلى «تعطيل وإضعاف عمليات الحوثيين، ومنها الهجمات على السفن الحربية الأميركية والسفن التجارية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن».

وهزت انفجارات عنيفة العاصمة اليمنية صنعاء، مساء السبت، إثر غارات جوية لمقاتلات التحالف الأمريكي البريطاني. وقال سكان محليون لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «إن الغارات استهدفت مواقع عسكرية في جبلي عطان ونقم جنوب وشرق العاصمة صنعاء».

وأكد السكان، تصاعد أعمدة الدخان وألسنة اللهب من المواقع المستهدفة، دون أن يتضح حجم الخسائر.

ولم يتطرق الحوثيون إلى تفاصيل القصف حتى الآن.

وبدأت الغارات الأمريكية البريطانية في اليمن في 12 يناير (كانون الثاني) 2024، رداً على هجمات الحوثيين في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، التي يقولون إنها تستهدف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل نصرة لغزة، قبل أن توسع نطاق عملياتها مستهدفة سفناً أمريكية وبريطانية. ومنذ الخميس الماضي صعّد الحوثيون هجماتهم على إسرائيل، ما استدعى الأخيرة إلى شن هجوم جوي على مواني الحديدة، غرب البلاد، ومحطات الطاقة في صنعاء، مخلفاً أضراراً مادية في ميناء الحديدة وتسعة قتلى من العمال وإصابة ثلاثة آخرين.