«هدن متوالية» في غزة... لماذا لا تتوقف الحرب؟

نتنياهو يستقبل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس الخميس (إ.ب.أ)
نتنياهو يستقبل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس الخميس (إ.ب.أ)
TT

«هدن متوالية» في غزة... لماذا لا تتوقف الحرب؟

نتنياهو يستقبل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس الخميس (إ.ب.أ)
نتنياهو يستقبل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس الخميس (إ.ب.أ)

يبدو أن توالي «الهدن» اليومية في غزة، لا يزال غير كافٍ للإعلان عن اتفاق نهائي بوقف الحرب، إذ ثمة «عراقيل إسرائيلية»، و«لاءات حمساوية»، تُبعد الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار في القطاع، الذي يعاني دماراً واسعاً ومأساة إنسانية، جراء قصف وحصار إسرائيلي، دام نحو شهر ونصف، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ولا يعد إنهاء الحرب في غزة هدفاً إسرائيلياً راهناً، حسب مراقبين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، عدّوا مثل هذا الإعلان قد يوصف داخلياً في إسرائيل بأنه «هزيمة»، بينما صيغة «الهدن»، هو التعبير «الأكثر ملاءمة» لجميع الأطراف.

وفي الساعات الأولى من صباح الخميس، توصلت إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) إلى اتفاق على تمديد وقف إطلاق النار ليوم سابع. فيما لا يزال مفاوضون مصريون وقطريون يضغطون من أجل تمديد جديد، سيصبح الرابع من نوعه، ويشمل الإفراج عن مزيد من المحتجزين، وزيادة إيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، حسب «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر.

ومنذ بداية الهدنة يوم الجمعة الماضية، أطلق مقاتلو «حماس» حتى الآن سراح 97 رهينة، منهم 70 امرأة وطفلاً إسرائيلياً، في مقابل إطلاق سراح ثلاث نساء وفتيات فلسطينيات لكل رهينة إسرائيلية، بالإضافة إلى 27 من الرهائن الأجانب الذين أُطلق سراحهم في اتفاقيات موازية مع حكوماتهم.

ووفق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي وصل إسرائيل، الخميس، فإن الهدنة، بين إسرائيل و«حماس»، «تؤتي نتائج»، وأعرب عن أمله في أن «تستمر».

وتضغط مصر، ومعها قطر، من أجل التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في غزة، يعقبه بدء ترتيبات أكبر من أجل إحلال السلام، لكنَّ هذه المساعي «تتعارض مع أهداف إسرائيل»، حسب السفير محمد العرابي، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، الذي أكد لـ«لشرق الأوسط»، أن «إعلان وقف إطلاق النار حالياً في الداخل الإسرائيلي، هو بمثابة إعلان الهزيمة».

ويوضح العرابي أن «الهدن المتوالية تمنح الجيش الإسرائيلي فرصة لالتقاط الأنفاس، كما تخفف الضغط الشعبي عليه بالإفراج عن الأسرى، وفي نفس الوقت تحميه من ردة فعل غاضبة لدى المتشددين الذي يرفضون وقف الحرب».

واستضافت العاصمة القطرية الدوحة، الثلاثاء الماضي، اجتماعات أمنية رفيعة بمشاركة رئيس الموساد ديفيد برنياع، ومدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل. ونقلت «وول ستريت جورنال»، عن مسؤولين مصريين قولهم إن هدف المباحثات كان «نقل المناقشات إلى ما هو أبعد من تمديد اتفاق الهدنة»، لكن يبدو أن الهدف تعذر تحقيقه حتى الآن.

وخلال المحادثات أُثير مقترح يقضي بإطلاق سراح كل الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح عدد ضخم من الأسرى الفلسطينيين، ووقف طويل لإطلاق النار في قطاع غزة. لكنَّ الرد الإسرائيلي جاء علنياً، خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، الأربعاء، بعدما حدد غلعاد إردان، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، شروط إنهاء الحرب في غزة، قائلاً إن «السلام يمكن تحقيقه في قطاع غزة على الفور إذا أطلقت (حماس) سراح جميع المحتجزين وسلَّمت جميع المشاركين في هجوم 7 أكتوبر».

ولا يستبعد العرابي، وهو وزير خارجية وسفير أسبق لمصر في تل أبيب، أن «تستأنف إسرائيل الحرب من جديد في غزة عقب انتهاء الهدن، التي ما زالت حالياً في مصلحة الجميع، لكن كلما اقتربت قوائم الأسرى من التقلص زادت فرص اشتعال الحرب مرة أخرى».

ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، انتقادات داخلية شديدة في ما يتعلق بوقف إطلاق النار. حيث هدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بحل الحكومة في حال التوصل لوقف شامل للحرب في غزة. كما عدّ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وقف الحرب مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين في غزة «خطة للقضاء على إسرائيل»، مؤكداً ضرورة «القضاء على (حماس)».

وتسعى «حماس» إلى الحفاظ على بعض «الأسرى العسكريين» كورقة رابحة في المفاوضات، فيما قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إنه إلى جانب «حماس» فإن «ما يُعقّد أي صفقة هو وجود أسرى أيضاً لدى حركة الجهاد الإسلامي، التي لديها مطالب أكثر تشدداً من (لاءات حماس) تتعلق بإنهاء الاحتلال».

ووفق المصدر، ترفض الفصائل الفلسطينية مطالب إسرائيلية بتفكيك قدراتها العسكرية من أجل وقف الحرب، حيث تخشى تل أبيب من تكرار هجوم 7 أكتوبر الماضي.

والخميس، طلب الجناح العسكري لحركة «حماس» من مقاتليه في غزة، الاستعداد لاستئناف المعارك مع إسرائيل إذا لم تُمدَّد الهدنة المؤقتة. وقالت الحركة في بيان، إن «كتائب القسام تطلب من قواتها العاملة البقاء على جاهزية قتالية عالية في الساعات الأخيرة من التهدئة».

وسمحت الهدن المتتالية بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة، ويواجه «كارثة إنسانية ملحمية»، حسب أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، الذي طالب –ومعه آخرون- بأن «يحل وقف إطلاق النار محل الهدنة المؤقتة».


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (الموقع الرسمي للمحكمة) play-circle 02:06

ما حيثيات اتهامات «الجنائية الدولية» لنتنياهو وغالانت والضيف؟

مع إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت والقيادي في «حماس» محمد الضيف، إليكم أبرز ما جاء في نص المذكرات.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
شؤون إقليمية عناصر من حركتي «حماس» و«الجهاد» يسلمون رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر في نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

حذر عسكريون إسرائيليون، في تسريبات لوسائل إعلام عبرية، من أن عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل أسرى، تؤدي إلى تقوية حركة «حماس»، وتمنع الجيش من إتمام مهماته القتالية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي «كتائب القسام» تعلن أن مقاتليها تمكنوا من قتل 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك ببلدة بيت لاهيا (رويترز)

«كتائب القسام» تقول إنها قتلت 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك بشمال قطاع غزة

أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، الخميس، أن مقاتليها تمكّنوا من قتل 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك ببلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رحّبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (غزة)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.