المشروعات الصغيرة نافذة يمنية لمواجهة الفقر والبطالة

مساعٍ رسمية بدعم سعودي... ومخاوف من تأثير الأزمات

قدّم مركز الملك سلمان للإغاثة دعماً لتدريب المهارات المهنية والتجارية في اليمن (الأمم المتحدة)
قدّم مركز الملك سلمان للإغاثة دعماً لتدريب المهارات المهنية والتجارية في اليمن (الأمم المتحدة)
TT

المشروعات الصغيرة نافذة يمنية لمواجهة الفقر والبطالة

قدّم مركز الملك سلمان للإغاثة دعماً لتدريب المهارات المهنية والتجارية في اليمن (الأمم المتحدة)
قدّم مركز الملك سلمان للإغاثة دعماً لتدريب المهارات المهنية والتجارية في اليمن (الأمم المتحدة)

منذ أعوام كانت منال تذهب إلى سوق الهاشمي في مدينة عدن اليمنية (جنوب) لبيع المخبوزات المنزلية وهي منتقبة، وتضطر إلى خفض صوتها عند اقتراب أحد أبناء حارتها في السوق، أما إذا اتجه إليها مباشرة للشراء منها، فإنها تتعامل معه بالإشارة أو تحاول تغيير صوتها حتى لا يتعرف عليها.

لم تكن منال تخجل من مزاولتها هذه المهنة بحد ذاتها، وكان أبناء حارتها يعلمون أنها تبيع الخبز الذي تصنعه بمساعدة والدتها، لكنهم لا يعلمون في أي مكان تذهب لبيعه، أما سبب خجلها فلأنها تخشى تدخلاتهم إذا ما حدث خلاف بينها وأحد الزبائن أو الباعة في السوق، أو تعرضت للتحرش والمضايقة.

طفلة يمنية تبيع الخبز في إحدى أسواق مدينة عدن (إكس)

أخيراً تزوجت منال من زميلها في كلية الهندسة في جامعة عدن، الذي وفر تكاليف الزواج من عمله في بيع الخضراوات، وبعد سنوات طويلة من تخرجهما من الكلية لم تعد بهما رغبة للعمل في مجال الهندسة، وتغيرت طموحاتهما باتجاه إنشاء مشروع يحقق إيرادات أفضل، ويوفر فرص عمل لعدد من الشبان والشابات.

ومثل منال وزوجها، يتطلع كثير من الشباب اليمنيين إلى وجود سياسة رسمية توفر للمشاريع الصغيرة الاستدامة وتحسين بيئة النشوء والتطور، والحماية من الاعتداءات والتطفلات التي ترتكبها جهات خارجة عن القانون، أو من تقلبات الأسواق بفعل الأزمات السياسية المحلية والدولية أو الكوارث الطبيعية.

وكشفت نتائج استطلاع أجرته مؤسسة محلية أن 36 في المائة من السكان يتفقون على أن للمشاريع الصغيرة دورا في التنمية والدعم الاقتصادي، وأن المشاريع الصغيرة تساهم في مكافحة الفقر والبطالة.

وفي الاستطلاع الذي استهدف 70 في المائة من الذكور و30 في المائة من الإناث، من مختلف الفئات العمرية ومختلف المحافظات اليمنية، بينت الآراء أن أبرز الحلول التي ستساهم في انتشار المشاريع الصغيرة، هي القروض الميسرة وتشجيع الاستثمار، والتأهيل والتدريب.

مساعٍ حكومية بدعم سعودي

تتمثل الصعوبات التي يُعاني منها أصحاب المشاريع الصغيرة في غلاء الإيجارات والتدهور الاقتصادي وضعف دور الجهات المعنية، وعدم وجود التمويل.

وتسعى الحكومة اليمنية إلى تعزيز سُبل العيش المستدامة وخلق فرص العمل وتحسين الدخل ومعالجة ضعف أداء الأسواق التي تهم صغار المزارعين والفقراء، والكشف عن أسباب هذا الضعف، واستهداف المنتجات ذات الإمكانات القصوى لتوليد سُبل عيش أفضل وتحقيق أقصى عائد ودخل لصغار المنتجين، بدعم وتمويل سعودي.

من المتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليمن بنسبة 0.5 % خلال العام الحالي (أ.ف.ب)

وفي هذا السياق بحثت لجنة تسيير مشروع برنامج جاهزية الوصول إلى الأسواق في قطاعات التجارة الاقتصادية الرئيسية برئاسة وزيري التخطيط والتعاون الدولي واعد باذيب، والزراعة والري والثروة السمكية سالم السقطري، خطط وأهداف المشروع الذي تبلغ تكلفته مليوني دولار، بتمويل من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن والبنك الإسلامي للتنمية.

ويتضمن المشروع تدخلات في سلاسل القيمة لتحسين الوصول إلى الأسواق، واستشارات الأعمال وبناء القدرات والدعم الفني المقدم للمؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، وإنشاء منصة للتجارة الإلكترونية تربط الشركات في اليمن بالتجار في الخارج، ومراقبة الوصول إلى الأهداف وتنفيذ المخرجات المتوقعة خلال الإطار الزمني.

وجرى خلال الاجتماع الذي شارك فيه مساعد المشرف العام على البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حسن العطاس، وممثل البنك الإسلامي للتنمية خالد أحمد، ومدير وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر في عدن رنا أنور، ومدير المشروع ماهر خان؛ التأكيد على أهمية المشروع في دعم زيادة إنتاجية وصادرات المحاصيل النقدية القابلة للتصدير مثل العسل والبن والبصل.

وأشاد الوزير باذيب، بالدعم المتواصل المقدم من السعودية والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في المجالات كافة، الذي يشمل دعم المشاريع التنموية بمبلغ 400 مليون دولار، ودعم الموازنة العامة للدولة بمبلغ مليار و200 مليون دولار، ودعم البنك الإسلامي للتنمية الشريك الرئيسي لليمن منذ أكثر من أربعة عقود في مجالات مشاريع البنية التحتية والتنمية البشرية وقطاعات الزراعة والأسماك، وجهود وكالة تنمية المشاريع الصغيرة والأصغر المنفذة لمشروع جاهزية الوصول إلى الأسواق.

فني أجهزة منزلية يمني خلال عمله في ورشته (الأمم المتحدة)

ومن جانبه نوه الوزير سالم السقطري، بأهمية المشروع في الإسهام بدعم زيادة إنتاجية وصادرات المحاصيل النقدية القابلة للتصدير مثل العسل والبن والبصل، مطالبا بالتنسيق الوثيق مع وزارتي الزراعة والري والثروة السمكية خلال تنفيذ مراحل المشروع، في حين أكد مساعد مشرف البرنامج السعودي حسن العطاس، أن مشروع جاهزية الوصول إلى الأسواق يعد من مشاريع التمكين الاقتصادي النموذجية.

مطالب بالحماية والتأهيل

يشكو مصطفى الزريقي، الذي كان يدير معملا للخياطة والملابس الجاهزة، من عدم قدرة المشاريع الصغيرة على الاستدامة بفعل الحرب وآثارها على مختلف المستويات والجوانب، فمن جهة لا توجد إمكانية لدى أصحاب هذه المشاريع للتعايش مع أعمال الجبايات والإتاوات غير القانونية أو مواجهة الاعتداءات عليها.

ومن جهة أخرى يلفت الزريقي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تراجع الحافز ومخاوف أصحاب المشاريع الصغيرة ورؤوس الأموال من الاضطرابات والتقلبات والقرارات المفاجئة، إلى جانب أن إفلاس عدد كبير من كبريات الشركات التجارية أو نقل مراكز أنشطتها خارج البلاد يؤثر من عدة أوجه على أصحاب المشاريع الصغيرة، ويقلل من خياراتهم وفرصهم.

وتسببت ممارسات الجباية والإتاوات وفرض الغرامات غير القانونية التي فرضتها جماعة الحوثي في إغلاق المعمل وتسريح عماله الذين يزيدون عن 50 فردا.

وتوقع البنك الدولي أخيرا انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليمن بنسبة 0.5 في المائة خلال العام الحالي بعد انتعاشه بنسبة 1.5 في المائة العام الماضي، معللا ذلك بعدد من الأحداث الاقتصادية السلبية التي أثرت على اليمن مثل توقف صادرات النفط جراء الأعمال العدائية للجماعة الحوثية، وتقلبات سعر العملة المحلية وارتفاع التضخم، وزيادة الأنشطة العدائية على القطاع الخاص.

فتيات يمنيات يتلقين تدريبات في التصنيع الغذائي (الأمم المتحدة)

ويدعو الخبير الاقتصادي عادل السامعي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى تبني الجهات الرسمية برامج لمساعدة ومراقبة نشوء المشاريع الصغيرة، خوفاً من أن يؤدي تكرار الفشل إلى انتشار اليأس والإحباط، ويشدد على ضرورة تقديم الدعم من خلال المساعدة في دراسات الجدوى الدقيقة والخطط التسويقية بعيدة المدى، وتقديم دورات تدريبية مكثفة ومجانية في هذه المجالات.

كما يطالب السامعي القطاع الخاص بتقديم المساعدات اللازمة والممكنة والتعاون مع أصحاب المشاريع الصغيرة لكون هذه المشاريع رافدا للاقتصاد الوطني بشكل عام، وعاملا مساعدا في نجاح بيئة المال والاستثمار، ولما تمثله هذه المشاريع من وساطة مهمة بين المستهلك والمنتج.

وطبقاً لرأيه؛ فإن المشاريع الصغيرة توفر على كبريات الشركات كثيرا من الوقت والمال، وتدفع عجلة الإنتاج وتزيد من معدلات التسويق، ومعالجة مشكلاته الرئيسية وتوفير المرونة الإنتاجية والتسويقية.


مقالات ذات صلة

«المركزي اليمني» يواجه استحواذ الانقلابيين على شركتين دوائيتين

العالم العربي إجراءات ومساعٍ حوثية لاستعادة الأوراق النقدية القديمة التي أقر البنك المركزي إلغاءها (أرشيفية- رويترز)

«المركزي اليمني» يواجه استحواذ الانقلابيين على شركتين دوائيتين

أصدر البنك المركزي اليمني قرارين ألغى أولهما تراخيص خمس شركات صرافة وقضى الثاني بعدم التعامل المالي مع الإدارتين اللتين استحدثهما الحوثيون لشركتين دوائيتين.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي مقاتلة أميركية على متن حاملة الطائرات «أيزنهاور» (رويترز)

ضربات أميركية تستبق هجمات حوثية في البحر الأحمر

استبق الجيش الأميركي هجمات حوثية في البحر الأحمر ضد السفن، وقال إنه دمّر زورقين مسيّرين وموقع رادار، وذلك في سياق الضربات الدفاعية التي تقودها واشنطن.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

حملات تعسف استهدفت 1161 منشأة تجارية في صنعاء

تعرّض 1161 محلاً وشركة تجارية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء خلال الأسابيع الماضية لعمليات دهم وابتزاز وإغلاق على أيدي مشرفين حوثيين

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مدير مكتب يحيى الحوثي بجوار التربوي أحمد النونو قبل اعتقالهما في صنعاء (إعلام حوثي)

اعتقال مدير مكتب يحيى الحوثي بتهمة التجسس لأميركا

امتدت حملة الاعتقالات التي ينفذها الحوثيون بإشراف من خبراء في الحرس الثوري الإيراني لأعلى سلم قيادة الجماعة، حيث اعتقل مدير مكتب يحيى الحوثي شقيق زعيم الجماعة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مشهد وزعه الحوثيون لمهاجمة سفينة «ترانس وورلد نافيجيتور» في البحر الأحمر بزورق مسير مفخخ (أ.ف.ب)

زعيم الحوثيين يتبنى مهاجمة 162 سفينة خلال 30 أسبوعاً

تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة 162 سفينة منذ بدء التصعيد البحري في 19 نوفمبر الماضي، وأقر بتلقي جماعته 19 غارة غربية خلال أسبوع من دون ضحايا.

علي ربيع (عدن)

حملات تعسف استهدفت 1161 منشأة تجارية في صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)
TT

حملات تعسف استهدفت 1161 منشأة تجارية في صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)

تعرَّض 1161 متجراً وشركة في صنعاء، خلال الأسابيع الماضية، لعمليات دهم وابتزاز وإغلاق على أيدي مشرفين حوثيين، في حين اعتدى أتباع الجماعة على قرابة 90 شخصاً من المُلاك والعاملين في هذه المنشآت، وفق مصادر مطّلعة.

واستمراراً للحملات المُمنهجة لجباية الأموال، وتهديد الاقتصاد اليمني، وتهجير ما تبقّى من رأس المال من مناطق سيطرة الانقلابيين، لإحلال تجار مُوالين للجماعة؛ نفّذ الحوثيون تلك الحملات، وأجبرت خلالها عدداً من المتاجر والمنشآت الخاصة وصغار الباعة على دفع مبالغ مالية تحت عدة مسميات.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

أقرّ تقرير صادر عن مكتب الصناعة والتجارة، الخاضع للجماعة في صنعاء، بأنه استهدف بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات أكثر من 233 منشأة ومتجراً متنوعاً، خلال 8 أيام، مضافاً إليها استهداف نحو 928 منشأة تجارية خلال شهر.

واشتكى تجار ورجال أعمال في صنعاء، تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، من استمرار مضايقات الجماعة، وقالوا إنها عادت لشن حملات جمع إتاوات وجبايات نقدية بالقوة تحت تسميات عدة؛ أبرزها تمويل الفعاليات ذات الطابع الطائفي، وتصعيد الجماعة العسكري في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي حين أشار بعض التجار إلى معاناتهم وصراعهم المرير مع حملات النهب والتعسف، التي تطولهم بين الفينة والأخرى، يشتكي هؤلاء من فرض مبالغ مالية تبدأ بـ5 آلاف ريال يمني، وتنتهي بـ100 ألف ريال. (الدولار يساوي 530 ريالاً في مناطق سيطرة الجماعة)، ويشمل ذلك صغار التجار وكبارهم.

إغلاق وتهديد

نتيجة لتجدُّد مسلسل نهب التجار ومُلاك الشركات في صنعاء، أغلقت بعض المتاجر أبوابها في عدد من الشوارع والأسواق قبل وصول حملات الانقلابيين.

وأكد سكان، لـ«الشرق الأوسط»، أن عدداً من المتاجر في أسواق السنينة ومذبح وهايل وسوق حجر والبليلي وحزيز أغلقت أبوابها فور معرفة مُلاكها بنزول حملات جباية ونهب جديدة.

حملات حوثية حديثة استهدفت محلات تجارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وهدَّد مسلَّحو الجماعة الحوثية، أثناء نزولهم الميداني، مُلاك المتاجر الذين فتحوا أبوابها، بإغلاقها واعتقالهم إذا لم يلتزموا بدفع ما عليهم من مبالغ مفروضة «مخالفات، ودعم شعبي ومجتمعي للفعاليات وللمقاتلين في الجبهات».

ويعاني القطاع الخاص اليمني، بما فيه القطاعان التجاري والصناعي، منذ 9 أعوام وأكثر من عُمر الانقلاب والحرب، سلسلة حملات تعسف ونهب وإغلاق ومصادرة وابتزاز وفرض جبايات مالية غير قانونية.

جاء ذلك في وقت توقَّع فيه البنك الدولي، في أحدث تقاريره، مزيداً من التدهور في الناتج المحلي في اليمن الذي يشهد حرباً منذ نحو تسع سنوات.

وأكد البنك الدولي أن اقتصاد اليمن لا يزال يواجه عقبات كبيرة مع تفاقم الصراع المستمر والتوترات الإقليمية والأزمات الاقتصادية والإنسانية، وقال إنه من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.0 في المائة خلال 2024.

وشهد اليمن، في الفترة بين 2015 و2023، انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ما ترك غالبية اليمنيين في حالات فقر متفاوتة. ويؤكد البنك الدولي أن انعدام الأمن الغذائي يؤثر على نصف السكان، إذ ارتفعت معدلات وفيات الشباب، وتدهور الوضع المالي للحكومة المعترَف بها دولياً بشكل كبير خلال عام 2023.