بينما يختفي غاز الطهي من مطابخ اليمنيين؛ كشفت حادثة انفجار أحد خزاناته شمال العاصمة صنعاء أخيراً عن تفاقم المخاطر المحدقة بحياة وسلامة سكان المدن التي يسيطر عليها الانقلابيون الحوثيون جراء تخزينه في الأحياء السكنية لبيعه في السوق السوداء واحتكاره واختلاق أزماته.
وفي حين تتعامل الميليشيات مع احتجاج السكان باستهتار، تلقى أحد أهالي حي الخانق قبل أيام، تهديدات بالقتل بعد مطالبته بنقل محطة للغاز إلى خارج الحي.
وسبق واقعة التهديد إقدام مسلحين حوثيين على الاعتداء بالرصاص الحي والهراوات على وقفة احتجاجية تطالب بنقل محطة تخزين وتعبئة الغاز، التابعة لعائلة رجل الأعمال علي المفزر، بعد الانفجار الذي حدث في المحطة وتسبب في إلحاق الأضرار ببعض المنازل، ونزوح السكان.
وكانت شاحنة غاز في مخزن تابع لرجل الأعمال الموالي للانقلابيين الحوثيين انفجرت منذ قرابة أسبوعين، متسببة في دمار منزلين ومسجد، وسُمع دوي الانفجار في أنحاء العاصمة، مسبباً هلعاً كبيراً، وشوهدت ألسنة اللهب في مناطق بعيدة داخل وخارج العاصمة، ما جعل كثيراً من السكان يظنونه انفجاراً في أحد مخازن أسلحة الانقلابيين الحوثيين.
وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصوراً لانفجار المحطة، في حين زعم الانقلابيون الذين يديرون قطاع تجارة الغاز أن الحادثة وقعت نتيجة ماس كهربائي، وهو ما عدّه سكان صنعاء تهرباً من المسؤولية، ومحاولة للتغطية على الخطر الذي ينتشر في أوساطهم.
ويتهم نشطاء يمنيون الميليشيات الحوثية بتدبير الحادثة في سياق ابتزاز عائلة رجل الأعمال المفزر ضمن ممارستها تجاه القطاع الخاص وسعيها إلى تجريفه وتعريضه للإفلاس، ويرون أنها تستغل الوقفة الاحتجاجية لمواصلة الضغوط على العائلة؛ إلا أنها لن تتجه إلى إجبارها على نقل المحطة لأنها ترغب في الاستيلاء عليها.
ويشير المتابعون إلى الحملة التي شنها الإعلام الموالي للميليشيات على عائلة المفزر، واتهامها بالإهمال، حيث تأتي هذه الحملة في سياق الابتزاز، حسب رأيهم.
وفي مدينة الحديدة (غرب) كان حريق هائل قد اندلع في محطة تابعة لمشرف حوثي في الحي التجاري، أواخر أغسطس (آب) الماضي، ورغم أن الحريق لم يلحق أضراراً بالمباني المحيطة أو بالأهالي، فإنه تسبب بهلع كبير، وأجبر سكان الحي على النزوح، في حين منعت الميليشيات الحوثية نشر أو تداول صور حول الحادثة.
محطات في كل مكان
تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات لانفجارات وحرائق محطات الوقود والغاز التابعة للسوق السوداء التي يستخدمها الانقلابيون الحوثيون لزيادة إيراداتهم، في الوقت نفسه الذي يتهمون فيه الحكومة الشرعية وتحالف «دعم الشرعية» بصنع هذه الأزمات.
يقول أحمد العنسي إنه اضطر للهرب من جوار محطات تخزين وبيع الغاز مرتين؛ الأولى عقب انفجار حدث في محطة من محطات السوق السوداء التابعة للميليشيات الحوثية في حي السنينة غرب العاصمة صنعاء، وكان حينها يسكن في الشارع نفسه، الذي انفجرت فيه المحطة وتسبب الانفجار في إصابات بشرية ودمار في عدد من المساكن والمحلات التجارية.
ويوضح العنسي، وهو مالك محل لبيع الهواتف الجوالة ومستلزماتها، أنه وسكان الشارع فوجئوا بإعادة إنشاء المحطة بعد الحادثة بأيام قليلة، ما دفعه إلى نقل مسكنه إلى شارع آخر في الحي نفسه؛ خوفاً على عائلته من تكرار الحادثة، إلا أنه فوجئ باستحداث محطة قريبة من سكنه الجديد بعد استقراره فيه بأسابيع.
واضطر العنسي إلى إغلاق محله لتجارة الهواتف الجوالة في شارع الستين الغربي القريب من سكنه عندما فوجئ باستحداث محطة أخرى أمام المحل، وانتقل إلى محل آخر في شارع فرعي لاعتقاده بأن الميليشيات لا تستحدث محطات الغاز في تلك الشوارع، إلا أنه اكتشف لاحقاً وجود محطة خلف البناية التي يقع فيها محله الجديد.
ولا يكاد يمر أسبوع دون وقوع حادثة أو أكثر لانفجار أو حريق في محطات ونقاط بيع الغاز والوقود التابعة للميليشيات الحوثية، ولا يقتصر الأمر على العاصمة صنعاء وحدها، بل يمتد الأمر إلى غالبية المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات.
ففي مدينة البيضاء (267 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة صنعاء)، وقعت كارثة مأساوية في يناير (كانون الثاني) من العام قبل الماضي راح ضحيتها عشرات من الأهالي ما بين قتيل وجريح، إلى جانب خسائر مادية جراء انفجار إحدى محطات تعبئة الغاز في المدينة.
مقاطعة في إب
تلتزم الميليشيات الحوثية السكوت واللامبالاة في التعاطي مع مثل هذه الحوادث، ولم يحدث أن توجّهت إلى إزالة هذه المحطات ونقاط البيع ونقلها إلى مناطق خارج الأحياء السكنية، رغم أنها قد تقدم في بعض الأوقات وعوداً بوضع حلول لهذه المخاطر.
فمنذ 6 أعوام انفجرت محطة وقود «سوق سوداء» في شارع المحافظة والشارع المجاور له في مدينة إب (193 كيلومتراً جنوب العاصمة صنعاء) واندلع حريق ضخم دفع السكان إلى النزوح للنجاة بأنفسهم بعد أن التهم محتويات منازلهم ومحالهم التجارية وسياراتهم، دون تدخل من الميليشيات التي تسيطر على المدينة.
ويفيد الناشط والمهندس فؤاد شاهر من أهالي المدينة، بأنه، وبسبب تذمر الأهالي حينها وتصاعد احتجاجاتهم، خرجت القيادات الحوثية في المحافظة، وعلى رأسهم عبد الواحد صلاح الذي ينتحل صفة المحافظ، بوعود لإنهاء وجود هذه المحطات في شوارع وأحياء المدينة، وهو ما صدقه الأهالي ليتراجعوا عن احتجاجاتهم، ليكتشفوا بعدها بأشهر تضاعف أعداد هذه المحطات وانتشارها في كل الأحياء والحارات، لتصبح خطراً محدقاً بالجميع.
ويذهب ثابت إلى أن الأهالي تعوّدوا خلال السنوات الماضية على مثل هذه الحوادث التي باتت تتكرر بشكل شبه دائم في عموم مناطق ومدن المحافظة، وأنهم اتخذوا احتياطاتهم لتجنب أضرارها، ومن ذلك التفاوض مع ملاك المحطات ومشرفيها لنقلها إلى أماكن غير مأهولة.
وبحسب ثابت، فإن الأهالي اتفقوا بشكل ضمني على مقاطعة أي محطة لا يستجيب مالكها أو مشرفها لمطالبهم بنقلها بعيداً عن المساكن، الأمر الذي أجبر هؤلاء على الاستجابة، وهو ما قلل من أضرار انفجاراتها أو حرائقها إلى حد كبير.
ويصف تصرف الأهالي بأنه «مهادنة إجبارية»، فبعد أن أغرقت الميليشيات محافظتهم بالفساد والنهب والجريمة، لم يعد بمقدورهم مقاومتها سوى بأقل ما يملكون من حيلة، ويرى أنها حيلة غير مجدية.