إيجارات المساكن تتصاعد... الغلاء يهدد ما تبقى من طمأنينة اليمنيين

تواطؤ حوثي مع الملاك وضغوط جراء تدفق النازحين

اضطرت عائلات يمنية إلى السكن في الكهوف بسبب الفقر وغلاء الإيجارات والنزوح (أ.ف.ب)
اضطرت عائلات يمنية إلى السكن في الكهوف بسبب الفقر وغلاء الإيجارات والنزوح (أ.ف.ب)
TT

إيجارات المساكن تتصاعد... الغلاء يهدد ما تبقى من طمأنينة اليمنيين

اضطرت عائلات يمنية إلى السكن في الكهوف بسبب الفقر وغلاء الإيجارات والنزوح (أ.ف.ب)
اضطرت عائلات يمنية إلى السكن في الكهوف بسبب الفقر وغلاء الإيجارات والنزوح (أ.ف.ب)

نهاية كل شهر يضطر نديم محمد وزوجته لبيع أحد أغراضهما لسداد إيجار المنزل الذي يسكنونه في العاصمة صنعاء، ويخشيان أن يأتي اليوم الذي لا يجدان ما يبيعانه، فالزوجة تخلت عن أغلب حليها وهدايا زواجها، ولم يتبقَّ من أثاث المنزل سوى ما تنام عليه العائلة.

تسكن عائلة نديم، المكونة منه ومن زوجته وثلاثة أطفال لم يتجاوز أكبرهم العاشرة، منزلا يوصف بالشعبي، (غير مسلح بالخرسانة) في حي السنينة غربي العاصمة صنعاء، ويبلغ إيجاره 55 ألف ريال يمني (نحو 110 دولارات)، وبين الحين والحين يأتي المالك للمطالبة بزيادة، غير أنه يضطر لتأجيل الأمر في انتظار أن يتحسن دخل نديم.

لم يؤدِّ التوسع العمراني الناتج عن اقتصاد الحرب في صنعاء إلى تراجع الإيجارات (إكس)

يعمل نديم منذ عدة أعوام في عدة أشغال بالأجر اليومي بعد أن توقف راتبه وراتب زوجته منذ سبع سنوات، حيث كانا يعملان في وظيفتين عموميتين، غير أن أجره اليومي لا يكفي إلا لمتطلبات المعيشة ومصاريف دراسة الأطفال، أما الإيجار فلا يستطيع الوفاء به إلا بالتنازل عن بعض الممتلكات.

أزمة ومضاربات

يعاني السكان في العاصمة صنعاء وعموم المدن اليمنية من أزمة سكنية ومضاربة في أسعار الإيجارات مصحوبة بانقطاع رواتب الموظفين العموميين واتساع رقعة البطالة وتدهور العملة المحلية. وفي صنعاء تقدر نسبة من يعيشون في مساكن بالإيجار بـ 75 في المائة، وفقا لإحصاءات غير رسمية.

وبرغم التوسع العمراني الذي تشهده المدينة، وهو التوسع الذي صنعته أموال اقتصاد الحرب، وفقاً للباحث اليمني أنيس مانع، فإن الزيادة المهولة في أعداد البنايات في مختلف أرجاء المدينة لم تساهم في تخفيف أزمة السكن، لأن هذه البنايات صممت وأعدت للأثرياء، ويتم تأجيرها بمبالغ خيالية لا يقدر عليها غالبية السكان، أو تترك خاوية.

ويتهم مانع في حديثه لـ«الشرق الأوسط» الانقلابيين الحوثيين بعدم الجدية في مزاعمهم إنصاف المستأجرين وحمايتهم من ملاك العقارات والمؤجرين، حيث أجروا تعديلات على قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والتي بموجبها يُمنع زيادة الإيجارات أو طرد المستأجر ما دام يدفع الإيجار بانتظام، إلا أن هذا لا يجري تنفيذه إلا في نطاق محدود، بينما يجري الالتفاف عليه غالبا.

عائلة يمنية مشردة في الشارع بعد سنوات من توقف راتب عائلها (إكس)

ويفسر مانع هذا الالتفاف بأن غالبية ملاك العقارات والبنايات السكنية يملكون نفوذا وحظوة لدى جهات الضبط التابعة للانقلابيين، في حين يجهل الكثير من المستأجرين مواد القانون، أو لا يثقون في إنصافهم حال التقدم بشكوى، ما قد يعود عليهم بإساءة المعاملة من طرف المؤجرين أو اللجوء لطردهم.

غلاء برغم هروب السكان

يتبع ملاك المساكن حيلاً كثيرة لطرد المستأجرين، فقد يزعمون أنهم بصدد بيع المنازل أو الحاجة لها لإسكان عائلات أبنائهم أو أقاربهم أو الرغبة في ترميمها وتجديدها، كما أنهم يؤجرون منازلهم من دون عقود مكتوبة، وإذا ما تم التأجير بعقد مكتوب يتم التجديد بعد انتهاء المدة الإيجارية دون عقد.

ويضيف مانع أن أزمة السكن في صنعاء تفاقمت منذ وصول نازحي الحديدة، وأصبح الحصول على شقة من غرفتين أشبه بالمستحيل، ما يجعل المستأجر أمام خيارات صعبة، ويستغل غالبية الملاك الوضع لطلب إيجار عام كامل أو ستة أشهر مقدما، إلى جانب مبلغ الضمان الذي يساوي إيجار شهر على الأقل وتكليف المستأجر بدفع أجور السماسرة.

تضطر عائلات يمنية إلى السكن في دكاكين الحارات الصغيرة المهجورة (إكس)

وتعاني مدينة الحديدة من نقص كبير في الخدمات، ويعد انقطاع الكهرباء وشحة المياه من أشد مظاهر معاناة السكان فيها، ولكونها تقع على الساحل الغربي للبلاد المعروف بارتفاع درجات الحرارة والرطوبة إلى مستويات كبيرة، فإن نقص الكهرباء والمياه يجعل الحياة أكثر صعوبة فيها من غيرها من المدن.

ويقول عبد الله الوتيري إن الحديدة أصبحت طاردة للسكان منذ عام 2015، وتحديداً عندما انقطعت الكهرباء عن عموم البلاد بفعل الحرب الحوثية، وكانت الحديدة من أكثر المدن تأثراً بذلك، وبرغم أن الحرب لم تصل إليها إلا بعد ثلاثة أعوام، فإن النزوح منها بدأ في أول صيف انقطعت فيه الكهرباء.

وبحسب الوتيري، وهو موظف عمومي، عاد الكثير من سكان الحديدة إلى الأرياف التي كانوا قدموا منها، والكثير منهم اضطر إلى إخلاء مسكنه وبيع أثاثه، وتفاقم الأمر أكثر في صيف عام 2018 عندما اقتربت القوات المؤيدة للحكومة الشرعية من المدينة وتمكنت من تحرير الضواحي والأجزاء الجنوبية والشرقية منها.

وأجبرت المواجهات العسكرية والإجراءات الحوثية المتمثلة باتخاذ السكان دروعا بشرية، غالبية الأهالي على النزوح باتجاه محافظات مجاورة أو بعيدة، حيث نزح عشرات الآلاف باتجاه محافظات حجة وصنعاء وإب، بينما اتجه كثيرون إلى محافظات تعز وعدن، وتسبب هؤلاء النازحون في ارتفاع الإيجارات في المحافظات التي وصلوا إليها.

وقفة في مدينة تعز اليمنية احتجاجاً على غلاء إيجارات المساكن (إكس)

وبرغم ذلك، يؤكد الناشط الاجتماعي عبد الرحيم رامي أن الحديدة هي الأخرى شهدت ارتفاعاً تصل نسبته في بعض الأحيان إلى أكثر من 100 في المائة، لكن الزيادات الكبيرة تحدث عند استئجار سكن جديد، في حين لم يتمكن ملاك المساكن من فرض زيادات كبيرة على المستأجرين الذين فضلوا البقاء وعدم الانتقال.

انهيار قيم الريف

يقارن رامي، وهو ناشط اجتماعي، بين الإيجارات في صنعاء المزدحمة والحديدة التي نزح الكثير من سكانها بسبب نقص الخدمات وظروف المعيشة، مفيداً بأن الأخيرة تعد أغلى من حيث الإيجارات، وهو ما يصفه بالظلم الواقع على سكان الحديدة الذين، إلى جانب افتقارهم الشديد للخدمات الملحة، يعانون من قلة مصادر الدخل وانتشار البطالة أكثر من صنعاء.

ويقع متوسط إيجار الشقق في الحديدة ما بين 50 و70 ألف ريال، وهو متوسط مقارب لمتوسط الإيجارات في صنعاء.

أما مدينة إب (193 كيلومترا جنوب صنعاء) فقد استقبلت منذ بداية الحرب نازحين من مدينة تعز التي حاصرها الانقلابيون الحوثيون، كما استقبلت في صيف 2018 نازحين من مدينة الحديدة بسبب المعارك العسكرية فيها، لترتفع الإيجارات فيها بشكل غير مسبوق، برغم كونها مدينة ذات طابع ريفي زراعي.

عائلة يمنية تتخذ من فصول مدرسة في مدينة عدن سكناً لها (الأمم المتحدة)

وشهدت إب ارتفاعاً مهولاً في الإيجارات، وصل إلى ما يعادل 200 في المائة، بحسب ما ذكره فؤاد ثابت الذي يرى أن هذا الارتفاع المهول لا يعود سببه إلى النزوح فقط، بل وإلى ممارسات ميليشيات الحوثي التي استهدفت مدينة إب بأعمال النهب والجبايات.

ويذهب ثابت، وهو اسم مستعار لمهندس وناشط سياسي، إلى أن الميليشيات تسببت في خوف أهالي المحافظة من الفقر والفاقة ومن ضياع ممتلكاتهم وثرواتهم، ما أدى بهم إلى محاولة الكسب السريع دون اعتبار لأضرار ذلك على قيم الترابط والتكافل في مجتمع ريفي زراعي.

ويشير إلى أن عوامل مثل غلاء المعيشة ونهب الأراضي والعقارات وانتشار الجريمة وتكوين العصابات في إب، ساهمت جميعاً، وبشكل غير مباشر، إلى جانب موجات النازحين، في رفع الإيجارات بشكل كبير، حيث يسعى أصحاب العقارات إلى تأمين أنفسهم من خلال الكسب السريع.

وتعد هذه الأزمة المعقدة في غلاء المساكن في اليمن من أكبر التحديات التي تواجه السكان، لا سيما الموظفين الذين فقدوا رواتبهم، كما هو الحال مع نديم محمد وزوجته، ومثلهما عشرات الآلاف من العائلات في صنعاء وبقية المدن.


مقالات ذات صلة

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

المشرق العربي مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تنشط شبكة حوثية لتجنيد شبان يمنيين للقتال ضمن الجيش الروسي في أوكرانيا، من خلال إغرائهم بالعمل في شركات أمن روسية برواتب مجزية وتتقاضى آلاف الدولارات عن كل شاب.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
TT

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اليوم الاثنين، إن هناك خطة لتوسيع الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان لتشمل دولاً أخرى.

وفي كلمة، خلال افتتاح مؤتمر سفراء العراق الثامن حول العالم في بغداد، أكد الوزير أنه يجب تكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي تهديد أو عدوان محتمل» على العراق.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد قال، الأسبوع الماضي، إنه بعث رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حثَّ فيها على اتخاذ إجراء فوري للتصدي لأنشطة الجماعات المسلَّحة المُوالية لإيران في العراق، قائلاً إن الحكومة العراقية مسؤولة عن أي أعمال تحدث داخل أراضيها أو انطلاقاً منها.

كما ذكرت تقارير إعلامية أميركية، في وقت سابق من هذا الشهر، أن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنها إذا لم تمنع وقوع هجوم إيراني من أراضيها على إسرائيل، فقد تواجه هجوماً إسرائيلياً.

وشنت إسرائيل هجوماً على منشآت وبنى تحتية عسكرية إيرانية، الشهر الماضي؛ رداً على هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل، وذلك بعد أن قتلت إسرائيل الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية المتحالفة مع إيران، حسن نصر الله، في سبتمبر (أيلول) الماضي.