ووبحسب «وكالة أنباء العالم العربي»يرفض المجتمع المغربي تقبّل فكرة إيداع المسنين دوراً لرعايتهم؛ وهو ما يرجع إلى أسباب، من بينها مكانة الوالدين المترسخة في الأسرة وخوف الأبناء من نظرة المجتمع إليهم إذا ما أقدموا على خطوة كهذه واتهامهم بعقوق الوالدين.
كانت المندوبية السامية للتخطيط (مكتب الإحصاء الرسمي) قد أشارت مؤخراً إلى أن عدد المسنين في المغرب سيتجاوز ستة ملايين نسمة بقليل بحلول عام 2030، بزيادة نسبتها 42 في المائة مقارنة بعام 2021، ليشكّلوا نسبة 15.4 في المائة من مجموع سكان البلاد.
كما توقعت أن يصل عدد المسنين إلى عشرة ملايين في حدود عام 2050، ارتفاعاً من 4.5 مليون حالياً ومليون واحد عام 1970.
حقائق
مكتب الإحصاء الرسمي:
عدد المسنين في المغرب سيتجاوز 6 ملايين نسمة بحلول عام 2030... بزيادة نسبتها 42 % مقارنة بعام 2021
وقال الخبير الاجتماعي حوسا أزارو: إن ضغط ما أسماه «الشيخوخة الديموغرافية» يفضي إلى الإكثار من مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمسنين، مؤكداً على ضرورة البحث عن استراتيجيات اجتماعية «تجمع بين الثقافة الاجتماعية السائدة وبين السياسات العمومية».
وأضاف أزارو، الباحث في علم الاجتماع بجامعة السلطان مولاي سليمان في بني ملال بجبال الأطلس المتوسط الغربي، في حوار مع «وكالة أنباء العالم العربي» (AWP)، أن للشيخوخة الديموغرافية نتائج وانعكاسات على المجتمع، خاصة فيما يتعلق بالشغل وإنتاج الثروة وتجديد القيم المادية والتكنولوجية والعلمية بالمجتمع.
صراع ثقافي
وقال أزارو: «قبل تسميتها بدار المسنين كانت تسمى دار العجزة، بمعنى دار العاجزين. فعادة ما يلجأ إليها أفراد منفصلون ومبتورون عن المجتمع، وهذا ما يفضي بنا إلى إدانة دور العجزة أو شيطنتها. وهذه الشيطنة أو النظرة السلبية تعزز تمسك الأسرة المغربية بمسنيها».
ويوضح قائلاً: «نحن نرمي هذه الدور بكل عناصر السلب والتشاؤم وعناصر القدح من أجل أن نُنَفّر منها المجتمع لكي يتمسك الأفراد والأسر بمسنيّهم داخل الأفق الأسري الذي يعتمد على ثقافة دينية».
وتابع: «هذا الصراع الثقافي بين الأسرة ودور العجزة جعلنا داخل مشكلة كبيرة، وهي أن الثقافة المغربية السائدة والثقافة الشعبية التي يتبناها عموم الناس ثقافة تُدِين دور العجزة بناءً على ثقافة دينية محددة؛ ما يعني أن التأويل الاجتماعي والثقافي للدين هو الذي أفضى إلى بناء نظرة أو تصور معين عن الأبوة أو الأمومة».
وأشار أزارو إلى أن جمعيات المجتمع المدني تنظم حفلات وأنشطة أسبوعية ثقافية وفنية وترفيهية ورياضية وزيارات ودية دائمة لدور المسنين من أجل «التخفيف عليهم من وطأة العزلة والإلغاء والإقصاء؛ وهو الأمر الذي يفسح المجال لمسارين: مسار السياسات العمومية التي تدعم هذه المؤسسات، ومسار الثقافة التي تلعن هذه المؤسسات».
ويشير إلى أن هذا يثير حاجة إلى الجمع بين التصورين معاً بكيفية لا تتحقق فيها إدانة هذه المؤسسات من طرف الثقافة السائدة؛ لأن الشيخوخة الديموغرافية صارت ملامحها تتشكل في المجتمع.
أسرة عن بعد
وتحدث أزارو أيضاً عن ظاهرة الهجرة بين المدن والتي تفضي إلى بقاء المسنين في أماكنهم أو قراهم ولكن منعزلين عن أبنائهم، وهو ما يطلق عليه ظاهرة «الأسرة عن بعد» التي ظهرت في المجتمع المغربي فجأة وجعلت الآباء والأبناء لا يلتقون إلا في الأعياد والعطلات الصيفية.
ونتيجة لذلك؛ لم يعد المسن يجد الرعاية التي يحتاج إليها داخل الأسرة لأن الأبناء انتقلوا إلى أماكن أخرى بينما ظل الآباء أوفياء لأمكنتهم الأصلية؛ الأمر الذي أفضى إلى مشكلات ومآسٍ كثيرة.
الإيواء والدعم النفسي
تؤكد وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة أن مؤسسات رعاية المسنين تلعب دوراً مهماً في توفير الكثير من الخدمات لهم، مثل الإيواء والإطعام والدعم النفسي والصحي والاجتماعي لتساهم بذلك في تحقيق الاستقرار الاجتماعي لمجموعة من الأشخاص المسنين من دون عائل أو مورد.
وبلغ عدد مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمسنين 70 مؤسسة حتى عام 2021، وبلغ إجمالي عدد المستفيدين من خدماتها نحو 5794 شخصاً من بينهم 2610 نساء، حسبما يشير الموقع الإلكتروني للوزارة.
ويقول المحلل الاجتماعي فؤاد بنمير: إن مسألة دور المسنين ما زالت حديثة العهد في المجتمع المغربي لاعتبارات ثقافية واجتماعية ودينية، مضيفاً أن لهذه الفئة مكانة اعتبارية كبيرة جداً كرّسها الإسلام.
وأضاف في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، أن المجتمع المغربي مجتمع يتحول ويتطور، لكن هذا التطور لا يمس مقوماته الثابتة ومنها مراعاة الوالدين، غير أنه أحياناً ما يضطر الأبناء إلى أن يستقلوا بأنفسهم فلا يجد الآباء والأمهات من يرعاهم.
وأشاد بنمير بدور المسنين قائلاً إنها توفر لكبار السن مناخاً طيباً وتعطيهم اهتماماً كبيراً، لافتاً إلى أن الظروف الحياتية التي تغيرت قد تدفع البعض إلى اللجوء إليها.
ونوّه إلى أن متوسط الأعمار في المغرب ارتفع فأصبح 73.5 بالنسبة للمرأة و72 بالنسبة للرجل.
وفي العام الماضي، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً، جاء به أن المغرب والجزائر وتونس تتصدر قائمة دول القارة الأفريقية فيما يرتبط بأعلى متوسط عمر متوقع، بمتوسط 76 عاماً لجميع البلدان الثلاثة.
وأرجعت المنظمة هذا إلى تحسن تغطية الخدمات الصحية الأساسية والتقدم في الصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل وفي مكافحة الأمراض المعدية.
حقائق
فؤاد بنمير المحلل الاجتماعي
متوسط الأعمار في المغرب ارتفع لـ 73.5 بالنسبة للمرأة و72 بالنسبة للرجل