يمنيون يواجهون الجوع برهن أمتعتهم ومقتنيات منازلهم

تحذيرات أممية من استمرار تدهور الأمن الغذائي

سوق شعبية وسط العاصمة اليمنية صنعاء (الشرق الأوسط)
سوق شعبية وسط العاصمة اليمنية صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

يمنيون يواجهون الجوع برهن أمتعتهم ومقتنيات منازلهم

سوق شعبية وسط العاصمة اليمنية صنعاء (الشرق الأوسط)
سوق شعبية وسط العاصمة اليمنية صنعاء (الشرق الأوسط)

أجبر الظرف المعيشي المتدني، ورقعة الجوع والفقر المتسعة، وانقطاع الرواتب، آلافاً من اليمنيين على رهن أمتعتهم الشخصية ومقتنيات منازلهم، لتوفير بعض احتياجاتهم وأسرهم الضرورية؛ خصوصاً بعد تدهور أوضاعهم المعيشية، بفعل انقلاب الحوثيين المستمر للسنة التاسعة.

جاء ذلك بالتزامن مع تأكيدات أممية أن تدهور الأمن الغذائي في اليمن سيستمر خلال أغسطس (آب) الجاري، وللشهر الثالث على التوالي، وأن استراتيجيات الأسر اليمنية للتعامل مع سبل العيش تدهورت بمقدار نقطة مئوية واحدة في يونيو (حزيران) المنصرم، مقارنة بأواخر الشهر السابق له.

ويؤكد «عبد القوي» وهو ضابط سابق في الجيش اليمني، أنه اضطر قبل أيام إلى رهن هويته العسكرية لدى مالك مطعم في صنعاء، مقابل منحه وجبة طعام تعادل قيمتها 5 دولارات، لسد رمقه و5 من أطفاله.

وشكا «عبد القوي» في حديثه مع «الشرق الأوسط»، من التدهور المعيشي الذي أصابه وأطفاله منذ انقطاع راتبه قبل سنوات عدة، وهو الأمر الذي دفعه غير مرة إلى الخروج طلباً للرزق؛ لكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن وضعه المادي كان قبل الحرب ميسوراً؛ حيث كان يتقاضى راتباً شهرياً مع بعض الحوافز يعادل 170 دولاراً، ويكفي لتغطية احتياجاته.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية الشهيرة في أحد المطاعم (رويترز)

ويعد «عبد القوي» واحداً من بين آلاف اليمنيين الذين عجزوا عن توفير الحد الأدنى من القوت الأساسي لذويهم، واضطروا إثر ذلك إلى رهن أمتعتهم الشخصية ومقتنيات منازلهم لدى آخرين، في سبيل مواجهة الضغوط المعيشية.

توسع الظاهرة

ومع تدهور سبل العيش، يؤكد السكان في صنعاء ومدن أخرى خاضعة للحوثيين، توسع ظاهرة «الرهونات» بمختلف أشكالها بمناطق متفرقة بصنعاء ومدن أخرى؛ حيث يقوم أشخاص لا يملكون المال بوضع أمتعتهم الشخصية والمنزلية لدى تجار، مقابل حصولهم على سلع أو تقديم بعض الخدمات الأساسية.

واطلعت «الشرق الأوسط» خلال جولة على محال تجارية في صنعاء، على مئات من الرهونات المختلفة، تتبع سكاناً جلهم من الموظفين المدنيين والعسكريين والأمنيين، ممن أجبرهم الوضع البائس على رهن أمتعتهم لأخذ ما يحتاجونه من طعام ومواد استهلاكية، في ظل الحالة الإنسانية المزرية التي وصل إليها اليمنيون، جراء الفقر وانعدام السيولة وانقطاع المرتبات وندرة فرص العمل.

وتتنوع الأمتعة الشخصية التي وضعها مواطنون لدى متاجر، بين: الساعات اليدوية، والنظارات، والبطاقات الشخصية والعائلية، وجوازات السفر، والهواتف الجوالة، والأسلحة النارية، والجنابي (خناجر يمنية).

توقف الرواتب دفع يمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل باعة متجولين (رويترز)

ويفسر ملاك متاجر في صنعاء هذه الظاهرة بقولهم إن معظم اليمنيين ممن كانوا ميسوري الحال، يضطرون في ظل هذه الأوضاع العصيبة إلى رهن أغراضهم من أجل سد رمق العيش لهم ولأسرهم، مؤكدين وجود آلاف الرهونات لديهم ولدى غيرهم من الباعة الآخرين، تتبع أشخاصاً ممن أجبرتهم شدة الفاقة على رهنها، ومر على بعضها فترات طويلة ولم يأتِ أصحابها لاسترجاعها.

ونظراً لازدياد أعداد الأشخاص الذين يصلون إلى التجار لرهن أمتعتهم الشخصية ومقتنيات منازلهم، يقول بعض التجار في حديثهم مع «الشرق الأوسط»، إنهم وصلوا إلى مرحلة لم يعودوا فيها قادرين على استقبال أي رهونات؛ سواء من موظفين أو من غيرهم؛ خصوصاً بعد أن تعرضوا غير مرة لعجز مادي وصعوبة في توفير البضائع لمحالهم.

ويكشف مالك كافتيريا في صنعاء عن شرائه صندوقاً خاصاً بهدف وضع رهونات الناس، من وثائق وهويات وغيرها، بداخله لحفظها من الضياع والتلف، حتى يأتي الوقت الذي يتمكن فيه أصحابها من قضاء ما عليهم من ديون واسترجاعها.

ويلجأ مالك الكافتيريا في أغلب الحالات -حسب قوله- إلى قبول الرهونات من أشخاص ولو على حساب تراجع دخله اليومي، نظراً لكونهم قدموا إليه بعد تصاعد حدة معاناتهم وأسرهم.

ويقول إن أغلب الرهونات لديه تعود لموظفين حكوميين وعمال بالأجر اليومي، وهم من الفئات الأشد عوزاً ممن اضطروا نتيجة الوضع البائس إلى رهنها على مراحل، مقابل منحهم وجبات من الطعام.

رهن بغرض العلاج

في سياق ظاهرة رهن الوثائق والمقتنيات، يتحدث «أبو عبد الله»، من جهته -وهو موظف بدائرة حكومية في صنعاء- عن لجوئه قبل أسبوع إلى رهن وثيقة ملكية منزله الكائن بمنطقة الخمسين جنوب غربي صنعاء، لدى مستشفى خاص، ليتمكن نجله من تلقي العلاج بعد تعرضه لحادث مروري أدى لكسر في قدمه اليمنى.

ويؤكد «أبو عبد الله» في حديثه مع «الشرق الأوسط»، أن السبب الذي جعله يرهن وثيقة المنزل الذي ورثه مع إخوانه عن والدهم، هو تدني الحالة المعيشية التي زاد من حدتها استمرار انقطاع الراتب.

في غضون ذلك، أفادت مصادر طبية في صنعاء، «الشرق الأوسط»، بأن أغلب المشافي الخاصة والحكومية في العاصمة صنعاء ترفض تقديم أي خدمات علاجية، بما فيها تلك الطارئة، للمرضى الذين يصلون إليها وهم بحالة عجز تام عن الدفع نقداً.

صبي يمني يحمل مساعدات من منظمة خيرية للنازحين في ضواحي مدينة مأرب (أ.ف.ب)

وطبقاً للمصادر، فإن كثيراً من تلك الحالات المرضية تفقد حياتها وهي تتنقل من مستشفى لآخر، لغرض الحصول بشكل سريع على الرعاية الطبية، نتيجة عجزها في تلك اللحظات عن دفع المال.

وكانت الأمم المتحدة قد أكدت أن تدهور الأمن الغذائي في اليمن سيستمر خلال أغسطس الجاري، وللشهر الثالث على التوالي.

ووفق تقرير حديث لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) فإنه كان هناك تدهور نسبي في حالة الأمن الغذائي في اليمن خلال يونيو الماضي، مقارنة بشهر مايو (أيار).

ولفت التقرير إلى أن المسح المجرى للأمان الغذائي في يونيو، كشف عن أن 38 في المائة من الأسر التي شملها المسح تعاني من مستوى الأزمة وما فوقها في تصنيف انعدام الأمان الغذائي؛ موضحاً أن هذه الأسر تعاني من نقص كبير في استهلاك الطعام وسوء التغذية، مع بيانه أن 34 في المائة من الأسر اليمنية تعاني من مستوى جوع شديد.


مقالات ذات صلة

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

العالم العربي مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

اتفاق مسقط لتبادل نحو 2900 محتجز ينعش آمال اليمنيين بإنهاء معاناة الأسرى وسط تفاؤل حذر ومطالب بضمانات أممية لتنفيذ «الكل مقابل الكل»

«الشرق الأوسط» (الرياض - صنعاء)
العالم العربي لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «خروج سلس وعاجل» لـ«الانتقالي»

يرسم البيان السعودي مسار التهدئة شرق اليمن، داعياً لانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة، وسط ترحيب رئاسي وحكومي وإجماع حزبي ضد التصعيد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
وفد سعودي زار حضرموت ضمن مساعي التهدئة وخفض التوتر (سبأ)

حضرموت تتمسك بالشرعية وتحذر من تكلفة «التحركات الأحادية»

جددت سلطة حضرموت دعمها الكامل للشرعية، محذّرة من التحركات العسكرية الأحادية، ومؤكدة أن أمن المحافظة، والحوار السياسي هما السبيل للاستقرار، والتنمية

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)
خاص نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

خاص «اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الحوثيين لتبادل 2900 محتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق هذا الملف الإنساني

محمد ناصر (تعز)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.