الجفاف يحول أراضي حضرموت الزراعية باليمن إلى صحراء

صبية يركبون الحمير يصطفون لملء حاوياتهم وسط نقص في المياه وارتفاع درجات الحرارة في مخيم عبس في محافظة حجة شمال اليمن (أ.ف.ب)
صبية يركبون الحمير يصطفون لملء حاوياتهم وسط نقص في المياه وارتفاع درجات الحرارة في مخيم عبس في محافظة حجة شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

الجفاف يحول أراضي حضرموت الزراعية باليمن إلى صحراء

صبية يركبون الحمير يصطفون لملء حاوياتهم وسط نقص في المياه وارتفاع درجات الحرارة في مخيم عبس في محافظة حجة شمال اليمن (أ.ف.ب)
صبية يركبون الحمير يصطفون لملء حاوياتهم وسط نقص في المياه وارتفاع درجات الحرارة في مخيم عبس في محافظة حجة شمال اليمن (أ.ف.ب)

يقف محمد سالم سعيد على أطراف أرضه الزراعية التي عاشت معه لأكثر من 30 عاما ومع والده من قبله، والتي تعلم فيها أساسيات الفلاحة، لكنه بات على وشك توديعها مع تفكيره في الهجرة مع أسرته بحثا عن الماء الذي يهدد نضوبه 100 ألف إنسان في حضرموت باليمن.

ويقول سعيد البالغ من العمر 45 عاما لوكالة أنباء العالم العربي وهو يجلس القرفصاء على أطراف أرضه الجافة في غيل باوزير بجنوب محافظة حضرموت المطلة على بحر العرب، والتي فقدت أكثر من 70 في المائة من مياهها الجوفية في الآونة الأخيرة «فكرت كثيرا في الهجرة من قريتي المهددة بالجفاف».

يرى سعيد أن اللحاق بمن سبقه في الهجرة بحثا عن الماء والمرعى أمر صعب، فقد ولد وترعرع هو وأطفاله في هذه الأرض.

لكنه يفكر في الرحيل عنها فعليا الآن، مثلما يفعل الكثير من أهالي مديرية غيل باوزير التي يعتمد سكانها منذ عشرات السنين على الزراعة المروية بالمياه الجوفية، والتي جفت الآن بفعل تغيرات المناخ وسحب مياه غيل باوزير لتزويد مدينة المكلا عاصمة حضرموت بها عبر خط مواسير طوله ما يقرب من 50 كيلومترا.

يتساءل سعيد «كيف سأعول أطفالي الستة؟ كيف يمكنني أن أوفر لهم العيش وتكاليف الدراسة؟»، مشيرا إلى أن الزراعة هي المصدر الأساسي والوحيد للدخل له ولأسرته.

يقول سعيد إن مزرعته، التي تبلغ مساحتها ثلاثة أفدنة ونصف الفدان، أصابها الجفاف بعد نضوب مياه الري التي كانت تمر بأطرافها، لكنها باتت اليوم صحراء قاحلة بعد سنوات من زراعة الخضراوات والمحاصيل النقدية.

وبعد أن جفت منذ سنوات المياه الجارية التي كان يعتمد سعيد عليها، حفر بئرا للحصول على المياه لري مزرعته، لكن بعد عامين جف البئر، ليتحول إلى شراء المياه بالساعة من آبار أخرى عميقة.

وقال سعيد إن عليه الآن دفع 12 ألف ريال يمني في الساعة الواحدة للحصول على المياه وبمنسوب قليل للغاية، مما يضطره لدفع 90 ألف ريال مقابل ري الفدان الواحد. وأضاف في حسرة «كم ستدر هذه الأرض اليوم بعد كل هذه التكلفة؟ قد لا ترد لي تكلفة الري والبذور».

وأبلغ سالم العطيشي، مدير مديرية غيل باوزير، وكالة أنباء العالم العربي في مقابلة بأن منطقة غيل باوزير كانت تحظى بمصادر مياه جوفية متعددة وينابيع وآبار، وكانت من أهم مناطق حضرموت في توفير الأمن الغذائي، سواء من الحبوب أو التمور أو الفاكهة أو الخضراوات.

وأضاف المسؤول الحكومي «في نهاية الثمانينيات نفذت السلطات مشروع مياه المكلا الكبرى، ومن يومها والمشروع يغذي عاصمة حضرموت بمياه الشرب من مديرية غيل باوزير، مما تسبب في مشكلة الجفاف ونضوب الآبار والعيون التي كانت تزخر بها غيل باوزير وباتت مهددة بالجفاف التام».

وتسبب الجفاف في بطالة واسعة النطاق في المنطقة التي يعتمد سكانها تماما على الزراعة.

اكتفاء ذاتي

قال العطيشي إن غيل باوزير كانت تتمتع باكتفاء ذاتي من الاحتياجات الزراعية، لكن أسواقها حاليا تجلب الخضراوات والفواكه من مناطق أخرى وبأسعار مرتفعة يعجز سكانها البالغ عددهم 100 ألف نسمة عن تحملها.

وأضاف العطيشي أن غيل باوزير تعاني أيضا انقطاعا متكررا لمياه الشرب، مما دفع أهلها إلى تشكيل لجنة لمتابعة مشكلة الجفاف مع مسؤولي المديرية والمهندسين المائيين بهدف إيجاد حلول وتطبيقها على أرض الواقع.

وأوضح أن من بين الحلول بناء سدود وحواجز مائية للحفاظ على مياه الأمطار الموسمية، مشيرا إلى مشروع بتمويل كويتي توقف العمل فيه بسبب الحرب التي تدور رحاها في البلاد منذ تسع سنوات بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي.

وبحسب المهندس الزراعي سامي عوشان، نائب رئيس لجنة معالجة الجفاف في غيل باوزير، فإن مشكلة الجفاف في المنطقة ظهرت على السطح في أكتوبر (تشرين الأول) 1998 بعد تشغيل مشروع مياه المكلا الكبرى، وبدأت مستويات جميع الغيول والآبار في الانخفاض بأكثر من متر سنويا، حتى حدث الجفاف الكامل في الوقت الحالي.

ويعتقد عوشان أن الحل الوحيد هو تقليل ضخ المياه إلى المكلا. وقال المهندس الزراعي «كان يوجد في منطقة غيل باوزير 36 غيلا، واليوم تبقى منها 14 فقط وباتت المياه الخارجة منها أقل من نصف الكمية السابقة ولا تكفي ثلث المزارعين».

وأكد عوشان أن قلة الأمطار بفعل تغيرات المناخ من الأسباب الرئيسية أيضا التي أدت إلى الجفاف في المنطقة.

ويرتبط حل مشكلة استنزاف مياه غيل باوزير من أجل مد المكلا بها بوجود حلول أخرى لتزويد عاصمة محافظة حضرموت بالمياه، بحسب عوشان.

وقال «خلال آخر لقاء عقدته (لجنة معالجة الجفاف في غيل باوزير) مع المدير العام لمؤسسة المياه في حضرموت عمار الجفري، اشترط مقابل إبعاد مشروع مياه المكلا من غيل باوزير إيجاد بديل لتوفير مياه الشرب لمدينة المكلا، ولكن ذلك يتوقف أيضا على عقد لقاء مع السلطة المحلية ومحافظ حضرموت... وما زال الجميع في انتظار اللقاء الذي لم يتم حتى الآن».

وتابع قائلا «غيل باوزير تدفع ثمن هذا الاستنزاف».

ولم يتسن لوكالة أنباء العالم العربي الحصول على تعليق من وزارة الزراعة والري في اليمن.


مقالات ذات صلة

ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

خاص قام أفراد المجتمع بزراعة أكثر من مليون شجيرة في متنزه ثادق السعودي لإصلاح الأراضي المتدهورة ومعالجة التصحر (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)

ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

مع اقتراب انعقاد «كوب 16» يترقّب العالم خطوات حاسمة في معالجة أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض.

آيات نور (الرياض)
أميركا اللاتينية أطفال يمشون على شريط رملي في طريقهم إلى المدرسة في مجتمع سانتو أنطونيو في نوفو أيراو، ولاية أمازوناس، شمال البرازيل، 1 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

الجفاف في منطقة الأمازون يعرّض نحو نصف مليون طفل للخطر

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يوم الخميس، إن ندرة المياه والجفاف يؤثران على أكثر من 420 ألف طفل في 3 دول بمنطقة الأمازون.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
يوميات الشرق تغير المناخ يرفع درجات الحرارة إلى مستويات جديدة خطيرة (أ.ف.ب)

تقرير: مستويات قياسية من الوفيات المرتبطة بالحرارة في عام 2023

حذّر تقرير جديد أعدّه مجموعة من الأطباء وخبراء الصحة من أن تغير المناخ يرفع درجات الحرارة إلى مستويات جديدة خطيرة، كما يفاقم مشكلة الجفاف والأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)

بعد 6 سنوات من الجفاف... المغاربة يروون عطشهم من مياه البحر

بدأ سكان قرية سيدي بوشتة المغربية يروون عطشهم بمياه المحيط الأطلسي بعد تحليتها بفضل محطات متنقلة.

«الشرق الأوسط» (بدوزة (المغرب))
بيئة انخفاض منسوب المياه في بحيرة مورنوس الاصطناعية بعد الجفاف (أ.ف.ب)

​في اليونان... الجفاف يعيد إظهار قرية غمرتها المياه قبل عقود

عاودت مبانٍ مهجورة في قرية كاليو الغارقة وسط اليونان الظهور أخيراً بعد انخفاض مستوى بحيرة سدّ تشكّل خزان المياه الرئيسي لأثينا بسبب موجة جفاف تطال البلاد.

«الشرق الأوسط» (أثينا)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.